عرض مشاركة واحدة
  #28  
قديم 25-10-2021, 05:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,873
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ
المجلد الثانى
الحلقة (28)

من صــ 430 الى صـ
ـ 436

روى الإمام أحمد والترمذي والطبراني من حديث أسماء بنت عميس قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {بئس العبد عبد تخيل واختال ونسي الكبير المتعال، بئس العبد عبد تجبر واعتدى ونسي الجبار الأعلى بئس العبد عبد سهى ولهى ونسي المقابر والبلى بئس العبد عبد بغى واعتدى ونسي المبدأ والمنتهى بئس العبد عبد يختل الدنيا بالدين، بئس العبد عبد يختل الدين بالشبهات، بئس العبد عبد رغب يذله ويزيله عن الحق، بئس العبد عبد طمع يقوده، بئس العبد عبد هوى يضله} قال الترمذي غريب. وفي الحديث الصحيح المتقدم ما يقويه. والله أعلم.
وكذلك أحاديث وآثار كثيرة رويت في معنى ذلك. كما قال تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله} وطالب الرئاسة - ولو بالباطل - ترضيه الكلمة التي فيها تعظيمه وإن كانت باطلا، وتغضبه الكلمة التي فيها ذمه وإن كانت حقا.
والمؤمن ترضيه كلمة الحق له وعليه، وتغضبه كلمة الباطل له وعليه؛ لأن الله تعالى يحب الحق والصدق والعدل ويبغض الكذب والظلم. فإذا قيل: الحق والصدق والعدل الذي يحبه الله أحبه وإن كان فيه مخالفة هواه. لأن هواه قد صار تبعا لما جاء به الرسول. وإذا قيل: الظلم والكذب فالله يبغضه والمؤمن يبغضه ولو وافق هواه. وكذلك طالب " المال " - ولو بالباطل - كما قال تعالى: {ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون} وهؤلاء هم الذين قال فيهم:
{تعس عبد الدينار} الحديث. فكيف إذا استولى على القلب ما هو أعظم استعبادا من الدرهم والدينار من الشهوات والأهواء والمحبوبات التي تجذب القلب عن كمال محبته لله وعبادته لما فيها من المزاحمة والشرك بالمخلوقات كيف تدفع القلب وتزيغه عن كمال محبته لربه وعبادته وخشيته لأن كل محبوب يجذب قلب محبه إليه ويزيغه عن محبة غير محبوبه، وكذلك المكروه يدفعه ويزيله ويشغله عن عبادة الله تعالى.

فصل:
إذا ظهر أن العبد وكل مخلوق فقير إلى الله محتاج إليه ليس فقيرا إلى سواه فليس هو مستغنيا بنفسه ولا بغير ربه؛ فإن ذلك الغير فقير أيضا محتاج إلى الله
ومن المأثور عن أبي يزيد - رحمه الله - أنه قال: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة الغريق بالغريق.
وعن الشيخ أبي عبد الله القرشي أنه قال: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون. وهذا تقريب وإلا فهو كاستغاثة العدم بالعدم؛ فإن المستغاث به إن لم يخلق الحق فيه قوة وحولا وإلا فليس له من نفسه شيء قال سبحانه: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} وقال تعالى: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} وقال تعالى: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله}.
واسم العبد يتناول معنيين. " أحدهما " بمعنى العابد كرها كما قال: {إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا} وقال: {وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها} وقال: {بديع السماوات والأرض} {كل له قانتون} وقال: {ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها}.
و " الثاني " بمعنى العابد طوعا وهو الذي يعبده ويستعينه وهذا هو المذكور في قوله: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا} وقوله: {عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا} وقوله: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} وقوله: {إلا عبادك منهم المخلصين} وقوله: {يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون} وقوله: {واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب} وقوله:
{فأوحى إلى عبده ما أوحى} وقوله: {نعم العبد إنه أواب} وقوله: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا} وقوله: {وأنه لما قام عبد الله يدعوه}.
وهذه العبودية قد يخلو الإنسان منها تارة وأما الأولى فوصف لازم إذا أريد بها جريان القدر عليه وتصريف الخالق له قال تعالى: {أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون} وعامة السلف على أن المراد بالاستسلام استسلامهم له بالخضوع والذل لا مجرد تصريف الرب لهم كما في قوله: {
ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها} وهذا الخضوع والذل هو أيضا لازم لكل عبد لا بد له من ذلك وإن كان قد يعرض له أحيانا الإعراض عن ربه والاستكبار فلا بد له عند التحقيق من الخضوع والذل له؛ لكن المؤمن يسلم له طوعا فيحبه ويطيع أمره والكافر إنما يخضع له عند رغبة ورهبة فإذا زال عنه ذلك أعرض عن ربه كما قال:
{وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه} وقال: {وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا}.
وفقر المخلوق وعبوديته أمر ذاتي له لا وجود له بدون ذلك والحاجة ضرورية لكل المصنوعات المخلوقات وبذلك هي أنها لخالقها وفاطرها إذ لا قيام لها بدونه وإنما يفترق الناس في شهود هذا الفقر والاضطرار وعزوبه عن قلوبهم.

