عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-11-2022, 03:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,550
الدولة : Egypt
افتراضي رد: آداب وسائل الاتصال الحديثة

آداب وسائل الاتصال الحديثة (2)

محمد زاهد أبو غدة






البحث عن المعلومات وتغير وسائل المعرفة

لقد أسلفنا أن الهاتف تحول من جهاز اتصال عن بُعد إلى جهاز يطل الإنسان منه على عالم رحب لا حدود له بل ويتوسع في كل دقيقة، وصار المرء يصل فيه خلال ثوان إلى معلومات كانت في السابق حكراً على أخص المختصين، ورغم أن البحث عن المعلومات والحصول عليها لا يندرج بالضرورة تحت موضوع الآداب إلا أنني استحسنت أن أتطرق إليها لعلاقتها بآداب استعمال الهاتف ووسائل الاتصال الحديثة.

وقد أظهرت الدراسات أن البحث في الشبكة يختلف من حيث موضوعه من بلد إلى آخر، ومن شريحة عُمرية إلى أخرى، كما يختلف اختلافاً بيناً ما بين الرجال وبين النساء، وسنقتصر هنا على الحديث باختصار عن البحث عن المواضيع الدينية والطبية والتربوية الاجتماعية.

البحث الديني في الفتاوى

والبحث الديني يكون عادة عن فتوى في قضية تواجهنا لا نعرف حكمها الشرعي، أو قضية أفتانا فيها مفت ونريد أن نعلم الآراء الأخرى التي قد توجد بصددها.

وفي هذه الحالة ينبغي الاسترشاد بالمواقع الموثوقة التي تقوم عليها جهات أو أفراد معروفين بالعلم الرصين والتَّجرد عن الأهواء، وبالوسطية والبعد عن الإفراط في التشدد، أو التفريط في مقاصد الشريعة، وعلينا أن نترك المواقع المعروفة بتتبعها الشاذ من الآراء، أو تلك القائمة على إبراز شخص بعينه بصورة قائمة على الإطراء والتمجيد البعيدين عن روح الإسلام ومنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في التواضع والتقوى وكره الخيلاء والدعاوى العريضة الفارغة.

وأنصح في هذه الحال بمراجعة مواقع وزارات الأوقاف أو الأزهر الشريف فهي تتضمن أغلب ما يبحث عنه المستفتي أو الباحث، وهي صادرة عن علماء أجلاء أهل للفتوى وعارفين بملابسات قضايا الطلاق والزواج والعدة والميراث والقرابة وغيرها مما تدور حولها أغلب المراجعات في الفتوى.

ولا بد أن نحذر أن البحث على الشبكة لا يغني عن مراجعة عالم شرعي موثوق في علمه ودينه، وعرض القضية عليه وأخذ الحكم الشرعي منه، لأن القضايا الاجتماعية تختلف في تفاصيلها وتبعاتها اختلافاً واسعاً، ولا يستطيع ردها إلى أصولها الفقهية إلا عالم متمرس ذو دربة بالفتوى والأحكام، فلا ينبغي أن يُبنى على بحث في الشبكة أمر يتعلق بالأحوال الشخصية أو العلاقات الاجتماعية.

وهناك أمر آخر يعضد ما سبق، وهو تباين الآراء على الشبكة في كثير من القضايا التي نريد أن نستفتي بشأنها، وهو تباين يضيق حيناً ويتسع أحياناً، ولا يستطيع خوض غماره إلا أهل الاختصاص الخبراء بمواضع الخلاف، ويحتار بل ويضيع فيه غيرهم مهما كانوا أصحاب علم في علوم أخرى.

بحث المواضيع الدينية

والجانب الآخر للبحث في المواضيع الدينية هو البحث حول أمر نريد معرفته أو مسألة غامضة نجليها، مثل تفسير آية قرآنية أو معرفة سبب نزولها، أو درجة صحة حديث شريف أو رواياته المتعددة أو مناسبته أو معناه والأحكام المترتبة عليه.

وهذه الحالة كذلك تقتضي أن يبحث الإنسان في المواقع التي تعرض كتب التفسير العريقة الموثوقة، وأما ما يتعلق بالأحاديث النبوية الشريفة ومدى صحتها ومناسبتها والأحكام التي تُبنى عليها، فعلى المرء أن كذلك أن يراجع في شأنها الشروح المعتمدة للحديث أو مواقع العلماء المعاصرين الذين عُرفوا بتمرسهم في تصحيح الحديث وتضعيفه، وأولئك الذين التفتوا لشرح الأحاديث النبوية وتفرغوا لها، فصاروا أصحاب الاختصاص بهذا الشأن، يعرفون كل حديث يندرج تحت هذه القضية، ويستطيعوا أن يحكموا عليه بالصحة والضعف، وإن كان ناسخاً أم منسوخاً، أو كان قاعدة عامة أم استثناء غير منصوص عليه.

البحث الطبي

أما البحث في الشبكة عن الأمور الطبية، فنريد الإشارة إلى أن الشبكة تزدحم بالمواقع التي تقدم علاجات وهمية كاذبة تقوم على الأعشاب الطبيعية، ولكونها طبيعية فهي تبهرج نفسها على أنها أقل ضرراً من الأدوية المصنعة وأكثر نجاعة منها، وهذا قد يكون صحيحاً في استثناءات نادرة، إلا أن الملاحظ الملموس أن هذه المواقع في أغلبها إما تجارية تستثير خوف الباحث من الأدوية الكيماوية حتى يشتري منتجاتها وخدماتها، أو تسوقه للعلاج عند المشعوذ الفلاني الذي تجعله صنو المسيح بما أجراه الله على يديه، وأحياناً نجد على الشبكة وصفات وعلاجات غير تجارية، ولكنها قائمة على التخرص ونقل ما ورد في الكتب القديمة التي لا يعرف لها مؤلف أو أصل صحيح في كثير من الأحيان.

