عرض مشاركة واحدة
  #57  
قديم 26-01-2022, 06:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
الحلقة (57)
صــ306 إلى صــ 310

فصل

واختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذا القدر من الآية ، فذهب قوم إلى أنه محكم ، وإنه من العام المخصوص ، فإنه خص منه أهل الكتاب بأنهم لا يكرهون على الإسلام ، بل يخيرون بينه وبين أداء الجزية ، وهذا معنى ما روي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة .

[ ص: 306 ] وقال ابن الأنباري: معنى الآية: ليس الدين ما تدين به في الظاهر على جهة الإكراه عليه ، ولم يشهد به القلب ، وتنطوي عليه الضمائر ، إنما الدين هو المنعقد بالقلب . وذهب قوم إلى أنه منسوخ ، وقالوا: هذه الآية نزلت قبل الأمر بالقتال ، فعلى قولهم ، يكون منسوخا بآية السيف ، وهذا مذهب الضحاك ، والسدي ، وابن زيد . والدين هاهنا: أريد به الإسلام . والرشد: الحق ، والغي: الباطل . وقيل: هو الإيمان والكفر . فأما الطاغوت; فهو اسم مأخوذ من الطغيان ، وهو مجاوزة الحد ، قال ابن قتيبة: الطاغوت: واحد وجمع ، ومذكر ، ومؤنث . قال الله تعالى: أولياؤهم الطاغوت وقال: والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها [ الزمر: 17 ] والمراد بالطاغوت هاهنا خمسة أقوال . أحدها: أنه الشيطان ، قاله عمر ، وابن عباس ، ومجاهد ، والشعبي ، والسدي ، ومقاتل في آخرين . والثاني: أنه الكاهن ، قاله سعيد بن جبير ، وأبو العالية . والثالث: أنه الساحر ، قاله محمد بن سيرين . والرابع: أنه الأصنام ، قاله اليزيدي ، والزجاج . والخامس: أنه مردة أهل الكتاب ، ذكره الزجاج أيضا .

قوله تعالى: فقد استمسك بالعروة الوثقى هذا مثل للإيمان ، شبه التمسك به بالتمسك بالعروة الوثيقة . وقال الزجاج: معنى الكلام: فقد عقد لنفسه عقدا وثيقا . والانفصام: كسر بالشيء من غير إبانة .
الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .

قوله تعالى: الله ولي الذين آمنوا أي: متولي أمورهم ، يهديهم ، وينصرهم ، ويعينهم . والظلمات: الضلالة ، والنور: الهدى ، والطاغوت: الشياطين ، هنا قول ابن عباس ، وعكرمة في آخرين . وقال مقاتل: الذين كفروا: هم اليهود ، والطاغوت: كعب بن [ ص: 307 ] الأشرف . قال الزجاج: والطاغوت هاهنا: واحد في معنى جماعة ، وهذا جائز في اللغة إذا كان في الكلام دليل على الجماعة . قال الشاعر:


بها جيف الحسرى فأما عظامها فبيض وأما جلدها فصليب


أراد جلودها ، فإن قيل: متى كان المؤمنون في ظلمة؟ ومتى كان الكفار في نور؟ فعنه ثلاثة أجوبة . أحدها: أن عصمة الله للمؤمنين عن مواقعة الضلال ، إخراج لهم من ظلام الكفر ، وتزيين قرناء الكفار لهم الباطل الذي يحيدون به عن الهدى ، إخراج لهم من نور الهدى ، و"الإخراج" مستعار هاهنا . وقد يقال: للممتنع من الشيء: خرج منه ، وإن لم يكن دخل فيه . قال تعالى: إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله [ يوسف: 37 ] وقال: ومنكم من يرد إلى أرذل العمر [ النحل: 70 ] . وقد سبقت شواهد هذا في قوله تعالى: وإلى الله ترجع الأمور [ البقرة: 210 ] . والثاني: أن إيمان أهل الكتاب بالنبي قبل أن يظهر نور لهم ، وكفرهم به بعد أن ظهر ، خروج إلى الظلمات . والثالث: أنه لما ظهرت معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان المخالف له خارجا من نور قد علمه ، والموافق له خارجا من ظلمات الجهل إلى نور العلم .
ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين .

قوله تعالى: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه قد سبق معنى "ألم تر" . وحاج: بمعنى خاصم ، وهو نمروذ في قول الجماعة . قال ابن عباس: ملك الأرض شرقها وغربها; [ ص: 308 ] مؤمنان ، وكافران ، فالمؤمنان سليمان بن داود ، وذو القرنين . والكافران: نمروذ ، وبختنصر . قال ابن قتيبة: معنى الآية: حاج إبراهيم ، لأن الله آتاه الملك ، فأعجب بنفسه [وملكه ] .

قوله تعالى: إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال بعضهم: هذا جواب سؤال سابق غير مذكور ، تقديره: أنه قال له: من ربك؟ فقال: ربي الذي يحيي ويميت . قال نمروذ: أنا أحيي وأميت . قال ابن عباس: يقول: أترك من شئت ، وأقتل من شئت . فإن قيل: لم انتقل إبراهيم إلى حجة أخرى ، وعدل عن نصرة الأولى؟ فالجواب: أن إبراهيم رأى من فساد معارضته أمرا على ضعف فهمه ، فإنه عارض اللفظ بمثله ، ونسي اختلاف الفعلين ، فإن نقل إلى حجة أخرى ، قصدا لقطع المحاج ، لا عجزا عن نصرة الأولى .

