عرض مشاركة واحدة
  #466  
قديم 09-03-2021, 09:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (22)
الحلقة (246)

تفسير سورة النساء (29)


من الصفات الخبيثة التي نهى الله عباده عن الاتصاف بها صفة البخل، وقد ذم الله عز وجل أناساً يبخلون بما آتاهم الله من فضله، ويتواصون فيما بينهم ويوصون غيرهم بالبخل على المؤمنين، فلا يعطونهم من مال الله الذي آتاهم، بل ويزيدون على ذلك أنهم يبخلون بما آتاهم الله من عمل ومعرفة، ثم هم إذا انفقوا لم ينفقوا إلا رياء وسمعة، وقد توعد الله عز وجل هؤلاء بالعذاب المهين يوم القيامة.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة النساء
الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).اللهم حقق رجاءنا؛ إنك ولينا ولا ولي لنا سواك!وها نحن مع سورة النساء ومع هذه الآيات الثلاث، تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا * وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا [النساء:37-39].تأملوا وتدبروا أيها الدارسون ويا أيتها الدارسات، لا تغفلوا ولا تذهلوا.هذه الآيات الثلاث مرتبطة بالآية قبلها وهي آية الحقوق العشرة، وقد درسناها وفهمناها، والتزمنا بتطبيقها، هيا نتلو الآيات الأربع مع بعضها البعض لارتباطها في سلك واحد، قال تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:36]، هؤلاء أصحاب الحقوق العشرة، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا * الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا * وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا [النساء:36-39].معاشر المستمعين! أذكركم بأن هذه الحقوق العشرة يجب أداؤها إلا من عجز ولم يستطع أن يقوم بواجب من هذه الواجبات، أو بهذا الحق من الحقوق؛ فأمره إلى الله باستثناء الحق الأول الذي هو حق الله، وهو: أن نعبده بما شرع وحده ولا نشرك في عبادته أحداً، هذا حقه، بم استحق هذا الحق وكان له؟ مقابل خلقنا ورزقنا وإطعامنا وسقينا وحياتنا، الذي وهبك بصرك فقط أصبح له أعظم حق عليك؛ فكيف بالذي وهبك كل حياتك؟ فحق الله أن يعبد من أجل أن يذكر ويشكر فقط وأما عوائد العبادة فهي إسعاد العابدين وإكمالهم، أما الله فلا ينتفع بشيء منها فإنه غني عن خلقه، ولكن أراد أن يذكر ويشكر؛ فأوجد هذا العالم، وأوجد هذا الإنسان، وأوحى إلى رسله، وعلمهم كيف يذكرونه ويشكرونه، وعوائد الذكر والشكر عائدة على الذاكرين والشاكرين؛ فمن كفر ولم يشكر ونسي ولم يذكر فهو من الخاسرين، وتقرر هذا المعنى.ثانياً: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [النساء:36].الوالدان هما الأم والأب، الإحسان إليهما فريضة واجبة وحق نافذ، واذكر من أين أتيت أنت، من حملك في بطنه؟ أنت ماء من؟ أصلك من؟ من أنفق عليك وأنت طفل إلى أن بلغت السابعة والعاشرة؟ من رعاك؟ من حفظك؟ من بكى لبكائك؟ أهذا الذي تنساه أأنت حيوان؟ وحق الوالدين طاعتهما في المعروف وإيصال البر والخير إليهما، وكف مطلق أذاه عنهما حتى بالكلمة العالية.حقوق القرابات: من عم وابن عم وخال وابن خال وعمة وخالة.. وما إلى ذلك، وابدأ بالأقرب فالأقرب، ماذا تصنع معهم؟ تكف أذاك عنهم، وتبذل المعروف لمن احتاج إليه منهم، من كان يؤذيهم ما أبداً أدى حقهم، كف الأذى وبذل المعروف والندى.