عرض مشاركة واحدة
  #74  
قديم 07-02-2022, 02:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ آَلِ عِمْرَانَ
الحلقة (74)
صــ391 إلى صــ 395

قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون .

قوله تعالى: (قالت رب أنى يكون لي ولد) في علة قولها هذا قولان . أحدهما: أنها قالت هذا تعجبا واستفهاما ، لا شكا وإنكارا ، على ما أشرنا إليه في قصة زكريا ، وعلى هذا [ ص: 391 ] الجمهور . والثاني: أن الذي خاطبها كان جبريل ، وكانت تظنه آدميا يريد بها سوءا ، ولهذا قالت: أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا [ مريم: 18 ] ، فلما بشرها لم تتيقن صحة قوله ، لأنها لم تعلم أنه ملك ، فلذلك قالت: (أنى يكون لي ولد) قاله ابن الأنباري .

قوله تعالى: (ولم يمسسني) أي: ولم يقربني زوج ، والمس: الجماع ، قاله ابن فارس . وسمي البشر بشرا ، لظهورهم ، والبشرة: ظاهر جلد الإنسان ، وأبشرت الأرض: أخرجت نباتها . وبشرت الأديم: إذا قشرت وجهه ، وتباشير الصبح: أوائله . قال: يعني جبريل: (كذلك الله يخلق ما يشاء) أي: بسبب ، وبغير سبب ، وباقي الآية مفسر في "البقرة" .
ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل .

قوله تعالى: (ويعلمه الكتاب) قرأ الأكثرون "ونعلمه" بالنون . وقرأ نافع ، وعاصم بالياء ، فعطفاه على قوله "يبشرك" وفي الكتاب قولان . أحدهما: أنه كتب النبيين وعلمهم ، قاله ابن عباس . والثاني: الكتابة ، قاله ابن جريج ومقاتل . قال ابن عباس: والحكمة: الفقه ، وقضاء النبيين .
ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين .

قوله تعالى: (ورسولا) قال الزجاج: ينتصب على وجهين . أحدهما: ونجعله رسولا ، والاختيار عندي: ويكلم الناس رسولا .

قوله تعالى: (أني أخلق) قرأ الأكثرون "أني" بالفتح ، فجعلوها بدلا من آية فكأنه قال: قد جئتكم بأني أخلق لكم ، وقرأ نافع بالكسر ، قال أبو علي: يحتمل وجهين . أحدهما: أن يكون مستأنفا . والثاني: أنه فسر الآية بقوله: أني أخلق ، أي: أصور وأقدر .

[ ص: 392 ] قال ابن عباس: أخذ طينا ، وصنع منه خفاشا ، ونفخ فيه ، فإذا هو يطير ، ويقال: لم يصنع غير الخفاش ، ويقال: إن بني إسرائيل نعتوه بذلك لأن الخفاش عجيب الخلق . وروي عن أبي سعيد الخدري أنه قال لهم: ماذا تريدون؟ قالوا: الخفاش . فسألوه أشد الطير خلقا ، لأنه يطير بغير ريش . وقال وهب: كان الذي صنعه يطير ما دام الناس ينظرونه ، فإذا غاب عن أعينهم ، سقط ميتا ، ليميز فعل الخلق من فعل الخالق . والأكثرون قرؤوا (فيكون طيرا) وقرأ نافع هاهنا وفي (المائدة) طائرا . قال أبو علي: حجة الجمهور قوله تعالى: (كهيئة الطير) ولم يقل: كهيئة الطائر . ووجهة قراءة نافع: أنه أراد: يكون ما أنفخ فيه ، أو ما أخلقه ، طائرا . وفي "الأكمه" أربعة أقوال . أحدها: أنه الذي يولد أعمى ، رواه الضحاك عن ابن عباس ، وسعيد عن قتادة ، وبه قال اليزيدي ، وابن قتيبة ، والزجاج . والثاني: أنه الأعمى ، ذكره ابن جريج عن ابن عباس ، ومعمر عن قتادة ، وبه قال الحسن ، والسدي . وحكى الزجاج عن الخليل أن الأكمه: هو الذي يولد أعمى ، وهو الذي يعمى ، وإن كان بصيرا . والثالث: أنه الأعمش ، قاله عكرمة . والرابع: أنه الذي يبصر بالنهار ، ولا يبصر بالليل ، قاله مجاهد والضحاك . والأبرص: الذي به وضح . وكان الغالب على زمان عيسى عليه السلام ، علم الطب ، فأراهم المعجزة من جنس ذلك ، إلا أنه ليس في الطب إبراء الأكمه والأبرص ، وكان ذلك دليلا على صدقه . قال وهب: ربما اجتمع على عيسى من المرضى في اليوم الواحد خمسون ألفا ، وإنما كان يداويهم بالدعاء . وذكر المفسرون أنه أحيا أربعة أنفس من الموت . وعن ابن عباس: أن الأربعة كلهم بقي حتى ولد له ، إلا سام بن نوح .

قوله تعالى: (وأنبئكم بما تأكلون) قال سعيد بن جبير : كان عيسى إذا كان في المكتب يخبرهم بما يأكلون ، ويقول للغلام: يا غلام إن أهلك قد هيئوا لك كذا وكذا من الطعام فتطعمني منه؟ وقال مجاهد: بما أكلتم البارحة ، وبما خبأتم منه . وعلى هذا المفسرون ، إلا أن [ ص: 393 ] قتادة كان يقول: وأنبئكم بما تأكلون من المائدة التي تنزل عليكم ، وما تدخرون منها ، وكان أخذ عليهم أن يأكلوا منها ، ولا يدخروا ، فلما خانوا ، مسخوا خنازير .
ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم .

