عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 06-10-2022, 06:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,636
الدولة : Egypt
افتراضي رد: إشكالية الكتابة النسائية بين القبول والرفض

إشكالية الكتابة النسائية بين القبول والرفض


د. صفاء درويش




مِن هنا نستشفُّ أن التمايز ليس حبيس الاختلاف الجنسي، بل طريقة الكِتابة، ومُعالَجة المواضيع هي مقياس التمايُز عند الكاتبة، التي تَعتمِد لغتها الخاصة، إلى جانب الرجل.

كما بيَّنت خديجة أميتي، أن" الكتابة لا تخصُّ الذكور، بل قد تكون بأقلام نسائيَّة؛ لأنه مرتبِط بالثَّقافة وليس بالجنس، هذا لا يَعني تبنِّينا لنظرة "نسوانية" مُنغلِقة، بل الإقرار بوجود نمط مختلف من التعبير والكتابة، تتناول فيه المرأة الكلام عن نفسها دونما حاجة أن يقوم الرجل بذلك نيابةً عنها"[19]، فالكاتبة بيَّنت كغيرها من النقَّاد أن للمرأة الحقَّ في الكتابة والتعبير عن موهبتِها وما تُحسُّ به اتجاه مُجتمعها.

تؤكِّد يُمنى العيد أن المرأة أضافت لمستَها إلى جانب الرجل بطريقتها الخاصة، فقد أقرَّت "أن إسهام المرأة في الحقل الأدبي أضفى سمات جديدة على الأدب، وتضمَن علامات دالَّة جعلت الأدب يتجاوَزُ السائد مِن المَضامين، والمألوف من الأشكال، وهي تُثبِت أنَّ أدب المرأة يتميَّز بنوع من الخصوصية.."[20]، هذه الخصوصية تأسَّست "على مُستويات مُتعدِّدة، بما هو مؤشِّر هامٌّ على حضور الذات وامتلاكها لصوتها المتميز.."[21].

تُعتبر الآراء السابقة نابعة من دراسة العمل النسائي الذي توصَّل من خلاله النقَّاد إلى الإقرار بوجود خصوصية، وتمييز بين كتابة الرجل والمرأة؛ كل انطلَقَ مِن مبادئه وطريقة تعامله مع الظاهرة، وإلى جانبهم نَذكر كاتبة لم تتوصَّل لهذا التمايز انطلاقًا من دراسة، بل من عملها وإبداعها الخاص، وهي نتيجة لم تَعترِف بها في البداية، ولكنها اكتشفتها مع كتابتها ومقارنتها بين عملها وعمل الرجل، فقد أعلنت رفضها في البداية، إلا أنها غيرت موقفها بإقرارها المساواة بين الرجل والمرأة بعد إصدار مجموعتها الأخيرة "الشيخوخة وقصص أخرى"سنة 1986؛ حيث "أدركت أن رجلاً ما لا يستطيع أن يكتب مثل هذا الكتاب، وأصبحتُ على استعداد للإقرار بأني أكتُبُ أدبًا يَختلف عن ذلك الذي يَكتبه الرجل، يتَشابه معه في ذات الحين؛ من حيث إنه يَندرِج في التراث الأدبي، يُغنيه ويُثريه"[22]، اعتراف حيٌّ لمُبدعة أحسَّت أن طريقة كتابتها تَختلف عن كتابة الرجل انطلاقًا مِن المواضيع والأساليب، وطبيعة النظر للأمور، فهي من أنصار المَوقِف المؤيِّد لوجود كتابة نسائية.


ومِن الأقلام التي أيَّدت تميُّز الكتابة النسائية حميد لحميداني بتركيزه على جانب المعاناة بقول: "إن نسبة معالجة وضع المرأة وحالة القهْر التي تُعانيها كانت تَبرز أكثر في الكتابات النسائيَّة أكثر مما تَبرز في الكتابات الرجالية، والمسألة هنا لا يُمكن أن تفسَّر إلا بالوضع الخاص الذي تعيشُه في ظلَّ القوانين والضوابط المطبَّقة في العالم العربي، وهي في أغلب الأحوال قوانين وتشريعات وضوابط غير موجَّهة ومُثمرة عمليًّا لكي تكون في جانب المرأة كما هي في جانب الرجل"[23].

