عرض مشاركة واحدة
  #28  
قديم 20-04-2024, 04:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,698
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية السيد مراد سلامة

الدرس الثامن العشرون: تابع موجبات النجاة العشرة من أهوال يوم القيامة

السيد مراد سلامة

الحمد لله الحي الذي أضاء نوره الآفاق، ورزق المؤمنين حسن الأخلاق، وتجلَّت رحمته بهم إذا بلغت أرواحهم التراق، نحمَده تبارك وتعالى ونستعينه على الصعاب والمشاق، ونعوذ بنور وجهه الكريم من ظلمات الشك والشرك والشقاق، ونسأله السلامة من النفاق وسوء الأخلاق.

وأشهد أن لا إله إلا الله القوي الرزاق، الحكم العدل يوم التلاق، خلق الخلق فهم في مُلكه أسرى مشدودو الوثاق، أنذِر الكافرين بصيحة واحدة ما لها من فواق، وبشر الطائعين بسلام الملائكة عليهم إذا التفَّت الساق بالساق، أرسل الرسل وأنزل الكتب؛ ليعلم الناس أن إليه يومئذ المساق.

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المتمم لمكارم الأخلاق، لم يكن لعانًا ولا سبابًا، ولا صخابًا في الأسواق.

سابعًا: لا تظلم أحد لأنك إلى الله تعالى راجع:
أحبتي في الله، إذا علمنا أننا إلى الله تعالى راجعون، وأننا عن أعمالنا مسؤولون، وجب علينا أن نتحلل من المظالم قبل أن نرجع إلى الله تعالى، فالظلم ظلمات يوم القيامة.

فتوهَّم نفسك عبد الله وأنت واقف بين يدي الله، انظر إلى هؤلاء الذين شخصت أبصارُهم، وصارت أفئدتهم هواءً، يسألون الرجعة فلا يجابون، ترهَق وجوههم الذلة.

أيها الموحِّدون، تدبَّروا معي هذا المشهد الذي يخلع القلب، تدبَّروا الحديث، عيشوا مع هذا الحديث الذي يكاد يخلع القلب إن تدبرناه ووعيناه، تصوَّر معي هذا المشهد في أرض المحشر، ها هو الظالم في أرض المحشر يقف بين يدي الله في ذلٍّ وخشوع وانكسارٍ، لا يرتد إليه طرفه، شخص ببصره، لا يلتفت أعلى ولا أسفل ولا يَمنة ولا يَسرة، لا يرتد إليه طرفه، وقفز قلبه من جوفه! الشمس فوق الرؤوس، تكاد حرارتها تصهَر العظام، والزحام يكاد يخنق الأنفاس، والعرق يكاد يغرق الناس، وجيء بجهنم ولها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها! تزفر وتُزمجر غضبًا لغضب الجبار جل وعلا، فإن الله قد غضب في هذا اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، في هذه اللحظات ومع هذا الهول يرى الظالم نفسه وقد أحيط بمجموعة من الناس، من أنتم؟! من هؤلاء؟! هؤلاء هم الذين ظلمهم في الدنيا! ظلم من ظلم ونسِي! فيتعلق المظلومون بالظالم، يتعلق كلُّ مَن ظلمته بك يوم القيامة، يجرونه جرًّا ليوقفوه بين يدي الله جل وعلا، هذا يتعلق به من يده، وهذا يجره من ظهره، وهذا يَجُرُّه من لحيته، يتعلقون به ليوقفوه بين يدي الملك جل جلاله، فإذا ما وقف بين يدي الله تبارك وتعالى، وأذن الله لدواوين المظالم أن تُنْصَبَ، وللقصاص أن يبدأ، يقول هذا: يا رب، هذا شتمني، والآخر يقول: يا رب، ظلمني، والآخر يقول: يا رب، اغتابني، والآخر يقول: يا رب، غشَّني في البيع والشراء، والآخر يقول: يا رب، وجدني مظلومًا وكان قادرًا على دفع الظلم، فجامل ونافق الظالم وتركني، والآخر يقول: يا رب، جاورني فأساء جواري، سترى كل من عاملته في الدنيا - نسيته أو تذكَّرته - قد تعلق بك بين يدي الله جل وعلا، كلٌّ يطالب بحقه، وأنت واقف يا مسكين! ما أشد حسرتك في هذه اللحظات، وأنت واقف على بِساط العدل بين يدي رب الأرض والسماوات، إذا شوفِهت بخطاب السيئات، وأنت مفلس عاجز فقير مهين، لا تملك درهمًا ولا دينارًا، لا تستطيع أن ترد حقًّا، ولا تملك أن تبدي عذرًا، فيقال: خذوا من حسناته إلى من ظلمهم في الدنيا، تنظر إلى صحيفتك التي بين يديك، فتراها قد خلت من حسنات تعِبتَ في تحصيلها طول عمرك، فتصرخ وتقول: أين حسناتي؟! أين صلاتي؟! أين زكاتي؟! أين دعوتي؟! أين علمي؟! أين قرآني؟! أين بري؟! أين عملي الصالح؟! أين طاعاتي؟! فيقال: نقلت إلى صحائف خصومك الذين ظلمتهم في الدنيا! وقد تفنى حسناتك ويبقى أهل الحقوق ينادون الله جل وعلا أن يعطيهم حقَّهم من الظالم، فيأمر الحق سبحانه أن يؤخذ من سيئات من ظلمتهم في دنياك لتُطرح عليك، فتصرخ وتقول: يا رب، هذه سيئات والله ما قاربتها، والله ما عملتها، فيقال لك: نعم، إنها سيئات من ظلمتهم في الدنيا، فتمد عنق الرجاء إلى سيدك ومولاك لعلك تنجو في هذه اللحظات ولست بناجٍ؛ لأن الله قد حرم الظلم على نفسه، وحرَّم الظلم على العباد، فيقرع النداء سمعك ويخلع قلبك؛ قال الله جل وعلا: ﴿ وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ * وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ * يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ * لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [إبراهيم:42-52].


