الموضوع: وقفات فقهية
عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 11-10-2023, 09:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,015
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات فقهية

وقفات فقهية (10)

تعـريف النفــاق



يقول الله تعالى: {إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا} (النساء: 140). النفاق مأخوذ من نفق اليربوع فإذا دخله وطُلب منه خرج من نفق آخر. والنفق هو السرب يتستر به صاحبه بإظهار الإسلام والخير، وإبطان الكفر والشر؛ فصاحبه يدخل الإسلام من نفق، ويخرج من نفق آخر، والنفاق نوعان: نفاق أكبر مخرج من الملة ونفاق أصغر لا يخرج من الملة:
- أولا: النفاق الأكبر: هو النفاق الاعتقادي المخرج من الملة وهو الذي يظهر صاحبه الإسلام ويبطن الكفر، قال ابن القيم: وصفهم الله بصفات الشر كلها من الكفر وعدم الإيمان، والشرك وعدم التوحيد والاستهزاء بالدين وأهله والسخرية منهم، والميل إلى أعدائهم، وهم موجودون في كل زمان ولا سيما عند قوة المسلمين للكيد لهم سرا ليأمنوا على أنفسهم، انتهى. يقول الله تعالى: {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون} (المنافقون: 2-4)، وللنفاق الأكبر عدة علامات منها:
1- بغض الرسول [، أو بغض ما جاء به، أو بغض بعضه.
2- تكذيب الرسول [، أو تكذيب ما جاء به، أو تكذيب بعضه.
3- السرور بانخفاض دين الإسلام وأهله. أو الكراهية لانتصار دين الإسلام وأهله. وقد جعلهم الله شرا من الكافرين، يقول الله تعالى: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا} (النساء: 145) لخداعهم، يقول الله تعالى: {يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون} (البقرة: 9) بإظهارهم الإسلام، سعيا للقضاء على دين الله.
- ثانيا: النفاق الأصغر: هو النفاق العملي، وهو كل ذنب ورد في الكتاب والسنة تسميته نفاقا وهو لا يصل إلى حد النفاق الأكبر قال عنه العلماء: إنه نفاق دون نفاق، وليس المراد النفاق المخرج عن الملة، فعن عبدالله ابن عمرو أن النبي [ قال: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»، واستنبط من هذه العلامات صفة المنافق فبقوله: إذا حدث كذب نبه على فساد القول. وبقوله: إذا اؤتمن خان نبه على فساد العمل. وبقوله: وإذا عاهد غدر نبه على فساد النية. وبقوله: وإذا خاصم فجر نبه على فساد المعاملة وسوء الخلق. فخلف الوعد لا يقدح إلا إذا عزم عليه مقترنا بوعده، أما إذا كان عازما على الوفاء ثم عرض له مانع فهذا لم توجد فيه صفة النفاق ويشهد لذلك ما رواه الطبراني بإسناد لا بأس به في حديث طويل قوله: «إذا وعد وهو يحدث نفسه أنه يخلف». فلم يكن المنافقون نوعا واحدا، بل فيهم المنافق المحض وفيهم من فيه إيمان ونفاق وفيهم من إيمانه غالب وفيه شعبة من النفاق، وتكثر ذنوبهم وتقل بحسب ظهور الإيمان قوة وضعفا.
- ثالثا: الفرق بين النفاق الأكبر والنفاق الأصغر يتلخص فيما يلي:
1- النفاق الأكبر مخرج من الملة ومحبط للأعمال، يخلد صاحبه في النار. بخلاف النفاق الأصغر إلا أنه ينقص الأعمال بحسب المعصية ويعرض صاحبه للوعيد.
2- النفاق الأكبر اختلاف السر والعلانية في الاعتقاد والعمل، أما النفاق الأصغر فهو اختلاف السر والعلانية، فقط في الأعمال.
3- النفاق الأكبر، لا يكون من مؤمن، أما النفاق الأصغر قد يكون من مؤمن.
