الجزء رقم (4)
يحيى بن إبراهيم اليحيى
قواعد في الدعوة :
(( الدعوة : إلى الله هي الدعوة إلى الإيمان به ، وبما جاء ت به رسله ، بتصديقهم فيما أخبروا به ، وطاعتهم فيما أمروا ))
التناسب بين العلم والعبادة :
وقد سئل الإمام أحمد عن الرجل يكثر من كتابة الحديث وطلبه أيسوغ له ذلك ؟
قال : (( ينبغي أن يكثر العمل به على قدر زيادته في الطلب ))
وروى ابن جرير بإسناد صحيح عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه- قال : (( كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن ، قال : فتعلمن العلم والعمل معاً)) .
مجموع الأمة تقوم مقام الرسول - صلى الله عليه وسلم- في الدعوة :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( فمجموع أمته تقوم مقامه في الدعوة إلى الله ، ولهذا كان إجماعهم حجة قاطعة ، فأمته لا تجتمع على ضلالة ، وإذا تنازعوا في شيء ردوا ما تنازعوا فيه إلى الله وإلى رسوله .
وكل واحد من الأمة يجب عليه أن يقوم من الدعوة بما يقدر عليه إذا لم يقم به غيره ، فما قام به غيره : سقط عنه ، وما عجز : لم يطالب به .
وأما ما لم يقم به غيره وهو قادر عليه فعليه أن يقوم به ، ولهذا يجب على هذا أن يقوم بما لا يجب على ذاك ، وقد تقسطت الدعوة على الأمة بحسب ذلك تارة وبحسب غيره أخرى ، فقد يدعو هذا إلى اعتقاد الواجب ، وهذا إلى عمل ظاهر واجب ، وهذا إلى عمل باطن واجب ، فتنوع الدعوة يكون في الوجوب تارة ، وفي الوقوع أخرى .
وقد تبين بهذا أن الدعوة إلى الله تجب على كل مسلم ، لكنها فرض على الكفاية ، وإنما يجب على الرجل المعين من ذلك ما يقدر عليه إذا لم يقم به غيره ، وهذا شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتبليغ ما جاء به الرسول ، والجهاد في سبيل الله ، وتعليم الإيمان والقرآن .
وقد تبين بذلك أن الدعوة نفسها أمر بالمعروف ونهي عن المنكر ، فإن الداعي طالب مستدع مقتض لما دعا إليه ، وذلك هو الأمر به ، إذ الأمر هو طلب الفعل المأمور به ، واستدعاء له ودعاء إليه ، فالدعاء إلى الله : الدعاء إلى سبيله ، فهو أمر بسبيله ، وسبيله تصديقه فيما أخبر ، وطاعته فيما أمر ))
على كل مسلم حمل ما يقدر عليه وتختلف الأفضلية باختلاف القدرات والطاقات :
قال ابن القيم : (( وهاهنا أمر ينبغي التفطن له ، وهو أنه قد يكون العمل المعين أفضل منه في حق غيره ، فالغني الذي بلغ له مال كثير ونفسه لا تسمح ببذل شيء منه : فصدقته وإيثاره أفضل له من قيام الليل وصيام النهار نافلة .
والشجاع الشديد الذي يهاب العدو سطوته : وقوفه في الصف ساعة وجهاده أعداء الله أفضل من الحج والصوم والصدقة والتطوع .
والعالم الذي قد عرف السنة ، والحلال والحرام ، وطرق الخير والشر : مخالطته للناس وتعليمهم ونصحهم في دينهم أفضل من اعتزاله وتفريغ وقته للصلاة وقراءة القرآن والتسبيح .
وولي الأمر الذي قد نصبه الله للحكم بين عباده : جلوسه ساعة للنظر في المظالم وإنصاف المظلوم من الظالم وإقامة الحدود ونصر المحق وقمع المبطل أفضل من عبادة سنين من غيره .
ومن غلبت عليه شهوة النساء فصومه له أنفع وأفضل من ذكر غيره وصدقته ))
كلهم على خير :
وهذا مثال من السلف الصالح يوضح تفاوت الطاقات والقدرات :
عن بكر بن عبد الله قال : (( من سره أن ينظر إلى أعلم رجل أدركناه في زمانه فلينظر إلى الحسن فما أدركنا أعلم منه ، ومن سره أن ينظر إلى أورع رجل أدركناه في زمانه فلينظر إلى ابن سيرين إنه ليدع بعض الحلال تأثماً ، ومن سره أن ينظر إلى أعبد رجل أدركناه في زمانه فلينظر إلى ثابت البناني فما أدركنا أعبد منه تراه في يوم ( إنه ليظل اليوم المعمعاني الطويل ما بين طرفيه صائماً يروح ما بين جبهته وقدمه ) ، ومن سره أن ينظر إلى أحفظ رجل أدركناه في زمانه وأجدر أن يؤدي الحديث كما سمع فلينظر إلى قتادة ))
أرض المسلم هي التي يتمكن فيها من عبادة ربه :
المسلم عامل وداعية ، أرضه وبلده التي يتمكن فيها من نشر دعوته بين الناس ، وإخراجهم فيها من الظلمات إلى النور ، فقد يكون بلد بنفسه فاضل على غيره ، لكن المفضول أحياناً يكون أفضل منه للمسلم لهذه الحيثية .
قال ابن تيمية - رحمه الله- : (( قال أبو هريرة : (( لأن أرابط ليلة في سبيل الله أحب إلى من أن أقوم ليلة القدر عند الحجر الأسود )) .
ولهذا كان أفضل الأرض في حق كل إنسان أرض يكون فيها أطوع لله ورسوله ، وهذا يختلف باختلاف الأحوال ، ولا تتعين أرض يكون مقام الإنسان فيها أفضل ، وإنما يكون الأفضل في حق كل إنسان بحسب التقوى والطاعة والخشوع الخضوع والحضور ، وقد كتب أبو الدرداء إلى سلمان : هلم إلى الأرض المقدسة ! فكتب إليه سلمان :
إن الأرض لا تقدس أحداً ، وإنما يقدس العبد عمله ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- قد آخى بين سلمان وأبي الدرداء ، وكان سلمان أفقه من أبي الدرداء في أشياء من جملتها هذا))
والى لقاء قادم ان شاء الله