إنه إقرار آخر للمرأة تأكيدًا عما عانتْه، وأنها تميَّزت في وصف جانب المعاناة حتى التصَقَ بها، فكانت براعتها في وصف جوانب الألم والمعاناة جعلها تَطفو على السطح، فابتدأت بوصْف معاناة الشعوب المُستعمرة، وآلام المرأة الظاهرة والخفية، مما جعَلها تَستنهِض هِمَمها لتُخرجها من جهلها، متوجِّهة إلى أولئك النسوة الجاهلات، فكانت المحفز لهنَّ، والمعبِّر عن هُمومهنَّ بقلمها؛ لأنَّ "الكتابة أحفظ لهذا اللسان وأبقى لذلاقته باللفظ الحسن والعبارة، والفكرة الصائبة في صحبة القلم تختصر المرأة المسافات، وتهتك حجاب المَمنوعات، وتُفصح عن المكنونات، في هذه الوريقات وبيان عبارات، عاشت في صَدرها، ونمتْ في فِكرها، وأينعت بتجربتِها، فكان وسيلتها للتعبير عن ذاتها البوح بسرِّها، والصراخ بقلمها، معلنة عن ميلادها، مؤكِّدة لحضورها، محرِّكة للمنسي من أخبارها بوعي وإدراك وتبصر وإحقاق، وعلى الرغم من طموح الخطاب النسائي إلى امتلاك منصَّة تُترجم حقيقة الوجود الفعلي للمرأة ككيان إنساني يتفاعَلُ ويَنفعِل مع نفسه ومع مُحيطه، فإنه لا يزال يُصارع من أجل ذلك في السرِّ والعلن..."[24]، فقد حاول أصحاب هذا الفريق جاهِدين الرفعَ مِن قيمة القلم النسائي، وتمييزه على مستوى المواضيع، وطريقة الصياغة بين الكاتبة، وبقية الكتاب الآخرين سواء من جنسِها أو مِن الجنس الآخر، فخلقْن "نصًّا واحدًا يأخذ تلوينات متعدِّدة، ينحتْنَ نصًّا متشابهًا يتكرَّر جوهرُه، الكتابة تلي فعل البوح، بوح الذات وعذاب الذات والنساء حين يكتبْن عن ذواتهنَّ وحرقتهن وشوقهن وتطلُّعاتهنَّ إلى إثبات حضورهنَّ وتكديس كينونتهن فالكتابة في أبسط تجلياتها هي حركة دائمة ومتجدِّدة نحو هدْم وتثوير الواقع المادي، وهي حركة نحو ابتداع واختلاق واقع مُتخيل وحياة افتراضية يتحقَّق فيها التوازن النفسي والتكامل الإنساني، هكذا تصوغ المرأة المُبدعة عبر الكتابة حياتها الجديدة وولادتها الجديدة للامتِداد في الواقع الإنساني الرحب، الواقع الذي ألغى وجودها وركنها في الظل، اليوم تعلن النساء العصيان والتمرُّد على سلطة المجتمع" الأبيي" وتتوسَّل الكِتابة والإبداع لاقتباس أسرار الرُّؤيا والانعتاق مِن أسْر العتمة المُطبقة وأشكال الحصار"[25].

كما أقرَّ توفيق مصباح بوجود كتابة نسائيَّة ترصُد لنفسِها ميزة خاصَّة تَجعلُها تغوص في أعماق المرأة وأهممشاكلها، ومِن ثم أُطلق عليها "الكتابة النسائية"؛ لأنَّها تركز وتصرِّح بمشاكل المرأة، ففرضت شخصيتها وأصبحت كتابة مُعترفًا بها عند بعض الدارسين والباحثين من مثل:
عميد جامعة المولى إسماعيل في كلمته الملقاة إبان افتتاح أشغال الندوة التي نظَّمتها شعبة الإنجليزية وآدابها بكلية الآداب مكناس في موضوع: "المرأة والكتابة"؛ حيث قال: "إنَّ الحديث في المرأة كان يُعتبر في وقت من الأوقات، لا أقول جرمًا، بل أمرًا مكروهًا أو مستهجنًا، وكانت لفظة المرأة في حدِّ ذاتها تقرن بالصفات التي تعني المحاشاة والتحاشي، ووصلنا اليوم إلى وضع أصبح للمرأة فيه وجود مشاهَد ملحوظ، وأصبح الاهتمام بالمواضيع التي تتطرق إليها المرأة اهتمامًا يشكل مشغلة عديدٍ من الهيئات والجمعيات والمؤسَّسات"[26]