4- النفاق الأكبر يُوجب العداوة من المؤمنين لصاحبه وعدم موالاته ومحبته إذا عُلم صاحبه، بخلاف النفاق الأصغر يكتفي بالهجر بمقدار المعصية بغرض الإصلاح.
5- النفاق الأكبر قلما يتوب صاحبه في الغالب، بخلاف النفاق الأصغر فإن صاحبه قد يتوب فيتوب الله عليه.
وللخلاص من شر النفاق كله التوبة منه، يقول الله تعالى: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا، إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما} (النساء: 145-146) وفي الدعاء للطبراني (1/410) عن أبي هريرة كان رسول الله [ يدعو يقول: «اللهم إني أعوذ بك من النفاق والشقاق ومن سيئ الأخلاق»، والله أعلم.
تعريف البدعة
يقول الله تعالى: {وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون} (الحديد: 27).
- أولا: تعريف البدعة: مأخوذ من البدع
وهو الاختراع على غير مثال سابق، ومنه، قول الله تعالى: {بديع السموات والأرض} (البقرة: 117). وشرعا: قال في القاموس المحيط (1/906) البدعة بالكسر الحدث في الدين بعد الإكمال، أو ما استحدث بعد النبي [ من الأهواء والأعمال، وفي الاستقامة (1/5): البدعة هي الدين الذي لم يأمر الله به ورسوله فمن دان دينا لم يأمر الله ورسوله به فهو مبتدع بذلك، وهذا معنى قوله تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} (الشورى: 21) وفي عون المعبود (12/243): هي الفعلة المخالفة للسنة انتهى.
- ثانيا: البدعة قسمان: قسم مباح، وقسم محرم.
1- فالقسم المباح هو: ما لم يكن في الدين، وهو كل المخترعات الحديثة واستعمالها دون ترف وإسراف، لأن الأصل في العادات الإباحة، ما لم تخالف شرعا، بل مأمور بالكثير مما فيه القوة للمسلمين، يقول الله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون} (الأنفال: 60) وهذا أمر من الله، أي اصنعوا وابتدعوا ما استطعتم من قوة وسلاح، للاستغناء وعدم الركون أو الحاجة للأعداء الذين جبلوا على عدواتكم، وكذا الأمر مباح في الزينة ومتاع الحياة الدنيا المباحة، دون إسراف، يقول الله تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفص الآيات لقوم يعلمون} (الأعراف: 32) وكذا فيما استجد من أمور الحياة مما لا يخالف شرع الله، يقول الله تعالى: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا} (النساء: 83). للتمييز بين الحلال والحرام، وللخروج منه بأحسن حال ففي سنن ابن ماجه «الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها فهو أحق بها».
2- القسم المحرم من البدعة: وهو الابتداع في الدين، وهي عدة أنواع، منها:
أ- بدع قولية اعتقادية: كمقالات المخالفين من سائر الفرق الضالة واعتقاداتهم.
ب- بدع العبادات: التي لم يشرعها الله وأمثالها:
1- إحداث عبادة كصلاة وصيام أو زيارة دينية أو أعياد تعبدية غير مشروعة أصلا، أو زيادة في عبادة كركعة في صلاة.
2- أو في صفة أداء العبادة بما لم يشرع كأداء الأذكار المشروعة بأصوات جماعية مطربة، مع الرقص، التشديد على النفس في العبادة إلى حد الخروج عن السنة.
3- تخصيص وقت لعبادة مشروعة لم يخصصه الشرع، كإفراد النصف من شعبان بقيام ليلته وصيام نهاره، وإقامة الموالد والاحتفال بالإسراء وغيره فالقيام والصيام والعيد مشروع ولكن البدعة في تخصيص الأوقات.
