عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 23-11-2021, 10:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح صحيح البخارى للشيخ محمد الحمود النجدي

شرح كتاب "الاعتصام بالكتاب والسنة" من صحيح الإمام البخاري (12)




الشيخ.محمد الحمود النجدي




إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدي ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله .

ذكرنا في الحلقة السابقة حاجة اليقظة الإسلامية، والشباب المهتدي إلى الضوابط الشرعية ، التي تضبط له منهجه وطريقه ورجوعه إلى الله سبحانه وتعالى، وإلا فإنه سيخسر جهده ووقته ، وتخسر أفراده ، ويضيع سدى . ومن الكتب النافعة المفيدة في هذا المضمار ، كتاب : « الاعتصام بالكتاب والسنة « من صحيح الإمام البخاري ، وقد اخترنا شرح أحاديثه والاستفادة من مادته المباركة .

الحديث التاسع:

7285,7284 – حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثتنا ليث, عن عقيل, عن الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة , عن أبي هريرة قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستُخلف أبو بكر بعده , وكفر من كفر من العرب , قال عمر لأبي بكر: كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله , فمن قال: لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه، إلا بحقه وحسابهم على الله . فقال: والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة, فإن الزكاة حق المال , والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله [ لقاتلتهم علي منعه . فقال عمر]: فوالله ما هو إلا رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق .

قال ابن بكير وعبد الله, عن الليث: عناقا, وهو أصح . (طرفه في 1399 , 1400) .

< الشرح:

الحديث التاسع حديث أبي هريرة ]: يرويه البخاري رحمه الله عن شيخه قتيبة بن سعيد أبو رجا البُغلاني الإمام الثقة، وقد مر معنا، قال: حدثنا ليث وهو ابن سعد الفهمي، إمام مصر في وقته , قال عن عقيل بضم العين، وهو ابن خالد الأيلي ثقة ثبت . عن الزهري محمد بن شهاب قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة بن مسعود الإمام الثقة الفقيه الضرير.

قال عن أبي هريرة ] قال: «لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستخلف أبو بكر بعده, وكفر من كفر من العرب , قال عمر لأبي بكر «يقول أبو هريرة: لما توفي رسول [، واستخلف أبو بكر أي صار خليفة للمسلمين بعد النبي [, وكفر من كفر من العرب , قال عمر لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله [ «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله , فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله»

ظاهر هذا الحديث أن أبا هريرة رضي الله عنه شهد ما كان بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من محاورة وكلام.

والعرب بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم انقسموا إلى أربعة أقسام كما قاله الإمام ابن حزم وغيره:

1- قسم ثبتوا على دينهم، واستمروا على إيمانهم وإسلامهم وهم الأكثر .

2- وقسم بقوا على إسلامهم وصلاتهم، لكن امتنعوا عن أداء الزكاة، وقالوا: إن الزكاة كانت تدفع للنبي [؛ لأن الله يقول: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ } (التوبة 103), والرسول صلى الله عليه وسلم قد مات، فلا تدفع الزكاة لمن بعده .

3- قسم ارتدوا عن الإسلام بالكلية، ورجعوا إلى الكفر، كطليحة الأسدي وقومه , وسجاح وقومها في اليمن , وأكثر هؤلاء الذين ارتدوا عادوا للإسلام بحمد الله تعالى , فلم تمر عليهم السنة، إلا وقد عاد أكثرهم إلى الإسلام .

4- والقسم الرابع: قوم تربصوا، أي: وقفوا فلم يفعلوا شيئا، وانتظروا لمن تكون العاقبة والنهاية والنصر، للصحابة أو لغيرهم .

عند ذلك أمر الصديق الأكبر رضي الله عنه بتجهيز الجيوش لغزو هذه الطوائف والقبائل من العرب , أما من ارتد منها بالكلية فلا إشكال، وأما من بقي على الإسلام لكنه أبى دفع الزكاة ومنعها وقاتل عليها , فهاهنا استشكل عمر رضي الله عنه قتال هؤلاء، لأنهم يقولون: لا إله إلا الله ويقيمون الصلاة، فقال لأبي بكر رضي الله عنه: كيف تقاتل الناس وقد قالوا لا إله إلا الله؟! والرسول [ يقول في حديثه: « أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني نفسه وماله إلا بحقه وحسابه على الله « أي: عصم نفسه وماله إلا بحقه، يعني: أنه لا يستحق العقوبة المالية أو العقوبة على النفس كما قال الله تعالى: { وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ }(الأنعام: 151) .

