عرض مشاركة واحدة
  #472  
قديم 18-03-2023, 10:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,346
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السابع

سورة الزمر
الحلقة (472)
صــ 171 إلى صــ 180





والثاني: أنه جميع الكلام . ثم في المعنى قولان . أحدهما: [أنه الرجل] [ ص: 171 ] يجلس مع القوم فيسمع كلامهم، فيعمل بالمحاسن ويحدث بها، ويكف عن المساوئ ويظهرها، قاله ابن السائب . والثاني: [أنه] لما ادعى مسيلمة أنه قد أتى بقرآن، وأتت الكهنة بالكلام المزخرف في الأباطيل، فرق المؤمنون بين ذلك وبين كلام الله، فاتبعوا كلام الله، ورفضوا أباطيل أولئك، قاله أبو سليمان الدمشقي .
أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار . لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد .

قوله تعالى: أفمن حق عليه كلمة العذاب قال ابن عباس: سبق في علم الله أنه في النار .

فإن قيل: كيف اجتمع في هذه الآية استفهامان بلا جواب؟

قيل: أما الفراء، فإنه يقول: هذا مما يراد به استفهام واحد، فسبق الاستفهام إلى غير موضعه فرد إلى موضعه الذي هو له، فيكون المعنى: أفأنت تنقذ من في النار من حقت عليه كلمة العذاب؟ ومثله: أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون [المؤمنون: 35] فرد "أنكم" مرتين، والمعنى: أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم؟ ومثله: لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ثم قال: فلا تحسبنهم [آل عمران: 188] فرد "تحسبن" مرتين، والمعنى: لا تحسبن الذين يفرحون بمفازة من العذاب . وقال الزجاج : يجوز أن يكون في الكلام محذوف، تقديره: أفمن حق عليه كلمة العذاب فيتخلص منه أو ينجو، أفأنت تنقذه؟ قال المفسرون: أفأنت [ ص: 172 ] تخلصه مما قدر له فتجعله مؤمنا؟ والمعنى: ما تقدر على ذلك قال عطاء: يريد بهذه الآية أبا لهب وولده ومن تخلف من عشيرة النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان .

قوله تعالى: لكن الذين اتقوا وقرأ أبو المتوكل، وأبو جعفر: "لكن" بتشديد النون [وفتحها] . قال الزجاج : والغرف: هي المنازل الرفيعة في الجنة، من فوقها غرف أي: منازل أرفع منها .

وعد الله منصوب على المصدر; فالمعنى: وعدهم الله غرفا وعدا . ومن قرأ: "وعد الله" بالرفع; المعنى: ذلك وعد الله .
ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب .

قوله تعالى: أنزل من السماء ماء قال الشعبي: كل ما في الأرض فمن السماء ينزل فسلكه ينابيع قال ابن قتيبة : أي: أدخله فجعله ينابيع، أي: عيونا تنبع، ثم يهيج أي: ييبس . قال الأصمعي: يقال للثبت إذا تم جفافه: قد هاج يهيج هيجا .

فأما الحطام، فقال أبو عبيدة: هو ما يبس فتحات من النبات، ومثله الرفات . قال مقاتل: هذا مثل ضرب الدنيا، بينا ترى النبت أخضر، إذ تغير فيبس ثم هلك ،وكذلك الدنيا وزينتها . وقال غيره: هذا البيان للدلالة على قدرة الله عز وجل .
[ ص: 173 ] أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين .

قوله تعالى: أفمن شرح الله صدره قال الزجاج : جوابه متروك، لأن الكلام دال عليه، تقديره: أفمن شرح الله صدره فاهتدى كمن طبع على قلبه فلم يهتد، ويدل على هذا قوله: فويل للقاسية قلوبهم ; وقد روى ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية، فقلنا: يا رسول الله وما هذا الشرح؟ فذكر حديثا قد ذكرناه في قوله: فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام [الأنعام: 125] .

قوله تعالى: فهو على نور فيه أربعة أقوال . أحدها: اليقين، قاله ابن عباس . والثاني: كتاب الله يأخذ به وينتهي إليه، قاله قتادة . والثالث: البيان، قاله ابن السائب . والرابع: الهدى، قاله مقاتل .

[ ص: 174 ] وفيمن نزلت هذه الآية؟ فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها نزلت في أبي بكر الصديق وأبي بن خلف، رواه الضحاك عن ابن عباس .

والثاني: في علي وحمزة وأبي لهب وولده، قاله عطاء .

والثالث: في رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي أبي جهل، قاله مقاتل .

