عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 26-07-2021, 02:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي ثرثرة (قصة قصيرة)

ثرثرة (قصة قصيرة)
د. شادن شاهين









أطالتِ النظرَ إلى المرآة على ضوء مصباحِها الزيتيِّ الباهت، كان سطحُ المرآة القديم يعكس صورةَ امرأةٍ لا تُشبهها.



♦ هل المرآةُ القديمةُ تكذب؟! أم أنَّ الانتظارَ طال بي؟!




تساءلتْ وهي تُمرِّر أناملَها على خدِّها الذابل.



أمسكتْ طرفَ جَديلتِها السوداء الثقيلة بأطراف أصابعِها؛ لتنقضَها ببطءٍ، خالط شبحُه صورتَها في المرآة فجأةً، كما لو كان يذوبُ في أجزائها، ويتنفَّس برئتَيْها، كتمتْ أنفاسها اللَّاهثة، وجحظتْ عيناها الذَّابلتان شوقًا إليه، حاولتْ أنْ تنهل من عينَيْه البعيدتين، وهي تعلَمُ أنه السراب.



انتشلَها من المرآة همسُ الصغير:

أمي، جائعٌ يا أمي!

انهارَتْ جُدرانُ صبرها، حملتْه على كتفِها، وأخذت تدورُ به في حجرتها الضيِّقة؛ لعلَّه ينام، حتى غاب عن عالمِه القاسي.



وضعتْه برِفْقٍ، شمَّرتْ عن ساقيها العاجيَّتَيْنِ، فاعتلتِ الأريكةَ الخشبيَّة المتهالكة، وألقتْ بعينَيْها بين قضبانِ نافذتها الصغيرة.



كانت الأجسادُ المُنْهكةُ تسعى في كلِّ اتجاه خلف لقمةِ عيش، عبْرَ حارتِها التي تنبعث منها رائحةُ الموت، تُحلِّق ثرثرتُهم الجوفاء في فضاء خوفِها.



كان صوتُ بكاءِ طفلِها يتردَّد في سماء عالمها الفارغ، حتى علا فجأةً صوتُ تلفاز الجيران.



فسمعتْ حديثًا عن أشياء تُدْعَى الفكر، والإبداع، والثورة، والاختيار الحر، بينما تعالَتْ أصواتُ المتحاورين، وتشنَّجَ كلٌّ منهم في الحديث واتِّهام الآخر - مطَّت شفتَيْها، وهزَّت رأسَها في بلاهة، أدارت عينَيْها بين جدران سجنِها الصغير؛ بحثًا عن معاني تلك التُّرَّهات، لم ترَ سوى شقوقًا قديمةً احتلَّتها العناكبُ، وجدرانًا تستغيثُ!



انتهت بعينيها إلى مِرآتها القديمة ثانيةً، هالَها مظهرُ أمواج شعرِها الثائرة، لقد أَحْيَتْ كل ما وَأَدتْه فيها منذ سنين، لَمْلَمتْ شعرها بارتباكٍ، وأعادتْ خنقَه بسرعة في جدائلِه الضيِّقة، غطَّت رأسها بطرحتها السوداء، وارتمتْ منهكةً على الأرض بجوار الصغير، احتضنَتْه خائفة، وضعَتِ الوسادة فوق رأسها هربًا من إزعاج ثرثرة التِّلفاز.



غرقتْ في النوم بسرعةٍ، فباتَتْ تَحلُمُ أنها تسبح في بحرٍ من العسل، على شاطئِه مئات الأرغفةِ الساخنة، تحتضنُها عينان، لا تشبع أبدًا.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.97 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.34 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.49%)]