عرض مشاركة واحدة
  #155  
قديم 29-07-2022, 07:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله




كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (155)
صــــــــــ 78 الى صـــــــــــ84




باب من قال : لا يورث أحد حتى يموت .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله عز وجل { إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك ، وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } وقال الله عز وجل { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم [ ص: 78 ] يكن لهن ولد } وقال عز وعلا { ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد } وقال : النبي صلى الله عليه وسلم { لا يرث المسلم الكافر } .

( قال الشافعي ) وكان معقولا عن الله عز وجل ثم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم في لسان العرب وقول عوام أهل العلم ببلدنا أن امرأ لا يكون موروثا أبدا حتى يموت ، فإذا مات كان موروثا وأن الأحياء خلاف الموتى فمن ورث حيا دخل عليه - والله تعالى أعلم - خلاف حكم الله - عز وجل - وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : والناس معنا بهذا لم يختلف في جملته وقلنا به في المفقود وقلنا لا يقسم ماله حتى يعلم يقين وفاته .

وقضى عمر وعثمان في امرأته بأن تتربص أربع سنين ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا ، وقد يفرق بين الرجل والمرأة بالعجز عن إصابتها . ونفرق نحن بالعجز عن نفقتها وهاتان سببا ضرر ، والمفقود قد يكون سبب ضرر أشد من ذلك ، فعاب بعض المشرقيين القضاء في المفقود ، وفيه قول عمر وعثمان وما وصفنا مما يقولون فيه بقولنا ويخالفونا ، وقالوا : كيف يقضي لامرأته بأن يكون ميتا بعد مدة ، ولم يأت يقين موته ؟ ثم دخلوا في أعظم مما عابوا خلاف الكتاب والسنة . وجملة ما عابوا ، فقالوا في الرجل يرتد في ثغر من ثغور المسلمين فيلحق بمسلحة من مسالح المشركين فيكون قائما فيها يترهب ، أو جاء إلينا مقاتلا يقسم ميراثه بين ورثته المسلمين وتحل ديونه ويعتق مدبروه وأمهات أولاده ويحكم عليه حكم الموتى في جميع أمره ثم يعود لما حكم به عليه فيقول فيه قولا متناقضا خارجا كله من أقاويل الناس والقياس والمعقول .

( قال الشافعي ) فقال : ما وصفت بعض من هو أعلمهم عندهم ، أو كأعلمهم فقلت له ما وصفت ، وقلت : له أسألك عن قولك ، فقد زعمت أن حراما أن يقول أحد أبدا قولا ليس خبرا لازما ، أو قياسا أقولك في أن يورث المرتد ، وهو حي إذا لحق بدار الكفر خبرا ، أو قياسا ؟ فقال : أما خبر فلا ، فقلت : فقياس ؟ قال : نعم من وجه ، قلت فأوجدنا ذلك الوجه قال : ألا ترى أنه لو كان معي في الدار وكنت قادرا عليه قتلته ؟ فقلت فإن لم تكن قادرا عليه فتقتله أفمقتول هو أم ميت بلا قتل ؟ قال : لا قلت : فكيف حكمت عليه حكم الموتى ، وهو غير ميت ؟ أورأيت لو كانت علتك بأنك لو قدرت عليه في حاله تلك فقتلته فجعلته في حكم الموتى فكان هاربا في بلاد الإسلام مقيما على الردة دهرا من دهره أتقسم ميراثه ؟ قال : لا ، قلت : فأسمع علتك بأنك لو قدرت عليه قتلته . قال : فإن لم تقدر عليه حكم عليه حكم الموتى كانت باطلا عندك فرجعت إلى الحق عندك في أن لا تقتله إذا كان هاربا في بلاد الإسلام وأنت لو قدرت عليه قتلته .

ولو كانت عندك حقا فتركت الحق في قتله إذا كان هاربا في بلاد الإسلام . قلت : فإنما قسمت ميراثه بلحوقه بدار الكفر دون الموت ؟ قال : نعم ، قلت : فالمسلم يلحق بدار الكفر أيقسم ميراثه إذا كان في دار لا يجري عليه فيها الحكم ؟ قال : لا . قلنا فالدار لا تميت أحدا ، ولا تحييه ، فهو حي حيث كان حيا وميت حيث كان ميتا .

