عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 29-07-2020, 02:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي الوفاء سمو وبناء

الوفاء سمو وبناء


ماجد محمد الوبيران




الوفاء خُلُقٌ رفيعٌ، عرَفه الإنسان منذُ قديم الزمان، فلا يكاد يُذكَر الوفاء إلاَّ ويُذكر اسمُ الشاعر الجاهلي: السموءل، الذي ضُرِب به المثل في الوفاء، حين ضَحَّى بابنه في سبيلِ الحفاظ على وديعةٍ لامرئ القيس.

والوفاءُ هنا هو الوفاءُ للبشَر حين يُتبادَل البذل، وتُحفَظ العهود، وتُصان المودَّة التي عاشتْ بين شخصين بُرهةً مِن الزَّمن، وهذه الصِّفة الجميلة، صِفة الوفاء زادَها جمالاً وبهاءً مجيءُ الإسلام الذي عمِل على التأكيد عليها، وجَمَّلها حين هَذَّبها برُوح الإسلام المستقيمة السمحة.

لكنْ، وما أقسى لكنْ!!

هلِ الوفاءُ قد قَلَّ في زمنِ الوباء؟ الوباء؟!
نعمْ، وباءُ الجحود الذي تفشَّى في قلوبِ كثيرٍ مِن البشَر، فلا الجميل عندَهم عاد يُذكَر، ولا المعروف لديهم صار يُحفَظ، ولا التواصُل معهم ظلَّ يستمر، أفٍّ مِن الدُّنيا حين يئنُّ الوفاء في صدورِ الشرفاء!! ويتوارَى الضعفاءُ الجهلاء خلف أحراش النُّكران والجفاء، يَنظرون من طرَف خفيٍّ علَّهم يحظَوْن بجميلٍ جديدٍ يُقدم إليهم دون أن يُفكِّروا في ردِّ الجميل، وكأنَّهم ما خُلِقوا إلاَّ ليأخذوا، لا ليُعطوا، وما وُجِدوا إلا ليَستغلُّوا، لا ليَمنحوا، وما درُوا أنَّ قيمةَ الحياةِ الحقيقيَّة تكمُن في العطاء، والعطاء لا يكون مقصورًا على المال، فالعطاء هو العطاء مِن النَّفْس، وذلك بالإحساسِ بمَن حولنا، نُعامِل الناس بما نحبُّ أن يعاملَنا به الناس؛ فنكون مثالاً لمكارمِ الأخلاق، لا نَعيب على إنسانٍ فعلاً ما ونحن أوَّل الواقعين فيه، والعطاء مِن الوقت، بأن نُخصِّص أجزاءً مِن وقتنا نرسُم فيها لوحاتِ الوفاء بأرياشِ الإنسانيَّة الحقَّة، نفِي لأحبابنا في القريبِ والبعيد، نسأل عنهم، ونزورهم، ونؤدِّي حوائجهم، ونَقْضي متطلباتِهم؛ إيمانًا مِنَّا بأنَّ أحبَّ الناس إلى الله مَن يَنفع عِبادَ الله، ويقينًا بأنَّ عونَ الله حاصلٌ للإنسان ما دامَ الإنسانُ في عونِ أخيه الإنسان.

الوفاءُ قيمةٌ إسلاميَّة عظيمة، ورصيدٌ إنساني نبيلٌ لمن يُدرك قيمةَ التمسُّك بالخُلق الحسَن تمسُّكًا نابعًا مِن ثقافة سويَّة، ثقافة تدْعو إلى ضرورة الاتِّصاف بخُلق الوفاء، والبُعد عنِ التفكير ولو للحظةٍ في الجحودِ والنكران، والتسامُح مع النَّفس؛ لتتعلمَ النفسُ كيف تتسامَح مع غيرها.

وما أجملَ أن نَحفِر الحُفر لا لنزرع فيها الشرَّ والانتقام، بل لندفنَ فيها أخطاءَ الأصدقاء والأرحام! ونكتب أخطاءَهم على أسطح الماء بمدادِ الأقلام، وننقش محاسنهم على صَحائفِ صُخورِ الأعلام، راجين راحةَ البال القادمة مِن طريق التعامل الحسَن، والابتعاد عن الإحساسِ بشيءٍ من ألَم الضمير المضطرم داخلَ النَّفْس؛ بسببِ البُعدِ عن كلِّ تصرُّف صحيح.

فلنكُن أوفياءَ لمن عرفْناهم، ولنتناسَ جراحَ مَن أخطؤوا في حقِّنا في يومٍ ما؛ تخليدًا لخُلق الوفاء، وتجديدًا لنيَّة الصَّفاء.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.12 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 16.49 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.67%)]