عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 23-07-2021, 06:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي المفاهيم ومشكلة المعنى

المفاهيم ومشكلة المعنى
بليل عبدالكريم

كيف نحكم على المفاهيم بأنها واضحة، أو غامضة، أو خالية من المعنى؟
مفهوم "المعنى" - في ذاته - لَم يخلُ من البحث عند المفكرين لِمَا يطرحُ من إشكالات: ما نقصد حال وصفنا لكلمة ما أنها "ذات معنى"، وعن أخرى "خالية من المعنى"؟
فمَجالات الكلام متَعدِّدة ومتنوِّعة؛ بين عقَديَّة، وإنسانية، وأدَبيَّة، وطبيعيَّة، ورياضية؛ لذا فمفهوم المعنى الواضح إشكالٌ في حدِّ ذاته، في كل مجال على حدة؛ مما يولد "قلقًا دَلاليًّا"، يتجلى في بعض المدارس الفكرية، وبخاصة التيارات المادية، التي تحصر المعنى على مجال فحسب، وتردُّ غيره؛ لذلك نجد الاهتِمام بقضيَّة المعنى في التُّراث العربي في عُلُوم اللغة، وفقه اللغة؛ تفاديًا لِما يسمَّى "بالأمراض الدَّلالية"[1]، التي تصيب المفاهيم في حقول معرفيَّة متنوعة، ونجد هذا الاهتِمام بارزًا في الفلسفة، وعِلم الكلام، والعقيدة، وعُلُوم اللغة، وعِلْم الأصول.
قضية المعنى عند اللغويين:
في كتاب "الخصائص" باب اسمه: الرد على مَن ادَّعى على العرب عنايتها بالألفاظ وإغفالها المعاني، قال فيه: "وذلك أن العرب كما تُعْنَى بألفاظها، فتصلحها وتهذِّبها وتراعيها، وتلاحظ أحكامها بالشعر تارة، وبالخُطب أخرى، وبالأسجاع التي تلتزمها، وتتكلَّف استمرارها، فالمعاني أقوى عندها، وأكرم عليها، وأفخم قَدْرًا في نفوسها.
فأوَّل ذلك عنايتها بألفاظها، فإنها لَمَّا كانتْ عنوان معانيها، وطريقًا على إظهار أغراضها ومراميها، أصلحوها ورتَّبوها، وبالَغوا في تحبيرها وتحْسِينها؛ ليكون ذلك أوقع لها في السمع، وأذهب بها في الدَّلالة على القصْد، ألا ترى أن المثَل إذا كان مسجوعًا، لَذَّ لسامعه فحفظَه، فإذا هو حفظه كان جديرًا باستعماله، ولو لَم يكن مسجوعًا لَم تأنس النفس به، فإذا رأيت العرب قد أصلحوا ألفاظها وحسَّنوها؛ فلا ترينَّ أنَّ العناية إذ ذاك إنما هي بالأَلْفاظ؛ بل هي عندنا خدمة منهم للمعاني وتنويه بها، ونظير ذلك إصلاح الوعاء وتحصينه، وتزكيته وتقديسه، وإنما الْمَبغِيُّ بذلك منه، الاحتياط للموعَى عليه، وجواره بما يعطر بَشَرَه، ولا يَعُرُّ جوهره، كما قد نجد من المعاني الفاخرة السامية ما يُهَجِّنه ويَغُضُّ منه كُدرة لفظه، وسوء العبارة عنه"[2].
وعليه كان اهتمام اللغويين بالدلالة، فتجلَّى ذاك في جمْع معاني القرآن الكريم، وعلم المفردات، وعلم الوجوه والنظائر، والفهارس الموضوعيَّة، ومعاجم الألفاظ والمواضيع، ودراسة المجاز فيه، وعملية ضبْط المصحف؛ شكْلاً، وترقيمًا، وكلها تمثِّل في ذاتها عملاً دلاليًّا؛ إذ تغيير ضبط الكلمة يُفضي إلى تغيير وظيفتها، فتغيير معناها، مثال ذاك حين لحن قارئ في: (أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ)[التوبة: 3]، بجرِّ كلمة "رسوله"، بدلاً من ضمها، فيترتب على هذه القراءة أن يبرأ الله من رسوله، بدلاً من أن يكون الرسول هو المتبرِّئ من المشركين*.
قضية المعنى عند البلاغيين:
أهل البلاغة لهم نصيب من البحث في الجوانب الدلالية؛ مثل: الحقيقة والمجاز، وتراكيب الجمل، ودراسة الأساليب، كالأمر والنهي، والاستفهام والتعجب، وغيرها.