حقوق اليتامى: اليتيم من حقه علينا ألا نؤذيه بأي أذى، وألا نأخذ ماله أدنى أخذ، ونحفظ حياته فلا نعرضه للمرض ولا للدمار ولا للخراب، امتحننا الله به، أخذ والده الذي كان يقوم عليه ويرعاه؛ فبقي يتيماً بيننا فيجب أن نرعى حقوقه: التربية.. التوجيه.. الإصلاح.. إطعامه إن جاع سقيه إن عطش.. وهكذا، ونبني دور اليتامى وننفق عليها.المساكين: من أذلهم الفقر، ومسكنتهم الحاجة، ومدوا أيديهم سائلين يجب أن نحسن إليهم بالكلمة الطيبة، وألا نسمعهم كلمة أذى أبداً، ونضع في أيديهم ما يسد حاجتهم، أين التكافل الإيماني الإسلامي؟ ما نستطيع أن نحقق هذا الهدف إلا إذا كنا جماعات مسلمة ربانية في قرانا وفي أحيائنا ومدننا، لن يتم هذا إلا من طريق أن نكون كجسم واحد: ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد ).أهل القرية سواء كانوا قبائل مختلفة أو مذاهب متنازعة يجب أن يجتمعوا في بيت ربهم، يصلون الصلوات الخمس لا يتخلف منهم أحد، وبعد المغرب يجلسون جلوسنا هذا، النساء وراءنا، والأطفال أمامهن، والفحول أمام الجميع، وليلة آية من كتاب الله كالتي ندرسها، وليلة حديثاً من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويوماً بعد يوم نتعلم ونحلم ونكمل، ما تمضي سنة إلا وأهل القرية كجسم واحد لا مذهبية ولا طائفية ولا وطنية ولا نعرات.. ولا ولا، أمرهم واحد، لا تقل: أنا شافعي ولا مالكي ولا إباضي ولا كذا مسلمون، في ذلك المسجد تتكون لجنة من إمام المسجد والمؤذن والداعي الواعظ وترعى أهل الحي، من هو الذي تخلف عن صلاة الصبح اليوم؟ فلان زوروه، ما له؟ قالوا: مريض، كيف مريض وما اطلعنا عليه، إذاً اسألوا عن حاجته، فلان تخلف عن صلاة العشاء البارحة، ما له؟ اسألوا عنه، قالوا: سافر. اللهم رده بخير، وحينئذ نصبح حقاً المسلمين، الأمة الواحدة، ما يبقى في القرية من يرضى أن يؤذى مؤمن بين يديه بكلمة فقط، فضلاً عن صفع، فضلاً عن قتل ودمار، فضلاً عن التكفير والسب والشتم وما إلى ذلك، والله لا تعود أمة الإسلام إلى سماء عليائها أيام كانت سائدة قائدة إلا إذا بدأت الطريق من طريق محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن القلوب تمرض ومرضها أخطر من مرض الأجسام، ولأن الشياطين مهمتها التي مهيأة لها الإضلال والإفساد والتدمير للبشر، فإما أن تقارننا الملائكة أو الشياطين: وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا [النساء:38].ثم نعرف قيمة المسافر وابن السبيل الذي نزل بقريتنا لا يعرف أحداً ولا يعرفه أحد إلا في الطريق، يؤوى ويفرش له ويطعم ويحفظ وتقضى حاجته حتى يسافر، من يفعل به هذا؟ إخوانه المؤمنون.ثم هذا الاجتماع ليلياً لمدة سنة .. سنتين، ما يبقى في القرية جاهل ولا جاهلة، وإذا رفع حجاب الجهل وحل محله النور يقع ظلم.. اعتداء؟ والله ما يقع، وإنما الظلم والاعتداء والبخل والأمراض والشرك وكل المصائب هي نتيجة الجهل وظلمة الجهل، ما عرفوا، ما هذبوا، ما ربوا في حجور الصالحين، بأدنى شيء يهتز ويقول الباطل وينطق بالفجر.كيف تصلح هذه الأمة؟ على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما قال إسماعيل وإبراهيم عليهما السلام وهما يبنيان الكعبة: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ [البقرة:129]، ابعث في أولاد إسماعيل الآتين رسولاً منهم يعرفون لغته، ويفهم لغتهم، ماذا يفعل بهم؟ يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، إذا لم يجتمع المسلمون في أي مكان على الكتاب والسنة اجتماع إيماني حقيقي لن يفارقهم الجهل والخبث والشر والفساد، والتاريخ شاهد، ما نستطيع نجلس من المغرب إلى العشاء.وقد بينا لهم من سنين أن الشيوعيين يجعلون هذه المنظمات في بلادهم، والله العظيم! حتى في بلاد العرب، الحزب الشيوعي عنده لجنة في كل قرية وفي كل حي من أحيائها، وأهل لا إله إلا الله يقولون: كيف يقع البلاء وكيف ينزل الشقاء.. وكيف.. وكيف؟ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:36].لا يقول أحدكم: عبدي ولا أمتي وليقل: فتاي أو فتاتي، فيجب الإحسان إلى المملوكين الذين هم في قبضتنا وفي يميننا، حيث أعطيناهم في الجهاد في سبيل الله، يجب أن نحسن إليهم، أن نطعمهم وأن نكسوهم وأن نسقيهم وأن نداويهم، وألا نكلفهم ما لا يطيقون، فيصبح ذلك العبد كأنه بين أمه وأبيه أو أجل أو أكثر، فما هي إلا ساعات أو أيام وقد دخل في رحمة الله وأسلم لله؛ لما يشاهد من الإحسان، وإن شككتم كيف دخل العالم في الإسلام على عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم؟شاهد أنوار العدل والرحمة والولاء والإخاء، لما غزا المسلمون البلد الفلاني ما فرضوا عليهم الإسلام: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [البقرة:256]، لكن ما إن يحل المسلمون بينهم، ويشاهدون أنوار العدل والرحمة والطهر والصفاء حتى يندمجون.وكان هذا الختم الأخير: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء:36].يا من يريدون ألا يكرههم الله! يا من يرغبون ألا يبغضهم الله! لأن المكروه لله المبغوض له شقي خاسر خسراناً أبدياً، يا من يريد أن يحبه الله! إذاً فليجتنب الاختيال والفخر، وهنا عجب هذا القرآن وإلا لا؟ قالت الجن عجب أو نحن قلنا؟ الجن قالوا، ما إن سمعوه فقط والرسول يقرأ في صلاة الصبح قالوا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا [الجن:1]، انظر كيف ذيل وعقب على الحقوق العشرة التي يجب أن ننهض بها وأن نؤديها، وأعلاها أن نعبد الله بما شرع لا بما شرع الناس ونفرده بتلك العبادة، فلا نلتفت لا بقلبنا ولا بأعيننا ولا بأي حركة، لا نرى إلا الله لا يعبد إلا هو: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36].هذه الحقوق العشرة قال بعدها: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء:36]، فأغلب الذين ما يقومون بهذه الحقوق ولا يؤدونها مصابون بمرض الاختيال والفخر، المختال المفتخر ما يتنازل للفقراء والمساكين والجيران ويرحم ويعطف ولوالديه أبداً؛ لأنه منتفش منتفخ متكبر، كيف يحسن؟ ما يعرف الإحسان، ومعنى هذا: يا عبد الله لِن وتطامن وإياك أن تنتفخ أو تتكبر، فإن الله لا يحبك، وإذا لم يحبك الله يا ويلك هلكت وتمزقت.مرة ثانية: لم عقب على هذه الحقوق العشرة بقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء:36]، المتكبر يأبى أن يسجد لله أو يتطامن، يأبى أن يطيع رسول الله في سنة من سنته فضلاً عن الحقوق الأخرى ما يبالي بها؛ لأنه مصاب في عقله بمرض الكبر والاختيال والفخر، هذه الصفة يجب أن تمنحى من قلوب المؤمنين والمؤمنات حتى يتراحموا، حتى يتعاونوا، حتى يتلاقوا ولا يفترقوا، أما مع هذا المرض لا التقاء ولا اتفاق أبداً ولا تراحم.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.85 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.22 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.97%)]