عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 13-10-2022, 12:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الوصايا النبوية



الوصايا النبوية (6)

أمسك عليك لسانك
(موعظة الأسبوع)









كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

مقدمة:

- التنبيه على فضل الوصايا النبوية (انظر مقدمة الموعظة الأولى).

- وصية اليوم: عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، ما النَّجاةُ؟ قال: (أمسِكْ عليْكَ لسانَكَ، وليسعْكَ بيتُكَ، وابْكِ على خطيئتِكَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وفي رواية أحمد: قال: (يَا عُقْبَةُ، احْرُسْ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ).

- الإشارة الي أن وصية اليوم تضمَّنت ثلاث نصائح، إذا اجتمعت في العبد يُرجَى له النجاة في الدنيا والآخرة.

النصيحة الأولى: حفظ اللسان (أمسِكْ عليْكَ لسانَكَ)(1):

- العاقل هو الذي يحذر كل الحذر مِن لسانه؛ لأنه سوف يُحَاسب على كل كلمة، بل كل ما يخرج من لسانه: قال -تعالى-: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق: 18)، وفي حديث معاذ بن جبل -رضي الله عنه-، قال: قُلْت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: (ثَكِلَتْكَ ‌أُمُّكَ ‌يَا ‌مُعَاذُ، ‌وَهَلْ ‌يَكُبُّ ‌النَّاسَ ‌فِي ‌النَّارِ ‌عَلَى ‌وُجُوهِهِمْ ‌أَوْ ‌عَلَى ‌مَنَاخِرِهِمْ ‌إِلَّا ‌حَصَائِدُ ‌أَلْسِنَتِهِمْ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

- فاللسان هو المعبِّر عن الجوارح كلها، وبه يرفع الإنسان أو يوضع ويهان: عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌إِذَا ‌أَصْبَحَ ‌ابْنُ ‌آدَمَ ‌فَإِنَّ ‌الأَعْضَاءَ ‌كُلَّهَا ‌تُكَفِّرُ ‌اللِّسَانَ ‌فَتَقُولُ: ‌اتَّقِ ‌اللَّهَ ‌فِينَا ‌فَإِنَّمَا ‌نَحْنُ ‌بِكَ، ‌فَإِنْ ‌اسْتَقَمْتَ ‌اسْتَقَمْنَا ‌وَإِنْ ‌اعْوَجَجْتَ ‌اعْوَجَجْنَا) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ) (متفق عليه).

- الصالحون يخافون توابع اللسان وما يخرج منه: روى مالك في الموطأ، عن أسلم عن أبيه عمر بن الخطاب: "إن عمر دخل يومًا على أبي بكر الصديق، وهو يجبذ لسانه -يجره بشده-، فقال عمر: مه، غفر الله لك، فقال له أبو بكر: إن هذا أوردني الموارد".

ورأى رجلا ابن عباس -رضي الله عنهما- آخذًا بثمرة لسانه، وهو يقول: "ويحك، قل خيرًا تغنم، واسكت عن شرٍ تسلم! فقال له الرجل: يا ابن عباس، ما لي أراك آخذًا بثمرة لسانك، وتقول كذا وكذا؟! قال ابن عباس: بلغني أن العبد يوم القيامة ليس هو على شيءٍ أحنق منه على لسانه" (حلية الأولياء)، وقال بعض السلف: "جعلت على نفسي بكل كلمة أتكلم بها فيما لا يعنيني صلاة ركعتين، فسهل ذلك عليَّ، فجعلت على نفسي بكل كلمة صوم يوم، فسهل عليَّ فلم أنتهِ، حتى جعلت على نفسي بكل كلمة أن أتصدق بدرهم، فصعب ذلك فانتهيت" (قوت القلوب في معاملة المحبوب).

النصيحة الثانية: (وليسعْكَ بيتُكَ)(2):

- (وليسعْكَ بيتُكَ): فهي سنة الأنبياء والصالحين عند الفتن: قال -تعالى- عن إبراهيم -عليه السلام-: (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا) (مريم: 48)، وقال: (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا) (الكهف: 16).

- (وليسعْكَ بيتُكَ): فالبيت في أيام الفتن أفضل لمَن أراد السلامة، فهو فيه يحفظ نفسه، ويأنس بربه: قال ابن القيم -رحمه الله-: "إِذا اسْتغنى النَّاس بالدنيا؛ فاستغنِ أَنْت بِاللَّه، وَإِذا فرحوا بالدنيا، فافرح أَنْت بِاللَّه، وَإِذا أنسوا بأحبابهم، فَاجْعَلْ أنسك بِاللَّه، وَإِذا تعرفوا إِلَى مُلُوكهمْ وكبرائهم وتقرَّبوا إِلَيْهِم لينالوا بهم الْعِزَّة والرفعة، فتعرف أَنْت إِلَى الله، وتودد إِلَيْهِ، تنَلْ بذلك غَايَة الْعِزّ والرفعة" (الفوائد لابن القيم)، وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "نِعْمَ صَوْمَعَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ بَيْتُهُ، يَكُفُّ لِسَانَهُ، وَفَرْجَهُ، وَبَصَرَهُ" (موسوعة ابن أبي الدنيا).

