عرض مشاركة واحدة
  #335  
قديم 12-09-2022, 12:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,313
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ النَّحْلِ
الحلقة (335)
صــ 437 إلى صــ 444





أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم والله يعلم ما تسرون وما تعلنون

[ ص: 437 ] قوله تعالى : " أفمن يخلق كمن لا يخلق " يعني : الأوثان ، وإنما عبر عنها بـ " من " لأنهم نحلوها العقل والتمييز ، " أفلا تذكرون " يعني : المشركين ، يقول : أفلا تتعظون كما اتعظ المؤمنون ؟ قال الفراء : وإنما جاز أن يقول : " كمن لا يخلق " ، لأنه ذكر مع الخالق ، كقوله : فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين [النور :45] ، والعرب تقول : اشتبه علي الراكب وجمله ، فما أدري من ذا من ذا ، لأنهم لما جمعوا بين الإنسان وغيره ، صلحت " من " فيهما جميعا .

قوله تعالى : " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " قد فسرناه في (إبراهيم :34) .

قوله تعالى : " إن الله لغفور " أي : لما كان منكم من تقصيركم في شكر نعمه " رحيم " بكم إذ لم يقطعها عنكم بتقصيركم .

قوله تعالى : " والله يعلم ما تسرون وما تعلنون " روى عبد الوارث ، إلا القزاز " يسرون " و " يعلنون " بالياء .
والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون

قوله تعالى : " والذين تدعون من دون الله " قرأ عاصم : يدعون بالياء .

قوله تعالى : " أموات غير أحياء " يعني : الأصنام . قال الفراء : ومعنى الأموات هاهنا : أنها لا روح فيها . قال الأخفش : وقوله : " غير أحياء " توكيد .

قوله تعالى : " وما يشعرون أيان يبعثون " " أيان " بمعنى : " متى " .

وفي المشار إليهم قولان :

أحدهما : أنها الأصنام ، عبر عنها كما يعبر عن الآدميين . قال ابن عباس : [ ص: 438 ] وذلك أن الله تعالى يبعث الأصنام لها أرواح ومعها شياطينها ، فيتبرؤون من عبادتهم ، ثم يؤمر بالشياطين والذين كانوا يعبدونها إلى النار .

والثاني : أنهم الكفار ، لا يعلمون متى بعثهم ، قاله مقاتل .
إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين

قوله تعالى : " إلهكم إله واحد " قد ذكرناه في سورة (البقرة :163) .

قوله تعالى : " فالذين لا يؤمنون بالآخرة " أي : بالبعث والجزاء " قلوبهم منكرة " أي : جاحدة لا تعرف التوحيد " وهم مستكبرون " أي : ممتنعون من قبول الحق .

قوله تعالى : " لا جرم " قد فسرناه في (هود :22) ، ومعنى الآية : أنه يجازيهم بسرهم وعلنهم ، لأنه يعلمه . والمستكبرون : المتكبرون عن التوحيد والإيمان . وقال مقاتل : " ما يسرون " حين بعثوا في كل طريق من يصد الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " وما يعلنون " حين أظهروا العداوة لرسول الله .

[ ص: 439 ] قوله تعالى : " وإذا قيل لهم " يعني : المستكبرين " ماذا أنزل ربكم " على محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال الزجاج : " ماذا " بمعنى " ما الذي " . و " أساطير الأولين " مرفوعة على الجواب . كأنهم قالوا : الذي أنزل : أساطير الأولين ، أي : الذي تذكرون أنتم أنه منزل : أساطير الأولين . وقد شرحنا معنى الأساطير في (الأنعام :25) . قال مقاتل : الذين بعثهم الوليد بن المغيرة في طرق مكة يصدون الناس عن الإيمان ، ويقول بعضهم : إن محمدا ساحر ، ويقول بعضهم : شاعر ، وقد شرحنا هذا المعنى في (الحجر:90) في ذكر المقتسمين .

قوله تعالى : " ليحملوا أوزارهم " هذه لام العاقبة ، وقد شرحناها في غير موضع ، والأوزار : الآثام ، وإنما قال : كاملة ، لأنه لم يكفر منها شيء بما يصيبهم من نكبة ، أو بلية ، كما يكفر عن المؤمن ، " ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم " أي : أنهم أضلوهم بغير دليل ، وإنما حملوا من أوزار الأتباع ، لأنهم كانوا رؤساء يقتدى بهم في الضلالة ، وقد ذكر ابن الأنباري في " من " وجهين :

أحدهما : أنها للتبعيض ، فهم يحملون ما شركوهم فيه ، فأما ما ركبه أولئك باختيارهم من غير تزيين هؤلاء ، فلا يحملونه ، فيصح معنى التبعيض .

والثاني : أن " من " مؤكدة ، والمعنى : وأوزار الذين يضلونهم . " ألا ساء ما يزرون " أي : بئس ما حملوا على ظهورهم .

