عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 22-09-2022, 02:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في بيته

الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في بيته (3)

عبد العظيم محمود الديب


وقفنا أمام بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:


وحين نقف أمام ما رأيناه من بيت المصطفى عليه الصلاة والسلام يجب أن نؤكِّد ما يلي:

۱ - أننا لا ندعو الناس لأن يخرجوا من بيوتهم وأثاثهم، ويبحثوا عن بيوت من الجريد وفراش من الليف، فما أمر بذلك النبيّ وأصحابه، وإنما الذي نقوله، على ضوء فهمنا لهديه صلى الله عليه وآله وسلم - إنَّ للمسلم أن يعيش واقعه وحياته، وبيئته، على أن يكون في ذلك مقتديا بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يجعل متع هذه الحياة همَّه، ويتركها تستحوذ على فكره، ويصير يملأ عينيه من فراشه وأثاثه، وبيته وحجراته، ويشغل قلبه بصوره وألوانه، حتى يملأ كل هذا ركناً من قلبه، ويمتلك جانباً من نفسه، والطامة الكبرى حين يجعل ذلك مصدر مباهاة ومفاخرة، وتعالٍ وتكاثر.


۲ - أنَّ من استطاع أن يسمو فوق رغباته، ويعلو على شهواته بحيث يكتفي من المسكن والأساس والفراش بما يحفظ عليه حياته وصحته، ويعينه على أداء واجبه نحو آله وقومه ودينه، ويحفظ عليه هيبته ومكانته - فلا شك أنَّه أصاب السنة واستقام على الجادَّة.

3 - أنَّ هذا لم يكن من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عجزاً مادياً، فلو أراد لكان فراشه من الديباج والإستبرق، ولكان بيته من الذهب والفضة «لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة» صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

4 - كذلك لم يكن هذا من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عجزاً نفسياً عن إدراك هذه المتع واستيعابها، بل كان قوة وقدرة، أن تكون بين يديه، ويسمو فوقها مؤثراً متعاً أرقى وأعظم، متعة الروح والنفس، متعة البذل والعطاء.

5 - ونؤكد أخيراً ونحن نرى بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفراشه وأثاثه أنَّه كان بيتاً رائع الجمال ظاهر الوضاءة، طيب الرائحة، مشرق النظافة لم تمنعه بساطة المظهر ولا خشونة الفراش وفقر الأثاث أن يكون بيتاً جميلاً وضيئاً، عطراً نظيفاً، وأعني بهذه الصفات الحسيَّة لا المعنويَّة، أيّ الجمال الحسيّ والوضاءة الحسيّة والعطر الحسيّ والنظافة الحسيّة.

وحينما أقول ذلك أقوله على التحقيق واليقين لا على التخيل والتوقع، وتحققي ويقيني ينبع من أن صاحبه صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي كان يعلم أصحابه النظافة ويدعو إليها، ويحب الطيب ويدعو إليه، فهو القائل: «إن الله تعالى طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود» (أخرجه الترمذي)

وهو الذي ردَّ الطعام إلى أبي أيوب الأنصاري وهو ضيف عنده؛ لأن فيه ثوماً أو بصلاً، وارتاع أبو أيوب، وراح يسأل أهي حرام يا رسول الله؟ فيقول المصطفى عليه السلام: «لا، ولكني أناجي ما لا تناجون» (السيرة النبويّة 2/104).

وهو الذي قال فيه أنس رضي الله عنه: «ما شممت ريحاً قط، ولا مسكاً ولا عنبراً أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم» (رواه أحمد والبخاري) وهو الذي قال: «أخرجوا منديل الغمر من بيوتكم فإنه مبيت الخبيث ومسكنه» (الفردوس عن جابر) [تكلم المناوي في ثلاثة من رواته في الفيض، ولكنه بهدي الرسول أشبه].

ومنديل الغمر هو الخرقة لمسح الأيدي من وَضَرِ اللحم. والغمر هو زهومة اللحم، وما تعلق باليد منه، والخبيث في الأصل كما قال الراغب الأصفهاني في مفرداته «ما يكره رداءة وخساسة، محسوساً كان أو معقولاً» فالمراد هنا الشيطان، الهوام والحشرات أيضاً.

ومعنى هذا الحديث بلغة العصر: أخرجوا القمامة لا تبيت في بيوتكم. وما زالت للآن كثير من البيوت التي تناطح السحاب، وتفرش بالنمارق والأرائك، والديباج والاستبرق، وتضاء بالكهرباء، ما زال كثير من هذه البيوت في حاجة إلى من يعلم أهلها كيف يخرجون القمامة لا تبيت معهم.

ونبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً هو القائل: «من نام وفي يديه غمر ولم يغسله، فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه» (أخرجه أبو داود والترمذي) فأيُّ ترغيب في النظافة وطيب الرائحة أكثر من هذا!.

ألا ما كان أجمل بيت رسول الله

ألا ما كان أنظف بيت رسول الله.

ألا ما كان أطيب بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عند دخول البيت:

لعل الترتيب المنطقي بعد أن رأينا بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتمثلنا صورته من الداخل والخارج – لعل الترتيب يقتضينا أن نسعد بصحبة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وهو داخل إلى بيته. فكيف كان وهو داخل إلى بيته.

كان صلى الله عليه وآله وسلم يد خل بيته ذاكرا الله عزَّ وجل، حامداً له شاكراً، يروي ابن السني في (عمل اليوم والليلة) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنها قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إذا رجع من النهار إلى بيته قال: «الحمد لله الذي كفاني وآواني، الحمد لله الذي أطعمني وسقاني، الحمد لله الذي منَّ عليَّ فأفضل، أسألك أن تجيرني من النار» هكذا شأنه دائماً الذكر والحمد، داخل إلى بيته محفوف بنعمة الكفاية والحماية التي أنعم بها الله عليه في نهاره، فبفضل الله تقلب في نهاره، وبفضل الله كان سعيه، وبفضل الله كان جهاده، وبفضل الله كانت الحماية والرعاية والعناية، وهو داخل إلى بيته شاعر بنعمة الإيواء، والسكن والأمن «الحمد الله الذي أطعمني وسقاني» ثم الحمد يستتبع الحمد، والذكر يستتبع الذكر «الحمد لله الذي أطعمني وسقاني» ثم النعم لا تعد ولا تحصى «فالحمد لله الذي من علي فأفضل»، نعم. من. منَّ بماذا؟ بكل ما أنا فيه، النعم منّ مِنَ الله أي إعطاء ومنح، ليست حقاً وهي زيادة، وهي غامرة، وهي سابغة، فكأن بعضها يكفي للشكر والثناء والخشوع والخضوع.

ويُعلِّم أمته أن تذكر الله مثله فيقول عند دخوله، وعند طعامه، قال الشيطان لأصحابه: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل، فلم يذكر الله تعالى عند دخوله، قال، الشيطان: أدركتم المبيت..».

وهو عليه الصلاة والسلام هنا لا يحدد للذكر صيغة معينة، تيسيراً على أمته وتسهيلاً، فيكفي ذكر الله، والمراد - قطعاً - الذكر بمعناه الحقيقي، استشعار عظمة الله سبحانه، وقدرته وجبروته، وملكه ورحمته وفضله ونعمه، وحينئذ سينطق اللسان بما ينبغي أن ينطق: بالتسبيح والتنزيه، والحمد والشكر والخضوع والخشوع، هذا هو المعنى المطلوب بأي لفظ، وبأي عبارة.

السلام على أهل البيت:

بعد أداء حقّ الله بالتعظيم والتحميد والتمجيد، بقي حقّ الأهل، وأهل البيت، حقهم في التحية، فقد يظن ظان أن التحية، تكون لمن بيننا وبينهم كلفة، أو عدم معرفة، فتشرع التحية، جلباً للألفة، وإزالة للوحشة، وأما أهل البيت حيث زالت الكلفة وتمت الألفة، فلا حاجة إلى تحية وسلام. ومن أجل هذا علَّم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أمّته، ونبههم إلى حقّ أهل بيتهم عليهم في السلام والتحية عند الدخول، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يا بني إذا دخلت على أهلك، فسلم يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك» (رواه الترمذي وقال: حسن صحيح)

ملابسه صلى الله عليه وآله وسلم وزينته:

أعتقد أننا لم نبعد عن موضوعنا حين نحاول أن نرى كيف كانت ملابسه صلى الله عليه وآله وسلم، وكيف كان تزينه ذلك أن الملبس والزينة، وإن كان يرى خارج البيت إلا أنَّه لا يبدأ إلا من البيت، ولا يتم إلا في البيت، فنحن إذاً ما زلنا مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في بيته.

وحينما ننظر إلى ملابس المصطفى عليه الصلاة والسلام، سنحاول أن نصف منها ما يلي:

أ - شكلها وطريقة تفصيلها.

ب - كيف كان يلبسها.

ج - لونها.

د - ما كان يقول من ذكر عند لبسها.

هـ - ماذا كان يكره من الثياب.

