عرض مشاركة واحدة
  #165  
قديم 07-08-2022, 10:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,434
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ آل عمران
المجلد الخامس
الحلقة( 165)

من صــ 1 الى صـ 10





ورواه أبو داود في الناسخ والمنسوخ وهذا يناسب الواقع؛ فإن الغالب على أهل مكة كان الجهر بها وأما أهل المدينة والشام والكوفة فلم يكونوا يجهرون بها وكذلك أكثر البصريين وبعضهم كان يجهر بها ولهذا سألوا أنسا عن ذلك. ولعل النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بها بعض الأحيان أو جهرا خفيفا إذا كان ذلك محفوظا وإذا كان في نفس كتب الحديث أنه فعل هذا مرة وهذا مرة زالت الشبهة.
وأما القنوت فأمره بين لا شبهة فيه عند التأمل التام؛ فإنه قد ثبت في الصحاح {عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت في الفجر مرة يدعو على رعل وذكوان وعصية ثم تركه} ولم يكن تركه نسخا له لأنه ثبت عنه في الصحاح أنه قنت بعد ذلك يدعو للمسلمين: مثل الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام والمستضعفين من المؤمنين ويدعو على مضر وثبت عنه أنه قنت أيضا في المغرب والعشاء وسائر الصلوات قنوت استنصار. فهذا في الجملة منقول ثابت عنه لكن اعتقد بعض العلماء من الكوفيين أنه تركه ترك نسخ فاعتقد أن القنوت منسوخ واعتقد بعضهم من المكيين أنه ما زال يقنت في الفجر القنوت المتنازع فيه حتى فارق الدنيا والذي عليه أهل المعرفة بالحديث أنه قنت لسبب وتركه لزوال السبب.

فالقنوت من السنن العوارض لا الرواتب؛ لأنه ثبت أنه تركه لما زال العارض ثم عاد إليه مرة أخرى ثم تركه لما زال العارض وثبت في الصحاح أنه لم يقنت بعد الركوع إلا شهرا هكذا ثبت عن أنس وغيره ولم ينقل أحد قط عنه أنه قنت القنوت المتنازع فيه لا قبل الركوع ولا بعده ولا في كتب الصحاح والسنن شيء من ذلك بل قد أنكر ذلك الصحابة كابن عمر وأبي مالك الأشجعي وغيرهما. ومن المعلوم قطعا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لو كان كل يوم يقنت قنوتا يجهر به لكان له فيه دعاء ينقله بعض الصحابة فإنهم نقلوا ما كان يقوله في القنوت العارض وقنوت الوتر فالقنوت الراتب أولى أن ينقل دعاؤه فيه فإذا كان الذي نستحبه إنما يدعو فيه لقنوت الوتر علم أنه ليس فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا مما يعلم باليقين القطعي كما يعلم عدم النص على هذا وأمثاله فإنه من الممتنع أن يكون الصحابة كلهم أهملوا نقل ذلك فإنه مما يعلم بطلانه قطعا. وكذلك المأثور عن الصحابة مثل عمر وعلي وغيرهما هو القنوت العارض قنوت النوازل ودعاء عمر فيه وهو قوله: " اللهم عذب كفرة أهل الكتاب " إلخ. يقتضي أنه دعا به عند قتله للنصارى وكذلك دعاء علي عند قتاله لبعض أهل القبلة. والحديث الذي فيه عن أنس: {أنه لم يزل يقنت حتى فارق الدنيا} مع ضعف في إسناده وأنه ليس في السنن إنما فيه القنوت قبل الركوع. وفي الصحاح عن أنس أنه قال: {لم يقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع إلا شهرا} والقنوت قبل الركوع هو القيام الطويل؛ إذ لفظ القنوت معناه دوام الطاعة فتارة يكون في السجود وتارة يكون في القيام كما قد بيناه في غير هذا الموضع.
وأما حجة الوداع وإن اشتبهت على كثير من الناس فإنما أتوا من جهة الألفاظ المشتركة حيث سمعوا بعض الصحابة يقول: إنه تمتع بالعمرة إلى الحج وهؤلاء أيضا يقولون إنه أفرد الحج ويقول بعضهم إنه قرن العمرة إلى الحج ولا خلاف في ذلك. فإنهم لم يختلفوا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل من إحرامه وأنه كان قد ساق الهدي ونحره يوم النحر وأنه لم يعتمر بعد الحجة في ذلك العام لا هو ولا أحد من أصحابه إلا عائشة أمر أخاها أن يعمرها من التنعيم أدنى الحل وكذلك الأحاديث الصحيحة عنه فيها أنه لم يطف بالصفا والمروة إلا مرة واحدة مع طوافه الأول. فالذين نقلوا أنه أفرد الحج صدقوا لأنه أفرد أعمال الحج لم يقرن بها عمل العمرة كما يتوهم من يقول إن القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين ولم يتمتع تمتعا حل به من إحرامه كما يفعله المتمتع الذي لم يسق الهدي؛ بل قد أمر جميع أصحابه الذين لم يسوقوا الهدي أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة ويهلوا بالحج بعد قضاء عمرتهم. اهـ
(ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم (105) يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون (106)
(فصل في الاختلاف الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم)

قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:
وعن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على اثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة - يعني الأهواء - كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة».