و " أيضا " فالعبد يفتقر إلى الله من جهة أنه معبوده الذي يحبه حب إجلال وتعظيم فهو غاية مطلوبه ومراده ومنتهى همته ولا صلاح له إلا بهذا وأصل الحركات الحب والذي يستحق المحبة لذاته هو الله فكل من أحب مع الله شيئا فهو مشرك وحبه فساد؛ وإنما الحب الصالح النافع حب الله والحب لله والإنسان فقير إلى الله من جهة عبادته له ومن جهة استعانته به للاستسلام والانقياد لمن أنت إليه فقير وهو ربك وإلهك.
وهذا العلم والعمل أمر فطري ضروري؛ فإن النفوس تعلم فقرها إلى خالقها وتذل لمن افتقرت إليه وغناه من الصمدية التي انفرد بها فإنه {يسأله من في السماوات والأرض} وهو شهود الربوبية بالاستعانة والتوكل والدعاء والسؤال ثم هذا لا يكفيها حتى تعلم ما يصلحها من العلم والعمل وذلك هو عبادته والإنابة إليه؛ فإن العبد إنما خلق لعبادة ربه فصلاحه وكماله ولذته وفرحه وسروره في أن يعبد ربه وينيب إليه وذلك قدر زائد على مسألته والافتقار إليه؛ فإن جميع الكائنات حادثة بمشيئته قائمة بقدرته وكلمته محتاجة إليه فقيرة إليه مسلمة له طوعا وكرها فإذا شهد العبد ذلك وأسلم له وخضع فقد آمن بربوبيته ورأى حاجته وفقره إليه صار سائلا له متوكلا عليه مستعينا به إما بحاله أو بقاله بخلاف المستكبر عنه المعرض عن مسألته. ثم هذا المستعين به السائل له إما أن يسأل ما هو مأمور به أو ما هو منهي عنه أو ما هو مباح له؛ ف " الأول " حال المؤمنين السعداء الذين حالهم {إياك نعبد وإياك نستعين} و
" الثاني " حال الكفار والفساق والعصاة الذين فيهم إيمان به وإن كانوا كفارا كما قال: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} فهم مؤمنون بربوبيته مشركون في عبادته كما {قال النبي صلى الله عليه وسلم لحصين الخزاعي:يا حصين كم تعبد؟ قال: سبعة آلهة: ستة في الأرض وواحدا في السماء قال: فمن الذي تعد لرغبتك ورهبتك؟ قال: الذي في السماء قال: أسلم حتى أعلمك كلمة ينفعك الله تعالى بها فأسلم فقال: قل: اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي} رواه أحمد وغيره. ولهذا قال سبحانه وتعالى:
{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} أخبر سبحانه أنه قريب من عباده يجيب دعوة الداعي إذا دعاه فهذا إخبار عن ربوبيته لهم وإعطائه سؤلهم وإجابة دعائهم؛ فإنهم إذا دعوه فقد آمنوا بربوبيته لهم وإن كانوا مع ذلك كفارا من وجه آخر وفساقا أو عصاة قال تعالى: {وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا} وقال تعالى:
{وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون} ونظائره في القرآن كثيرة ثم أمرهم بأمرين فقال: {فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} فـ " الأول " أن يطيعوه فيما أمرهم به من العبادة والاستعانة و " الثاني " الإيمان بربوبيته وألوهيته وأنه ربهم وإلههم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.72 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.48%)]