عرض مشاركة واحدة
  #19  
قديم 06-07-2021, 02:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,028
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله


الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الاول
الحلقة (19)
صـ298 إلى صـ 307


القسم الثاني من قسمي الأحكام

وهو يرجع إلى خطاب الوضع ، وهو ينحصر في الأسباب والشروط والموانع ، والصحة والبطلان ، والعزائم والرخص ; فهذه خمسة أنواع ، فالأول ينظر فيه في مسائل : [ ص: 298 ] النوع الأول في الأسباب

المسألة الأولى

الأفعال الواقعة في الوجود المقتضية لأمور تشرع لأجلها أو توضع فتقتضيها على الجملة ضربان :

أحدهما : خارج عن مقدور المكلف .

والآخر : ما يصح دخوله تحت مقدوره .

فالأول قد يكون سببا ، ويكون شرطا ، ويكون مانعا .

فالسبب : مثل كون الاضطرار سببا في إباحة الميتة ، وخوف العنت سببا في إباحة نكاح الإماء ، والسلس سببا في إسقاط وجوب الوضوء لكل صلاة مع وجود الخارج ، وزوال الشمس أو غروبها أو طلوع الفجر سببا في إيجاب تلك الصلوات ، وما أشبه ذلك .

والشرط : ككون الحول شرطا في إيجاب الزكاة ، والبلوغ شرطا في التكليف مطلقا ، والقدرة على التسليم شرطا في صحة البيع ، والرشد شرطا في دفع مال اليتيم إليه ، وإرسال الرسل شرطا في الثواب والعقاب ، وما كان نحو [ ص: 299 ] ذلك .

والمانع : ككون الحيض مانعا من الوطء والطلاق والطواف بالبيت ووجوب الصلوات وأداء الصيام ، والجنون مانعا من القيام بالعبادات وإطلاق التصرفات ، وما أشبه ذلك .

وأما الضرب الثاني : فله نظران :

نظر من حيث هو مما يدخل تحت خطاب التكليف ـ مأمورا به أو منهيا عنه أو مأذونا فيه ـ من جهة اقتضائه للمصالح أو المفاسد جلبا أو دفعا ; كالبيع والشراء للانتفاع ، والنكاح للنسل ، والانقياد للطاعة لحصول الفوز ، وما أشبه ذلك ، وهو بين .

[ ص: 300 ] ونظر من جهة ما يدخل تحت خطاب الوضع إما سببا أو شرطا أو مانعا .

أما السبب : فمثل كون النكاح سببا في حصول التوارث بين الزوجين وتحريم المصاهرة وحلية الاستمتاع ، والذكاة سببا لحلية الانتفاع بالأكل ، والسفر سببا في إباحة القصر والفطر ، والقتل والجرح سببا للقصاص ، والزنى وشرب الخمر والسرقة والقذف أسبابا لحصول تلك العقوبات ، وما أشبه ذلك ; فإن هذه الأمور وضعت أسبابا لشرعية تلك المسببات .

وأما الشرط : فمثل كون النكاح شرطا في وقوع الطلاق أو في حل مراجعة المطلقة ثلاثا ، والإحصان شرطا في رجم الزاني ، والطهارة شرطا في صحة الصلاة ، والنية شرطا في صحة العبادات ; فإن هذه الأمور ، وما أشبهها ; ليست بأسباب ، ولكنها شروط معتبرة في صحة تلك المقتضيات .

وأما المانع فككون نكاح الأخت مانعا من نكاح الأخرى ، ونكاح المرأة مانعا من نكاح عمتها وخالتها ، والإيمان مانعا من القصاص للكافر ، والكفر [ ص: 301 ] مانعا من قبول الطاعات ، وما أشبه ذلك ، وقد يجتمع في الأمر الواحد أن يكون سببا وشرطا ومانعا كالإيمان هو سبب في الثواب ، وشرط في وجوب الطاعات أو في صحتها ، ومانع من القصاص منه للكافر ، ومثله كثير .

غير أن هذه الأمور الثلاثة لا تجتمع للشيء الواحد ، فإذا وقع سببا لحكم شرعي فلا يكون شرطا فيه نفسه ولا مانعا له ؛ لما في ذلك من التدافع ، وإنما يكون سببا لحكم ، وشرطا لآخر ، ومانعا لآخر ، ولا يصح اجتماعها على الحكم الواحد ، ولا اجتماع اثنين منها من جهة واحدة ، كما لا يصح ذلك في أحكام خطاب التكليف .
المسألة الثانية

مشروعية الأسباب لا تستلزم مشروعية المسببات ، وإن صح التلازم بينهما عادة ، ومعنى ذلك أن الأسباب إذا تعلق بها حكم شرعي من إباحة أو ندب أو منع أو غيرها من أحكام التكليف فلا يلزم أن تتعلق تلك الأحكام بمسبباتها فإذا أمر بالسبب لم يستلزم الأمر بالمسبب ، وإذا نهي عنه لم يستلزم [ ص: 302 ] النهي عن المسبب ، وإذا خير فيه لم يلزم أن يخير في مسببه .