ونجد ذاك - مثلاً - في نظرية "النَّظْم" عند الجرجاني، وهي وإن سُبِق فيها، غير أنَّ على يديه ارتقتْ، وصارتْ نظرية لها أصولها المميزة لها، فيؤكِّد أن النظم في جوهره هو النحو في أحكامه**، ليس من حيث الصحةُ والفساد فقط؛ بل من حيث المزيَّة والفضل، فيقول: "واعلم أن ليس النظم إلا أن تضعَ كلامك الوضْعَ الذي يقتضيه علم النحو، وتعمل على قوانينه وأصوله، وتعرف مناهجه التي نهجتْ فلا تزيغ عنها، فلست بواجد شيئًا يرجع صوابه إن كان صوابًا، وخطؤه إن كان خطأً، إلا إلى النظم، ولا يدخل تحت هذا الاسم إلاَّ وهو معنى من معاني النحو، قد أصيب به موضعه، ووضع في حقِّه، أو عومِل بخلاف هذه المعاملة، فأُزيلَ عن موضعه، واستُعمِل في غير ما ينبغي له، فلا ترى كلامًا قد وُصِف بصحة نظم أو فساده، أو وصف بمزيَّة وفضْل فيه، إلاَّ وأنت تجد مرجع تلك الصحة، وذلك الفساد، وتلك المزية، وذلك الفضل، إلى معاني النحو، وأحكامه، ووجدته يدخل في أصْل من أصوله، ويتصِل ببابٍ من أبوابه"[3].
"فالألفاظ لا تفيد؛ حتى تؤلفَ ضربًا خاصًّا من التأليف، يعمد بها إلى وجْه دون وجه من التركيب والترتيب"[4].
مثال ذلك: أن تغيُّر ترتيب جملة ما يُبطِل نظمها الأصلي، وإذ ذاك فسيخرج البناء اللغوي من كمال البيان إلى مجال الهذيان، كأنْ تقول في: "قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلِ"، "منزل قِفَا ذِكْرى من نَبْك حبيبٍ".
"والسؤال: لماذا كان لترتيب اللفظ على نحو معيَّن قُدرة على البيان؟
الجواب: هو أن ترتيبَ اللفظ على هذا النحو المعين، إنما يُساير الترتيب نفسه، الذي انتظمتْ به المعاني في ذِهن المتكلم، ولقد انتظمت المعاني وَفْق ما يقتضيه العقل، فالمنطق العقلي نفسه يدلُّك على أي المعاني يجب أن تسبق، وأيها يجب أن تأتي لاحقة، بحكم طبائعها بالنسبة للموقف الذي نقفه من عالَم الأشياء، فالمبتدأ يجب أن يسبق؛ ليلحق به الخبر، والفاعل يجب أن يسبق؛ ليلحق به مفعوله"[5].
قضية المعنى عند الفلاسفة:
عناية فلاسفة المسلمين بقضية اللفظ والمعنى متوافِرة في كتابات: الكندي والفارابي، وابن سينا وابن رشد، وابن حزم والغزالي، وكُتب المنطق.
جلُّها في أبحاثهم المنطقية واللغوية، على باب مؤداه: "دلالة الألفاظ ونسبتها إلى المعاني"، وأغلبهم يقرِّر أنَّ الألفاظ تدلُّ على المعنى مِن ثلاثة أوجه متباينة:
1- دَلالة المطابقة: بأن يكون اللفظ موضوعًا لذلك المعنى؛ كدَلالة البيت على مجموع الجدار والسقف[6].
2- دَلالة التضمن: وهي دلالة اللفظ الوضعيَّة على جزء مسماه[7].
3- دلالة الالتزام: دلالة اللفظ على خارج عن مسمَّاه[8].
أما عن نسبة الألفاظ إلى المعاني، فيقول أبو حامد الغزالي: "اعلم أنَّ الألفاظَ من المعاني على أربعة منازل: المشتركة والمتواطئة، والمترادفة والمتزايلة.
أما المشتركة، فهي اللفظ الواحد الذي يُطلق على موجودات مختلفة - بالحد والحقيقة - إطلاقًا متساويًا، كالعين تُطلق على: العين الباصرة، وينبوع الماء، وقرص الشمس، وهذه مختلفة الحدود والحقائق.
وأما المتواطئة: فهي التي تدلُّ على أعيانٍ مُتعددة بمعنى واحدٍ مشترك بينها، كدلالة اسم الإنسان على زيد وعمرو، ودلالة اسم الحيوان على الإنسان، والفرَس، والطير؛ لأنها مشتركة في معنى الحيوانية، والاسم بإزاء ذلك المعنى المشترك المتواطئ، بخلاف العين الباصرة، وينبوع الماء.
وأما المترادفة: فهي الأسماء المختلفة الدالة على معنى يَندرج تحت حدٍّ واحد؛ كالخمر، والراح، والعقار، فإن المسمى بهذه يجمعه حدٌّ واحد، وهو الماء المسكر المعتصر من العنب، والأسامي مترادفة عليه.
