عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 27-11-2022, 04:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المنهج النبوي في مواجهة التحديات العقائدية للشباب

المنهج النبوي في مواجهة التحديات العقائدية للشباب (3)




ما زال حديثنا مستمرا حول منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - في مواجهة التحديات العقائدية للشباب، وذكرنا من ذلك: غرس العقيدة الصحيحة في نفوس الشباب، وذكرنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طبق ذلك من خلال وسائل عملية، أولها: تعليمهم الإيمان منذ الصغر، تعليم الحسن وغيره بعض الأدعية، ثانيًا: التوضيح والبيان، وذلك من خلال ضرب الأمثال، واستخدام وسائل الإيضاح، والقصص، وإجابة التساؤلات، وإثارة الانتباه واغتنام الفرص، والمتابعة وتقويم الأخطاء وذلك من خلال التعاهد بالوصية، وامتحان إيمان الشباب، وامتحان صبر الشاب، وذكرنا كذلك منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - في تقويم إيمان الشباب، واليوم نتكلم عن منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - في تحصين إيمان الشباب.
(1) الحث على التمسك بالكتاب والسنة
الإيمان في قلوب الشباب ليس أمرا ثابتا، لا يزول، ولا يحول، ولا ينقص ولا یزید، بل هو معرض للنقص والزيادة، وفوق هذا فإنه معرض أيضا للزوال بالكلية من القلب، فيعود الإنسان إلى الضلال بعد الهدى، وإلى الكفر بعد الإيمان -أعاذنا الله من ذلك-، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خشي على شباب الصحابة - رضي الله عنهم - من نقص الإيمان وزواله، بسبب التحديات التي تتمثل في الفتن التي يتوقع مواجهتها في حياتهم.
ولقد نبه الرسول - صلى الله عليه وسلم - شباب صحابته إلى شيء من هذه الفتن بأحاديث كثيرة، منها ما ورد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه»، فمن وجد منها ملجأ أو معاذا فليعد به، وعن أسامة بن زید - رضي الله عنه - قال: أشرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أطم من آطام المدينة، فقال: «هل ترون ما أرى؟ إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم: كمواقع القطر».
صيانة عقائد الشباب
ولما كانت الحال كذلك فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يترك عقائد الشباب نهبًا لهذه الفتن، فقد حرص صلى الله عليه وسلم على صيانة هذه العقيدة وتحصين هذا الإيمان بأمور كثيرة من أهمها الحث على التمسك بالكتاب والسنة، ومن التوجيهات النبوية في ذلك ما يلي:
ألا إنها ستكون فتنة
عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ألا إنها ستكون فتنة»، فقلت: وما المخرج منها یا رسول الله؟ قال: «كتاب الله، فيه نبأ ما كان قبلكم، وخير ما بعد كم، وكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقیم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ}، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقیم». ففي هذا الحديث توجيه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للشاب علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بالتمسك بكتاب الله -سبحانه وتعالى- وقت الفتن، وزاده أيضا ترغیبا بالتمسك في هذا الكتاب العظيم ببيان شيئا من خصائصه.
(2) التمسك بالكتاب والسنة
ومن توجيهاته - صلى الله عليه وسلم - في التمسك بالكتاب والسنة للسلامة من الضلال، والنجاة من التحديات قوله: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله، وسنة نبيه».
وعن العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل: إن هذه موعظة مودع، فبماذا تعهد إلينا يا رسول الله، قال - صلى الله عليه وسلم -: «أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبد حبشي فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرة، وإياكم ومحدثات الأمور، فإنها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ».
التحذير من أماكن الفتن
قد تتمثل التحديات التي تواجه الشباب في عقائدهم في أماكن معينة، ولذا فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يغفل هذا الجانب، فقد حذر صحابته - رضي الله عنه - بعض الأماكن التي يتعرضون فيها للفتنة في دينهم، ومن ذلك على سبيل المثال ما ورد في حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: «يا أنس، إن الناس يمرون أمصارا، وإن مصرا منها يقال له البصرة أو البصيرة، فإن أنت مررت بها، أو دخلتها فإياك وسيباخها وكلاءها، وسوقها، وباب أمرائها، وعليك بضواحيها، فإنه يكون خسف وقذف ورجف، وقوم يبيتون يصبحون قردة وخنازير». في هذا الحديث تحذير من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدم المجيء إلى أماكن الفتن التي تكون سببا في نزول العقوبة على أصحابها.
التوجيه بالهروب من أماكن الفتنة
وقد يتحول المكان الذي يوجد فيها الإنسان إلى مكان فتنة في الدين، فهنا يوجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للخروج من هذا المكان بعد عن الفتنة، كما في حديث أبي بكرة - رضي الله عنه -: «إنها ستكون فتنة يكون المضطجع فيها خيرا من الجالس، والجالس خيرا من القائم، والقائم خيرا من الماشي، والماشي خيرا من الساعي» قال: يا رسول الله، ما تامرني؟ قال: «من كانت له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه، قال: فمن لم يكن له شيء من ذلك؟ قال: «فليعمد إلى سيفه، فليضرب بحده على حرة، ثم لينج ما استطاع من النجاء».
