الموضوع: فقه الدعوة
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-12-2021, 11:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي فقه الدعوة

فقه الدعوة (4)


د.وليد خالد الربيع



ذكرنا في الحلقة السابقة أن من فقه الدعوة العلم بأن درجات الواجب تتفاوت، فهناك الواجب العيني، وهناك الواجب الكفائي، وأن من البصيرة في الدعوة أن يدرك الداعية حكم الدعوة في الجملة وأحوالها المختلفة التي يختلف الحكم الشرعي باختلافها.



وأشرنا إلى أن الدعوة إلى الله في حق الحاكم واجبة؛ حيث إن من واجبات الإمام الدفاع عن الدين ورد الشبهات ومنع الزائغين من المبتدعة والعصاة من هدم أركان الدين بشبهاتهم ومخالفاتهم .

-فضل الدعوة :

تقدم أن الدعوة إلى الله في حق الحاكم واجبة؛ لأن الحاكم خليفة عن النبي[ والدعوة إلى الله من مهام الرسل، وأن الأصل في الدعوة إلى الله في حق الأفراد أنها فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين، وقد يصبح الوجوب عينيا على الشخص القادر إذا لم يقدر عليه غيره لعلمه أو لسلطته . وللدعوة إلى الله عز وجل - مع كونها من فرائض الدين - فضل كبير وأجر وفير ومنزلة رفيعة، يدل على ذلك ما جاء في أهمية الدعوة وفضلها من نصوص عديدة تؤكد هذا المعنى وتقرره بكل وضوح.

- فمن القرآن الكريم:

يكفي الدعوة فضلا وشرفا أن الله عز وجل تولاها في القرآن فقال تعالى: {والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} (يونس: 25) قال الشيخ ابن سعدي: «عمم تعالى عباده بالدعوة إلى دار السلام والحث على ذلك والترغيب فيه، وخص بالهداية من شاء استخلاصه واصطفاءه، فهذا فضله وإحسانه، والله يختص برحمته من يشاء، وذلك عدله وحكمته، وليس لأحد عليه حجة بعد البيان والرسل». وقال عز وجل: {أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون} (البقرة: 221) قال الشيخ ابن سعدي: «أي يدعو عباده لتحصيل الجنة والمغفرة التي من آثارها دفع العقوبات، وذلك بالدعوة إلى أسبابها من الأعمال الصالحة والتوبة النصوح، والعلم النافع والعمل الصالح، ويبين آياته: أي أحكامه» اهـ.

ومن فضل الدعوة أن الله عز وجل سنها وشرعها وأمر بها فقال عز وجل: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} (النحل: 125) وقال تعالى: {فلا ينازعُنّك في الأمر وادع إلى ربك} (الحج: 67)، وقال: {فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم} (الشورى: 15) قال الشيخ ابن سعدي: «فأمره بتكميل نفسه بلزوم الاستقامة، وبتكميل غيره بالدعوة إلى ذلك، ومن المعلوم أن أمر الرسول[ أمر لأمته إذا لم يرد تخصيص له» اهـ.

وقال عز وجل: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} (آل عمران: 104) قال ابن كثير: يقول تعالى: «ولتكن منكم أمة منتصبة للقيام بأمر الله في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» اهـ.

ومن فضل الدعوة أنها وظيفة الأنبياء والمرسلين، قال عز وجل: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير}، وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} (النحل: 36) قال ابن سعدي:«يخبر تعالى أن حجته قامت على جميع الأمم، وأنه ما من أمة متقدمة أو متأخرة إلا وبعث فيها رسولا، وكلهم متفقون على دعوة واحدة ودين واحد وهو عبادة الله وحده لا شريك له» اهـ.

ومن شرف الدعوة أنها من هدي النبي محمد [ إمام المتقين وخاتم النبيين، قال عز وجل: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا} (سبأ: 28) وقال سبحانه لنبيه الكريم: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني} (يوسف: 108) فبين أن طريقة النبي [ وأتباعه هي الدعوة إلى الله تعالى على علم ويقين بلا شك ولا امتراء، وقال عز وجل: {يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} (المائدة: 67)، وقال عز وجل: {يأيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا} (الأحزاب: 45-46) قال الشيخ ابن سعدي: «هذه الأشياء التي وصف بها رسوله محمدا [ هي المقصود من رسالته وزبدتها وأصولها التي اختص بها وهي خمسة أشياء:

أحدها: كونه شاهدا على أمته بما عملوه. الثاني والثالث: كونه بشيرا ونذيرا وهذا يستلزم ذكر المبشر والمنذر وما يبشر به وينذر والأعمال الموجبة لذلك.

والرابع: كونه داعيا إلى الله، أي أرسله الله يدعو الخلق إلى ربهم ويشوقهم لكرامته ويأمرهم بعبادته. والخامس: كونه سراجا منيرا، وذلك يقتضي أن الخلق في ظلمة عظيمة، لا نور يهتدى به في ظلماتها ولا علم يستدل به في جهاتها، حتى جاء الله بهذا النبي الكريم فأضاء الله به تلك الظلمات وعلم به من الجهالات» اهـ باختصار.

