عرض مشاركة واحدة
  #25  
قديم 25-10-2021, 05:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام




فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ
المجلد الثانى
الحلقة (25)

من صــ 409 الى صـ
ـ 415

وأما قوله. {ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} وقوله: {أسلم وجهه لله} فهو إخلاص الدين لله وحده وكان عمر بن الخطاب يقول: اللهم اجعل عملي كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لأحد فيه شيئا. وقال الفضيل بن عياض في قوله: {ليبلوكم أيكم أحسن عملا} قال: أخلصه وأصوبه قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال:
إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة.

فإن قيل فإذا كان جميع ما يحبه الله داخلا في اسم العبادة فلماذا عطف عليها غيرها؛ كقوله: {إياك نعبد وإياك نستعين} وقوله: {فاعبده وتوكل عليه} وقول نوح: {اعبدوا الله واتقوه وأطيعون} وكذلك قول غيره من الرسل قيل هذا له نظائر كما في قوله {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} والفحشاء من المنكر وكذلك قوله: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي} وإيتاء ذي القربى هو من العدل والإحسان كما أن الفحشاء والبغي من المنكر.
وكذلك قوله: {والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة} وإقامة الصلاة من أعظم التمسك بالكتاب. وكذلك قوله: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا} ودعاؤهم رغبا ورهبا من الخيرات وأمثال ذلك في القرآن كثير.
وهذا الباب يكون تارة مع كون أحدهما بعض الآخر فيعطف عليه تخصيصا له بالذكر لكونه مطلوبا بالمعنى العام والمعنى الخاص وتارة تكون دلالة الاسم تتنوع بحال الانفراد والاقتران فإذا أفرد عم وإذا قرن بغيره خص كاسم " الفقير " و " المسكين " لما أفرد أحدهما في مثل قوله: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله} وقوله: {فكفارته إطعام عشرة مساكين} دخل فيه الآخر.
ولما قرن بينهما في قوله: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} صارا نوعين. وقد قيل: إن الخاص المعطوف على العام لا يدخل في العام حال الاقتران؛ بل يكون من هذا الباب. والتحقيق أن هذا ليس لازما قال تعالى: {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال} وقال تعالى: {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم} وذكر الخاص مع العام يكون لأسباب متنوعة:
تارة لكونه له خاصية ليست لسائر أفراد العام؛ كما في نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وتارة لكون العام فيه إطلاق قد لا يفهم منه العموم كما في قوله: {هدى للمتقين} {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} {والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} فقوله: يؤمنون بالغيب؛ يتناول الغيب الذي يجب الإيمان به؛ لكن فيه إجمال فليس فيه دلالة على أن من الغيب ما أنزل إليك وما أنزل من قبلك. وقد يكون المقصود أنهم يؤمنون بالمخبر به وهو الغيب وبالإخبار بالغيب وهو ما أنزل إليك وما أنزل من قبلك.
ومن هذا الباب قوله تعالى {اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة} وقوله: {والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة} و " تلاوة الكتاب " هي اتباعه كما قال ابن مسعود في قوله تعالى {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته} قال يحللون حلاله ويحرمون حرامه ويؤمنون بمتشابهه ويعملون بمحكمه فاتباع الكتاب يتناول الصلاة وغيرها لكن خصها بالذكر لمزيتها وكذلك قوله لموسى:
{إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري} وإقامة الصلاة لذكره من أجل عبادته وكذلك قوله تعالى {اتقوا الله وقولوا قولا سديدا} وقوله {اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة} وقوله:
{اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} فإن هذه الأمور هي أيضا من تمام تقوى الله وكذلك قوله: {فاعبده وتوكل عليه} فإن التوكل والاستعانة هي من عبادة الله؛ لكن خصت بالذكر ليقصدها المتعبد بخصوصها؛ فإنها هي العون على سائر أنواع العبادة إذ هو سبحانه لا يعبد إلا بمعونته. إذا تبين هذا فكمال المخلوق في تحقيق عبوديته لله وكلما ازداد العبد تحقيقا للعبودية ازداد كماله وعلت درجته ومن توهم أن المخلوق يخرج عن العبودية بوجه من الوجوه.
أو أن الخروج عنها أكمل فهو من أجهل الخلق وأضلهم. قال تعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون} {لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون}إلى قوله: {وهم من خشيته مشفقون} وقال تعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا} {لقد جئتم شيئا إدا} إلى قوله: {إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا} {لقد أحصاهم وعدهم عدا} {وكلهم آتيه يوم القيامة فردا} وقال تعالى في المسيح: {إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل} وقال تعالى:
{وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون} {يسبحون الليل والنهار لا يفترون} وقال تعالى: {لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا} إلى قوله {ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا} وقال تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} وقال تعالى:
{ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون} {فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون} وقال تعالى: {واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة} إلى قوله: {إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون}. وهذا ونحوه مما فيه وصف أكابر المخلوقات بالعبادة وذم من خرج عن ذلك متعدد في القرآن وقد أخبر أنه أرسل جميع الرسل بذلك.
فقال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} وقال: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} وقال تعالى لبني إسرائيل: {يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون} {وإياي فاتقون} وقال {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون} وقال:
{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} وقال تعالى: {قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين} {وأمرت لأن أكون أول المسلمين} {قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم} {قل الله أعبد مخلصا له ديني} {فاعبدوا ما شئتم من دونه}.
وكل رسول من الرسل افتتح دعوته بالدعاء إلى عبادة الله كقول نوح ومن بعده عليهم السلام {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} وفي المسند عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالف أمري}.
وقد بين أن عباده هم الذين ينجون من السيئات قال الشيطان: {رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين} {إلا عبادك منهم المخلصين} قال تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين} وقال: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين} {إلا عبادك منهم المخلصين} وقال في حق يوسف: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين} وقال:
{سبحان الله عما يصفون} {إلا عباد الله المخلصين} وقال: {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون} {إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون} وبها نعت كل من اصطفى من خلقه كقوله: {واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار} {إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار} {وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار} وقوله: {واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب} وقال عن سليمان:
{نعم العبد إنه أواب} وعن أيوب: {نعم العبد} وقال: {واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه} وقال نوح عليه السلام {ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا} وقال: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} وقال: {وأنه لما قام عبد الله يدعوه} وقال: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا} وقال {فأوحى إلى عبده ما أوحى} وقال: {عينا يشرب بها عباد الله} وقال: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا} ومثل هذا كثير متعدد في القرآن.