لقد أصبح إبداعها يحقِّق النقد ويطرح العديد من الأفكار السابقة، وهذه ليست النهاية بل النجاح يَستوجِب دائمًا المواصلة والحفاظ عليه بالدرجة نفسها، وهذا ما أكسبها "عنادًا جميلاً في البحث الجاد عن مناجم كتابية خاصَّة تنتج لها الحفر في عتمتها لإيجاد كوة ضوء تشعل في دهاليز ذاتِها الفرح ونار الإحساس بإنسانية الإنسان، كقيمة وروح ليس فقط حبسه الشهوة والإغراء والتشيئ"[27] ولتحافظ أيضًا على الاهتمام الذي حظيت به، والتميُّز الذي حصلت عليه بعد جهد جهيد، فرغم الاختلاف في الآراء وطريقة التعامل مع إبداعها؛ إلا أنه أكسبها ثقة ورغبة في الإبداع، "فالتركيز إذًا على إبداع المرأة يُقارب عدة واجهات يتداخَل فيها الإبداعي بالاجتماعي والسياسي بالاقتصادي والفني؛ إذ نقرأ من خلال هذا التراكب واقع الوعي العربي الراهن وما يُعرف مِن مستجدات في التغيير والتحوُّل، كما نترصَّد حدود وعي المرأة بأدوات الحوار والإنتاج، فمِن خلال شكل معمار متخيلها نقرأ مظاهر تحرُّر وعي المرأة من نمط العلاقات السائدة، وفي نفس الوقت نقرأ ملامح التطور الذي يعرفه الإيقاع الحضاريُّ للمُجتمع"[28].

يتَّضح من خلال هذا النص أن زهور كرام تطالببتحرُّر كتابة المرأة وتقبُّل المُجتمع لموهبتها، فإبداعها تحرر من عدة قيود وانفتاح على عالم آخر، تَمتشق منه الجديد لتُطوِّر إبداعها وتَصقل موهبتها أكثر، وتجعَل مِن آلياتها تتميَّز أكثر فأكثر، فهي إنسان مبدع خلاق، وموضوع متميز تسارعت على الحديث عنه العديد من الأقلام النثرية والشعرية؛ تدعيمًا لها وإشادة بها وباختلافها ثقافيًّا وفنيًّا، وإذا كان الشعراء القدامى وغيرهم قد نظموا أشعارًا كثيرة في وصف جمالها مُبرزين تأثير النساء عليهم، فإن عددًا كبيرًا من الدارسين اعترفوا بتميُّزهن ليس على مستوى جمال الجسد فقط، بل في مجالات عديدة، فمنهم عبر بالنثر عن خصوصيتها وكتابتها، وآخرون عبَّرو بالشِّعر، ومنهم عبدالواحد أخريف مشيدًا بثقافة وأخلاق المرأة المغربية، قائلاً:
بنت المروءَةِ والعَفاف البادي
حُيِّيتِ في شِعري وفي إنشادي

سارت بذكرِك في الوجود فضيلة
هي خيرُ ما في أرضِنا مِن زاد؟

رقَّت شمائلك اللطاف فصوَّرت
منكِ النموذج في هُدى ورَشادِ

عقل يصونُ عن المَباذِلِ والخَنا
ويقومُ سدًّا ضدَّ كلِّ فَسادِ

بسناه أضحى كلُّ صعب هيِّنا
وبه نفَذت لما ورا الأبعادِ

أما المَعارفُ في ذُرى عليائها
فلقد سموتِ لها معَ الأَندادِ

حقٌّ لك التعليم يا أختَ الحِجا
الشرع ضامِنُه مَدى الآباد[29]


ومن الشعراء أيضًا نذكر محمد بنبين موجهًا نصيحتَه للمرأة، بأن تُحافظ على عِلمها وجَمالها، وتُحافظ على القيمة والوضع الذي وصلَت إليه قائلاً:
فجمال الفتاة في العلم والعفْ
فَةِ تاجٌ يَزيدها إكبارا

مثِّلي دورك الجدير بإتقا
ن ينَلْ شعبُك الأبيُّ انتِصارا

واكتُبي في صحيفة المَغرب الأَق
صى الذي يُكسب الفتاة فخارا

واحفَظيها نصيحةً لكِ مِن قَلب
أديبٍ يُهدي لك الأشعارا[30]