قوله تعالى: فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله قد بينا معنى القساوة في [البقرة: 74] .

فإن قيل: كيف يقسو القلب من ذكر الله عز وجل؟

فالجواب: أنه كلما تلي عليهم ذكر الله الذي يكذبون به، قست قلوبهم عن الإيمان به . وذهب مقاتل في آخرين إلى أن "من" هاهنا بمعنى "عن"، قال الفراء: كما تقول: أتخمت عن طعام أكلته، ومن طعام أكلته; وإنما قست قلوبهم من ذكر الله، لأنهم جعلوه كذبا فأقسى قلوبهم; ومن قال: قست قلوبهم عنه، أراد: أعرضت عنه . و [قد] قرأ أبي بن كعب ، وابن أبي عبلة، وأبو عمران: "قلوبهم عن ذكر الله" مكان قوله: "من" .
الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد .

[ ص: 175 ] قوله تعالى: الله نزل أحسن الحديث يعني القرآن; وقد ذكرنا سبب نزولها في أول [يوسف] .

قوله تعالى: كتابا متشابها فيه قولان .

أحدهما: أن بعضه يشبه بعضا في الآي والحروف، فالآية تشبه الآية، والكلمة تشبه الكلمة، والحرف يشبه الحرف .

والثاني: أن بعضه يصدق بعضا، فليس فيه اختلاف ولا تناقض .

وإنما قيل له: مثاني لأنه كررت فيه القصص والفرائض والحدود والثواب والعقاب .

فإن قيل: ما الحكمة في تكرار القصص، والواحدة قد كانت تكفي؟

فالجواب: أن وفود العرب كانت ترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقرئهم المسلمون شيئا من القرآن، فيكون ذلك كافيا لهم، وكان يبعث إلى القبائل المتفرقة بالسور المختلفة، فلو لم تكن الأنباء والقصص مثناة مكررة، لوقعت قصة موسى إلى قوم، وقصة عيسى إلى قوم، وقصة نوح إلى قوم، فأراد الله تعالى أن يشهر هذه القصص في أطراف الأرض ويلقيها إلى كل سمع . فأما فائدة تكرار الكلام من جنس واحد، كقوله: " فبأي آلاء ربكما تكذبان " [الرحمن]، وقوله: لا أعبد ما تعبدون [الكافرون]، وقوله: أولى لك فأولى [القيامة: 34، 35] وما أدراك ما يوم الدين [الانفطار: 17، 18] فسنذكرها في سورة [الرحمن] عز وجل .

قوله تعالى: تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم أي: تأخذهم [ ص: 176 ] قشعريرة، وهو تغير يحدث في جلد الإنسان من الوجل . وروى العباس ابن عبد المطلب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله، تحاتت ذنوبه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها" .

وفي معنى الآية ثلاثة أقوال . أحدها: تقشعر من وعيده، وتلين عند وعده، قاله السدي . والثاني: تقشعر من الخوف، وتلين من الرجاء . والثالث: تقشعر الجلود لإعظامه، وتلين عند تلاوته، ذكرهما الماوردي .

وقال بعض أهل المعاني: مفعول الذكر في قوله: إلى ذكر الله محذوف، لأنه معلوم; والمعنى: تطمئن قلوبهم إلى ذكر الله الجنة والثواب . قال قتادة: هذا نعت أولياء الله، تقشعر جلودهم [وتلين قلوبهم]، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم، إنما هذا في أهل البدع، وهذا من الشيطان . وقد روى أبو حازم، قال: مر ابن عمر برجل ساقط من أهل العراق، فقال: ما شأنه؟ فقالوا: إنه إذا قرئ عليه القرآن يصيبه هذا، قال: إنا لنخشى الله عز وجل، وما نسقط . وقال عامر بن عبد الله بن الزبير: جئت أبي، فقال لي: أين كنت؟ فقلت: وجدت قوما، ما رأيت خيرا منهم قط، يذكرون الله عز وجل فيرعد واحدهم حتى يغشى عليه من خشية الله عز وجل، فقعدت معهم، فقال: لا تقعد معهم بعدها [أبدا]، قال: فرآني [ ص: 177 ] كأني لم يأخذ ذلك في، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن، ورأيت أبا بكر وعمر يتلوان القرآن فلا يصيبهم هذا من خشية الله تعالى، أفترى أنهم أخشى لله من أبي بكر وعمر؟ قال: فرأيت ذلك كذلك . وقال عكرمة: سئلت أسماء بنت أبي بكر: هل كان أحد من السلف يغشى عليه من الخوف؟ قالت: لا، ولكنهم كانوا يبكون . وقال عبد الله بن عروة بن الزبير: قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر، كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون إذا قرئ عليهم القرآن؟ قالت: كانوا كما نعتهم الله تعالى، تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم . فقلت لها: إن ناسا اليوم إذا قرئ عليهم القرآن، خر أحدهم مغشيا عليه، فقالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وكان جواب يرعد عند الذكر، فقال له إبراهيم النخعي: إن كنت تملكه، فما أبالي أن لا أعتد بك، وإن كنت لا تملكه، فقد خالفت من كان قبلك .

