عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 15-12-2022, 05:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الوصايا النبوية

الوصايا النبوية (14)
عليك بالإياس مما في أيدي الناس
(موعظة الأسبوع)









كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

المقدمة:

- الإشارة إلى فضل الوصايا النبوية (مقدمة الموعظة الأولى).

- وصية اليوم: عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أوصني، قال: (عليكَ بالإياسِ مِمَّا في أيدي النَّاسِ، وإيَّاكَ والطَّمَعَ فإنَّهُ الفقرُ الحاضرُ، وصلِّ صلاتَكَ وأنتَ مودِّعٌ، وإيَّاكَ وما يُعتَذرُ منهُ) (رواه الحاكم والبيهقي، وقال الألباني: "حسن لغيره").

- الإشارة إلى أن هذه الوصية يرجى للمؤمن إذا أخذ بها، العزة والكرامة في الدنيا والآخرة: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (المنافقون: 8).

(1) عليكَ بالإياسِ مِمَّا في أيدي النَّاسِ(1):

- إذا أردتَ أن تكون غنيًّا عن الناس، عزيزًا بينهم، محبوبًا مطلوبًا، فلا تمدن عينيك إلى ما في أيديهم من متاع الدنيا: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وازْهَد فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ يحبُّكَ النَّاسُ) (رواه ابن ماجه، وصححه الالباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (واعلمْ أنْ شرفَ المؤمنِ قيامُهُ بالليلِ، وعزَّهُ استغناؤهُ عنِ النَّاسِ) (رواه الحاكم والبيهقي، وحسنه الألباني).

- استغنِ عما في أيدي الناس ولو كنت أفقرهم، فإنك لا تزال بذلك سيدًا كريمًا: قال أعرابي لأهل البصرة: "مَن سيدكم؟ قالوا: الحسن البصري. قال: بمَ سادكم؟ فقالوا: احتاج الناس إلى علمه، واستغنى هو عن دنياهم"، وقال الحسن البصري: "لا يزال الرجل كريمًا على الناس حتى يطمع في دنياهم، فإذا فعل ذلك؛ استخفوا به، وكرهوا حديثه وأبغضوه".

وقال الشاعر:

كن زاهدا فيما حوته يد الورى تـبـقـى إلـى كـل الأنـام حـبـيـبًا

(2) وإيَّاكَ والطَّمَعَ فإنَّهُ الفقرُ الحاضرُ:

- الإنسان إذا ابتلي بداء الطمع لا يشبع أبدًا مهما أعطاه الله -تعالى- من رزق: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَوْ كانَ لِابْنِ آدَمَ وادِيانِ مِن مالٍ لابْتَغَى ثالِثًا، ولا يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلَّا التُّرابُ، ويَتُوبُ اللَّهُ علَى مَن تابَ) (متفق عليه).

- علاج هذا الداء الوبيل هو الرضا بالقليل، ومجاهدة النفس وردها عن جعل الدنيا أكبر الهم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ: فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ نِيَّتَهُ: جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني)، ورُوي أن موسى -عليه السلام- سأل ربه -تعالى- فقال: "أي عبادك أغنى؟ قال: أقنعهم بما أعطيته" (إحياء علوم الدين للغزالي).

وقال أبو العتاهية:

رَغيفُ خُبزٍ يَابِسٍ ... تَأكُلُهُ فِي زَاوِيَه

وَكُوزُ مَاءٍ بَارِدٍ ... تَشْرَبُهُ مِنْ صَافِيَهْ

وَغُرفَةٌ ضَيِّقَةٌ ... نَفْسُكَ فِيهَا خَالِيَهْ

أَوْ مَسجِدٌ بِمَعزِلٍ ... عَنِ الوَرَى فِي نَاحِيَهْ

تَقرَأُ فِيهِ مُصحَفًا ... مُستَنِدًا لُسَارِيَهْ

مُعتَبِرًا بِمَنْ مَضَى .... مِنَ القُرُونِ الخَالِيَهْ

خَيْرٌ مِنَ السَّاعَاتِ ... فِي فَيْءِ القُصُورِ العَالِيَهْ

(3) وصلِّ صلاتَكَ وأنتَ مودِّعٌ:

- إشارة إلى الاستعداد للموت في كل لحظة، والحرص على العمل الصالح ليكون آخر ما يلقى البعد به ربه: "التأمل لمشهد إنسان يعلم أن ملك الموت واقف أمامه ينتظر انصرافه من الصلاة! فكيف سيؤدي هذه الصلاة؟!".