وأما المتزايلة، فهي الأسماء المتباينة التي ليس بينها شيء من هذه النسب؛ كالفرس والذهب والثياب، فإنها ألفاظ مختلفة تدلُّ على معانٍ مختلفة بالحدِّ والحقيقة"[9].
قضية المعنى عند الأصوليين:
أهل الأصول يدرسون اللغة من معالِم مباحثهم بصفة عامة، والمعنى - على وجه الخصوص - كان له النصيب الأوفر من البحث، وذاك للصلة الوثيقة بين فَهم اللغة، وفَهم الشرْع المنزَّل بلسان عربي مبين، فعِلم الأصول علمُ استنباطِ الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية، فكان صلبُ موضوعه مبنيًّا على محورين: الأدلة، والأحكام.
وعمليةُ استنباط الأحكام الشرعية منَ الأدلَّة، توجِب إدراك معاني الألفاظ؛ بُغية الوُصُول للمقصود من النصوص الشرعية؛ يقول أبو إسحاق الشاطبي: "واللفظ إنما هو وسيلة إلى تَحْصيل المعنى المراد، والمعنى هو المقصود"[10].
ويَتوافَق الأصوليون والفلاسفة على كيفية دلالة الألفاظ على المعاني، فحددوها في ثلاثة أوجه[11].
وقسَّم الأصوليون الألفاظ إلى: مُتَرادفة ومشتركة، ومُطلقة ومقيَّدة، ولَم يتوَقَّفوا عند دراسة الألفاظ المفردة فحسب، بل تناوَلوا دراسة الصِّيَغ والعبارات، واهتموا بصيَغ الأمر والنهي؛ لكونهما محورَ التكليف[12].
ونجدهم يأخذون بنظرية الاستِعمال أو السياق، على أساس أنها تحدِّد دَلالات الصيغ، من أمثلة ذلك: صيغة الأمر التي أوصلَها الأصوليون إلى عشرين معنى أو يزيد؛ منها:
1- الإباحة: (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ)[البقرة: 187]، (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[الطور: 19].
2- الوجوب: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ)[البقرة: 196]، (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)[البقرة: 43].
3- التعجيز: (وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[البقرة: 23]، (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)[البقرة: 23].
4- الإرشاد: (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ)[البقرة: 282]، (فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ)[النساء: 15] [13].
وتتبُّع الأصوليين للدلالات مبنيٌّ على أنَّ القرآن الكريم رُوعِي فيه المعنى والمبنى، لدرجات قصوى حدَّ الإعجاز، فالقرآن أُنزِل بلُغة العرب، وتحدَّاهم بما هم أهل له، فكان التحدِّي في تنوُّع المعاني وتناسُق المباني، وذاك يثبت ما انتصَر له ابن جني* من أنَّ العرَب راعت المعاني في ألفاظها وتراكيبها.
المناسَبة بين اللفظ والمعنى:
نقلَ أهلُ أصول الفقه عن عبَّاد بن سليمان الصيمري - من المعتزلة - أنه ذهَب إلى أنَّ بين اللفظ ومدلوله مناسبةً طبيعيةً، حاملةً للواضع على أن يضعَ؛ قال: وإلاَّ لكانَ تخصيصُ الاسم المعيَّن بالمسمَّى المعيَّن ترجيحًا من غير مُرَجِّح، وكان بعضُ مَن يرى رأيه يقول: إنه يعرفُ مناسبةَ الألفاظِ لمعانيها؛ فَسُئِل ما مُسَمَّى "اذغاغ" وهو بالفارسية الحجر، فقال: أجدُ فيه يُبْسًا شديدًا، وأراه الحجر.
وأنكَر الجمهور هذه المقالة، وقال: لو ثبتَ ما قالَه، لاهتدى كلُّ إنسان إلى كل لغةٍ، ولما صحَّ وضعُ اللفظِ للضدين؛ كالقَرْءِ للحيض والطُّهر، والجَوْن للأبيض والأسود، وأجابوا عن دليله بأنَّ التخصيص بإرادة الواضع المختار، خصوصًا إذا قلنا: الواضعُ هو الله - تعالى - فإنَّ ذلك كتخصيصه وجودَ العالَم بوقتٍ دون وقت، وأمَّا أهل اللغة والعربيَّة، فقد كادوا يُطبقون على ثبوت المناسَبة بين الألفاظ والمعاني، لكن الفرقَ بين مذهبهم ومذهب عبّاد؛ أن عبَّادًا يراها ذاتية موجبة بخلافهم، وهذا كما تقول المعتزلة بمراعاة الأصْلح في أفعال الله - تعالى - وُجوبًا، وأهل السُّنة لا يقولون بذلك، مع قولهم: إنَّه - تعالى - يفعل الأصْلَح، لكن فضلاً منه ومَنًّا لا وجوبًا، ولو شاءَ لَم يفعلْه.