- ثالثا: ورد في القرآن كلمة {ورهبانية ابتدعوها}، وفي الأثر كلمة (نعمت البدعة) قول لعمر ] ولعل فهمها البعض بغير المقصود منهما:
فأما ما جاء في الكتاب، قول الله تعالى: {وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم} (الحديد: 27). فعن ابن مسعود ] قال: قال لي رسول الله [ «يا ابن مسعود» قلت لبيك يا رسول الله قال «هل علمت أن بني إسرائيل افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة؟ لم ينج منها إلا ثلاث فرق قامت بين الملوك والجبابرة بعد عيسى ابن مريم \ فدعت إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم فقاتلت الجبابرة فقتلت فصبرت ونجت، ثم قامت طائفة أخرى لم تكن لها قوة بالقتال فقامت بين الملوك والجبابرة فدعوا إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم فقتلت وقطعت بالمناشير وحرقت بالنيران فصبرت ونجت، ثم قامت طائفة أخرى لم يكن لها قوة بالقتال ولم تطق القيام بالقسط فلحقت بالجبال فتعبدت وترهبت وهم الذين ذكر الله تعالى {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم}، انتهى الحديث، فقوله تعالى: {ابتدعوها} أي ما فرضناها عليهم رأسا ولكنهم ابتدعوها حينما عجزوا ولم يكن لهم قوة بالقتال فلحقت بالجبال فتعبدت وترهبت، فحكمها حكم النذر ابتغاء رضوان الله فذمهم حينئذ بقوله تعالى: {فما رعوها حق رعايتها}.
1- من حيث أن النذر عهد مع الله لا يحل نكثه لا سيما إذا قصد به مرضاته تعالى.
2- وكونهم ابتدعوا هذه الرهبانية فما رعوها حق رعايتها بل ضموا إليها التثليث والاتحاد.
3- وقيل هذا ذم لهم من وجهين:
- أحدهما: الابتداع في الدين بما لم يأمر به الله، ولو كانا نذرا فالرهبانية طبع فظيع يطبع الله على قلوب الذين لا يطلبون العلم ولا يتحرون الحق بل يصرون على خرافات اعتقدوها وترهات ابتدعوها منها مخالفة التوحيد فشاع الشرك، وخالفوا الغرائز، فشاع الشذوذ، فالجهل المركب يمنع إدراك الحق ويوجب تكذيب المحق.
- والآخر: في عدم قيامهم بما التزموا به مما زعموا أنه قربة تقربهم إلى الله عز وجل على ما يُرضي الله. فختام الآية {فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون} (الحديد: 27) فالأجر لمن التزم بشرع الله، أما غيرهم فقال الله عنهم: {وكثير منهم فاسقون}.
وأما ما جاء في الأثر: كان عمر ] يقول في جمعه الناس على جماعة واحدة (قيام الليل لرمضان) نعمت البدعة هي، وإنما سماها بدعة باعتبار صورتها فإن هذا الاجتماع محدث بعده [ وأما باعتبار الحقيقة فليست بدعة لأن النبي [ صلى بهم في البداية وإنما أمرهم بصلاتها في بيوتهم خشية أن تفرض عليهم وقد زال ذلك بموته [ ولم يأمر بها أبوبكر ولا عمر في أوائل خلافته - رضي الله عنهما - لانشغالهما، ومن ثم قال النووي: الصحيح باتفاق أصحابنا أن الجماعة فيها (قيام الليل) أفضل، بل ادعى بعضهم الإجماع فيه أي إجماع الصحابة على ما قاله بعض الأئمة، انتهى. أي كما ذُكر في صحيح مسلم: البدعة على قسمين تارة تكون بدعة في الشريعة كقوله «فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» وتارة تكون بدعة لغوية كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ] عن جمعه إياهم على صلاة التراويح واستمرارهم: نعمت البدعة هذه والله أعلم.
رابعا: حكم البدعة: في الدين محرمة ففي الصحيحين: «الخديعة في النار ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» ولمسلم «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد». وفي الكتاب العزيز: {ليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (النور: 63). وله شاهد في الصحيح «ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» رواه مسلم.
- خامسا: غالبا ما يدعي المبتدع محبة الله في بدعته، والله تعالى يقول: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم, قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين} (آل عمران: 31-32).


اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.16 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.53 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.60%)]