هي نصائح وتوجيهات ساعدتْها على تخطِّي عدَّة صعوبات، كما أن مُساندة الرجل لها، ورفعه من معنوياتها، وانكبابه على أعمالها دراسةً وتحليلاً وتوجيهًا، يُعدُّ أحسن جائزة لها، فـ"الكتابة هي الوسيلة التي تدمج المرأة في المجتمع أو تُحدِّد علاقة المرأة بالمجتمع في حال كون هذه المرأة كاتبة، والحقيقة أن "الكتابة" هي العنصر الحاسم سواء كانت المرأة "كاتبة" أو "مكتوبة" بمعنى أنها موضوع الكتابة"[31]، فالكاتبة بينت أن ولوج المرأة مجال الكتابة دليل على اندماجها وسط مجتمعها، فتحولت من متفاعلة إلى فاعلة تعبِّر عن كلِّ ما تعيشه وتحس به.

من ثمة بين أصحاب هذا الموقف أن "مبدأ تَقسيم الكتابة لأصناف متنوِّعة، اعتمادًا على معايير علميَّة مَضبوطة، تفرضها منهجيَّة الدراسة، وتُزكِّيها مصداقية نتائجها، علمًا بأن ذلك لا يمسُّ ولا يَنبغي له أن يُمسَّ، لا وحدة الأدب، ولا خصوصيات الأصناف والتجارب الإبداعية المُنضوية تحتَه، لتَنحصِر بذلك أهدافه في حدود ما تسمَح به الطبيعة العامة لهذا النَّوع مِن الدراسة، المهتمَّة أساسًا بإبراز أهم الجوانب، الفنية والفِكرية، المشتركة بين مختلف أعمال كل صنف، دون إغفال علاقاتها بباقي أعمال الأصناف الأخرى، أو تجاهل لما بينها مِن تمايزات دقيقة معبِّرة"[32].

• المعارضون:
كان ذلك الجزء الخاص بالمؤيِّدين، فإذا كان الفريق الأول وقف بجانب المرأة وميَّز إبداعها، فما هو رأي الفريق الآخر؟ ومَن هم أنصاره؟ وما وجهة نظرهم المختلفة وحُجَّتهم في ذلك؟
الموقف الثانيالذي رفض تقسيم الكتابة إلى رجالية وأخرى نسائيَّة، ويُمثِّله عدد من الناقدات والكاتبات منهنَّ: فاطمة طحطح قائلة: "فقد قطعت المرأة العربية عمومًا والمغربية خصوصًا مراحل مضنية وعسيرة للخروج من ظلِّ التهميش الذي فُرض عليها تارة بالعمل، وتارة بالعلم والمعرفة، وتارة بالبحث والكتابة الإبداعية، عبر كل المنافذ التي تُوصِّلها إلى ضوء الحرية والعدالة الاجتماعية، لكنَّها رغم كل ما بذلته مِن مجهود شاقٍّ فإنَّ التهميش ما زال يُلاحقها حتى على مستوى المرأة المثقَّفة وما زال الاستخفاف بإنتاجها العلمي والإبداعي يتردَّد هنا وهناك مِن طرف بعض النقاد والمثقفين، بل هم مَن يَستعمل مصطلح "نسائي" لإظهار قصور الإبداع الخاص بالمرأة"[33]، يتَّضح من خلال قول الكاتبة أن المرأة حاولت جاهدة الخروج مِن الجَهل والقيود التي حاصرتْها ولسنوات، وبالرغم من ذلك ما تزال هناك أقلام معارضة، رافضة لهذه التسمية، من أمثال: خناثة بنونة، وفوزية رشيد، وغيرهنَّ ويمكن أن نضيف إليهنَّ نبيلة إبراهيم، ولأنَّ هذا المصطلح أثار جدلاً واسعًا وإشكالاً مُتكرِّرًا في الساحة الثقافيَّة، وهو إشكال مرتبط بمسألة تخصيص هذه الكتابة بالنسائية، خاصة وأننا لا نلجأ إلى هذا التخصيص عندما يتعلق الأمر بأعمال إبداعية رجالية، كما أن تصنيف هذه الكتابة جاء على أساس جنسي (امرأة / مقابل رجل) فكانت التسمية مرفوضة وغير مُستَساغة لدى الكثير من الباحثات والباحثين.

