عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 28-11-2022, 02:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,467
الدولة : Egypt
افتراضي التبرك بذوات الصالحين وآثارهم والأزمنة والأمكنة المرتبطة بهم

التبرك بذوات الصالحين وآثارهم والأزمنة والأمكنة المرتبطة بهم

الشيخ نشأت كمال
الحمدُ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ تعالَى من شرورِ أنفسِنا، وسيئاتِ أعمالِنا، مَن يهدِه اللهُ فلَا مضلَّ لهُ، ومَن يضللْ فلَا هاديَ له، وأشهدُ أن لَا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه.

أما بعد:
فإن التبرك بذوات الصالحين وآثارهم والأزمنة والأمكنة المرتبطة بهم، قضية من أهم القضايا العقدية، وإن الغلوَّ فيها ومخالفة الصواب قد جَرَّ فئامًا من الناس قديمًا وحديثًا إلى حظيرة البدع والخرافات والشركيات.

وهذا من قديم الزمان، فإن أهل الجاهلية الأولى الذين بُعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان من أسباب عبادتهم للأصنام التبرُّك بها، وطلب بركتها في الأموال والأولاد والأنفس، ثم لما دخلت البدع في هذا الدين عن طريق الزنادقة والمنافقين، كان من وسائلهم لتحريف الدين الغلوُّ في الأولياء والصالحين، والتبرك بقبورهم؛ وفي مقدمة هؤلاء: الرافضة؛ فهم من أولهم ظهورًا بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ومن هنا أدخل أهل النفاق في الإسلام ما أدخلوه، فإن الذي ابتدع دين الرافضة كان زنديقًا أظهر الإسلام وأبطن الكفر، ليحتال في إفساد دين المسلمين، كما احتال بولص في إفساد دين النصارى، سعى في الفتنة بين المسلمين حتى قُتل عثمان، وفي المؤمنين من يستجيب.

ثم إنه لما تفرقت الأمة ابتدع ما ادعاه في الإمامة من النص والعصمة، وأظهر التكلم في أبي بكر وعمر، وصادف ذلك قلوبًا فيها جهل وظلم، وإن لم تكن كافرة، فظهرت بدعة التشيع التي هي مفتاح باب الشرك، ثم لما تمكَّنتِ الزنادقة أمروا ببناء المشاهد، وتعطيل المساجد، محتجين بأنه لا تُصلى الجمعة والجماعة إلا خلف المعصوم، وروَوا في إنارة المشاهد وتعظيمها والدعاء عندها من الأكاذيب ما لم أجد مثله فيما وقفت عليه من أكاذيب أهل الكتاب، حتى صنف كبيرهم ابن النعمان كتابًا في مناسك حج المشاهد، وكذبوا فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، وأهل بيته أكاذيب بدَّلوا بها دينه وغيَّروا ملته، وابتدعوا الشرك المنافي للتوحيد، فصاروا جامعين بين الشرك والكذب.

ثم اقتبس غلاة المتصوفة من الرافضة التبرك بالمشايخ وبقبورهم، وآثارهم، فهذا البوصيري يرى أن من تبرك بتراب قبر النبي صلى الله عليه وسلم، كانت له طوبى؛ إذ يقول:
لا طيب يعدل تربًا ضمَّ أعظمه
طوبى لمنتشقٍ منه وملتثمِ


وأما أتباع الطريقة الرفاعية، فقد ذكروا من بركات صاحب الطريقة ما يجل عن الوصف، ومن ذلك قوله في شعره:
أنا الرفاعي ملاذ الخافقين فلُذْ في
باب جودي لتُسقى الخير من دِيَمِ
إذا دعاني مريدي وهو في لججٍ
من البحار نجا من حالة العدمِ
هلال سلطان عزِّي للوجود بدا
وحالتي انفردت من جملة الأممِ
فلو ذُكرت بأرض لا نبات لها
لأقبلت بصنوف الخير والنِّعَمِ
ولو ذُكرت بنار قط ما لهبت
ولو ذكرت ببحر غار من عِظَمِي


ولا يسامي الرفاعي في هذه البركات إلا الشيخ نقشبند، شيخ الطريقة النقبشندية؛ الذي يقول عنه الشيخ محمد أمين الكردي: "هو الغوث الأعظم، وعقد جيد المعارف الأنظم، انزاحت بأنوار هدايته أعيان الأغيار، وعادت الأشرار ببركة أسراره من أخيار الأعيان وأعيان الأخيار".

وأما شيخ البريلوية في الهند، فإنه لا يرى بأسًا من وضع تمثال لمقبرة الحسين في المنزل؛ من أجل التبرك به!

قلت: ومع انتشار العلم في هذا الزمن إلا أن التبرك بالأولياء وآثارهم وبالقبور وأصحابها لا يزال شائعًا منتشرًا، حتى بين من يحملون أعلى الدرجات العلمية، وما الحجر الطيني المصنوع من تراب النجف الذي نرى حجاج الرافضة يحملونه معهم للسجود عليه في الصلاة، إلا مظهر منحرف من مظاهر التبرك المحرم، وما قيام أصحاب الموالد في أثناء قراءتهم للمولد، وشربهم من الماء الموضوع عند قارئ المولد، إلا مظهر منحرف من مظاهر التبرك المحرم؛ إذ يعتقد بعضهم أن روح الرسول صلى الله عليه وسلم حضرت قراءة المولد، وشربت من الماء الموضوع؛ ومن ثَمَّ فهم يتبركون ببقية الماء.

ولا شك أن ذات الرسول صلى الله عليه وسلم ذات مباركة، جعل الله فيها بركة خاصة ليست لغيره من الخلق، وكان الصحابة يعرفون ذلك، وهذا القول عليه جملة من الأدلة تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاته وما انفصل من جسده من شعر ولباس، وما استعمله من الأدوات والمتاع والآلات، قد جعل الله فيه من البركة شيئًا عظيمًا، حتى حرص الصحابة على التبرك به وبمتاعه وأدواته في حياته وبعد مماته صلى الله عليه وسلم، فكانوا يرجون بذلك البركة والشفاء، والخصب والنماء، وكل ذلك مخصوص به صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز ذلك لأحد سواه، وهذا من تعظيم الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أنه جعله مباركًا، وجعل كتابه مباركًا، وسنته مباركة، وذاته مباركة، وأدواته ومتاعه من ثياب وأكواب وأطباق وسلاح وغير ذلك، جعله كله مباركًا، فأي فضل أعظم من هذا؟ وأي توقير أعظم من هذا؟ وأي تفخيم أعظم من هذا؟ فلله دَرُّ جماعة عظيمة من أهل السنة؛ إذ قصروا ذلك الفضل والشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وحده بلا منازع، ولا مشارك له في هذه البركة، وأما من قاس غيره عليه، فقد جانبه الصواب، ولم يأتِ ببرهان من سنة أو كتاب، أو أثر عن واحد من الأصحاب.

[ينظر ذلك تفصيلًا في كتابي (تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم) (ص 323 – 344)].


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.25 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (3.13%)]