عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 07-01-2023, 10:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن السعادة الزوجية

فن السعادة الزوجية (2)
- طريق السعادة


لقد اهتم الإسلام بالحياة الزوجية اهتماماً كبيراً، وسمى الله عقد الزواج الذي يجمع بين الرجل والمرأة بالميثاق الغليظ، كما في قوله -تعالى-: {وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً} (النساء:21)؛ لأن صلاح الأسرة يؤدي إلى صلاح المجتمع، وفساد الأسرة يؤدي إلى فساد المجتمع؛ لذلك وضعت الشريعة قواعد ثابتة للحياة الزوجية، ولم تترك شيئاً يلزم هذه الحياة إلا بيَّنت حكم الله فيه، وبينت لكل من الزوجين ما له وما عليه، وحذرت من كل ما يكدر صفو العلاقة الزوجية، بل وتوعدت كل من تسول له نفسه إفساد هذه العلاقة بأشد العذاب؛ لذلك كانت هذه السلسلة التي نستكشف فيها أسباب السعادة الزوجية.
طريـق السعـادة
اعلم أيها الزوج الكريم، وأيتها الزوجة المصونة أن الطريق إلى كل سعادة وهناء في الحياة الدنيا إنما هو بالإيمان بالله والعمل الصالح، قال -تعالى-: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل:97)، ففي هذه الآية وعد من الله -عز وجل- لمن آمن به وعمل صالحاً: أي بفعل المأمور، وترك المحظور، أن يسعده في حياته الدنيوية بطمأنينة القلب، وسكون النفس، وراحة البال، ويرزقه حلالاً طيباً من حيث لا يحتسب، وفي الآخرة {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
الجزاء من جنس العمل
يقول ابن سعدي -رحمه الله-: «من أصناف اللذات مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. فيؤتيه الله في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة»، فالجزاء من جنس العمل، فمن أصلح ما بينه وبين الله؛ أصلح الله ما بينه وبين الخلق، أما من أعرض عن ذكره فجزاؤه كما قال -تعالى-: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا..} (طه:124)، وهذا وعيد من الله لمن أعرض عن دينه وشريعته، أن يصيبه ضيق ومشقة، قال بعض المفسرين: هو الهم والغم والآلام، وكل ذلك عذاب معجل من الله للمعرضين عن دينه، وعذاب الآخرة أشد.

مشكلا تكدِّر صفو الحياة

ولا شك أن ما يتعرض له الزوجان في حياتهما الزوجية، من مشكلات تكدِّر صفو حياتهما هو ابتلاء ومصيبة مقدرة، قد تكون بسبب التقصير في حق الله -تعالى-، أو بسبب ذنوب ارتكبها الزوجان أو أحدهما، قال -تعالى-: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} (الشورى:30) وقال بعض السلف: «إني أجد أثر المعصية في خلق زوجي وخادمي ودابَّتي»، فينبغي للزوجين أن يراجعا نفسهما وعلاقتهما مع الله، فيصححا ما فيها من التقصير، وذلك يتطلب منهما التوبة النصوح من أي معصية.
تمحيص بالابتلاء
وقد تكون المشكلات بسبب محبة الله -تعالى- للزوجين لصلاحهما، وهذا تمحيص بالابتلاء كما قال -تعالى-: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} (العنكبوت:2) فما كان بسبب الصلاح فثواب من الله على الابتلاء، وما كان بسبب المعصية ففيه تكفير للذنوب، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله.

تـنازل عن النظرة المثاليـة
ينبغي للزوجين أن يوطنا نفسهما على حياة زوجية يتعذر فيها الكمال الإيماني والأخلاقي والتعاملي في الجنس البشري عموما، والنساء خصوصا، فمن يريد زوجة كاملة من كل ما يجب ويستحب من الأخلاق والصفات والمعاملة، فلن يجدها إلا في الجنة. أما الدنيا فمستحيل أن تجد امرأة بهذا الكمال، حسناء جميلة في صورتها، وطاهية بارعة لألوان الطعام، ملبية لرغبات زوجها في كل وقت، صابرة محتسبة لأذاه، مديرة لشؤون بيتها على أكمل وجه، راعية لأولادها، ومعلمة لهم بلا كلال ولا مَلال، لا يظهر عليها أثر الضيق والتبرم بما تلقى من زوجها وأولادها، هذا لا يمكن وجوده في الواقع البشري. وفي المقابل نرى بعض الزوجات تريد زوجاً كاملاً من كل ما يجب ويستحب من الإيمان والأخلاق والمعاملة، تريده كريماً لا يرد لها طلباً، ودوداً، رحيماً، مادحاً لها على الدوام، رفيقاً، صابراً على جهلها وأذاها، ليناً حانياً، مؤثراً لها على نفسه، فهذا أمر متعذِّر جداً في الرجال، ولن تجده المرأة في كل الرجال.

الكمال مستحيل
إن من يأمل الكمال الديني والأخلاقي والتعاملي في زوجه شريك حياته، فلن تصفو له الحياة الزوجية، لكن العاقل من الأزواج هو الذي يرضى باليسير، ويقبل المستطاع من أخلاق شريك حياته وصفاته، ولا ينشد الكمال في كل شيء، حتى تدوم الحياة الزوجية بلا منغصات ولا مشكلات.

لا يفرك مؤمن مؤمنة
وتأمل حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه مسلم في صحيحه: يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر» (كتاب النكاح، باب لا يفرك مؤمنة مؤمنة).
معنى هذا الحديث: لا يبغض المؤمن زوجته المؤمنة لخلق كرهه منها، ما دام أنه رضي منها أخلاقاً أخرى، فقد لا تكون جميلة في نظر زوجها بالقدر الكافي، لكنها صاحبة خلق حسن. ومعنى ذلك: ليشفع خلقها الحسن، لخلقها السيئ الذي كرهه منها زوجها. وهذا الحديث فيه إشارة إلى المعنى المتقدم، أنك لن تجد زوجة كاملة، وعليك أن ترضى باليسير من الأخلاق والمعاملة، حتى تدوم الحياة الزوجية، وفي هذا المعنى يقول -تعالى-: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (النساء:19)، فلنتنازل عن النظرة المثالية التي لا مكان لها على أرض الواقع.
الرضا باليسير والممكن والمعقول
يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي -رحمه الله- في التعليق على هذا الحديث فيما معناه: «وإن كان هذا الحديث في العشرة الزوجية فهو ينطبق على كل المتعاملين، فمن أراد دوام المحبة والألفة والتعاون ودوام الإحسان والبر والصلة فليرض باليسير والممكن والمعقول من المعاملة والإخاء والبر والإحسان، أما طلب الكمال في الأخلاق والمعاملة مع كل من نعاملهم، فهذا يعني أننا لن نجد من نعامله!».
الشيخ محمد السنين



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.76 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.08%)]