[ ص: 178 ] قوله تعالى: ذلك هدى الله في المشار إليه قولان . أحدهما: أنه القرآن، قاله مقاتل . والثاني: أنه ما ينزل بالمؤمنين عند تلاوة القرآن من اقشعرار الجلود عند الوعيد، ولينها عند الوعد، قاله ابن الأنباري .
أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون . كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون . فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون . ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون . قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون .

قوله تعالى: أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب أي: شدته . قال الزجاج : جوابه محذوف، تقديره: كمن يدخل الجنة؟ وجاء في التفسير أن الكافر يلقى في النار مغلولا، ولا يتهيأ له أن يتقيها إلا بوجهه .

ثم أخبر عما يقول الخزنة للكفار بقوله: وقيل للظالمين يعني الكافرين ذوقوا ما كنتم تكسبون أي: جزاء كسبكم .

قوله تعالى: كذب الذين من قبلهم أي: من قبل كفار مكة فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون أي: وهم آمنون غافلون عن العذاب، [ ص: 179 ] فأذاقهم الله الخزي يعني الهوان والعذاب، ولعذاب الآخرة أكبر مما أصابهم في الدنيا لو كانوا يعلمون ، ولكنهم لا يعلمون ذلك .

ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن أي: وصفنا لهم من كل مثل أي: من كل شبه يشبه أحوالهم .

قوله تعالى: قرآنا عربيا قال الزجاج : "عربيا" منصوب على الحال، المعنى: ضربنا للناس في هذا القرآن في حال عربيته وبيانه، فذكر "قرآنا" توكيدا، كما تقول: جاءني زيد رجلا صالحا، وجاءني عمرو إنسانا عاقلا، فذكر رجلا وإنسانا توكيدا .

قوله تعالى: غير ذي عوج روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: غير مخلوق . وقال غيره: مستقيم غير مختلف .
ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون . إنك ميت وإنهم ميتون . ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون .

قوله تعالى: ضرب الله مثلا ثم بينه فقال: رجلا فيه شركاء متشاكسون قال ابن قتيبة : أي: مختلفون، يتنازعون ويتشاحون فيه، يقال: رجل شكس . وقال اليزيدي: الشكس من الرجال: الضيق الخلق .

قال المفسرون: وهذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر، فإن الكافر يعبد [ ص: 180 ] آلهة شتى، فمثله بعبد يملكه جماعة يتنافسون في خدمته، ولا يقدر أن يبلغ رضاهم أجمعين; والمؤمن يعبد الله وحده، فمثله بعبد لرجل واحد، قد علم مقاصده وعرف الطريق إلى رضاه، فهو في راحة من تشاكس الخلطاء فيه، فذلك قوله: سلما لرجل قرأ ابن كثير، وأبو عمرو إلا عبد الوارث في غير رواية القزاز، وأبان عن عاصم: "ورجلا سالما" بألف وكسر اللام وبالنصب والتنوين فيهما; والمعنى: ورجلا خالصا لرجل قد سلم له من غير منازع . ورواه عبد الوارث إلا القزاز كذلك، إلا أنه رفع الاسمين، فقال: "ورجل سالم لرجل" وقرأ ابن أبي عبلة: "سلم لرجل" بكسر السين ورفع الميم . وقرأ الباقون: "ورجلا سلما" بفتح السين واللام [وبالنصب] فيهما والتنوين . والسلم، بفتح السين واللام، معناه الصلح، والسلم بكسر السين مثله . قال الزجاج : من قرأ: "سلما" و "سلما" فهما مصدران وصف بهما، فالمعنى: ورجلا ذا سلم لرجل وذا سلم لرجل; فالمعنى: ذا سلم; والسلم: الصلح، والسلم، بكسر السين مثله . وقال ابن قتيبة : [من قرأ]: "سلما لرجل" أراد: سلم إليه فهو سلم له . وقال أبو عبيدة: السلم والسلم الصلح .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 43.16 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 42.53 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.45%)]