وقوله: « وحسابه على الله « بمعنى: أن من أظهر لنا الإسلام فإن على المسلمين أن يقبلوا منه الإسلام ظاهرا، فإذا نطق بالشهادتين, وجب قبول ذلك منه, والكف عنه، وأمره إلى الله تعالى علام الغيوب، وعالم ما في الصدور، ولو أسر الكفر في نفسه، فإنما نحن نأخذ بالظواهر، والله يتولى السرائر .

فلما قال عمر رضي الله عنه ذلك لأبي بكر رضي الله عنه، قال أبو بكر: « والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة», ويروى: «لأقاتلن بين من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه , وفي رواية: «عناقا كانوا يؤدونه لرسول الله [ لقاتلتهم على منعه» .

وحجة أبي بكر أنه لا فرق بين الصلاة والزكاة فكلاهما من أركان الإسلام، فالشرع جاء بالتسوية بين الصلاة والزكاة , أي أن تارك الزكاة يستوي مع تارك الصلاة، فلماذا تفرق يا عمر بين تارك الزكاة وتارك الصلاة، والحق أنهما سواء، يعني من ترك الصلاة قاتلناه , ومن ترك الزكاة يجب أن نقاتله أيضا , فلماذا تفرق بينها وهما بمنزلة واحدة ؟!

ولا شك أن تارك الزكاة إن كان تركه على وجه الجحد والإنكار، فهذا كفر مخرج من الملة .

وإن كان منعه لها على وجه المعصية والبُخل، فإن هذا من كبائر الذنوب .

وكلاهما كان من حال طوائف من العرب، فطائفة منعوها بخلا ومنعا للحق، طائفة منعوها جحودا لفرضيتها بعد وفاة الرسول [, وفي الحالتين يجب قتال هؤلاء وهؤلاء، حتى يؤدوا الزكاة المفروضة , لهذا قال أبو بكر: «والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله، لقاتلتهم عليه «والعقال: هو الحبل الذي يشد به البعير , هذا هو أصح الأقوال في تفسير العقال , وفي رواية أخرى «عناقا» والعناق: هي أنثى المعز الصغيرة .

وقد يسأل السائل فيقول: هل تؤخذ العناق في الزكاة ؟

قال العلماء: إن الغنم أو المعز إذا كانت كلها صغارا، تؤخذ منها الصغيرة , لكن إذا كان فيها الكبير والصغير، فإنه لا يؤخذ منها الصغير , وإنما يؤخذ الوسط , ومن أراد أن يرجع إلى هذا البحث فليرجع إليه، فقد ذكره أهل العلم في أبواب الزكاة .

وظاهر هذا: أن أبا بكر وعمر لم يكونا يعلمان بالرواية التي فيها ذكر فيها الرسول [: إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فيما يحصل به عصمة الدم والمال، وهي رواية صحيحة رواها مسلم: من حديث أبي هريرة وغيره: أن النبي [ قال: « أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة» .

فلو كانت هذه الرواية الواضحة والحاسمة للخلاف معلومة لأبي بكر]، لما احتج على عمر بنفي الفارق فقط، والتسوية بين تارك الصلاة وتارك الزكاة , لأن عمر ] كان يوافق أبي بكر على قتال تارك الصلاة، لكنه أنكر عليه قتاله لتارك الزكاة , فهذه الرواية الصحيحة تبين أن من شهد الشهادتين قبل منه الإسلام , لكن يؤمر بعد ذلك ببقية الأركان , وطاعة الله تعالى ورسوله بتحريم ما حرم الله ورسوله، والقيام بما أوجب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عليه من الواجبات .

قوله: « فو الله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق» قال عمر لما احتج عليه أبو بكر بذلك - أي بنفي الفارق بين تارك الصلاة وتارك الزكاة - أنه ظهر له صحة احتجاج أبي بكر بهذه الحجة، لا أن عمر قلده وتابعه دون حجة ! وإنما عمر لما احتج عليه بهذه الحجة وناظره بها أقرّ بها، وأنها حجة صحيحة.

< وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم:

أولا: جواز الاجتهاد في النوازل في الأمور الحادثة, وأن الاجتهاد في الأمور النازلة والحادثة يتم بالرجوع إلى الكتاب والسنة والفهم لهما .

فالمسلم إذا نزلت به نازلة أو سئل عن حادثة جديدة، عليه أن يجتهد بالرجوع إلى نصوص القرآن والسنة حتى يعلم حكم هذه الحادثة والواقعة هذا الذي يجب على من أراد أن يبحث عن حكم شرعي، ويجب أيضا على من أراد أن يناظر ويجادل غيره، أن يحتج بالكتاب والسنة وفهم السلف، في مناظرته وجداله .

ثانيا: أن الواجب على المناظر إذا ظهر له الدليل، وظهر له الحق من نصوص الكتاب والسنة، يجب عليه الاستجابة وعدم العناد , فإذا ظهر لك الدليل واتضحت لك الحجة، يجب عليك أن تقر وتوافق، لا أن تكابر وتعاند، لأن هذا خلاف الاعتصام بالكتاب والسنة .

ثالثا : يتجلى لنا في هذا الحديث أدب المناظرة الرفيع الذي كان بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف أنهم كانوا يتناظرون بالنصوص الشرعية، لا بالأهواء ومجرد الآراء العارية عن الدليل .

فعمر لما احتج على أبي بكر، احتج عليه بحديث نبوي، ولم يحتج عليه برأي فقال له: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس .... الحديث» يعني احتج عليه بحديث ثابت صحيح

فهذا علم الصحابة, وهذا حالهم في المناظرة والاجتهاد والعمل , الرجوع إلى النصوص الشرعية من القرآن والسنة النبوية .

رابعا: أنه يجب اتباع الحاكم أو أمير المؤمنين في اجتهاده فيما لا نص فيه , فيقرر أهل العلم: أن الإمام أو الحاكم إذا اجتهد في أمر لا نص فيه، فإنه يجب على الأمة طاعته في اجتهاده، وأن لا تعصيه ولو كانت تخالفه في اجتهاده , بخلاف ما لو حكم بخلاف نص الكتاب والسنة , فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله, ففي هذه الحالة لا سمع ولا طاعة، لكن لو اجتهد الإمام أو الحاكم في أمر لا نص فيه واختار أحد الرأيين, فعند ذلك نصير إلى اجتهاده .

وأيضا الحديث يدل على أن من أظهر الإسلام قبل منه ذلك، وأجريت عليه أحكامه الظاهرة، وأوكلت سريرته إلى الله تعالى .

خامسا: ويدل الحديث أيضا على أن من ترك فريضة من فرائض الإسلام يجب أمره بها، وقتاله عليها إذا أصر على منعها أو تركها, وهذا مما لا خلاف فيه بين علماء الإسلام, بل حكى شيخ الإسلام ابن تيميه الإجماع على مشروعية قتال من منع الزكاة أو ترك الصلاة أو ترك الصيام أو أبى الحج إلى بيت الله أو غيرها من شعائر الإسلام، وكذا لو استباح محرما من المحرمات, كشرب الخمر أو الزنا أو الربا، أو الجمع بين الأختين أو الجمع بين المرأة وخالتها وما أشبه, فمتى تواطأ قوم واتفقوا على ترك فريضة، أو تواطئوا على فعل حرام، فإنه يجب قتالهم حتى ينتهوا عن ذلك، بخلاف ترك الواحد لفريضة أو فعله لحرام.

وقول البخاري في نهاية الحديث: قال ابن بكير - وهو يحي بن بكير المصري - وعبد الله وهو ابن صالح كاتب الليث - عن الليث «عناقا» وهو أصح, هذه إشارة من البخاري إلى الرواية الأخرى لهذا الحديث، التي رواها يحي بن بكير وعبد الله بن صالح كاتب الليث عن الليث, فالحديث هنا من رواية قتيبة بن سعيد عن الليث , وقتيبة قال في روايته قال: «والله لو منعوني عقالا» لكن رواية يحي ابن بكير الماضية في كتاب العلم، ورواية عبد الله بن صالح كاتب الليث كانت بلفظ «عناقا» قال وهو أصح, فالبخاري يرجح رواية يحي بن بكير وعبد الله بن صالح.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.92 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.29 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.42%)]