قال نعم : قلنا أفتستدرك على أحد أبدا بشيء من جهة الرأي أقبح أن تقول الحي ميت ؟ أرأيت لو تابعك أحد على أن تزعم أن حيا يقسم ميراثه ما كان يجب عليك أن من تابعك على هذا مغلوب على عقله ، أو غبي لا يسمع منه . فكيف إذا كان الكتاب والسنة يدلان معا على دلالة المعقول على خلافكما معا ؟ .

( قال الشافعي ) وقلت : له عبتم على من قال : قول عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما في امرأة المفقود ومن أصل ما تذهبون كما تزعمون أن الواحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال : قولا كان قوله غاية ينتهى إليها وقبلتم عن عمر أنه قال : إذا أرخيت الستور وجب المهر والعدة ورددتم على من تأول الآيتين وهما قول الله عز وجل { ، وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } وقوله { فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } ، وقد روي هذا [ ص: 79 ] عن ابن عباس وشريح وذهبنا إلى أن الإرخاء والإغلاق لا يصنع شيئا إنما يصنعه المسيس فكيف لم تجيزوا لمن تأول على قول عمر وقال : بقول ابن عباس ؟ وقلتم عمر في إمامته أعلم بمعنى القرآن ، ثم امتنعتم من القبول عن عمر وعثمان القضاء في امرأة المفقود وهما لم يقضيا في ماله بشيء علمناه ، وقلتم لا يجوز أن يحكم عليه حكم الموتى قبل أن تستيقن وفاته ، وإن طال زمانه .

ثم زعمتم أنكم تحكمون على رجل حكم الموت وأنت على يقين من حياته في طرفة عين فلقلما رأيتكم عبتم على أحد في الأخبار التي انتهى إليها شيئا قط إلا قلتم من جهة الرأي بمثله وأولى أن يكون معيبا فأي جهل أبين من أن تعيب في الخبر الذي هو عندك فيما تزعم ؟ غاية ما نقول من جهة الرأي ما عبت منه ، أو مثله ، وقلت لبعضهم : أرأيت قولك لو لم يعب بخلاف كتاب ، ولا سنة ، ولا إجماع ، ولا قياس ، ولا معقول وسكت لك عن هذا كله ، ألا يكون قولك معيبا بلسانك ؟ .

( قال ) وأين ؟ قلت : أرأيت إذا كانت الردة اللحوق بدار الحرب يوجب عليه حكم الموت لم زعمت أن القاضي إن فرط ، أو لم يرفع ذلك إليه حتى يمضي سنين ، وهو في دار الحرب . ثم رجع قبل أن يحكم القاضي مسلما أنه على أصل ملكه ، ولم زعمت أن القاضي إن حكم في طرفة عين عليه بحكم الموت ثم رجع مسلما كان الحكم ماضيا في بعض دون بعض ؟ ما زعمت أن حكم الموت يجب عليه بالردة واللحوق بدار الحرب ; لأنك لو زعمت ذلك ، قلت : لو رجع مسلما أنفذ عليه الحكم ; لأنه وجب ، ولو زعمت أن الحكم إذا أنفذ عليه ورجع مسلما رد الحكم فلا ينفذ فأنت زعمت أن ينفذ بعضا ويرد بعضا .

( قال ) وما ذلك ؟ قلت : زعمت أنه يعتق مدبروه وأمهات أولاده ويعطي غريمه الذي حقه إلى ثلاثين سنة حالا ويقسم ميراثه فيأتي مسلما ومدبروه وأمهات أولاده وماله قائم في يدي غريمه يقر به ويشهد عليه ولا يرد من هذا شيئا ، وهو ماله بعينه فكل مال في يدي الغريم ماله بعينه وتقول لا ينقض الحكم . ثم تنزع ميراثه من يدي ورثته فكيف نقضت بعض الحكم دون بعض ؟ قال : قلت : هو ماله بعينه لم يحلل له ومدبروه وأمهات أولاده بأعيانهم . ثم زعمت أنه ينقض الحكم للورثة وأنه إن استهلك بعضهم ماله ، وهو موسر لم يغرمه إياه ، وإن لم يستهلكه بعضهم أخذته ممن لم يستهلكه هل يستطيع أحد كمل عقله وعلمه لو تخاطأ أن يأتي بأكثر من هذا في الحكم بعينه ؟ أرأيت من نسبتم إليه الضعف من أصحابنا وتعطيل النظر وقلتم إنما يتخرص فيلقى ما جاء على لسانه هل كان تعطيل النظر يدخل عليه أكثر من خلاف كتاب وسنة ، فقد جمعتهما جميعا ، أو خلاف معقول ، أو قياس أو تناقض قول ، فقد جمعته كله فإن كان أخرجك عند نفسك من أن تكون ملوما على هذا إنك أبديته وأنت تعرفه فلا أحسب لمن أتى ما ليس له ، وهو يعرفه عذرا عندنا ; لأنه إذا لم يكن للجاهل بأن يقول من قبل أنه يخطئ ، ولا يعلم فأحسب العالم غير معذور بأن يخطئ ، وهو يعلم .