- (وليسعْكَ بيتُكَ): فالبيت في أوقات الفتن يصبح جنة من الجنات، ويقيك من الشرور والآفات، ويعافيك من الجدال والمراء، والخصام والتنافس على الدنيا الذي يكون بين أهل الاجتماعات، ففي الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سُئِل: أيُّ النَّاسِ أفْضَلُ؟ فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ في سَبيلِ اللَّهِ بنَفْسِهِ ومَالِهِ، قالوا: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: مُؤْمِنٌ في شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَتَّقِي اللَّهَ، ويَدَعُ النَّاسَ مِن شَرِّهِ) (متفق عليه).

- تنبيه مهم جدًّا: ينبغي أن يعتزل كل ما يؤدي به إلى الخلطة المفسدة، كمواقع الإنترنت ووسائل التواصل، التي يخوض الناس من خلالها، فيكون في بيته ببدنه، ولكنه لا يزال يشارك الناس في خوضهم.

النصيحة الثالثة: (وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ):

- (وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ): واندم على ما ارتكبتَ من الذنوب، وتذكر أنها قد تغلب الحسنات؛ عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: يا رَسولَ اللَّهِ (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) أَهوَ الَّذي يَزني ويَسرِقُ، ويَشرَبُ الخمرَ؟ قالَ: (لا، يا بِنتَ أبي بَكْرٍ أو يا بِنتَ الصِّدِّيقِ، ولَكِنَّهُ الرَّجلُ يَصومُ، ويتَصدَّقُ، ويُصلِّي، وَهوَ يَخافُ أن لا يُتقبَّلَ منهُ) (رواه الترمذي، وابن ماجه، وحسنه الألباني).

- العاقل يحاسب نفسه ويعاقبها على تقصيرها، ويعرف أن ذلك طريقًا لنجاته من عذاب النار: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاثةٌ لا ترى أعينُهم النارَ: عينٌ حرستْ في سبيلِ اللهِ، وعينٌ بكتْ من خشيةِ اللهِ، وعينٌ كفتْ عن محارمِ اللهِ) (رواه الطبراني في المعجم الكبير، وقال الألباني: حسن لغيره).

- (وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ): في الدنيا قبل أن تبكي في الآخرة، (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) (الكهف: 49).

- (وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ): فصدق البكاء دليل على الندم، والندم توبة وخشية ونجاة(3): قال عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-: "لأن أدمع دمعة من خشية الله أحب إليَّ من أن أتصدق بمائة ألف درهم" (شعب الإيمان للبيهقي)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: ...، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ في خَلَاءٍ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ...) (متفق عليه).

- (وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ): فالبكاء من خشية الله سمة الصالحين، فما أحوج المذنبين إليه!: "كَانَ فِي وَجْهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ خَطَّانِ أَسْوَدَانِ مِنَ الْبُكَاءِ" (الرقة والبكاء لأبن أبي الدنيا)، وكان يقول: "لَيْتَنِي لَمْ أَكُنْ شَيْئًا" (رواه البيهقي في شعب الإيمان)، وعن الحسن البصري، قال: "لما حضرت معاذًا الوفاة جعل يبكي، قال: فقيل له: أتبكي وأنت صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنت وأنت، فقال: ما أبكي جزعًا من الموت أن حل بي ولا دينًا تركته بعدي، ولكن إنما هما القبضتان قبضة في النار وقبضة في الجنة، فلا أدري في أي القبضتين أنا؟!" (رواه البيهقي في شعب الإيمان).

خاتمة:

- التنبيه على ما تقدَّم مِن أن سبيل النجاة من عذاب الله في الدنيا والآخرة اتباع هذه الوصية الغالية من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

نسأل الله أن ينجينا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ

(1) أي: احفظه عما لا خير فيه.

(2) أي: تعرض لما هو سبب للزوم البيت، من الاشتغال بالله والأنس بطاعته، والخلوة عن الأغيار. وقيل: اعتزل في بيتك من الفتن. قال يوسف بن أسباط: (قال لي سفيان الثوري وهو يطوف بالكعبة: والله الذي لا إله إلا هو، لقد حلت العزلة!" (إحياء علوم الدين للغزالي)، وروي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: (الْعُزْلَةُ رَاحَةٌ مِنْ أَخْلاطِ السُّوءِ" (العزلة والانفراد لابن أبي الدنيا).


(3) لقد كان ذلك سبب في توبة الله على الثلاثة الذين تخلفوا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال -تعالى-: (وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (التوبة: 118).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.30 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.62%)]