- مَن كان ينتظر الموت سيقصر أمله، ويكثر عمله الصالح: عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: مَرَّ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَنَحْنُ نُعَالِجُ خُصًّا لَنَا، فَقَالَ: (مَا هَذَا؟) فَقُلْتُ: خُصٌّ لَنَا، وَهَى نَحْنُ نُصْلِحُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا أُرَى الْأَمْرَ إِلَّا أَعْجَلَ مِنْ ذَلِكَ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (وَاعْدُدْ ‌نَفْسَكَ ‌فِي ‌الْمَوْتَى) (رواه الطبراني، وحسنه الألباني).

- وفي التوجيه التنبيه على الإحسان في أداء الصلاة: قال -تعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) (المؤمنون: 1-2)، وعن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ما مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاةٌ مَكْتُوبَةٌ فيُحْسِنُ وُضُوءَها وخُشُوعَها ورُكُوعَها، إلَّا كانَتْ كَفَّارَةً لِما قَبْلَها مِنَ الذُّنُوبِ ما لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وذلكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ) (رواه مسلم)، وعن عبدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيرِ -رَضِيَ اللهُ عنه- قال: "رأيتُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصلِّي وفي صدرِه أزيزٌ كأزيزِ الرَّحى مِنَ البكاءِ" (رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ الرَّجلَ لينصرِفُ، وما كُتِبَ لَه إلَّا عُشرُ صلاتِهِ تُسعُها ثُمنُها سُبعُها سُدسُها خُمسُها رُبعُها ثُلثُها، نِصفُها) (رواه أبو داود، وحسنه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أسوَأُ النَّاسِ سَرِقةً الذي يَسرِقُ مِن صَلاتِه)، قالوا: يا رسولَ اللهِ، وكيف يَسرِقُ مِن صَلاتِه؟ قال: (لا يُتِمُّ رُكوعَها، ولا سُجُودَها) (رواه أحمد، وقال الألباني: "صحيح لغيره").

(4) وإيَّاكَ وما يُعتَذرُ منهُ:

- كن حكيمًا في كل تصرفاتك، ولا تقدم على شيء الا بعد تفكير؛ حتى لا ترتكب ما يضعك في موقف الاعتذار، لاسيما بين يدي اللئام(3): قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌التأَنِّي ‌مِنَ ‌اللهِ، ‌والعَجَلَةُ ‌مِنَ ‌الشَّيْطَانِ) (رواه البيهقي، وحسنه الألباني)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأشج عبد القيس: (‌إِنَّ ‌فِيكَ ‌خَصْلَتَيْنِ ‌يُحِبُّهُمَا ‌اللهُ: ‌الْحِلْمُ، ‌وَالْأَنَاةُ) (رواه مسلم)، وقال بعض الحكماء: "مَن أسرع في الجواب أخطأ في الصواب، ومَن ركب العجل أدركه الزلل".

خاتمة: عود على بدء:

- تذكير بوصية اليوم مرة أخرى، مع الإشارة إلى مجمل فوائدها التي يرجى منها تحقق العزة للمؤمن.

فاللهم أعزنا بالإسلام، وزيِّنا بالإيمان، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تنبيه: اعلم أن الغنى المقصود في كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الغنى الحقيقي، وهو غنى النفس، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (ليسَ الغِنَى عن كَثْرَةِ العَرَضِ، ولَكِنَّ الغِنَى غِنَى النَّفْسِ) (متفق عليه).

(2) يعني: أنك قد لا تبقى في الدنيا إلى أن يسقط هذا الحائط، بل العمر أقصر وأسرع من ذلك.

(3) لا مانع من الاعتذار عند الخطأ، ولكن هذا يجعل للناس عليك يدًا؛ فكيف إذا كان المعتَذَر إليه لئيمًا؟!




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.15 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.53 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.81%)]