عرض مشاركة واحدة
  #185  
قديم 01-07-2022, 11:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد





تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(171)
الحلقة (185)
صــ 554إلى صــ 560






قال أبو جعفر : فأما "الآية" فقد ثبت فيما قبل معنى الآية أنها العلامة . وإنما أخبر الله عنهم أنهم قالوا : هلا تأتينا آية على ما نريد ونسأل ، كما [ ص: 554 ] أتت الأنبياء والرسل! فقال عز وجل : ( كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم ) .
القول في تأويل قوله تعالى : ( كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل فيمن عنى الله بقوله : ( كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم ) ، فقال بعضهم في ذلك بما : -

1867 - حدثني به محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم ) ، هم اليهود .

1868 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( قال الذين من قبلهم ) ، اليهود .

وقال آخرون : هم اليهود والنصارى ، لأن الذين لا يعلمون هم العرب .

ذكر من قال ذلك :

1869 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة : ( قال الذين من قبلهم ) ، يعني اليهود والنصارى وغيرهم .

1870 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال ، قالوا يعني - العرب - كما قالت اليهود والنصارى من قبلهم .

1871 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، [ ص: 555 ] عن أبيه ، عن الربيع : ( كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم ) ، يعني اليهود والنصارى .

قال أبو جعفر : قد دللنا على أن الذين عنى الله تعالى ذكره بقوله : ( وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله ) ، هم النصارى ، والذين قالوا مثل قولهم هم اليهود سألت موسى صلى الله عليه وسلم أن يريهم ربهم جهرة ، وأن يسمعهم كلام ربهم ، كما قد بينا فيما مضى من كتابنا هذا - وسألوا من الآيات ما ليس لهم مسألته تحكما منهم على ربهم ، وكذلك تمنت النصارى على ربها تحكما منها عليه أن يسمعهم كلامه ويريهم ما أرادوا من الآيات . فأخبر الله - جل ثناؤه - عنهم أنهم قالوا من القول في ذلك ، مثل الذي قالته اليهود وتمنت على ربها مثل أمانيها ، وأن قولهم الذي قالوه من ذلك إنما يشابه قول اليهود من أجل تشابه قلوبهم في الضلالة والكفر بالله؛ فهم وإن اختلفت مذاهبهم في كذبهم على الله وافترائهم عليه ، فقلوبهم متشابهة في الكفر بربهم والفرية عليه ، وتحكمهم على أنبياء الله ورسله عليهم السلام . وبنحو ما قلنا في ذلك قال مجاهد .

1872 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( تشابهت قلوبهم ) قلوب النصارى واليهود .

وقال غيره : معنى ذلك تشابهت قلوب كفار العرب واليهود والنصارى وغيرهم .

ذكر من قال ذلك :

1873 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن [ ص: 556 ] قتادة : ( تشابهت قلوبهم ) ، يعني العرب واليهود والنصارى وغيرهم .

1874 - حدثني المثنى ، حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ( تشابهت قلوبهم ) ، يعني العرب واليهود والنصارى وغيرهم .

قال أبو جعفر : وغير جائز في قوله : ( تشابهت ) التثقيل ، لأن التاء التي في أولها زائدة أدخلت في قوله : "تفاعل" ، وإن ثقلت صارت تاءين ، ولا يجوز إدخال تاءين زائدتين علامة لمعنى واحد ، وإنما يجوز ذلك في الاستقبال لاختلاف معنى دخولهما؛ لأن إحداهما تدخل علما للاستقبال ، والأخرى منها التي في "تفاعل" ، ثم تدغم إحداهما في الأخرى فتثقل ، فيقال : تشابه بعد اليوم قلوبنا .

فمعنى الآية : وقالت النصارى ، الجهال بالله وبعظمته : هلا يكلمنا الله ربنا ، كما كلم أنبياءه ورسله ، أو تجيئنا علامة من الله نعرف بها صدق ما نحن عليه على ما نسأل ونريد؟ قال الله جل ثناؤه : فكما قال هؤلاء الجهال من النصارى وتمنوا على ربهم ، قال من قبلهم من اليهود ، فسألوا ربهم أن يريهم الله نفسه جهرة ، ويؤتيهم آية ، واحتكموا عليه وعلى رسله ، وتمنوا الأماني ، فاشتبهت قلوب اليهود والنصارى في تمردهم على الله وقلة معرفتهم بعظمته وجرأتهم على أنبيائه ورسله ، كما اشتبهت أقوالهم التي قالوها .
[ ص: 557 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( قد بينا الآيات لقوم يوقنون ( 118 ) )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : ( قد بينا الآيات لقوم يوقنون ) ، قد بينا العلامات التي من أجلها غضب الله على اليهود ، وجعل منهم القردة والخنازير ، وأعد لهم العذاب المهين في معادهم ، والتي من أجلها أخزى الله النصارى في الدنيا ، وأعد لهم الخزي والعذاب الأليم في الآخرة ، والتي من أجلها جعل سكان الجنان الذين أسلموا وجوههم لله وهم محسنون في هذه السورة وغيرها ، فأعلموا الأسباب التي من أجلها استحق كل فريق منهم من الله ما فعل به من ذلك ، وخص الله بذلك القوم الذين يوقنون؛ لأنهم أهل التثبت في الأمور ، والطالبون معرفة حقائق الأشياء على يقين وصحة ، فأخبر الله - جل ثناؤه - أنه بين لمن كانت هذه الصفة صفته ما بين من ذلك ليزول شكه ، ويعلم حقيقة الأمر ، إذ كان ذلك خبرا من الله - جل ثناؤه - ، وخبر الله الخبر الذي لا يعذر سامعه بالشك فيه . وقد يحتمل غيره من الأخبار ما يحتمل من الأسباب العارضة فيه من السهو والغلط والكذب ، وذلك منفي عن خبر الله عز وجل .
القول في تأويل قوله تعالى : ( إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا )

قال أبو جعفر : ومعنى قوله جل ثناؤه : ( إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ) ، إنا أرسلناك يا محمد بالإسلام الذي لا أقبل من أحد غيره من الأديان ، وهو الحق ; مبشرا من اتبعك فأطاعك ، وقبل منك ما دعوته إليه من الحق - بالنصر في الدنيا ، والظفر بالثواب في الآخرة ، والنعيم المقيم فيها ، ومنذرا من عصاك فخالفك ، ورد [ ص: 558 ] عليك ما دعوته إليه من الحق - بالخزي في الدنيا ، والذل فيها ، والعذاب المهين في الآخرة .
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ( 119 ) )

قال أبو جعفر : قرأت عامة القرأة : ( ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ) ، بضم "التاء" من "تسأل" ، ورفع "اللام" منها على الخبر ، بمعنى : يا محمد إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ، فبلغت ما أرسلت به ، وإنما عليك البلاغ والإنذار ، ولست مسئولا عمن كفر بما أتيته به من الحق ، وكان من أهل الجحيم .

وقرأ ذلك بعض أهل المدينة : ( ولا تسأل ) جزما . بمعنى النهي ، مفتوح "التاء" من "تسأل" ، وجزم "اللام" منها . ومعنى ذلك على قراءة هؤلاء : إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا لتبلغ ما أرسلت به ، لا لتسأل عن أصحاب الجحيم ، فلا تسأل عن حالهم . وتأول الذين قرءوا هذه القراءة ما : -

1875 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليت شعري ما فعل أبواي؟ فنزلت : ( ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ) .

1876 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب القرظي قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليت شعري ما فعل أبواي؟ ليت شعري ما فعل أبواي؟ ليت شعري ما فعل أبواي؟" ثلاثا ، فنزلت : ( إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ) ، فما ذكرهما حتى توفاه الله . [ ص: 559 ]

1877 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال ، أخبرني داود بن أبي عاصم ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم : "ليت شعري أين أبواي؟" فنزلت : ( إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ) .

قال أبو جعفر : والصواب عندي من القراءة في ذلك قراءة من قرأ بالرفع ، على الخبر؛ لأن الله - جل ثناؤه - قص قصص أقوام من اليهود والنصارى ، وذكر ضلالتهم ، وكفرهم بالله ، وجراءتهم على أنبيائه ، ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( إنا أرسلناك ) يا محمد ( بالحق بشيرا ) ، من آمن بك واتبعك ممن قصصت عليك أنباءه ومن لم أقصص عليك أنباءه ، ( ونذيرا ) من كفر بك وخالفك ، فبلغ رسالتي ، فليس عليك من أعمال من كفر بك - بعد إبلاغك إياه رسالتي تبعة ، ولا أنت مسئول عما فعل بعد ذلك . ولم يجر - لمسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه عن أصحاب الجحيم ذكر ، فيكون لقوله : ( ولا تسأل عن [ ص: 560 ] أصحاب الجحيم ) وجه يوجه إليه ، وإنما الكلام موجه معناه إلى ما دل عليه ظاهره المفهوم ، حتى تأتي دلالة بينة تقوم بها الحجة ، على أن المراد به غير ما دل عليه ظاهره ، فيكون حينئذ مسلما للحجة الثابتة بذلك! ولا خبر تقوم به الحجة على أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن أن يسأل - في هذه الآية عن أصحاب الجحيم ، ولا دلالة تدل على أن ذلك كذلك في ظاهر التنزيل . والواجب أن يكون تأويل ذلك الخبر على ما مضى ذكره قبل هذه الآية ، وعمن ذكر بعدها من اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الكفر ، دون النهي عن المسألة عنهم .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.47 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.84 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.82%)]