(فصل: تفاضل الناس في حقيقة الإيمان)
إذا تبين ذلك: فمعلوم أن هذا الباب يتفاضلون فيه تفاضلا عظيما وهو تفاضلهم في حقيقة الإيمان وهم ينقسمون فيه: إلى عام وخاص ولهذا كانت ربوبية الرب لهم فيها عموم وخصوص. ولهذا كان الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار تعس عبد القطيفة تعس عبد الخميصة تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش إن أعطي رضي وإن منع سخط}. فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الدرهم وعبد الدينار وعبد القطيفة وعبد الخميصة.
وذكر ما فيه دعاء وخبر وهو قوله: {تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش} والنقش إخراج الشوكة من الرجل والمنقاش ما يخرج به الشوكة وهذه حال من إذا أصابه شر لم يخرج منه ولم يفلح لكونه تعس وانتكس فلا نال المطلوب ولا خلص من المكروه وهذه حال من عبد المال وقد وصف ذلك بأنه {إذا أعطي رضي وإذا منع سخط} كما قال تعالى:
{ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون} فرضاهم لغير الله وسخطهم لغير الله وهكذا حال من كان متعلقا برئاسة أو بصورة ونحو ذلك من أهواء نفسه إن حصل له رضي وإن لم يحصل له سخط فهذا عبد ما يهواه من ذلك وهو رقيق له إذ الرق والعبودية في الحقيقة هو رق القلب وعبوديته فما استرق القلب واستعبده فهو عبده.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.73 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.38%)]