عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 06-07-2022, 06:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عرفة لمن عظم الله وعرفه


قال بعض العارفين: ما فرح أحدٌ بغير الله إلا بغفلته عن الله، فالغافل يفرح بلهوه وهواه، والعاقل يفرح بمعبوده ومولاه[9].
وكان فؤادي خاليًا قبل حبِّكم
وكان بذكر الخلق يلهو ويمرحُ

فلمَّا دعا قلبي هواك أجابَه
فلستُ أراه عن فنائك يبرحُ

فإن شئتَ واصلني وإن شئت لا تَصِل
فلست أرى قلبي لغيرك يصلح

أقول ما تسمعون، فاستغفروا الله لعلكم ترحمون.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله، الحمدُ لله مُثيبِ الطائِعين بجَزيلِ الثواب، ومُجيبِ الداعِين وهو أكرمُ من أجاب، أحمدُه - سبحانه - يغفِرُ الزلاَّت، ويُقيلُ العثَرَات، ويتوبُ على من تاب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ شهادةَ عبدٍ مُخبِتٍ أوَّاب، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه فرضَ الفرائِض، وسنَّ الآداب، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على دربه، ومشى على نهجه، وثبت على هديه، ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 18]، أما بعد:يا عباد الله، وأحباب رسول الله صلى الله وسلم عليه، ومما يجلي مكانة يوم عرفة، ويبين فضله، ويعلي مكانته أن الله أقسم به، فهو اليوم المشهود المراد من قوله - جلَّ ذِكْرُه -: ﴿ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾ [البروج: 3]، قال أبو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: قَالَ صلى الله عليه وسلم: «الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَالْيَوْمُ الْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ...»[10].ويوم عرفة هو الوتر الذي أقسم الله به في قوله: ﴿ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْر ﴾ [الفجر: 3]، قال ابن عباس: اللَّيَالِي الَّتِي أَقْسَمَ اللَّهُ بِهَا الْعَشْرُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْوَتْرُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّفْعُ يَوْمُ النَّحْرِ[11].يوم عرفة - يا عباد الله - يومٌ يرجى إجابةُ الدعاء فيه، قال صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»[12].[لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ]، أفضل ما نطقت الأفواه، وتمتمت الشفاه، ولهجت الألسُن، وأروع ما حدا الحادي، وأبدع ما شدا الشادي.إن روح هذه الكلمةِ وسرَّها: إفرادُ الرب جل ثناؤه بالمحبة والتعظيم، والخوف والرجاء، والتوكلِ والإنابة، والرغبةِ والرهبة، والذل والخضوع.قيل للحسن البصري -رحمه الله-: إن أناسًا يقولون: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة؟! فقال: من قالها وأدى حقَّها وفرْضَها دخل الجنة[13].
مَنْ قَالَهَا مُعْتَقِدًا مَعْنَاهَا
وَكَانَ عَامِلًا بِمُقْتَضَاهَا

فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَمَاتَ مُؤْمِنًا
يُبْعَثُ يَوْمَ الْحَشْرِ نَاجٍ آمِنَا

يوم عرفة - يا عباد الله -: صيامُه يكفر ذنوب سنتين، قال صلى الله عليه وسلم: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ»[14].فليحرصِ المسلم على صيامه، وليحثَّ أهله وأقاربه ويُعِنْهُمْ على ذلك.
فليحرصِ اللبيبُ في تعليمهم
ولا يملَّ قطُّ في تأليفهم

ولنجتهدْ كلُّنا - يا عباد الله- على أن نجعله يومًا رمضانيًّا، ولْنَسْتَغِلّه بالذكر والدعاء، وعكوف القلب على الله.وقد كان ابن عباس وعمرو بن حريث: يحثان الناس في هذا اليوم على لزوم المسجد[15].عن الحسن أن أبا الدرداء قال: جِدُّوا بالدعاء؛ فإنه من يكثرْ قرع الأبواب يوشكْ أن يفتح له[16].المُسارعةُ والتنافُسُ ومُجاهدةُ النَّفس للتشبُّه بالأفاضِل، واللُّحُوق بالأخيار، والحَزمُ والعَزمُ، وأخذُ الكتاب بقُوَّة، والإكثارُ مِن العباداتِ؛ هو منهج الموفقين.
طاعة الله خيرُ ما لزم العب
د فكن طائعا ولا تعصينْهُ