( قال الشافعي ) فقال : فما تقول أنت ؟ فقلت : أقول إني أقف ماله حتى يموت فأجعله فيئا ، أو يرجع إلى الإسلام فأرده إليه ، ولا أحكم بالموت على حي فيدخل علي بعض ما دخل عليك .
باب رد المواريث

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ، قال الله عز وجل { إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك ، وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } وقال : الله عز وجل { ، وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر [ ص: 80 ] مثل حظ الأنثيين } وقال : { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها ، أو دين } وقال : تعالى { ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم } وقال : عز اسمه { ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد ، فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس } .

( قال الشافعي ) فهذه الآي في المواريث كلها تدل على أن الله عز وجل انتهى بمن سمى له فريضة إلى شيء ، فلا ينبغي لأحد أن يزيد من انتهى الله به إلى شيء غير ما انتهى به ، ولا ينقصه فبذلك قلنا : لا يجوز رد المواريث .

( قال الشافعي ) وإذا ترك الرجل أخته أعطيتها نصف ما ترك وكان ما بقي للعصبة فإن لم تكن عصبة فلمواليه الذين أعتقوه ، فإن لم يكن له موال أعتقوه كان النصف مردودا على جماعة المسلمين من أهل بلده ، ولا تزاد أخته على النصف ، وكذلك لا يرد على وارث ذي قرابة ، ولا زوج ، ولا زوجة له فريضة ، ولا تجاوز بذي فريضة فريضته والقرآن إن شاء الله تعالى يدل على هذا ، وهو قول زيد بن ثابت وقول الأكثر ممن لقيت من أصحابنا .
باب الخلاف في رد المواريث

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فقال لي بعض الناس إذا ترك الميت أخته ، ولا وارث له غيرها ، ولا مولى أعطيت الأخت المال كله ، قال : فقلت لبعض من يقول هذا إلى أي شيء ذهبتم ؟ قال : ذهبنا إلى أن روينا عن علي بن أبي طالب وابن مسعود رد المواريث فقلت : له ما هو عن واحد منهما فيما علمته بثابت ، ولو كان ثابتا كنت قد تركت عليهما أقاويل لهما في الفرائض غير قليلة لقول زيد بن ثابت فكيف إن كان زيد لا يقول بقولهما لا يرد المواريث لم لم تتبعه دونهما كما اتبعته دونهما في غير هذا من الفرائض ؟ .

( قال الشافعي ) فقال : فدع هذا ، ولكن أرأيت إذا اختلف القولان في رد المواريث أليس يلزمنا أن نصير إلى أشبه القولين بكتاب الله تبارك وتعالى ؟ قلنا بلى قال فعدهما خالفاه أي القولين أشبه بكتاب الله تبارك وتعالى ؟ قلنا قول زيد بن ثابت لا شك إن شاء الله تعالى قال : وأين الدلالة على موافقة قولكم في كتاب الله عز وجل دون قولنا ؟ قلت قال الله عز وجل { إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك ، وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } وقال : { فإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين } فذكر الأخت منفردة فانتهى بها إلى النصف وذكر الأخ منفردا فانتهى به إلى الكل وذكر الأخ والأخت مجتمعين فجعلها على النصف من الأخ في الاجتماع كما جعلها في الانفراد أفرأيت إن أعطيتها الكل منفردة أليس قد خالفت حكم الله تبارك وتعالى نصا ؟ لأن الله عز وجل انتهى بها إلى النصف وخالفت معنى حكم الله إذ سويتها به ، وقد جعلها الله تبارك وتعالى معه على النصف منه .

( قال الشافعي ) فقلت له وآي المواريث كلها تدل على خلاف رد المواريث قال : فقال أرأيت إن قلت : لا أعطيها النصف الباقي ميراثا ؟ قلت : له قل ما شئت قال : أراها موضعه قلت : فإن رأى غيرك غيرها موضعه فأعطاها جارة له محتاجة ، أو جارا له محتاجا أو غريبا محتاجا ؟ قال : فليس له ذلك قلت : ولا لك بل هذا أعذر منك ، هذا لم يخالف حكم الكتاب نصا ، وإنما خالف قول عوام المسلمين ; لأن عوام منهم يقولون هو لجماعة المسلمين .
[ ص: 81 ] باب المواريث أخبرنا الربيع بن سليمان قال : ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني } وقال عز وجل { وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر } فنسب إبراهيم إلى أبيه وأبوه كافر ونسب ابن نوح إلى أبيه نوح وابنه كافر وقال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم في زيد بن حارثة { ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم } وقال : تبارك وتعالى { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه } فنسب الموالي نسبان أحدهما إلى الآباء والآخر إلى الولاء وجعل الولاء بالنعمة وقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم { ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرطه أوثق ، وإنما الولاء لمن أعتقه } فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الولاء إنما يكون للمعتق قال وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب } فدل الكتاب والسنة على أن الولاء إنما يكون بمتقدم فعل من المعتق كما يكون النسب بمتقدم ولاد من الأب ، ألا ترى أن رجلا لو كان لا أب له يعرف جاء رجلا فسأل أن ينسبه إلى نفسه ورضي ذلك الرجل لم يجز أن يكون له ابنا أبدا فيكون مدخلا به على عاقلته مظلمة في أن يعقلوا عنه ويكون ناسبا إلى نفسه غير من ولد ، وإنما قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم { الولد للفراش } ، وكذلك إذا لم يعتق الرجل الرجل لم يجز أن يكون منسوبا إليه بالولاء فيدخل على عاقلته المظلمة في عقلهم عنه وينسب إلى نفسه ولاء من لم يعتق ، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الولاء لمن أعتق } فبين في قوله { إنما الولاء لمن أعتق } أنه لا يكون الولاء إلا لمن أعتق ، أولا ترى أن رجلا لو أمر ابنه أن ينتسب إلى غيره ، أو ينتفي من نسبه وتراضيا على ذلك لم تنقطع أبوته عنه بما أثبت الله عز وجل لكل واحد منهما على صاحبه ؟ أولا ترى أنه لو أعتق عبدا له ثم أذن له بعد العتق أن يوالي من شاء أو ينتفي من ولايته ورضي بذلك المعتق لم يكن لواحد منهما أن يفعل ذلك لما أثبت الله تعالى عليه من النعمة ؟ فلما كان المولى في المعنى الذي فيه النسب ثبت الولاء بمتقدم المنة كما ثبت النسب بمتقدم الولادة لم يجز أن يفرق بينهما أبدا إلا بسنة ، أو إجماع من أهل العلم وليس في الفرق بينهما في هذا المعنى سنة ، ولا إجماع .

( قال الشافعي ) قد حضرني جماعة من أصحابنا من الحجازيين وغيرهم فكلمني رجل من غيرهم بأن قال إذا أسلم الرجل على يدي رجل فله ولاؤه إذا لم يكن له ولاء نعمة وله أن يوالي من شاء ، وله أن ينتقل بولائه ما لم يعقل عنه ، فإذا عقل عنه لم يكن له أن ينتقل عنه ، وقال لي فما حجتك في ترك هذا ؟ قلت : خلافه ما حكيت من قول الله عز وجل { ادعوهم لآبائهم } الآية وقول النبي صلى الله عليه وسلم { فإنما الولاء لمن أعتق } فدل ذلك على أن النسب يثبت بمتقدم الولاد كما ثبت الولاء بمتقدم العتق ، وليس كذلك الذي يسلم على يدي الرجل ، فكان النسب شبيها بالولاء والولاء شبيها بالنسب ، فقال لي قائل : إنما ذهبت في هذا إلى حديث رواه ابن موهب عن تميم الداري قلت لا يثبت ، قال : أفرأيت إذا كان هذا الحديث ثابتا أيكون مخالفا لما رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم { الولاء لمن أعتق } قلت : لا ، قال : فكيف تقول ؟ .

