عرض مشاركة واحدة
  #144  
قديم 14-05-2022, 01:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
(143)


آثار الإنفاق على النفس والمجتمع (2-4)



رابعًا: الزكاة والإنفاق شكر لله عز وجل:

إذا أغدق الله تعالى على عبده بالنعم، ويسّر عليه مسؤوليات الحياة، وساق إليه الأرزاق من كل جانب، فإن من الواجب شكر هذه النعمة، وذلك بالحفاظ على المال وعدم الإسراف فيه وإنفاقه في وجوه الخير المختلفة، بالزكاة أو الصدقة أو التبرع لجهات خيرية أو الوقف على مصالح المسلمين، وهذا جزء من

شكر النعمة التي خصه الله بها، وقد توعد الله على ذلك بالزيادة والبركة، كما توعّد على كفر النعمة وابتذالها وحرمان الناس منها بالعذاب والعقاب فقال:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}(1).

فالمال عزيز على النفس، فإذا أخرجه صاحبه طاعة لله كان ذلك شكرًا لله له جلّ وعلا، وقد كان عليه الصلاة والسلام قدوة في العطاء والإنفاق، يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: ما سُئل رسولُ الله ﷺ على الإسلام شيئاً إلا أعطاهُ، ولقد جاءه رجلٌ، فأعطاه غنماً بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا، فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وإن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يلبث إلا يسيرًا حتى يكُون الإسلامُ أحب إليه من الدنيا وما عليها(2).

وقد ضرب الله أمثلة وأورد قصصًا على المنفق الذي يشكره جل وعلا على نعمه وآلائه، والممسك الذي يكفر نعمة الله عليه ويرجع الأمر إلى نفسه.

فالمثال الأول: قصة نبي الله سليمان عليه السلام، حيث أنعم الله عليه بالمال والملك، وسخر له الريح والجان، ومخاطبة الطيور والدواب، فقابل ذلك بشكر الله تعالى والثناء عليه وطاعته والإنفاق في سبيله، قال تعالى:{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ۖ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ ۖ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ . يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}(3).

المثال الثاني: قصة قارون، الذي آتاه الله من المال والذهب ما لم يأته أحدًا في عصره، فقابل هذه النعمة بالتجبر والتكبر على الله وعلى عباده، وقال إنما جمعت هذا المال بعلمي وعملي، فأخزاه الله تعالى وخسف به وبداره الأرض جزاء لهذا التصور والسلوك، يقول تبارك وتعالى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ . وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ . قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ . فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ . وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ . فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ . وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ . تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ . مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا ۖ وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(4).

خامسًا: الإنفاق ينمي المال، ويزيده:

كما يضاعف الإنفاق من الحسنات ويزيد من الأجر والثواب فإنه في الوقت نفسه ينمّي المال ويزيده، لقوله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ . لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ}(5).

وأخبر الله تعالى أن ما ينفق في سبيله من مال أو متاع أو أعيان، فإنه يعوّضه ويزيده أضعافًا دون أن ينقص ذلك من ملكه شيء، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}(6).

بل إن الملائكة الكرام تدعو للمنفق كل صباح وأن يبارك له في رزقه ويخلفه أفضل مما أنفق، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا«(7).

فلا يخش أحد على ماله إذا أخرج منه زكاته، أو تصدق ببعضه على إخوانه الضعفاء، ولا يخش الفقر أو الحاجة أبدًا، لأن الرسول ﷺ بشّره بنماء هذا المال وزيادته، يقول عليه الصلاة والسلام: «ما نقصت صدقة من مال، بل تزده بل تزده»(8). وربما تكون هذه الزيادة أحيانًا بوضع البركة في المال، بحيث يكفي المال القليل لقضاء حوائج كثيرة، وهي حقيقة يلمسها الجميع في واقع الناس.

كما جاء في الصحيح أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ: «بينما رجل يمشي بفلاة من الأرض فسمع صوتًا في سحابة: اسق حديقة فلان. فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة، فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته. فقال له: يا عبدالله ما اسمك؟ قال: فلان، للاسم الذي سمع في السحابة. فقال له: يا عبدالله لم تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمعت صوتًا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان لاسمك. فما تصنع فيها؟ فقال: أما إذ قلت هذا فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثًا، وأردّ فيها ثلثه«(9).

وكما توعّد الله تعالى بزيادة المال وتنميته لصاحبه إذا أنفق في وجوه الخير، فإنه تعالى توعّد الذين يتعاملون مع هذا المال بالحرام في الكسب والإنفاق بالمحق والزوال، فقال: { يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}(10).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)
[إبراهيم: 7]


(2)
أخرجه مسلم (ص1021، رقم 2312) كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول الله ﷺ شيئًا قط فقال: لا.


(3)
[سبأ: 12-13]


(4)
[القصص: 76-84]


(5)
[فاطر: 29-30]


(6)
[سبأ: 39]


(7)
أخرجه البخاري (ص233، رقم 1442) كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى: ﴿﴾. ومسلم (ص408، رقم 1010) كتاب الزكاة، باب في المنفق والممسك.



(8)
أخرجه مسلم (ص1131، رقم 2588) كتاب البر والصلة، باب استحباب العفو والتواضع.


(9)
أخرجه مسلم (ص1291، رقم 2984) كتاب الزهد، باب فضل الإنفاق على المساكين وابن السبيل.


(10)
[البقرة: 276]




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.30 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.67 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.94%)]