وقد عقد ابنُ جنِّي في "الخصائص" بابًا لمناسبة الألفاظ للمعاني، وقال: اعلم أن هذا موضع شريف لطيف، نبَّه عليه الخليل وسيبويه، وتَلَقَّتْه الجماعة بالقَبول له والاعتراف بصحته؛ قال الخليل: كأنهم تَوَهَّموا في صوت الجُنْدُب استطالةً ومَدًّا؛ فقالوا: صَرَّ، وَتَوَهَّموا وفي صوت البازي تقطيعًا، فقالوا: صرصر.
وقال سيبويه في المصادر التي جاءتْ على الفَعَلان: إنها تأتي للاضطراب والحرَكة؛ نحو النَّقَزَان، والغَليان، والغَثيان، فقابلوا بِتَوَالي حركاتِ الأمثالِ توالي حركات الأفعال.
قال ابنُ جني: وقد وجدتُ أشياءَ كثيرة من هذا النَّمَط، من ذلك المصادرُ الرُّباعية المضعَّفة تأتي للتكرير، نحو: الزَّعْزَعَة، والقَلْقَلة، والصَّلْصَلة، والقَعْقَعَة، والجَرْجَرة، والقَرْقَرة.
والفَعَلى إنما تأتي للسرعة، نحو: البَشَكَى، والجَمَزى، والوَلَقى.
ومن ذلك باب اسْتفعل، جعلوه للطَّلب؛ لِما فيه من تَقََدُّم حروفٍ زائدة على الأصول، كما يتقدَّم الطلبُ الفعلَ، وجعلوا الأفعالَ الواقعة عن غير طلب إنما تفجأُ حروفها الأصول، أو ما ضارع الأصول، فالأصولُ نحو قولهم: طعِم ووهَب، ودخل وخرج، وصعدَ ونزَل، فهذا إخبار بأصولٍ فاجأت عن أفعال وقَعَت، ولَم يكن معها دلالة تدلُّ على طلبٍ لها ولا إعمال فيها، وكذلك ما تقدَّمت الزيادةُ فيه على سَمتِ الأصل؛ نحو: أحسن، وأكرم، وأعطى، وأولى، فهذا من طريق الصنعة بوزن الأصل في نحو: دَحْرج، وسَرْهف.
فأما مقابلةُ الألفاظ بما يُشاكل أصواتها من الأحداث، فبابٌ عظيم واسع، ونَهْج مُتلئب عند عَارِفيه مَأمُوم، وذلك أنَّهم كثيرًا ما يجعلون أصوات الحروف على سَمت الأحداث المعبَّر بها عنها فيعدلونها بها، ويَحتذُونها عليها، وذلك أكثر مما نقدِّره، وأضعافُ ما نستشعره، من ذلك قولهم: خَضِم وقضِم، الخَضْم لأكل الرَّطْب، كالبِطِّيخ والقِثَّاء، وما كان من نحوها من المأكول الرطب، والقضْمُ للصلب اليابس، نحو: قَضِمتِ الدَّابة شعيرَها، ونحو ذلك.
فانظُرْ إلى هذه الفُروق وأشباهها باختلاف الحرف بحسب القوَّة والضَّعف، وذلك في اللغة كثير جدًّا، وفيما أوردناه كفاية.
تغيُّر المفاهيم:
مما سلف يتَّضِح لنا أن المفاهيم تخضع لأُطُر بيئية وثقافية، فغالبًا ما يثير الاستخدام العام للمصطلحات الفلسفية، والعلمية، والأدبية، والمفردات اللغوية لبْسًا لدى الباحثين، في محاولاتهم التعرُّفَ على خصوصية فلسفة ما، أو فكر ما، أو عقيدة ما.
ومصدر اللبس أن الأفكار وهي تنشأ نسيجها المنهجي الخاص بها، تضطر لاستخدام نفس المصطلحات، والمفردات الشائعة التداول؛ للتعبير عن دلالات مُعينة في مجال البحث، غير أن هذه الدلالات - وهنا مصدر اللبس - إنما ترتبط بالمضمون المعرفي للفلسفة، والفكر، والعقيدة الذي أنتَجَها.
كذلك دلالات الألفاظ والمفردات، إنما ترتبط باللغة التي نشأتْ في أُطر حقلها الثقافي والتاريخي؛ أي إن دلالة الألفاظ ترتبط بتصوُّر ذهني معين للشيء المشار إليه، وليستْ مجرَّد علامة عليه وإشارة.
نلاحِظ أنَّ علينا التَّمييز بين ظاهرة: "تغيير المعنى"، وظاهرة: "تحريف المعنى".
يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.84 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.22 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.23%)]