قلت : أقول : إن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { إنما الولاء لمن أعتق } { ونهيه عن بيع الولاء وعن هبته } ، وقوله { الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ، ولا يوهب } فيمن أعتق ; لأن العتق نسب والنسب لا يحول ، والذي يسلم على يدي الرجل ليس هو المنهي أن يحول ، ولاؤه ، قال : فبهذا قلنا ، فما منعك منه إذا كان الحديثان [ ص: 82 ] محتملين أن يكون لكل واحد منهما وجه ؟ قلت : منعني أنه ليس بثابت ، إنما يرويه عبد العزيز بن عمر عن ابن موهب عن تميم الداري ، وابن موهب ليس بالمعروف عندنا ، ولا نعلمه لقي تميما ، ومثل هذا لا يثبت عندنا ، ولا عندك من قبل أنه مجهول ، ولا نعلمه متصلا ، قال : فإن من حجتنا أن عمر قال : في المنبوذ هو حر ولك ، ولاؤه ، يعني للذي التقطه ، قلت : وهذا لو ثبت عن عمر حجة عليك ; لأنك تخالفه ، قال : ومن أين ؟ قلت : أنت تزعم أنه لا يوالي عن الرجل إلا نفسه بعد أن يعقل ، وأن له إذا والى عن نفسه أن ينتقل بولائه ما لم يعقل عنه ، فإن زعمت أن موالاة عمر عنه ; لأنه وليه جائزة عليه ، فهل لوصي اليتيم أن يوالي عنه ؟ قال : ليس ذلك له ، قلت : فإن زعمت أن ذلك للوالي دون الوصي ، فهل وجدته يجوز للوالي شيء في اليتيم لا يجوز للوصي ؟ فإن زعمت أن ذلك حكم من عمر والحكم لا يجوز عندك على أحد إلا بشيء يلزمه نفسه ، أو فيما لا بد له منه مما لا يصلحه غيره ، ولليتيم بد من الولاء .

فإن قلت : هو حكم فلا يكون له أن ينتقل به فكيف يجوز أن يكون له أن ينتقل إذا عقد على نفسه عقدا ما لم يعقل عنه ، ولا يكون له أن ينتقل إن عقده عليه غيره ؟ .

( قال ) فإن قلت : هو أعلم بمعنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت : ونعارضك بما هو أثبت عن ميمونة وابن عباس من هذا عن عمر بن الخطاب ، قال : وما هو ؟ قلت : وهبت ميمونة ، ولاء بني يسار لابن أختها عبد الله بن عباس فاتهبه ، فهذه زوج النبي صلى الله عليه وسلم وابن عباس وهما اثنان ، قال : فلا يكون في أحد ، ولو كانوا عددا كثيرا مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة ، قلنا : فكيف احتججت بأحد على النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : هكذا يقول بعض أصحابنا ، قلت : أبيت أن تقبل هذا من غيرك ، فقال : من حضرنا من المدنيين هذه حجة ثابتة ، قال فأنتم إن كنتم ترونها ثابتة ، فقد تخالفونها في شيء قالوا ما نخالفها في شيء ، وما نزعم أن الولاء يكون إلا لذي نعمة .

( قال الشافعي ) فقال لي قائل أعتقد عنهم جوابهم ، فأزعم أن للسائبة أن يوالي من شاء ، قلت : لا يجوز هذا إذا كان من احتججنا به من الكتاب والسنة والقياس ، إلا أن يأتي فيه خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أو أمر أجمع الناس عليه فنخرجه من جملة المعتقين اتباعا ، قال : فهم يروون أن حاطبا أعتق سائبة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قلنا ونحن : لا نمنع أحدا أن يعتق سائبة . فهل رويت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ولاء السائبة إليه يوالي من شاء ؟ قال : لا ، قلت : فداخل هو في معنى المعتقين ؟ قال : نعم ، قلت : أفيجوز أن يخرج ، وهو معتق من أن يثبت له وعليه الولاء .