إن رفض هذا المصطلَح نابع من فكرة أن "الأدب واحد، لا يقبل التصنيف بناءً على معايير خارجية غريبة كليًّا عن كينونتِه، وأن ما يلاحَظ عادةً مِن اختلافات فنية وفكرية بين بعض الكتابات لا يعدو أن يكون مجرَّد تلوينات طبيعية، تشهد في مجموعها على دينامية هذا المجال الإبداعي وحيويته، ولا يُمكن اتخاذها أبدًا ذريعةً لأيَّة نمذَجة، غالبًا ما تَتجاوز وظيفتها الوصفية، لتكتسب دلالة معيارية إضافية تفقدها كل قيمة نقدية حقيقية، وتحولها لمجرَّد تصنيف تراتبي مرفوض"[34]، فـ"عبدالعالي بوطيب" وضَّح أن المرأة عندما كتبت لم تُمارس الإبداع ليوصَف بالنسائية، وإنما أبدعت تجاوبًا مع موهبتها التي صقلتها بالتعليم والممارسة والتجربة الإبداعية، ولتُصوِّر واقعَها بمنظارها الخاص؛ لا أن تكون منظارًا فقط يُنظر من خلاله، ولعل تصريحات المبدعات خير دليل على ذلك، ومن جملتهن: "نبيلة إبراهيم التي تجيز استخدام هذا المصطلح شريطة ألا يكون هذا حكمًا مسبقًا بأنَّ ما يَكتبه الرجل أرقى مما تَكتُبُه المرأة؛ لأن الأدب تعبير عن القضايا الإنسانية والاجتماعيَّة، والهموم الذاتية، ولا يَرتبط بجنس كاتب أو بطبيعة"[35].

يتَّضح من قول فاطمة طحطح أنها لا تدافع عن المصطلح بقدر ما تُدافع عن المواضيع التي يكتبها كلٌّ مِن الرجل والمرأة، على أساس أن التمايز بينهما يجب أن يكون علميًّا لا تَمييزيًّا، مبنيًّا على أسس جنسيَّة، فكلاهما متساويان في حقوق كثيرة أعطاها لهما الله عز وجل وأكَّدها العديد من الدراسين، منهم علال الفاسي؛ حيث قال: "فليس للرجل من حقٍّ لا تَملكه المرأة، أو ما يُقابله، وليس[*]يجب على المرأة إلا ما يجب على الرجل إذا تساوت المُهمَّات فالواجبات والمحظورات الشرعية يُخاطب بهما الرجل والمرأة، والثواب والعقاب متساوٍ فيالجزاء إذا تساوت في الأعمال"[36].

إن المرأة كانت ولا تزال كائنًا بشريًّا مُفكِّرًا وموجودًا بتعليمه وفكرِه، لذا فمن حقها التعلم والعمل والإبداع دون أن تُوضَعَ أمامَها عراقيل وإشكالات مزيَّفة تُعثِّرها عن بلوغ سيرها، أو تحدُّ من غزارة إبداعها، فهي والرجل يشتركان في صفة "إنسان"، وهذا الأخير " ذو إبداعات خلاقة ومُجددة، فلا يمكن أن تأتي جميع الإبداعات مُتشابهة أو مُكررة، فلا بدَّ من التجديد والتلوين والتغيير حسب ثقافة كل مبدع وبيئته وظروفه"[37]، هي الفكرة التي انطلقت منها كل مبدعة للخلق، والتي تُناضل من أجلها بغية حذف تلك التسميات التي لا أهمية لها، مع العلم أن الكاتبات لسن الوحيدات، ولكن أيَّدهنَّ في الرفض بعضُ النقاد؛ منهم عبدالنور إدريس قائلاً: "إن مسألة الإبداع لا تخضع للتصنيف الجنسي، فكتابة الرجل هنا لا يمكن أن نضعها مقياسًا للكتابة المُحتداة، وإلا أصبحنا نقيس كتابة المرأة كهامش بالنسبة لمركزية الرجل، فعندما تحصل المرأة على نفس الحُظوظ في المشاركة، في الحياة العامة وفي الإنتاج الفكري والمجال الحقوقي سيَصعب على الناقد الاحتفاظ بتمييز واضِح بين كتابة المرأة وكتابة الرجل"[38].

من هنا يتضح أن الكاتب رفض التصنيف، فليس من المفروض وضع كتابة الرجل مقياسًا للكتابة، وإلا ستصنَّف كتابة المرأة في الهامش؛ لأنه سبَقها بسنوات، فكلاهما يَكتبان ويُعبِّران عما يُحسِّانه كلٌّ بطريقته الخاصة.