ويزداد تأثير هذه المواقع سوءاً عندما تتعلق علاجاتها المزعومة بالأمراض المستعصية أو الميؤوس من شفائها في العادة، مثل بعض أمراض السرطان والعيون والأعصاب، فالمريض ومن حوله يتعلقون بهذه الأوهام، ويعتقدون ألا ضرر من تجربة هذا الدواء أو ذلك العلاج، ولكنهم في تعلقهم بالأمل الكاذب ينصرفون عن مواجهة الحقيقة المرة، وفي أغلب الأحيان ينتج عن ذلك تضييع لمصالح المريض أو أهله أو ورثته، بل قد رأينا بعض المرضى يتركون أو يهملون العلاج الطبي المعتمد، وذلك من تلقاء أنفسهم أو بإيعاز من هؤلاء المشعوذين المنتحلين، فيعود ذلك بالضرر الشديد عليهم والنفع المادي البالغ على أولئك.

ويتذرع بعض هؤلاء لترويج دعاويهم بأمثال الحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام أحمد عن أسامة بن شريك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تداووا عباد الله، فإن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله، إلا الموت والهرم. ولكن المريض مطالب أن يتداوى بأفضل ما أتاح له الله من دواء مجرب على أيدي الخبير الصادق، وعلى المريض ألا يلقي بنفسه وذويه في التهلكة باتباع الوهم والظنون فإن الظن لا يغني من الحق شيئا.

البحث في القضايا التربوية والعلاقات الشخصية

أما البحث في الشبكة عن مسائل الأمور التربوية والعلاقات الشخصية، فهو في مجمله من الفوائد التي عادت بها الشبكة على الآباء والأولاد والشباب، لأن تراثنا الإسلامي يفتقر للمؤلفات العلمية أو العملية المتعلقة بمشاكل التربية، وذلك إذا استثنينا بعض مؤلفات الإمام الغزالي وابن الجوزي رحمهما الله تعالى، وليس سبب ذلك تقصيراً من أجدادنا الأفاضل، بل سبب ذلك أن مجتمعات العالم إبان ذلك الوقت كانت في عزلة عن بعضها البعض، وكانت القيم والتقاليد الإسلامية أساس مجتمعات الاجداد، محترمة في المنزل والشارع والسوق، تتوارثها الأجيال ويعيش في ظلها الوارف الكبير والصغير، وتضمن للمجتمع استقرار مساره وسكينة أفراده.

ثم جاءت الغزوات الاستعمارية وخلب التفوق التقني عقول بعض المتنفذين في المجتمعات العربية والإسلامية، وظنوا أن المدخل إلى التقدم يكون عبر اعتناق القيم الاجتماعية الغربية التي عاشت عليها وروجت لها القوى الاستعمارية، فاتجه هؤلاء المبهورون بالبلاد والعباد يمنة ويسرة، فوقع الاضطراب الاجتماعي نتيجة لتضارب القيم وتعارض النزعات، فأضحت مجتمعات المسلمين مشوشة الشخصية مضطربة المسار، وأصبحت العلاقات الشخصية والتربوية فيها أشبه بالملاحة في البحار الواسعة منها بالسير على الطريق الواضحة في اليابسة، وصار لا بد لأفراد المجتمع من تعلم مهارات جديدة وتأسيس مبادرات محمودة للعودة بالمجتمعات الإسلامية إلى الاستقرار الضروري للتقدم المنهجي البنّاء.

وجاء توسع آفاق المعلومات مع انتشار الشبكة ليضيف عبئاً آخر وتحدياً أصعب لما يواجهه الآباء والمربون في تربية الناشئة، وليسوا في ذلك وحدهم، بل واجهت الناشئة كذلك تحدياً شديد الوطأة في بناء العلاقات الاجتماعية ضمن نسيجها ذاته، وكذلك مع من هم خارجه من أركان المجتمع مثل الوالدين والأقارب والمدرسة والحكومة.

وقد مرت على المجتمعات الإسلامية فترة طويلة وهي تعاني من الأمراض الاجتماعية التي سبَّبها انفصام وانفصال لحمتها الاجتماعية، وفي السنوات القليلة الماضية انتدب عدد من المختصين والخبراء أنفسهم للبحث عن حلول لما يواجهه الجميع، وبنوا ذلك على أسس تربوية إسلامية، وقدموا إنجازاتهم على صور دراسات للخاصة، ثم أخرجوها للعامة في صورة نصائح عملية مبسطة مسموعة ومرئية، فاستحقوا بذلك شكر الأمة وتقديرها.

ومن هؤلاء فقط ينبغي استقاء النصح والإرشاد، لأنهم تحلوا بالإيمان القويم، وجمعوا بين قيم الإمة وتقاليدها وبين الأساليب التربوية المناسبة للإبحار في بحر الحياة الذي أضحى غائماً مزبداً محفوفاً بالتوتر والمخاطر، ولمثل هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أبو داود عن أبي سعيد الخدري: لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي. والانسياق وراء غير المؤمن الناصح لن يؤدي إلا لمزيد من التوتر في العلاقات والتشويش في الفكر والاحتراب المجتمعي الوخيم.

وهنا أيضاً ينبغي التمييز بين الغث والسمين، وبين الخبير والمدعي، فقد أضحت هذه الساحة سوقاً قصده كثير من المتربحين والمفسدين يروجون فيه سلعهم الزائفة على حساب صحة المجتمع وسلامة بنيانه، نسأل الله أن يتولانا وأهلينا بحفظه ورعايته.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.36 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.83%)]