قال : فإنهم يروون أن رجلا قتل سائبة فقضى عمر بعقله على القاتل فقال : أبو القاتل أرأيت لو قتل ابني ؟ قال : إذا لا يغرم ، قال : فهو إذا مثل الأرقم ، قال : عمر فهو مثل الأرقم ، فاستدلوا بأمه لو كانت له عاقلة بالولاء قضى عمر بن الخطاب على عاقلته ؟ قلت فأنت إن كان هذا ثابتا عن عمر محجوج به ، قال : وأين ؟ قلت : تزعم أن ولاء السائبة لمن أعتقه ، قال : فأعفني من ذا فإنما أقوم لهم بقولهم . قلت : فأنت تزعم أن من لا ولاء له من لقيط ومسلم وغيره إذا قتل إنسانا قضى بعقله على جماعة المسلمين ; لأن لهم ميراثه ، وأنت تزعم أن عمر لم يقض بعقله على أحد . قال : وهكذا يقول جميع المفتين . قلت : أفيجوز لجميع المفتين أن يخالفوا عمر ؟ قال : لا هو عن عمر منقطع ليس بثابت . قلت : فكيف احتججت به ؟ قال : لا أعلم [ ص: 83 ] لهم حجة غيره . قلت : فبئس ما قضيت على من قمت بحجته إذا كان احتج بغير حجة عندك ، قال : فعندك في السائبة شيء مخالف لهذا ؟ قلت : إن قبلت الخبر المنقطع فنعم .

( قال الشافعي ) أخبرنا سعيد ومسلم عن ابن جريج عن عطاء أن طارق بن المرقع أعتق أهل أبيات من أهل اليمن سوائب فانقلعوا عن بضعة عشر ألفا فذكر ذلك لعمر بن الخطاب فأمر أن تدفع إلى طارق ، أو إلى ورثة طارق .

( قال الشافعي ) فهذا إن كان ثابتا يدلك على أن عمر يثبت ولاء السائبة لمن سيبه .

وهذا معروف عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه في تركة سالم الذي يقال له سالم مولى أبي حذيفة أن أبا بكر أعطى فضل ميراثه عمرة بنت يعار الأنصارية وكانت أعتقته سائبة . وروي عن ابن مسعود أنه قال : في السائبة شبيها بمعنى ذلك فيما أظن حديث منقطع .

قال : فهل عندك حجة تفرق بين السائبة وبين الذي يسلم على يدي الرجل غير الحديث المنقطع قلت : نعم من القياس . قال : ما هو ؟ قلت : إن الذي يسلم على يدي الرجل وينتقل بولائه إلى موضع إنما ذلك برضا المنتسب والمنسوب إليه وله أن ينتقل بغير رضا من انتسب إليه ، وإن السائبة يقع العتق عليه بلا رضى منه وليس له أن ينتقل منه ، ولو رضي بذلك هو ومعتقه ، وإنه ممن يقع عليه عتق المعتق مع دخوله في جملة المعتقين . كان أهل الجاهلية يبحرون البحيرة ويسيبون السائبة ويوصلون الوصيلة ويعفون الحامي وهذه من الإبل والغنم . فكانوا يقولون في الحامي إذا ضرب في إبل الرجل عشر سنين وقيل : نتج له عشرة حام أي حمى ظهره فلا يحل أن يركب .

ويقولون في الوصيلة وهي من الغنم إذا وصلت بطونا توما ونتج نتاجها فكانوا يمنعونها مما يفعلون بغيرها مثلها ، ويسيبون السائبة . فيقولون قد أعتقناك سائبة ولا ولاء لنا عليك ، ولا ميراث يرجع منك ليكون أكمل لتبررنا فيك . فأنزل الله عز وجل { ما جعل الله من بحيرة ، ولا سائبة ، ولا وصيلة ، ولا حام } الآية فرد الله ثم رسوله صلى الله عليه وسلم الغنم إلى مالكها إذا كان العتق من لا يقع على غير الآدميين ، وكذلك لو أنه أعتق بعيره لم يمنع بالعتق منه إذا حكم الله عز وجل أن يرد إليه ذلك ويبطل الشرط فيه . فكذلك أبطل الشروط في السائبة ورده إلى ، ولاء من أعتقه مع الجملة التي وصفنا لك .