ومن الأقلام التي عبَّرت عن الكتابة النسائية نذكر الشاعر عبدالواحد معروفي الذي عرَّفها بـ"كلِّ ما تَكتبُه وتُبدعه في عالم الفكْر والثَّقافة والأدب هو أدب أُنثوي، وإن تعدَّدت الأسماء والصفات، هذا المُصطَلح هو ضيِّق الرؤيا، ضيق التعبير، لا ينهض على أسس صحيحة، ولا يُثبِت صحَّته للمفهوم الذي يَرمُز إليه"[39].

كما بيَّن عبدالواحد معروفي أن أدب المرأة هو كل ما تبدعه في مجال الأدب والثقافة معترضًا على التسمية؛ لأنه يرى فيها تضييقًا للمعنى؛ ففعل الكتابة عنده أكبر من أن يُحدَّ بمصطلح، فالمفروض أن يحظى الأدب بالدراسة لا المصطلح، فهو يَعتبره إبداعًا له أهدافه دون الرجوع إلى جنسِه مؤكدًا ذلك بقوله: "الأدب هو أدب المجتمع الذي يَنبثِق منه أدب الأمَّة التي يَعيش فيها ويَستوحي مِن واقعها أدب العقول المُنتجة، والأفكار المدبِّرة، وبالتالي فهو أدب نسائي بغضِّ النظر عن جنسه ذكرًا كان أو أنثى، وما يشترط في الأدب هو الجودة والفائدة والتبليغ والتأثير والواقعية... إلخ، وهذا ما يدفعنا إلى الفصل بين الأدب الرجالي والأدب النسائي، ولا يَنفي صفة الإبداع أوالكتابة عن أحد الجنسَين؛ لأن الذي يجب معرفته هو أنَّ للمرأة تصورًا مُختلفًا عن الرجل في كلِّ لحظة وفي كلِّ شيء، وهذا لا يعني أنَّها أقل منه، بل يُثبت لها جرأتها في الموقف"[40]، حقيقة مُعترَف بها، فالعديد من النقاد يرون في الأدب أدبًا لا يَعتمد على التصنيفات الجنسية.

نذكر أيضًا الناقد والشاعر أحمد الدمناتي بقوله: "الأدب في عُمقه تساؤلات وجوديَّة وحياتيَّة تَنفتِح على مُمكنات القول والإبداع الناعس في تلافيف الجسد والذات تضاريس العالم والكون وعملية التصنيف (أدب نسائي / أدب رجالي) أظنه مجرَّد عملية وضْع حدود وهمية أو متاريس غير مجدية لا تصلح أن تكون في محراب الإبداع أبدًا، باعتباره فضاءً كتابيًّا غنيًّا ومُفعمًا بالصَّفاء والنقاء والبهاء، والتصالح مع الذات أيضًا، الأدب تراث إنساني خصب، سواء كتبتْه المرأة أو كتَبَه الرجُل، كلٌّ من زاويته يُضيف مساحات جمالية، واحتراقات إبداعية لرفوف مكتبة الفكر والثقافة والكتابة"[41].

ومن وجهة نظري فإن إبداع المرأة ظاهِرة صحيَّة، فهو لصالح الرجل والمرأة والأدب والمُتلقِّي بشكل عام كيفما كان اتجاهه أوثقافته؛ إذ سيُوجد في المكتبات وغيرها ما يُنمي الفكر ويفتَح آفاقًا واسعة بالدراسة والبحث، وللتعرف أيضًا على جوانب من واقعه بطريقة فنية؛ وهذا ما أكَّده حميد لحميداني بقوله: "إنه يسلب المرأة والرجل معًا خصائصهما الأخرى باعتبارهما صنفين متعاونين على قيام النوع الإنساني ونشاطه، والعمل على تقدُّمه واستمراريته بكل ما يتصل بدورَيهما مِن وظائف متباينة أحيانًا، ومتكامِلة ومُتبادلة في أحايين أخرى"[42]، فكلا الناقدَين حَرصا على عدم تمييز الكتابة حسب الجنس أو غيره.