ثامنًا: احذر أن تُطرَد من حوض صاحب الشفاعة صلى الله عليه وسلم:
يا من يعلم أنه إلى الله راجع، احذر كل الحذر أن تُطرد من حوض صاحب الشفاعة - صلى الله عليه وسلم - توهَّم نفسك الآن وأنت واقف على حوض صاحب الحوض، والناس قد لهثت ألسنتهم من شدة العطش، والحبيب - صلى الله عليه وسلم - يسقي أصحابه، وبينما هو كذلك إذا رأيت الملائكة تَطرُد أقوامًا من على الحوض؛ ينظر النبي صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة إليهم وهم يطردون، تُرى ما الخطأ أو الذنب الذي وقع فيه هؤلاء؟ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ ‌سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، مَنْ وَرَدَهُ شَرِبَ مِنْهُ، وَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ أَبَدًا، لَيَرِدُ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ‌ثُمَّ ‌يُحَالُ ‌بَيْنِي ‌وَبَيْنَهُمْ»)[1].

تاسعًا: الخوف من الله:
معاشر الموحدين، إن الخوف من الله تعالى ومن سخطه، يحمل الإنسان منا على طاعة الله تعالى، والمسارعة إلى فعل الخيرات وترك المنكرات، فالخوف سوطٌ تُساق به النفوس الشاردة عن بابه - سبحانه وتعالى - وهو شرط الإيمان؛ كما أخبر بذلك الملك الديان: ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175].

فهيَّا إخوة الإسلام لنرى كيف سيكون الخوف من الله تعالى سبيلًا من سبل النجاة، فالخوف من الله يرفع الخوف عن الخائف يوم القيامة؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ جَلَّ وَعَلَا قَالَ: "‌وَعِزَّتِي ‌لَا ‌أَجْمَعُ ‌عَلَى ‌عَبْدِي خَوْفَيْنِ وَأَمْنَيْنِ إِذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِذَا أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أخفته يوم القيامة"[2].

عاشرًا: كن من أهل سورتي البقرة وآل عمران:
في ذلك اليوم العظيم العصيب الشديد، والقرآن ظل لأصحابه، بل سورة البقرة وآل عمران تظلان صاحبهما يوم القيامة؛ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ حَدَّثَهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ شَافِعٌ لِأَصْحَابِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ‌اقْرَؤُوا ‌الزَّهْرَاوَيْنِ: ‌الْبَقَرَةَ، وَآلَ عِمْرَانَ؛ فَإِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ يُحَاجَّانِ عَنْ أَهْلِهِمَا"، ثُمَّ قَالَ: "اقْرَؤُوا الْبَقَرَةَ؛ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ"[3]؛ أي: تظلان من قرأهما وحفِظهما، وعقَل معناهما وعمل بهما، فلك من أجر الظل في البقرة وآل عمران بقدر ما معك من مصاحبتهما.


[1] أخرجه البخاري (7050) و(7051) وأخرجه مسلم (2290) و(2291).

[2] أخرجه أيضًا: ابن حبان (2/406، رقم 640)، والدارقطني في العلل (8/38، رقم 1396).

[3] صحيح مسلم (1/ 553 رقم 804).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.66 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.82%)]