قوله تعالى: (ومصدقا لما بين يدي) قال الزجاج: نصب "مصدقا" على الحال ، أي: وجئتكم مصدقا (ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم) قال قتادة: كان قد حرم عليهم موسى الإبل والثروب وأشياء من الطير ، فأحلها عيسى .

قوله تعالى: (وجئتكم بآية) أي: بآيات تعلمون بها صدقي ، وإنما وحد ، لأن الكل من جنس واحد (من ربكم) أي: من عند ربكم .
فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون .

قوله تعالى: (فلما أحس عيسى) أي: علم . قال شيخنا أبو منصور اللغوي: يقال: أحسست بالشيء ، وحسست به ، وقول الناس في المعلومات "محسوسات" خطأ ، إنما الصواب "المحسات" فأما المحسوسات ، فهي المقتولات ، يقال: حسه: إذا قتله . والأنصار: الأعوان . و"إلى" بمعنى "مع" في قول الجماعة ، قال الزجاج: وإنما حسنت في موضع "مع" لأن "إلى" غاية و"مع" تضم الشيء بالشيء . قال ابن الأنباري: ويجوز أن [ ص: 394 ] يكون المعنى: من أنصاري إلى أن أبين أمر الله . واختلفوا في سبب استنصاره بالحواريين ، فقال مجاهد: لما كفر به قومه ، وأرادوا قتله ، استنصر الحواريين . وقال غيره: لما كفروا به ، وأخرجوه من قريتهم ، استنصر الحواريين . وقيل: استنصرهم لإقامة الحق ، وإظهار الحجة . والجمهور على تشديد "ياء" الحواريين . وقرأ الجوني ، والجحدري ، وأبو حيوة: الحواريون بتخفيف الياء . وفي معنى الحواريين ستة أقوال . أحدها: أنهم الخواص الأصفياء ، قال ابن عباس: الحواريون: أصفياء عيسى . وقال الفراء: كانوا خاصة عيسى . وقال الزجاج: الحواريون في اللغة: الذين أخلصوا ، ونقوا من كل عيب ، وكذلك الدقيق: الحواري ، إنما سمي بذلك ، لأنه ينقى من لباب البر وخالصه . قال حذاق اللغويين: الحواريون: صفوة الأنبياء الذين خلصوا وأخلصوا في تصديقهم ونصرتهم . ويقال: عين حوراء: إذا اشتد بياضها . وخلص ، واشتد سوادها ، ولا يقال: امرأة حوراء ، إلا أن تكون مع حور عينها بيضاء . والثاني: أنهم البيض الثياب ، روى سعيد بن جبير . عن ابن عباس أنهم سموا بذلك ، لبياض ثيابهم . والثالث: أنهم القصارون ، سموا بذلك ، لأنهم كانوا يحورون الثياب ، أي: يبيضونها . قال الضحاك ، ومقاتل: الحواريون: هم القصارون . قال اليزيدي: ويقال: للقصارين: الحواريون ، لأنهم يبيضون الثياب ، ومنه سمي الدقيق: الحوارى ، والعين الحوراء: النقية المحاجر . والرابع: الحواريون: المجاهدون .

وأنشدوا:


ونحن أناس يملأ البيض هامنا ونحن حواريون حين نزاحف

[ ص: 395 ] جماجمنا يوم اللقاء تراسنا
إلى الموت نمشي ليس فينا تحانف


والخامس: الحواريون: الصيادون . والسادس: الحواريون: الملوك ، حكى هذه الأقوال الثلاثة ابن الأنباري . قال ابن عباس: وعدد الحواريين اثنا عشر رجلا . وفي صناعتهم قولان . أحدهما ، أنهم كانوا يصطادون السمك ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس . والثاني: أنهم كانوا يغسلون الثياب ، قاله الضحاك ، وأبو أرطأة .
ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين .

قوله تعالى: (ربنا آمنا بما أنزلت) هذا قول الحواريين . والذي أنزل: الإنجيل والرسول: عيسى . وفي المراد بالشاهدين خمسة أقوال . أحدها: أنهم محمد صلى الله عليه وسلم ، وأمته ، لأنهم يشهدون للرسل بالتبليغ ، رواه عكرمة عن ابن عباس . والثاني: أنهم من آمن قبلهم من المؤمنين ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثالث: أنهم الأنبياء ، لأن كل نبي شاهد أمته ، قاله عطاء . والرابع: أن الشاهدين: الصادقون ، قاله مقاتل . والخامس: أنهم الذين شهدوا للأنبياء بالتصديق . فمعنى الآية: صدقنا ، واعترفنا ، فاكتبنا مع من فعل فعلنا ، هذا قول الزجاج .
ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين .

قوله تعالى: (ومكروا ومكر الله) قال الزجاج: المكر من الخلق: خبث وخداع ، ومن الله عز وجل: المجازاة ، فسمي باسم ذلك ، لأنه مجازاة عليه ، كقوله تعالى: الله يستهزئ بهم [ البقرة: 15 ] ، والله خير الماكرين [ آل عمران: 54 ] ، لأن مكره مجازاة ، ونصر للمؤمنين . قال ابن عباس: ومكرهم ، أن اليهود أرادوا قتل عيسى ، فدخل خوخة ، فدخل رجل منهم ، فألقى عليه شبه عيسى ، ورفع عيسى إلى السماء ، فلما خرج إليهم ، ظنوه عيسى ، فقتلوه .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.89 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.67%)]