• المحايدون:
هم أصحاب الموقف الثالث، الذين حاولوا أن يتحدثوا عن الإبداع دون الدخول في إشكالات التأييد والمعارضة، ومن جملتهم:
حسن المودن الذي ذكر لنا أهم المواقف الثلاثة، إلا أنه يَميل إلى المَوقف الثالث - على حدِّ تعبيرِه - قائلاً: "ونحن نَميل إلى هذا الموقف؛ لأنه يَستنِد إلى فلسفة الاختلاف، معتبرًا أن مِن حقِّ المرأة أن تُعبِّر حقيقةً عن ما تريد أن تَعنيه، وأن تقول ما يتعلَّق بهويتها وتجربتها التي تختلف جسديًّا وثقافيًّا ونفسيًّا ولُغويًّا عن هوية الرجل وتجربته، وأن تسمع صوتها المقموع والمكبوت والمستلب داخل لغة ليست لغتَها، وأن تحكي تجربتها وشعورها، وتنسج رؤيتها للعالم في أشكال فنية تتلاءم مع جسدها ونفسها وثقافتها ولغتها، وهذا ليس مستحيلاً إذا انطلقْنا مِن أن اللغة الإنسانية أغنى مما نَعتقِد؛ إذ يُمكنها أن تقول الرجال والنساء بشكل مختلف، ولتكن البداية بافتراض أن اللغة الأدبية السائدة هي ذكورية يَصنعها ويُراقبها الرجل، ومِن حق المرأة أن تقول وأن تكتب خارج مُراقَبة بعيدًا عن أشكاله الفنية ورؤاه الحياتية"[43]، موقف يَنظر إلى الإبداع باعتباره إبداعًا قدَّم الجديد دون الدخول في إشكالات العصر، ومُتبنِّيه يَحرِصون على إخراجه مِن دائرة التشابكات التي أحدثت مؤخرًا، فكل واحد يَكتُب بطريقتِه دون أن يُراقب الآخر أو يَضعه بمَثابة العدوِّ الذي يجب هزيمتُه بأشرس الطرق، ولا الضَّعيف الذي يَحتاج إلى يد العون والشفقة، على كل واحد أن يسير في طريقه دون أن ينظر إلى الآخر نظرة احتقار أو استهزاء؛ فكلاهما أساس المجتمع وعماده.

إن تعدد الآراء والمواقف لا يَنفي أهمية كتابة المرأة عبر عصور مضت، والإنجازات التي قدمتها في العصور الحالية، وما ستقدمه في المستقبل.


[1] الرواية النسائية المغاربية، بوشوشة بن جمعة، المطبعة المغاربية للطباعة والنشر، تونس، (ص: 7).

[2] السرد النسائي العربي، مقاربة في المفهوم والخطاب؛ زهور كرام، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2004، (ص: 23).

[3] السرد النسائي؛ زهور كرام، (ص: 24).

[4] المرأة والسرد؛ محمد معتصم، دار الثقافة، البيضاء، (ص: 7).

[5] إشكالية الصراع بين الرجل والمرأة في قصص هدى النعيمي رؤية تحليلية في المضامين؛ د. هيفاء السنعوسني، مجلة كلية الآداب الجديدة، العدد 6، سنة 2001، (ص: 23).

[6] الأدب النسائي، حقل أدبي جديد داخل حقل الأدب العربي المعاصر؛ مباركة بنت البراء، الأنثى والكتابة، أفروديت، (ص: 9).

[7] الكتابة النسائية: الذات والجسد؛ عبدالعالي بوطيب، ضمن كتاب، الكتابة النسائية، التخييل والتلقي، منشورات اتحاد كتاب المغرب، الرباط، يوليوز2006، (ص: 8).

[8] مختارات من الرواية النسائية المغاربية؛ د بوشوشة بن جمعة (ص: 8).

[9] الكتابة النسائية، التخييل والتلقي، مجموعة من الكاتبات والكتاب، (ص: 9).

[10] الأنثى والكتابة "شغب الكينونة الموغلة في الجرح الثقافي "الشعر نموذجًا"؛ بقلم رئيس التحرير، أفروديت (ص: 10، 11).

[11] الكتابة والمرأة؛ حسن المودن، الأنثى والكتابة، أفروديت، (ص: 44 - 45).

[12] ما بعد الكتابة النسائية؛ زهرة الجلاصي (تونس)، آفاق، العدد 67، 2002، (ص: 34).

[13] صوت الفردانية؛ عبدالحميد عقار، الكتابة النسائية، محكي الأنا محكي الحيا؛ مجموعة من الكاتبات والكتاب، اتحاد كتاب المغرب، يوليوز، 2007 (ص: 3، 4).

[14] الهوية الأنثوية من الحكي الشفوي إلى الحكي الذاتي؛ جليلة الطريطر، الكتابة النسائية، محكي الأنا محكي الحياة؛ مجموعة من الكاتبات والكتاب، (ص: 9).

[15] النقد النسوي والسؤال السوسيو لغوي؛ نعيمة هدي، فكر، العدد 5، 2005، (ص: 33).