مثال ذلك : الأمر بالبيع مثلا ، لا يستلزم الأمر بإباحة الانتفاع بالمبيع ، والأمر بالنكاح لا يستلزم الأمر بحلية البضع ، والأمر بالقتل في القصاص لا يستلزم الأمر بإزهاق الروح ، والنهي عن القتل العدوان لا يستلزم النهي عن الإزهاق ، والنهي عن التردي في البئر لا يستلزم النهي عن تهتك المردى فيها ، والنهي عن جعل الثوب في النار لا يستلزم النهي عن نفس الإحراق ، ومن ذلك كثير .

والدليل على ذلك : ما ثبت في الكلام من أن الذي للمكلف تعاطي الأسباب ، وإنما المسببات من فعل الله ، وحكمه لا كسب فيه للمكلف ، وهذا يتبين في علم آخر ، والقرآن والسنة دالان عليه ، فمما يدل على ذلك ما يقتضي ضمان الرزق كقوله تعالى : وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك [ طه : 132 ] .

وقوله : وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها [ هود : 6 ] .

وقوله : وفي السماء رزقكم وما توعدون [ الذاريات : 22 ] إلى آخر الآية .

وقوله : ومن يتق الله يجعل له مخرجا الآية [ الطلاق : 2 ] .

إلى غير ذلك مما يدل على ضمان الرزق ، وليس المراد نفس التسبب [ ص: 303 ] إلى الرزق ، بل الرزق المتسبب إليه .

ولو كان المراد نفس التسبب لما كان المكلف مطلوبا بتكسب فيه على حال ، ولو بجعل اللقمة في الفم ومضغها أو ازدراع الحب أو التقاط النبات أو الثمرة المأكولة ، لكن ذلك باطل باتفاق ، فثبت أن المراد إنما هو عين المسبب إليه ، وفي الحديث : لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما ترزق الطير الحديث .

[ ص: 304 ] وفيه : اعقلها ، وتوكل ففي هذا ونحوه بيان لما تقدم .

[ ص: 305 ] ومما يبينه قوله تعالى : أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون [ الواقعة : 58 - 59 ] .

أفرأيتم ما تحرثون [ الواقعة : 63 ] .

أفرأيتم الماء الذي تشربون [ الواقعة : 68 ] .

أفرأيتم النار التي تورون [ الواقعة : 71 ] .

[ ص: 306 ] وأتى على ذلك كله والله خلقكم وما تعملون [ الصافات : 96 ] .

الله خالق كل شيء [ الزمر : 62 ] .

وإنما جعل إليهم العمل ليجازوا عليه ، ثم الحكم فيه لله وحده .

واستقراء هذا المعنى من الشريعة مقطوع به ، وإذا كان كذلك ; دخلت الأسباب المكلف بها في مقتضى هذا العموم الذي دل عليه العقل والسمع ، فصارت الأسباب هي التي تعلقت بها مكاسب العباد دون المسببات ، فإذا لا يتعلق التكليف وخطابه إلا بمكتسب ، فخرجت المسببات عن خطاب التكليف ; لأنها ليست من مقدورهم ، ولو تعلق بها لكان تكليفا بما لا يطاق ، وهو غير واقع كما تبين في الأصول .

ولا يقال : إن الاستلزام موجود ، ألا ترى أن إباحة عقود البيوع والإجارات وغيرها تستلزم إباحة الانتفاع الخاص بكل واحد منها ، وإذا تعلق بها التحريم كبيع الربا والغرر والجهالة استلزم تحريم الانتفاع المسبب عنها ، وكما في التعدي والغصب والسرقة ونحوها ، والذكاة في الحيوان إذا كانت على وفق المشروع مباحة ، وتستلزم إباحة الانتفاع ، فإذا وقعت على غير المشروع كانت ممنوعة ، واستلزمت منع الانتفاع . . . إلى أشياء من هذا النحو كثيرة ; فكيف يقال : إن الأمر بالأسباب والنهي عنها ، لا يستلزم الأمر بالمسببات ، ولا النهي عنها ، [ ص: 307 ] وكذلك في الإباحة ؟

لأنا نقول : هذا كله لا يدل على الاستلزام من وجهين :

أحدهما : أن ما تقدم من الأمثلة أول المسألة قد دل على عدم الاستلزام ، وقام الدليل على ذلك ، فما جاء بخلافه فعلى حكم الاتفاق لا على حكم الالتزام .

الثاني : أن ما ذكر ليس فيه استلزام بدليل ظهوره في بعض تلك الأمثلة ، فقد يكون السبب مباحا والمسبب مأمور به ، فكما نقول في الانتفاع بالمبيع : إنه مباح ، نقول في النفقة عليه : إنها واجبة إذا كان حيوانا ، والنفقة من مسببات العقد المباح ، وكذلك حفظ الأموال المتملكة مسبب عن سبب مباح ، وهو مطلوب ، ومثل ذلك الذكاة ; فإنها لا توصف بالتحريم إذا وقعت في غير المأكول كالخنزير والسباع العادية والكلب ونحوها ، مع أن الانتفاع محرم في جميعها أو في بعضها ، ومكروه في البعض .

هذا في الأسباب المشروعة ، وأما الأسباب الممنوعة فأمرها أسهل ; لأن معنى تحريمها أنها في الشرع ليست بأسباب ، وإذا لم تكن أسبابا لم تكن لها مسببات ; فبقي المسبب عنها على أصلها من المنع ، لا أن المنع تسبب عن وقوع أسباب ممنوعة ، وهذا كله ظاهر ; فالأصل مطرد ، والقاعدة مستتبة . وبالله التوفيق .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.07 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.89%)]