وقال: «إنه سيخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه، فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله، والله يا معشر العرب لئن لم تقوموا بما جاء به محمد لغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به».
هذا حديث محفوظ من حديث صفوان بن عمرو عن الأزهر بن عبد الله الحرازي عن أبي عامر عبد الله بن لحي عن معاوية. رواه عنه غير واحد، منهم: أبو اليمان وبقية وأبو المغيرة. رواه أحمد وأبو داود في سننه.
وقد روى ابن ماجه هذا المعنى من حديث صفوان بن عمرو، عن راشد بن سعد عن عوف بن مالك الأشجعي ويروى من وجوه أخرى، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بافتراق أمته على ثلاث وسبعين فرقة، واثنتان وسبعون؛ لا ريب أنهم الذين خاضوا كخوض الذين من قبلهم.
ثم هذا الاختلاف الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم إما في الدين فقط، وإما في الدين والدنيا ثم قد يؤول إلى الدماء وقد يكون الاختلاف في الدنيا فقط.
وهذا الاختلاف الذي دلت عليه هذه الأحاديث، هو مما نهي عنه في قوله سبحانه: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا} [آل عمران: 105].
وقوله: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء} [الأنعام: 159] وقوله: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل} [الأنعام: 153] وهو موافق لما رواه مسلم في صحيحه، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه «أنه أقبل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه، من العالية حتى إذا مر بمسجد بني معاوية دخل فركع فيه ركعتين وصلينا معه ودعا ربه طويلا، ثم انصرف إلينا فقال: " سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة: سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها وسألت ربي أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها».
وروى أيضا في صحيحه عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها، وأعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض وإني سألت ربي لأمتي: أن لا يهلكها بسنة بعامة، وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم وإن ربي قال: يا محمد إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة بعامة وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها - أو قال: من بين أقطارها - حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا».

ورواه البرقاني في صحيحه وزاد: «وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى يعبد فئام من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى».

وهذا المعنى محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه، يشير إلى أن التفرقة والاختلاف لا بد من وقوعهما في الأمة، وكان يحذر أمته؛ لينجو منه من شاء الله له السلامة، كما روى النزال بن سبرة عن عبد الله بن مسعود قال: «سمعت رجلا قرأ آية سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها، فأخذت بيده، فانطلقت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فعرفت في وجهه الكراهية، وقال: " كلاكما محسن، ولا تختلفوا؛ فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا» رواه مسلم.
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاختلاف الذي فيه جحد كل واحد من المختلفين ما مع الآخر من الحق؛ لأن كلا القارئين كان محسنا فيما قرأه،وعلل ذلك: بأن من كان قبلنا اختلفوا فهلكوا.
ولهذا قال حذيفة لعثمان " أدرك هذه الأمة، لا تختلف في الكتاب كما اختلف فيه الأمم قبلهم " لما رأى أهل الشام والعراق يختلفون في حروف القرآن، الاختلاف الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
فأفاد ذلك بشيئين: أحدهما: تحريم الاختلاف في مثل هذا.
والثاني: الاعتبار بمن كان قبلنا، والحذر من مشابهتهم.

واعلم أن أكثر الاختلاف بين الأمة الذي يورث الأهواء؛ تجده من هذا الضرب، وهو: أن يكون كل واحد من المختلفين مصيبا فيما يثبته، أو في بعضه مخطئا في نفي ما عليه الآخر، كما أن القارئين كل منهما كان مصيبا في القراءة بالحرف الذي علمه، مخطئا في نفي حرف غيره؛ فإن أكثر الجهل إنما يقع في النفي الذي هو الجحود والتكذيب، لا في الإثبات، لأن إحاطة الإنسان بما يثبته أيسر من إحاطته بما ينفيه ولهذا نهيت هذه الأمة أن تضرب آيات الله بعضها ببعض؛ لأن مضمون الضرب: الإيمان بإحدى الآيتين والكفر بالأخرى - إذا اعتقد أن بينهما تضادا - إذ الضدان لا يجتمعان.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.30 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.61%)]