١- شكل ملابسه صلى الله عليه وآله وسلم:

لم يتخذ عليه الصلاة والسلام شكلاً معيناً من الملابس، يلتزمه طول حياته، وإنما ورد أنَّه لبس (القميص) و(السروال) و(الرداء) و(الإزار) و(الجبة)، ولبس (العمامة) على (القلنسوة) وبدونها، و(عصب رأسه) و(تقنَّع) بلفِّ رداءٍ حول رأسه ووجهه فوق العمامة، واستخدم الحِبَرة والخميصة، والبرود، والشملات، والمرط [وهو كساء من صوف ونحوه يؤتزر به].

وهذه كلها (أشكال) من الملابس و(أصناف) من الأنسجة. فلم يلتزم عليه الصلاة والسلام أيَّاً منها، لا من حيث (الشكل) ولا من حيث (النوع).

ولم يكن هذا أيضاً خضوعاً لضرورة الحياة، وواقع البيئة، حيث كانت الملابس والأنسجة تجلب من الأسواق الخارجية، من اليمن وفارس والشام ومصر، ولم تكن تجارتها كما نراها اليوم منتظمة، توفر كل الألوان والأصناف بصفة دائمة، في معارض قائمة زاهرة. وانما كانت تتوفر بعض الأصناف حينا، وينقطع حينا آخر.

أقول: ليس هذا هو السبب في مراوحة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بين هذه الأصناف والأشكال فلو كان له أرب في لون وشكل وصنف معين، لما عزَّ عليه أن يجلب منه ما يكفيه دائماً.

وإنما كان الذي يعنيه صلى الله عليه وآله وسلم من الثياب حقيقتها ووظيفتها. ولقد ظهر من هديه صلى الله عليه وآله وسلم في هذا المجال أن الذي يرجى من الملابس هو:

- الستر.

- التزين.

- مع الوقاية من الحر والبرد.

والذي يوضح ذلك ما روي من ميله إلى لبس القميص، فقد أخرج أبو داود والترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: «كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القميص» (جمع الفوائد:1/306).

ولا منافاة بين هذا، وبين ما ورد من حديث أنس: (من أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (الحِبَرة)). فإن القميص أحب باعتبار (الشكل)، أي: طريقة التفصيل، (الحِبَرة) فهو نوع من البُرود اليمنية تصنع من القطن (صنف) من الأنسجة، وليس شكلا من الثياب. بل لا مانع من أن يتخذ منها نفسها القميص فيجمع بذلك بين الحديثين.

قال الحافظ الزين العراقي: «فيه ندب لبس القميص» وأنَّه كان أحب إلى الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما فيه من مزيد الستر لإحاطته بالبدن بالخياطة، بخلاف الرداء والشملة نحوها، مما يشتمل به، مما يحتاج إلى ربط أو إمساك، أو لف أو عقد، إذ ربما غفل عنه لابسه فيسقط عنه بخلاف القميص» (شرح المناوي بها عن جمع الوسائل: 1/108).

ويؤكد هذا أيضاً ما رواه مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يأكل الرجل بشماله، أو يمشي في نعل واحدة، وأن يشتمل الصمَّاء، وأن يحتبيَ في ثوب واحد كاشفا عن فر جه.

قال النووي نقلاً عن أبي عبيد: الفقهاء يقولون: اشتال الصماء هو: أن يشتمل بثوب ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيّه، وعلى ذلك يكون هذا الاشتمال حراماً إن انكشف به بعض العورة، وإلا فيكره.

وأما الاحتباء فهو أن يقعد الإنسان على إليتيه، وينصب ساقيه، ويحتوي عليها بثوب أو نحوه، وكان هذا الاحتباء عادة للعرب في مجالسهم، فإن انكشف معه شيء من عورته فهو حرام 10 هـ (شرح مسلم:14/76).

فالنهي عن هذه الهيئة أو تلك من اللباس، لأنَّها تفوت المقصود الأول من اللباس وهو الستر، فتعرض صاحبها لاحتمال كشف العورة.

ويدخل في هذا أيضاً ما روي في شأن السراويل، وأنَّه صلى الله عليه وآله وسلم كان يشتريها ويلبسها - مع أنَّها لم تكن شائعة عند العرب آنذاك - فقد روى أصحاب السنن عن سويد ابن قيس رضي الله عنه قال: «جلبت أنا ومخرمة العبدي بزا (أي ثياباً) من هجر، فأتينا به مكة، فجاءنا النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فساومنا بسراويل، فبعنا منه وزن ثمنه، وقال للذي يزن: زن وأرجح».

ولأبي يعلى الموصلي وللطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه نحوه، وفيه: «قلت يا رسول الله، وإنك لتلبس السراويل؟ قال أجل، في السفر والحضر، وبالليل والنهار.

التتمة في الجزء التالي.

المصدر: المؤتمر العالمي الثالث للسيرة والسُنَّة النبويّة، الدوحة، محرم 1400هـ




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.74 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.11 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.35%)]