عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 29-12-2023, 12:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: علوم القرآن الكريم وارتباطها بالعلوم الأخرى

مقالات في علوم القرآن وارتباطها بالعلوم الأخرى (14)

تابع الكلام حول أركان القراءة وعلاقتها بعلم القراءات



كتبه/ ياسر محمد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فنتحدث في هذا المقال عن موافقة القراءة القرآنية للرسم للعثماني، فحتى تكون القراءة محكوم بقرآنيتها لا بد أن توافق الرسم مطابقة أو احتمالًا، فقد توافق القراءة رسم جميع المصاحف العثمانية كقوله -تعالى-: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) (البقرة - 281)، أو توافق رسم بعض المصاحف نحو قوله -عز وجل-: (وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (الحديد: 24)، ففي بعض المصاحف المدنية والشامية حذف الضمير "هو"، وهذا مما سبق الكلام عليه في توجيه معنى الأحرف السبعة، وأنها لهجات عربية مختلفة.
وقد يوافق الرسم أحد المصاحف مثل قوله -تعالى-: (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) (البقرة: 116)، حيث قرئ في بعض المصاحف بحذف الواو، وفي أخرى بإثباتها.
وموافقة الرسم العثماني تكون على قسمين:
- الأول: موافقة تحقيقية: أي: صريحة، نحو قوله -تعالى-: "إن ينصركم الله"، فالمصاحف العثمانية كتبت مجردة من النقط والشكل، فكانت محتملة لجميع أوجه القراءات؛ إذ إن القرآن نزل ملفوظًا وليس مكتوبًا كما نزلت بعض الكتب السابقة: كالتوراة، فمن المعلوم أن القرآن نزل خلال ثلاث وعشرين سنة منجمًا -مفرقًا- على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكان يأمر بكتابة الوحي ويقول ضعوا هذه الآية في سورة كذا ولم يكن المصحف قد رقم بعد، وليس هناك فواصل بين الآيات؛ إلا أن جبريل عليه السلام قد علم النبي هذه الفواصل، والنبي علم الصحابة رؤوس الآيات وكان يقف على رأس الآية تعليما ويصلها بغيرها أحيانا لتوضيح معنى، أما ترقيم الآيات وفواصلها جاءت بعد ذلك باجتهاد العلماء.
وقد جاء الرسم العثماني مجردًا من النقط؛ ليقرأ على وجوه متغايرة؛ إذ إن الأصل في تلقي القرآن هو المشافهة والشيوخ والقراء، وليس المصحف.
ولقد جاء القرآن العظيم منسجمًا مع قواعد الإملاء الحديثة، ومتفوقًا عليها في كل الوجوه، وقد يظن البعض وجود اختلافات بين الرسم العثماني والرسم الإملائي، وهذا غير صحيح، فمن عظمة القرآن أن يتفق مع الرسمين، والمتأمل في الرسم العثماني يرى أنه اتسم مع الرسم الإملائي في كثير من آيات القرآن، بل أغلبها، والاختلاف بين هذا الرسم والآخر اختلاف ضئيل في أحرف وكلمات يسيرة بالنسبة لعدد آي القرآن التي بلغ عددها ستة آلاف ومئتان وست وثلاثين آية بالعد الكوفي، وهذا الاختلاف يرجع إلى إدغام أحرف، وحذف أحرف، وكتابتها برسم عثماني.
- الثاني: موافقة الرسم تقديرًا، وهذا كما عبر عنه العلامة ابن الجزري: "وكان للرسم احتمالًا يحوي"، ومن الأمثلة على هذا القسم: "مالك يوم الدين" - "وما يخادعون" - "وإنا لجميع حاذرون"؛ فقرئت هذه الكلمات بحذف الألف وإثباته، فعلى القراءة بالألف توافق الرسم تقديرًا، وكذا قرئت كلمة: "صراط" - "المصيطرون" بالسين لقرب مخرج الصاد من السين، ومن هذا القسم الكلمات التي أجمع القراء على قراءتها بوجه يخالف الرسم الصحيح مثل: "العالمين" - "مؤمنات"، فرسمت بحذف الألف، وقد قرئت بإثبات الألف، وكذا كلمة "امرأت" بالتاء المفتوحة بدلا من التاء المربوطة، وقد أفردت هذه الكلمة؛ لأنها من الكلمات التي طعن البعض فيها ووقعت عندهم الشبهة، حيث قالوا: كيف تكون هذه الكلمة مكتوبة بالتاء المفتوحة، وهي في الأصل تكون بالتاء المربوطة؟!
ويجاب على هذه الشبهة: بأن الأصل في التاء التي تأتي لتأنيث الاسم أن تكون مربوطة، وذلك للتمييز بينها وبين تاء التأنيث التي في الفعل، والتاء في جمع المؤنث السالم، فمثلًا: لو قلنا: (ذاكر أحمد الدرس - كتبت فاطمة الدرس - ذاكرت التلميذات الدرس)، فالتاء في مثال: "كتبت فاطمة" جاءت في "فاطمة" مربوطة؛ للتمييز بينها وبين التاء في "كتبت"، وفي "أحمد" لم تذكر التاء؛ لأنه هذا مذكر؛ لأنه لابد من التمييز بين التذكير والتأنيث.
وخلاصة القول في ذلك: أن كلمة "امرأت" رسمت بالتاء المفتوحة لتوافق لغة طيء، وهي من قبائل العرب، وكذا لجواز الوقف عليها بالتاء ككلمة: "رحمت" - "نعمت" - "بقيت"؛ دلالة على لغة هذه القبيلة، وهي لغة عربية فصيحة، فرسمت الكلمة بالتائين لموافقة جميع اللغات، ولو رسمت على لغة واحدة ما كان القرآن معجزًا ولا بليغًا، وإذا نظرنا إلى بعض الآيات التي وردت فيها هذه الكلمة، نرى الأمر واضحًا.
وهاك الأمثلة: "امرأت عمران" - "امرأت العزيز" - "امرأت نوح وامرأت لوط" - "امرأت فرعون إذ قالت"، فبالتأمل في هذه الآيات نرى أن لفظ: "المرأة" قد أضيف، وعندما نطالع نفس الكلمة في آيات أخر، نراها هكذا: "امرأة تملكهم" - "وإن امرأة خافت" - "وامرأة مؤمنة إن وهبت" - "وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة"؛ فهذه هنا غير مضافة، أي: هي امرأة ليست بعينها لم تحدد.
والخلاصة: أن الأمر ليس فيه مخالفة لقواعد الإملاء -كما يتوهم البعض!-، بل هو من الحفاظ على اللغات وإثرائها؛ فكل من عند الله.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.25 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.33%)]