[16] قراءة في الكتابات الأنثوية، الرواية، والقصة القصيرة المصرية؛ عبدالرحمن أبو عوف، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2001، (ص: 7).

[17] الكتابة النسائية، بحثًا عن إطار مفهومي؛ رشيدة بنمسعود، بحث منشور ضمن سلسلة "مبادرات نسائية" نشر الفنك، مطبعة النجاح الجديدة، 1998، (ص: 46 - 47).

[18] المرأة والكتابة: سؤال الخصوصية / بلاغة الاختلاف؛ رشيدة بنمسعود، إفريقيا الشرق، 1994، (ص: 78).

[19] البُعد التراثي في الكتابة النسائية؛ خديجة أميتي، فكر ونقد، العدد 11، السنة الثانية، سبتمبر 1998.

[20] الرواية النسائية المغاربية، بوشوشة بن جمعة، (ص: 16).

[21] كتابة المرأة الروائية والبحث عن الانزياح؛ محمد عفط، المرأة والكتابة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مكناس، سلسلة ندوات 8، 1996، (ص: 42).

[22] مفهوم الكتابة النسائية بين التبنِّي والرفض؛ فاطمة طحطح، الأنثى والكتابة، أفروديت، (ص: 56).

[23] حوار الدكتور حميد لحميداني، "الأنثى والكتابة"، أفروديت (ص: 74).

[24] علامات نسائية؛ نجاة المريني، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2006، (ص: 18 - 19).

[25] من يدفع النساء للكتابة؛ توفيق مصباح، الصحراء، يونيو، 2001، (ص: 4).

[26] الكلمة الافتتاحية للسيد عميد جامعة المولى إسماعيل، المرأة والكتابة، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مكناس، سلسلة ندوات، ع 8، 1996، (ص: 6).

[27] "حوار مع الناقد الشاعر أحمد الدمناتي، الأنثى والكتابة، أفروديت، (ص: 82).

[28] المرأة والتخييل؛ زهور كرام، المرأة والكتابة، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مكناس، سلسلة ندوات 8، (ص: 27).

[29] المرأة المغربية؛ عبدالواحد أخريف، قضية المرأة، المناهل، عدد 45، السنة التاسعة عشرة، يوليوز، 1994، (ص: 179).

[30] نصيحة إلى الفتاة المغربية؛ محمد بنبين، قضية المرأة، المناهل عدد 45 (ص: 173 - 174).

[31] الكتابة / المرأة والمجتمع، مقاربات وتجليات؛ فاطمة يوسف العلي، آفاق، عدد 67، سنة 2002، (ص: 42).

[32] الكتابة النسائية؛ التخييل والتلقي، مجموعة من الكاتبات والكتاب (ص: 8).

[33] مفهوم الكتابة النسائية (بين التبنِّي والرفض)؛ فاطمة طحطح، الأنثى والكتابة، أفروديت، (ص: 52).

[34] الكتابة النسائية الذات والجسد؛ عبدالعالي بوطيب، الكتابة النسائية التخييل والتلقي، (ص: 7).

[35] مفهوم الكتابة النسائية (بين التبني والرفض)؛ فاطمة طحطح، الأنثى والكتابة، أفروديت (ص: 53).

[*] كذا في الأصل، والصحيح: "ولايجب على المرأة إلا ما يجب على الرجل".

[36] المرأة شقيقة الرجل؛ علال الفاسي، المناهل، قضية المرأة، (ص: 248).

[37] الكتابة النسائية بحثًا في إطار مفهومين، مبادرة نسائية؛ رشيدة بنمسعود، (ص: 14).

[38] المرأة والكتابة والجسد، دلالة الجسد الأنثوي في السرد النسائي العربي؛ عبدالنور إدريس، مطبعة سجلماسة، مكناس، 2006 (ص: 1).

[39] حوار مع الشاعر عبدالواحد معروفي، الأنثى والكتابة، أفروديت (ص: 84).

[40] نفسه (ص: 86).

[41] حوار مع الناقد والشاعر أحمد الدمناتي، الأنثى والكتابة، أفروديت (ص: 81).

[42] حوار مع الدكتور حميد لحميداني حول "الأنثى والكتابة"، الأنثى والكتابة، أفروديت (ص: 75).

[43] الكتابة والمرأة، حسن المودن، الأنثى والكتابة، أفروديت (ص: 45).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.46 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.83 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.48%)]