عرض مشاركة واحدة
  #183  
قديم 01-07-2022, 11:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,836
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد





تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(169)
الحلقة (183)
صــ 540إلى صــ 546




وهذا خبر من الله - جل وعز - عن أن المسيح - الذي زعمت النصارى أنه ابن الله - [ ص: 540 ] مكذبهم هو والسماوات والأرض وما فيها ، إما باللسان ، وإما بالدلالة ، وذلك أن الله - جل ثناؤه - أخبر عن جميعهم ، بطاعتهم إياه ، وإقرارهم له بالعبودية ، عقيب قوله : ( وقالوا اتخذ الله ولدا ) ، فدل ذلك على صحة ما قلنا .
القول في تأويل قوله تعالى : ( بديع السماوات والأرض )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : ( بديع السماوات والأرض ) ، مبدعها .

وإنما هو "مفعل" صرف إلى "فعيل" كما صرف "المؤلم" إلى "أليم" ، و"المسمع" إلى "سميع" . ومعنى"المبدع" : المنشئ والمحدث ما لم يسبقه إلى إنشاء مثله وإحداثه أحد ، ولذلك سمي المبتدع في الدين "مبتدعا" ، لإحداثه فيه ما لم يسبقه إليه غيره . وكذلك كل محدث فعلا أو قولا لم يتقدمه فيه متقدم ، فإن العرب تسميه مبتدعا ، ومن ذلك قول أعشى بني ثعلبة ، في مدح هوذة بن علي الحنفي :


يرعي إلى قول سادات الرجال إذا أبدوا له الحزم ، أو ما شاءه ابتدعا

أي يحدث ما شاء ، ومنه قول رؤبة بن العجاج :


فأيها الغاشي القذاف الأتيعا إن كنت لله التقي الأطوعا
فليس وجه الحق أن تبدعا

يعني : أن تحدث في الدين ما لم يكن فيه . [ ص: 541 ]

فمعنى الكلام : سبحان الله أنى يكون له ولد وهو مالك ما في السماوات والأرض ، تشهد له جميعا بدلالتها عليه بالوحدانية ، وتقر له بالطاعة ، وهو بارئها وخالقها ، وموجدها من غير أصل ، ولا مثال احتذاها عليه؟

وهذا إعلام من الله - جل ثناؤه - عباده ، أن مما يشهد له بذلك : المسيح ، الذي أضافوا إلى الله - جل ثناؤه - بنوته ، وإخبار منه لهم أن الذي ابتدع السماوات والأرض من غير أصل وعلى غير مثال ، هو الذي ابتدع المسيح من غير والد بقدرته ، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

1858 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ( بديع السماوات والأرض ) ، يقول : ابتدع خلقها ، ولم يشركه في خلقها أحد .

1859 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( بديع السماوات والأرض ) ، يقول : ابتدعها فخلقها ، ولم يخلق قبلها شيء فيتمثل به .
[ ص: 542 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ( 117 ) )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : ( وإذا قضى أمرا ) ، وإذا أحكم أمرا وحتمه .

وأصل كل "قضاء أمر" الإحكام ، والفراغ منه ، ومن ذلك قيل للحاكم بين الناس : "القاضي" بينهم ، لفصله القضاء بين الخصوم ، وقطعه الحكم بينهم وفراغه منه به . ومنه قيل للميت : "قد قضى" ، يراد به قد فرغ من الدنيا ، وفصل منها . ومنه قيل : "ما ينقضي عجبي من فلان" ، يراد : ما ينقطع . ومنه قيل : "تقضى النهار" ، إذا انصرم ، ومنه قول الله عز وجل : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) [ سورة الإسراء : 23 ] أي : فصل الحكم فيه بين عباده ، بأمره إياهم بذلك ، وكذلك قوله : ( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب ) [ سورة الإسراء : 4 ] ، أي أعلمناهم بذلك وأخبرناهم به ، ففرغنا إليهم منه . ومنه قول أبي ذؤيب :


وعليهما مسرودتان ، قضاهما داود أو صنع السوابغ تبع
[ ص: 543 ]

ويروى :


وتعاورا مسرودتين قضاهما


ويعني بقوله : "قضاهما" ، أحكمهما . ومنه قول الآخر في مدح عمر بن الخطاب رضي الله عنه :


قضيت أمورا ثم غادرت بعدها بوائق في أكمامها لم تفتق


ويروى : "بوائج" . [ ص: 544 ]

وأما قوله : ( فإنما يقول له كن فيكون ) ، فإنه يعني بذلك : وإذا أحكم أمرا فحتمه ، فإنما يقول لذلك الأمر "كن" ، فيكون ذلك الأمر على ما أمره الله أن يكون وأراده .

قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : وما معنى قوله : ( وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) ؟ وفي أي حال يقول للأمر الذي يقضيه : "كن"؟ أفي حال عدمه ، وتلك حال لا يجوز فيها أمره ، إذ كان محالا أن يأمر إلا المأمور ، فإذا لم يكن المأمور استحال الأمر ، ; وكما محال الأمر من غير آمر ، فكذلك محال الأمر من آمر إلا لمأمور ، أم يقول له ذلك في حال وجوده ؟ وتلك حال لا يجوز أمره فيها بالحدوث ، لأنه حادث موجود ، ولا يقال للموجود : "كن موجودا" إلا بغير معنى الأمر بحدوث عينه؟

قيل : قد تنازع المتأولون في معنى ذلك ، ونحن مخبرون بما قالوا فيه ، والعلل التي اعتل بها كل فريق منهم لقوله في ذلك :

قال بعضهم : ذلك خبر من الله - جل ثناؤه - عن أمره المحتوم - على وجه القضاء لمن قضى عليه قضاء من خلقه الموجودين أنه إذا أمره بأمر نفذ فيه [ ص: 545 ] قضاؤه ، ومضى فيه أمره ، نظير أمره من أمر من بني إسرائيل بأن يكونوا قردة خاسئين ، وهم موجودون في حال أمره إياهم بذلك ، وحتم قضائه عليهم بما قضى فيهم ، وكالذي خسف به وبداره الأرض ، وما أشبه ذلك من أمره وقضائه فيمن كان موجودا من خلقه في حال أمره المحتوم عليه .

فوجه قائلو هذا القول قوله : ( وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) ، إلى الخصوص دون العموم .

وقال آخرون : بل الآية عام ظاهرها ، فليس لأحد أن يحيلها إلى باطن بغير حجة يجب التسليم لها . وقال : إن الله عالم بكل ما هو كائن قبل كونه ، فلما كان ذلك كذلك ، كانت الأشياء التي لم تكن وهي كائنة لعلمه بها قبل كونها ، نظائر التي هي موجودة ، فجاز أن يقول لها : "كوني" ، ويأمرها بالخروج من حال العدم إلى حال الوجود ، لتصور جميعها له ، ولعلمه بها في حال العدم .

وقال آخرون : بل الآية وإن كان ظاهرها ظاهر عموم ، فتأويلها الخصوص؛ لأن الأمر غير جائز إلا لمأمور ، على ما وصفت قبل . قالوا : وإذ كان ذلك كذلك ، فالآية تأويلها : وإذا قضى أمرا من إحياء ميت ، أو إماتة حي ، ونحو ذلك ، فإنما يقول لحي : "كن ميتا ، أو لميت : كن حيا" ، وما أشبه ذلك من الأمر .

وقال آخرون : بل ذلك من الله عز وجل خبر عن جميع ما ينشئه ويكونه ، أنه إذا قضاه وخلقه وأنشأه ، كان ووجد - ولا قول هنالك عند قائلي هذه المقالة ، إلا وجود المخلوق وحدوث المقضي - . وقالوا : إنما قول الله عز وجل : ( السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) ، نظير قول القائل : "قال فلان برأسه" و"قال بيده" ، إذا حرك رأسه ، أو أومأ بيده ولم يقل شيئا ، وكما قال أبو النجم :


وقالت الأنساع للبطن الحق الحق قدما فآضت كالفنيق المحنق


ولا قول هنالك ، وإنما عنى أن الظهر قد لحق بالبطن . وكما قال عمرو بن حممة الدوسي :

فأصبحت مثل النسر طارت فراخه إذا رام تطيارا يقال له : قع

ولا قول هناك ، وإنما معناه : إذا رام طيرانا وقع ، وكما قال الآخر :


امتلأ الحوض وقال : قطني سلا رويدا ، قد ملأت بطني




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.27 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.64 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.01%)]