والله تعالى قد أكرم الأمة الإسلامية فجعلها خير الأمم لقيامها بهذه الشعيرة وتخلقها بهذه الفضيلة، فقال عز وجل: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} (آل عمران: 110) وأخرج البخاري عن أبي هريرة أنه قال: «خير الناس للناس، تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام»، وقال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: «أنفع الناس للناس» وقال ابن سعدي: «هذا تفضيل من الله لهذه الأمة بهذه الأسباب التي تميزوا بها وفاقوا بها سائر الأمم، وأنهم خير الناس للناس نصحا ومحبة للخير ودعوة وتعليما وإرشادا وأمر بالمعروف ونهيا عن المنكر وجمعا بين تكميل الخلق والسعي في منافعهم - بحسب الإمكان - وبين تكميل النفس بالإيمان بالله والقيام بحقوق الإيمان» اهـ.

ومن فضائل الدعوة أن الله تعالى أثنى على القائم بها فقال: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين} (فصلت: 33) قال الحسن البصري: «هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحا في إجابته وقال: إنني من المسلمين، هذا خليفة الله» اهـ.

وقال تعالى: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما} (النساء: 114)؛ فبين أن كثيرا من كلام الناس لا خير فيه إلا ما استثني ففيه الخير، ومنه الأمر بالمعروف ويدخل فيه الدعوة إلى الله تعالى ودينه القويم.

- ومن السنة المطهرة :

ما جاء أن من فضائل الدعوة إلى الله الأجر المتتابع الذي يحصل للداعي بسبب دعوته كما قال[: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» أخرجه مسلم، قال الشيخ ابن سعدي: «هذا الحديث - وما أشبهه من الأحاديث - فيه الحث على الدعوة إلى الهدى والخير، وفضل الداعي، والتحذير من الضلالة والغي، والهدي هو العلم النافع والعمل الصالح، فكل من علم علما أو وجّـه المتعلمين إلى سلوك طريقة يحصل لهم فيها علم فهو داع إلى الهدى، وكل من دعا إلى عمل صالح يتعلق بحق الله أو بحقوق الخلق العامة والخاصة فهو داع إلى الهدى، وكل من أبدى نصيحة دينية أو دنيوية يتوسل بها إلى الدين فهو داع إلى الهدى، وكل من اهتدى في علمه أو عمله فاقتدى به غيره فهو داع إلى الهدى، وكل من تقدم غيره بعمل خيري أو مشروع عام النفع فهو داخل في هذا النص، وعكس ذلك كله الداعي إلى الضلالة.

فالداعون إلى الهدى هم أئمة المتقين وخيار المؤمنين، والداعون إلى الضلالة هم الأئمة الذين يدعون إلى النار.

وكل من عاون غيره على البر والتقوى فهو من الداعين إلى الهدى، وكل من أعان غيره على الإثم والعدوان فهو من الداعين إلى الضلالة» اهـ.

ومن فضل الدعوة إلى الله عز وجل ما جاء في قوله[: «لَأَن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم» متفق عليه، قال النووي: «هي الإبل الحمر، وهي أنفس أموال العرب، يضربون بها المثل في نفاسة الشيء وأنه ليس هناك أعظم منه، قال: وفي هذا الحديث بيان فضيلة العلم والدعاء إلى الهدى وسن السنن الحسنة» اهـ.

وقال[: «نضّر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره، فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه، وربّ حامل فقه ليس بفقيه» أخرجه الترمذي، وله ألفاظ أخرى، قال شراح الحديث: النضرة: الحسن والرونق، والمعنى: خصه الله بالبهجة والسرور؛ لما رزق بعلمه ومعرفته من القدر والمنزلة بين الناس في الدنيا ونعمه في الآخرة حتى يرى عليه رونق الرخاء والنعمة، ثم قيل: إنه إخبار بمعنى: جعله ذا نضرة، وقيل: دعاء له بالنضرة وهي البهجة والبهاء في الوجه من أثر النعمة ، وفي الحديث فضل تبليغ الدين والعلم وما يلحق الداعي والمبلغ من النضرة والبهاء .

ومن فضل الدعوة إلى الله أنها سبب لمنع العذاب، قال[: «والذي نفسي بيده لتأمرُنّ بالمعروف ولتنهوُن عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم» أخرجه الترمذي، قال شراح الحديث: «والمعنى: والله إن أحد الأمرين واقع إما الأمر والنهي منكم، وإما العذاب من ربكم، ثم عدم استجابة الدعاء في رفعه عنكم ، بحيث لا يجتمعان، فإن كان الأمر والنهي لم يكن العذاب، وإن لم يكونا كان عذاب عظيم.


ومن فضل الدعوة أنها صمام أمان للمجتمع من الهلاك والضلال كما قال[: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا» أخرجه البخاري.









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.25 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.74%)]