ما هلاكُ النفوس إلا المعاصي
فاجتنِب ما نهاك لا تقربنْهُ

إن شيئا هلاكُ نفسك فيه
ينبغي أن تصون نفسك عنْهُ

إن مما يُعينُ على التنافُس في الصالِحات، والمُسارَعة إلى الخَيرات؛ معرفة قَدر الدنيا بالنسبةِ للآخرة.حتى قال بعضُ السلَف: لو كانت الدُّنيا من ذهبٍ يَفنَى، والآخرةُ مِن خَزَفٍ يَبقَى، لكان المُتعيِّنُ على العاقِل أن يُؤثِرَ الخَزَفَ الذي يَبقَى على الذَّهَب الذي يَفنَى، فكيف والآخرةُ هي الذَّهبُ الذي يَبقَى، وهي خيرٌ وأَبقَى[17].وكان يَحْيَى بْنَ مُعَاذٍ الرَّازِيَّ، يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ، طَلَبْتَ الدُّنْيَا طَلَبَ مَنْ لَابُدَّ لَهُ مِنْهَا، وَطَلَبْتَ الْآخِرَةَ طَلَبَ مِنْ لَا حَاجَةَ لَهُ إِلَيْهَا، وَالدُّنْيَا قَدْ كُفِيتَهَا وَإِنْ لَمْ تَطْلُبْهَا، وَالْآخِرَةُ بِالطَّلَبِ مِنْكَ تَنَالُهَا، فَاعْقِلْ شَأْنَكَ[18].إذا انكشف الغطاء يوم القيامة عن ثواب أعمال البشر، لم يروا ثوابًا أفضل من ذكر الله، فيتحسر عند ذلك أقوام فيقولون: ما كان شيء أيسرَ علينا من الذكر[19].وروى المروزي عن ميمون بن مهران، قال: أدركت الناس وإنهم ليكبِّرون في العشر، حتى كنت أشبهه بالأمواج من كثرتها، ويقول: إن الناس قد نقصوا في تركهم التكبير[20].وبعدُ يا عباد الله، فإذا هَمَمتُم فبادِرُوا، وإذا عزَمتُم فثابِرُوا، ومَن هابَ رُكوبَ الأهوال قعَدَ عن إدراكِ الآمال، والعِزُّ لا يكونُ إلا تحت ثَوبِ الكَدِّ، ولا يحصُلُ الخطيرُ إلا بالمُخاطَرة، ولا بَردُ العيشِ إلا بحَرِّ التعَبِ، ولا يُدرِكُ المفاخِرَ مَن رضِيَ بالصفِّ الآخر، ومَن صحَّ إلى اللهِ فِرارُه؛ فنِعمَ القرارُ قرارُه.اللهم إنا نسألك الثبات على دينك، والمثابرة على طاعتك.اللهم مصرِّف القلوب صرِّف قلوبنا على طاعتك.اللهم وفِّقنا لاغتنام الأوقات، واشغلنا بالأعمال الصالحات.اللهم جُدْ علينا بالفضل والإحسان، وعاملنا بالعفو والغفران.اللهم أذِقنا حلاوة الرحمة، ولذة المغفرة، وتجنُّب الزلل، وبلوغ الأمل، وحسن الخاتمة.
[1] حفظ العمر لابن الجوزي (1/ 65).

[2] أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه؛ من قول عمر الفاروق رضي الله عنه (7/ 234).

[3] الفروع وتصحيح الفروع (2/ 403).

[4] رواه الدارمي في سننه، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، باب فضل العمل في العشر(2/ 1113)، حسنه الألباني، إرواء الغليل (3/ 398).

[5] رواه ابن حبان في صحيحه، من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، باب ذكر رجاء العتق من النار لمن شهد عرفات يوم عرفة (9/ 164)، صححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (2/ 32).

[6] المصدر نفسه.

[7] رواه مسلم في صحيحه، باب في فضل الحج والعمرة، ويوم عرفة (2/ 982).

[8] رواه أحمد في مسنده، من حديث ابن عباس رضي الله عنه(5/ 164، 65)، ضعفه الألباني، ضعيف الترغيب والترهيب (1/ 370).

[9] لطائف المعارف لابن رجب (ص274).

[10] رواه الترمذي في سننه، باب ومن سورة البروج(5/ 436)، حسنه الألباني، السلسلة الصحيحة (4/ 76).

[11] مشيخة أبي طاهر (ص156)، عمدة القاري (19/ 289).


[12] رواه الترمذي في سننه، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، باب في دعاء يوم عرفة(6/ 180)، صححه الألباني، مشكاة المصابيح (2/ 797).

[13] التوضيح لشرح الجامع الصحيح (3/ 659).

[14] رواه مسلم في صحيحه، من حديث أبي قتادة، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصوم يوم عرفة وعاشوراء، والاثنين والخميس (2/ 818).

[15] الجامع لعلوم الإمام أحمد (6/ 530).

[16] مصنف ابن أبي شيبة (6/ 22).

[17] إحياء علوم الدين (3/ 207)، تفسير القرطبي (20/ 24).

[18] التبصرة لابن الجوزي (2/ 101).

[19] الوابل الصيب (ص78).

[20] فتح الباري (9/ 9).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.66 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.03 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.36%)]