في هذا الحديث بيان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لشدة خطر الفتنة، وتوجيه منه - صلى الله عليه وسلم - للهرب منها، والبعد عنها، ومن ليس له مكان يلوذ به ويهرب فيه عن الفتنة فعليه أن يكسر حد سيفه كناية عن البعد عن القتال في الفتن.
وقد تتمثل الفتنة في مركز عملي أو منصب وظيفي، يكون سببا في هلاك الشاب في دينه، وقد حذر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من طلب المناصب لمن لا يقدر عليها، وليس أهلا لها، فعن عبدالرحمن بن سمرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا عبدالرحمن، لا تسأل الإمارة؛ فإنك إن أعطيتها عن مسألة أكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها؟».
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها».
ومن كان حريصا على الإمارة وسعى لتحصيلها، فإن ذلك يكون نقصا له في دينه، فقد يتنازل عن شيء منه للحفاظ عليها، والحكمة في أنه لا يولى من سأل الولاية هي: أنه يوكل إليها، ولا تكون معه إعانة، وإذا لم تكن معه إعانة لم يكن كفئا، ولا يولى غير الكفء. ولأن فيه تهمة للطالب والحريص.
وحديث أبي ذر أصل عظيم في اجتناب الولايات ولا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية، وأما الخزي والندامة فهو في حق من لم يكن أهلا لها، أو كان أهلا ولم يعدل فيها، فيخزيه الله يوم القيامة، ويفضحه ويندم على ما فرط.
(3) التحذير من الخوض في الشبه
ما أكثر الشبهات التي تورد على الشباب في كل زمان ومكان! فما لم يكن عندهم الحصانة الإيمانية والعلم الكافي، فإنه يخشى عليهم من ضعف أو شك في إيمانهم. والبعد عن مكان الفتنة وعدم الخوض فيها أسلم مهما كان لدى الشباب من الإيمان والعلم. ومن حرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سلامة عقائد الشباب فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يحذرهم من الخوض فيها، كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يزال الناس يسألونك يا أبا هريرة، حتى يقولوا: هذا الله، فمن خلق الله؟».
بيّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي هريرة فتنة محتملة سيواجهها في مستقبل عمره، وكان - صلى الله عليه وسلم - قد بين في حديث آخر ما يقال عند ذلك بقوله: «فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله».
وقد حصل ما حذر منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستفاد أبو هريرة - رضي الله عنه - من الدرس السابق، كما يقول: «فبينما أنا في المسجد؛ إذ جاءني ناس من الأعراب؛ فقالوا: يا أبا هريرة، هذا الله، فمن خلق الله؟ فأخذ حصی بكفه فرماهم. ثم قال: قوموا، قوموا، صدق خلیلي».
وهذا الإخبار والتوجيه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للشاب أبي هريرة - رضي الله عنه - يعد من دلائل النبوة؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخبر عن أمر لم يحصل بعد، وحصل على الوجه الذي أخبر به.
رابعًا: التحصن بالعمل الصالح
لم يكتف النبي - صلى الله عليه وسلم - لتحصين إيمان الشباب في إطار مواجهة التحديات العقائدية للشباب بالحث على التمسك بالكتب والسنة، وبالتحذير من أماكن الفتن، والتحذير من الخوض في الشبه، بل أضاف إلى ذلك حثهم على التحصن بالعمل الصالح؛ لما فيه من النفع الكبير لسلامة عقائدهم، وتجاوز التحديات التي تواجههم، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بادروا بالأعمال، فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا في هذا الحديث يحث الرسول - صلى الله عليه وسلم - على المبادرة بالأعمال الصالحة قبل تعذرها والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة، المتكاثرة، المتراكمة كتراكم ظلام الليل المظلم لا المقمر، ووصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نوعا من شدائد تلك الفتن، وهو أن يمسي مؤمنا، ثم يصبح كافرا، أو عكسه، وهذا لعظم الفتن يتقلب الإنسان في اليوم الواحد هذا الانقلاب.
ومن بادر بالأعمال قبل حصول الفتن، فإنها تسهل عليه وقتها، وتكون سببا في نجاته منها، كما يرغب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأعمال وقت الفتن، كما في الحديث الذي يرویه معقل بن يسار) - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «العبادة في الهرج كهجرة إلي»؛ وذلك لأن ينشغلون عنها، ولا يتفرغ لها إلا الأفراد.
وفي بيان أثر العمل الصالح على سلامة الفرد من عقيدته، ما ورد في وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم - لابن عمه الشاب ابن عباس -رضي الله عنهما-: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك...»، فإن حفظ العبد ربه يستلزم طاعته في أوامره، يستلزم القيام بالعبادات على وجهها، كإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا، وفعل من تيسر من نوافل العبادات؛ فإن نتيجة ذلك حفظ الله لعبده، ومن أجل ذلك حفظه في عقيدته، وسلامته من الفتن والتحديات التي تواجهه.


اللجنة العلمية في الفرقان

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.63 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.49%)]