( قال الشافعي ) أخبرنا إبراهيم بن محمد أن عبد الله بن أبي بكر وعبد العزيز أخبراه أن عمر بن عبد العزيز كتب في خلافته في سائبة مات أن يدفع ميراثه إلى الذي أعتقه .

( قال الشافعي ) وإن كانت الكفاية فيما ذكرنا من الكتاب والسنة والقياس . فقال : فما تقول في النصراني يعتق العبد المسلم ؟ قلت : فهو حر . قال : فلمن ولاؤه ؟ قلت : للذي أعتقه . قال : فما الحجة فيه ؟ قلت : ما وصفت لك إذ كان الله عز وجل نسب كافرا إلى مسلم ومسلما إلى كافر والنسب أعظم من الولاء . قال : النصراني لا يرث المسلم ، قلت : وكذلك الأب لا يرث ابنه إذا اختلف أديانهما وليس منعه ميراثه بالذي قطع نسبه منه هو ابنه بحاله إذ كان ثم متقدم الأبوة ، وكذلك العبد مولاه بحاله إذ كان ثم متقدم العتق .

قال : وإن أسلم المعتق ؟ قلت : يرثه . قال : فإن لم يسلم ؟ قلت : فإن كان للمعتق ذوو رحم مسلمون فيرثونه . قال : وما الحجة في هذا ؟ ولم إذا دفعت الذي أعتقه عن ميراثه تورث به غيره إذ لم يرث هو فغيره أولى أن لا يرث بقرابته منه ؟ قلت هذا من شبهك ، قال : فأوجدني الحجة فيما قلت : ؟ قلت : أرأيت الابن إذا كان مسلما فمات وأبوه كافر ؟ قال : لا يرثه قلت : فإن كان له إخوة ، أو أعمام ، أو بنو عم مسلمون ؟ قال : يرثونه ، قلت وبسبب من ورثوه ؟ قلت : بقرابتهم من الأب ، قلت : فقد منعت الأب من الميراث وأعطيتهم بسببه ، قال إنما منعته بالدين فجعلته إذا خالف دينه كأنه ميت وورثته أقرب الناس به ممن هو على دينه قلت : فما منعنا من هذه الحجة في النصراني ؟ قال : هي لك ونحن نقول بها معك ، ولكنا احتججنا لمن خالفك من [ ص: 84 ] أصحابك ، قلت : أو رأيت فيما احتججت به حجة ؟ قال لا وقال : أرأيت إذا مات رجل ، ولا ولاء له ؟ قلت : فميراثه للمسلمين ، قال : بأنهم مواليه ؟ قلت : لا ، ولا يكون المولى إلا معتقا ، وهذا غير معتق ، قال : فإذا لم تورثهم بأنهم موال وليسوا بذوي نسب فكيف أعطيتهم ماله ؟ قلت : لم أعطهموه ميراثا ، ولو أعطيتهموه ميراثا وجب علي أن أعطيه من على الأرض حين يموت كما أجعله لو كانوا معا أعتقوه ، وأنا وأنت إنما نصيره للمسلمين يوضع منهم في خاصة والمال الموروث لا يوضع في خاصة فكان يدخل عليك لو زعمت بأنه ورث بالولاء هذا وأن تقول انظر اليوم الذي أسلم فيه فأثبت ، ولاءه لجماعة من كان حيا من المسلمين يومئذ فيرثه ورثة أولئك الأحياء دون غيرهم ويدخل عليك في النصراني يموت ، ولا وارث له فتجعل ماله لجماعة المسلمين ، وقد قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يرث المسلم الكافر } قال : فبأي شيء تعطي المسلمين ميراث من لا نسب له ، ولا ولاء له من المسلمين وميراث النصراني إذا لم يكن له نسب ، ولا ولاء ؟ قلت : بما أنعم الله تعالى به على أهل دينه فخولهم من أموال المشركين إذا قدروا عليها ومن كل مال لا مالك له يعرف من المسلمين . مثل الأرض الموات فلم يحرم عليهم أن يحيوها ، فلما كان هذان المالان لا مالك لهما يعرف خولهما الله أهل دين الله من المسلمين



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 47.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 46.66 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.33%)]