عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 06-07-2022, 06:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عرفة لمن عظم الله وعرفه

فادْعوه فيها دعوةً من صادقٍ
أن يصلح الأقوال والأفعالا

عباد الله، بقدر العنا تُنال المنى، وربما تصحُّ الأبدان بالأدواء، ولا يُدركُ الشَّرفُ إلا بالكلَف، وما العزُّ إلا تحت ثوب الكد، ولا يُدرك السادة من لزم الوسادة، ولا تطلب السلعة الغالية بالثمن التافه، ولذة الراحة لا تنال بالراحة، والجنة حُفت بالمكاره، ولن يُدرك البطال منازل الأبطال، وعند تقلب الأحوال تُعرف جواهر الرجال.
والمجد لا يُشرى بقولٍ كاذبِ
إنْ كنت تبغي المجد يومًا فانصبِ

والحياةُ فُرَص؛ فمَن أحسَنَ اغتِنامَها فازَ وسعِد، ومَن ضيَّعَ وفرَّط فلا يلُومنَّ إلا نفسَه، والمُؤمنُ كيِّسٌ فَطِنٌ، يعلَمُ أن أنفاسَهُ معدُودة، وأيَّامَه محدُودة.ولقد قالت الحُكماءُ: التوانِي إضاعة، وفَوَاتُ الفُرَص غُصَّة.
الله أكبرُ كم في العُمر من منحٍ
وكم لهونا وضاعت تلكُمُ المنحُ

هذي هي العشر والرحمن فضلها
يا ويح من أدركوها ثم ما ربحوا

يقول سفيان الثوري: من لعب بعمره ضيَّع أيام حرثه، ومن ضيَّع أيام حرثه ندم أيام حصاده[1].والفقر الحقيقي - يا عباد الله - هو: الإفلاس من الباقيات الصالحات.وإذا كان التأنِّي والتمهُّلُ مطلُوبًا في أمورِ الدنيا، فإن أعمالَ الآخرة مطلُوبٌ فيها المُسارَعةُ والمُبادرةُ والمُسابقةُ.ومِن جَميلِ تعبيرات المُعاصِرين: كُن مُبادِرًا سبَّاقًا، ولا تكُن مُديرَ كوارِث.وقد ورَدَ في الأثر: «التُّؤدَةُ في كلِّ شيءٍ إلا في عملِ الآخرة»[2].ويقولُ الإمامُ أحمد –رحمه الله-: كلُّ شيءٍ مِن الخير يُبادَرُ إليه[3].وقال -عزَّ شأنُه-: ﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾ [طه: 84].
وَالحُرُّ لا يَكْتَفي مِنْ نَيْلِ مَكْرُمَةٍ
حَتَّى يَرُومَ الَّتي مِنْ دُونِهَا الْعَطَبُ

يَسْعى بِهِ أَمَلٌ مِنْ دُونِهُ أَجَلٌ
إِنْ كفَّهُ رَهَبٌ يَسْتَدْعِهِ رَغَبُ

لِذَاكَ مَا سَالَ مُوسَى رَبَّهُ أَرِني
أَنْظُرْ إِلَيْكَ وَفي تِسْألِه عَجَبُ

يَبْغي التَّزَيُّدَ فِيما نَالَ مِنْ كَرَمٍ
وَهْوَ النَّجِيُّ لَدَيْه الوَحْيُ والكُّتُبُ



والمُسابقةُ إلى الخيرات –يا عباد الله- مسلَكٌ كريمٌ، لا يتَّصِفُ به إلا الجادُّون المُشمِّرون، والمُسارعةُ إلى أعمالِ البِرِّ طبعٌ لا يُهدَى إليه إلا مَن وهَبَه الله علُوَّ همَّة، وقُوَّةَ عزيمَة، مع سلامةِ قلبٍ، ورَجاحَةِ عقلٍ، وانشِراحِ صَدرٍ، وصدق إرادة.
فالمُسارعةُ والمُنافسةُ إقدامٌ، ومُبادرةٌ، وسَبقٌ، وخِفَّةٌ، وجِدٌّ، ورَغبةٌ، ومَن بادَرَ في طلبِ شيءٍ سَهُلَ عليه تحصِيلُه.عباد الله:
أطلَّت عشرُ خيرٍ فاغنموها
وفوزوا بالجزيل من العطايا

وتوبوا من ذنوبكمُ وعودوا
لدرب الرشد واجتنبوا الخطايا

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ خَيْرٍ يَعْمَلُهُ فِي عَشْرِ الْأَضْحَى»[4].
وعنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ أَيَّامٍأَفْضَلُ عِنْدَ اللهِ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، قَال: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، هُنَّ أَفْضَلُ أَمْ عِدَّتُهُنَّ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: هُنَّ أَفْضَلُ مِنْ عِدَّتِهِنَّ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللهِ»[5]، ثم بيَّن صلى الله عليه وسلم أن من أفضل هذه الأيام العشر: يومَ عرفة، فقال صلى الله عليه وسلم: «وَمَا مِنْ يوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللهِ مِنْ يوْمِ عَرَفَةَ يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ[6].فلا تشرق شمسٌ على يوم أفضل من يوم عرفة، ولا تغرب لليلةٍ أفضل من ليلة القدر، والدعاء فيهما من أفضل الأعمال وأقربِها قبولًا وإجابة.عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِى بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ؟»[7].فيوم عرفة هو يوم مغفرة الذنوب، وستر العيوب، والعتق من النار، والقرب والمضاهاة، والفوز والمباهاة، وفي هذا اليوم يتأكد حفظ الجوارح عن المحرمات؛ كما في حديث ابن عباس في المسند، وفيه: «إِنَّ هَذَا يَوْمٌ مَنْ مَلَكَ فِيهِ سَمْعَهُ، وَبَصَرَهُ، وَلِسَانَهُ، غُفِرَ لَهُ»[8].فيوم عرفة عظيمٌ لمن عظَّم الله وعرَفَه، ومن عرف الله تاب واعترف، ومن تاب واعترف استغفر مما اقترف، وقد قيل: الاعتراف يمحو الاقتراف، كما قيل:
فإن اعترافَ المرء يمحو اقترافَه
كما أن إنكار الذنوب ذنوبُ

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.57 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.94 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.91%)]