قوله تعالى: فبهت الذي كفر أي: انقطعت حجته ، فتحير ، وقرأ أبو رزين العقيلي ، وابن السميفع : "فبهت" بفتح الباء والهاء . وقرأ أبو الجوزاء ، ويحيى بن يعمر ، وأبو حيوة: "فبهت" بفتح الباء ، وضم الهاء . قال الكسائي: ومن العرب من يقول: بهت ، وبهت ، بكسر الهاء وضمها ، والله لا يهدي القوم الظالمين يعني: الكافرين . قال مقاتل: لا يهديهم إلى الحجة ، وعنى بذلك نمروذ .
أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير .

قوله تعالى: أو كالذي مر على قرية قال الزجاج: هذا معطوف على معنى الكلام الذي قبله ، معناه: أرأيت كالذي حاج إبراهيم ، أو كالذي مر على قرية؟ وفي المراد بالقرية قولان . أحدهما: أنها بيت المقدس لما خربه بختنصر ، قاله وهب ، وقتادة ، والربيع بن [ ص: 309 ] أنس . والثاني: أنها التي خرج منها الألوف حذر الموت ، قاله ابن زيد: وفي الذي مر عليها ثلاثة أقوال . أحدها: أنه عزير ، قاله علي بن أبي طالب ، وأبو العالية ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وناجية بن كعب ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي ، ومقاتل . والثاني: أنه أرمياء ، قاله وهب ، ومجاهد ، وعبد الله بن عبيد بن عمير . والثالث: أنه رجل كافر شك في البعث ، نقل عن مجاهد أيضا . والخاوية: الخالية ، قاله الزجاج . وقال ابن قتيبة: الخاوية: الخراب ، والعروش: السقوف ، وأصل ذلك أن تسقط السقوف ، ثم تسقط الحيطان عليها (قال أنى يحيي هذه الله) أي: كيف يحييها . فإن قلنا: إن هذا الرجل نبي ، فهو كلام من يؤثر أن يرى كيفية الإعادة ، أو يستهو لها ، فيعظم قدرة الله ، وإن قلنا: إنه كان رجلا كافرا ، فهو كلام شاك ، والأول أصح .

قوله تعالى: فأماته الله مائة عام ثم بعثه .

الإشارة إلى قصته .

روى ناجية بن كعب عن علي رضي الله عنه قال: خرج عزير نبي الله من مدينته ، وهو رجل شاب ، فمر على قرية ، وهي خاوية على عروشها ، فقال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها ، فأماته الله مائة عام ، ثم بعثه ، وأول ما خلق الله منه عيناه ، فجعل ينظر إلى عظامه تنضم بعضها إلى بعض ، ثم كسيت لحما ، ونفخ فيها الروح . قال الحسن: قبضه الله أول النهار ، وبعثه آخر النهار بعد مائة سنة . قال مقاتل: ونودي من السماء: كم لبثت؟ قال قتادة: فقال: لبثت يوما ، ثم نظر فرأى بقية من الشمس ، فقال: أو بعض يوم . فهذا يدل على أنه عزير ، وقال وهب بن منبه: أقام أرميا بأرض مصر فأوحى الله إليه أن الحق بأرض إيلياء ، فركب حماره ، وأخذ معه سلة من عنب وتين ، ومعه سقاء جديد ، فيه ماء ، فلما [ ص: 310 ] بدا له شخص بيت المقدس وما حوله من القرى [والمساجد ] نظر إلى خراب لا يوصف [فلما رأى هدم بيت المقدس كالجبل العظيم ] قال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها؟ ثم نزل منها منزلا ، وربط حماره ، [وعلق سقاءه ] فألقى الله عليه النوم ، ونزع روحه مائة عام ، فلما مر منها سبعون عاما ، أرسل الله ملكا إلى ملك من ملوك فارس ، عظيم ، فقال: إن الله يأمرك أن تنفر بقومك ، فتعمر بيت المقدس وإيلياء وأرضها حتى تعود أعمر ما كانت ، [فقال الملك: أنظرني ثلاثة أيام حتى أتأهب لهذا العمل ، ولما يصلحه من أداة العمل ، فأنظره ثلاثة أيام ] فانتدب ثلاثمائة قهرمان ، ودفع إلى كل قهرمان ألف عامل ، وما يصلحه من أداة العمل [فسار إليها قهارمته ومعهم ثلاثمائة ألف عامل ] فلما وقعوا في العمل ، رد الله روح الحياة في عيني أرميا ، وآخر جسده ميت ، فنظر إليها تعمر ، فلما تمت بعد ثلاثين سنة; رد الله إليه الروح ، فنظر إلى طعامه وشرابه لم يتسنه [ونظر إلى حماره واقفا كهيئته يوم ربطه لم يطعم ولم يشرب ، ونظر إلى الرمة في عنق الحمار لم تتغير جديدة ، وقد أتى على ذلك ريح مائة عام ، وبرد مائة عام ، وحر مائة عام لم تتغير ولم تنتقص شيئا ، وقد نحل جسم أرميا من البلى ، فأنبت الله له لحما جديدا ، ونشز عظامه وهو ينظر ، فقال له الله: انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه ، وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس ، وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال: أعلم أن الله على كل شيء قدير ] . وزعم مقاتل أن هذه القصة كانت بعد رفع عيسى عليه السلام .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.73 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.07%)]