قوله تعالى : " قد مكر الذين من قبلهم " قال المفسرون : يعني به : النمرود بن كنعان ، وذلك أنه بنى صرحا طويلا . واختلفوا في طوله ، فقال ابن عباس : [ ص: 440 ] خمسة آلاف ذراع ، وقال مقاتل : كان طوله فرسخين ، قالوا : ورام أن يصعد إلى السماء ليقاتل أهلها بزعمه . ومعنى " المكر " هاهنا : التدبير الفاسد .

وفي الهاء والميم من " قبلهم " قولان :

أحدهما : أنها للمقتسمين على عقاب مكة ، قاله ابن السائب .

والثاني : لكفار مكة ، قاله مقاتل .

قوله تعالى : " فأتى الله بنيانهم من القواعد " أي : من الأساس . قال المفسرون : أرسل الله ريحا فألقت رأس الصرح في البحر ، وخر عليهم الباقي .

قال السدي : لما سقط الصرح ، تبلبلت ألسن الناس من الفزع ، فتكلموا بثلاثة وسبعين لسانا ، فلذلك سميت " بابل " ، وإنما كان لسان الناس قبل ذلك بالسريانية ، وهذا قول مردود ، لأن التبلبل يوجب الاختلاط والتكلم بشيء غير مستقيم ، فأما أن يوجب إحداث لغة مضبوطة الحواشي ، فباطل ، وإنما اللغات تعليم من الله تعالى .

فإن قيل : إذا كان الماكر واحدا ، فكيف قال : " الذين " ولم يقل : " الذي " ؟ فعنه ثلاثة أجوبة :

أحدها : أنه كان الماكر ملكا له أتباع ، فأدخلوا معه في الوصف .

والثاني : أن العرب توقع الجمع على الواحد ، فيقول قائلهم : خرجت إلى البصرة على البغال ، وإنما خرج على بغل واحد .

والثالث : أن " الذين " غير موقع على واحد معين ، لكنه يراد به : قد مكر الجبارون الذين من قبلهم ، فكان عاقبة مكرهم رجوع البلاء عليهم ، ذكر هذه الأجوبة ابن الأنباري . قال : وذكر بعض العلماء : أنه إنما قال : " من فوقهم " ، [ ص: 441 ] لينبه على أنهم كانوا تحته ، إذ لو لم يقل ذلك ، لاحتمل أنهم لم يكونوا تحته ، لأن العرب تقول : سقط علينا البيت ، وخر علينا الحانوت ، وتداعت علينا الدار ، وليسوا تحت ذلك .

قوله تعالى : " وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون " أي : من حيث ظنوا أنهم آمنون فيه . قال السدي : أخذوا من مأمنهم . وروى عطية عن ابن عباس قال : خر عليهم عذاب من السماء . وعامة المفسرين على ما حكيناه من أنه بنيان سقط . وقال ابن قتيبة : هذا مثل ، والمعنى : أهلكهم الله ، كما هلك من هدم مسكنه من أسفله ، فخر عليه .

قوله تعالى : " ثم يوم القيامة يخزيهم " أي : يذلهم بالعذاب . " ويقول أين شركائي " قرأ نافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي : " شركائي الذين " بهمزة وفتح الياء ، وقال البزي عن ابن كثير : " شركاي " مثل " هداي " ، والمعنى : أين شركائي على زعمكم ؟ هلا دفعوا عنكم ! . " الذين كنتم تشاقون فيهم " أي : تخالفون المسلمين فتعبدونهم وهم يعبدون الله ، وقرأ نافع : " تشاقون " بكسر النون ، أراد : تشاقونني ، فحذف النون الثانية ، وأبقى الكسرة تدل عليها ، والمعنى : كنتم تنازعونني فيهم ، وتخالفون أمري لأجلهم .

قوله تعالى : " قال الذين أوتوا العلم " فيهم ثلاثة أقوال :

أحدها : أنهم الملائكة ، قاله ابن عباس . والثاني : الحفظة من الملائكة ، قاله مقاتل . والثالث : أنهم المؤمنون .

فأما " الخزي " فقد شرحناه في مواضع [آل عمران :192] و " السوء " هاهنا : العذاب .
الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون [ ص: 442 ] فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين

قوله تعالى : " الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم " قال عكرمة : هؤلاء قوم كانوا بمكة أقروا بالإسلام ولم يهاجروا ، فأخرجهم المشركون كرها إلى بدر ، فقتل بعضهم . وقد شرحنا هذا في سورة (النساء :97) .

قوله تعالى : " فألقوا السلم " قال ابن قتيبة : انقادوا واستسلموا ، والسلم : الاستسلام . قال المفسرون : وهذا عند الموت يتبرؤون من الشرك ، وهو قولهم : " ماكنا نعمل من سوء " وهو الشرك ، فترد عليهم الملائكة فتقول : " بلى " . وقيل : هذا رد خزنة جهنم عليهم " بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون " من الشرك والتكذيب . ثم يقال لهم : ادخلوا أبواب جهنم ، وقد سبق تفسير ألفاظ الآية [النساء :97] و[الحجر :44] .
وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون كذلك يجزي الله المتقين الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون

قوله تعالى : " وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم " روى أبو صالح عن ابن عباس أن مشركي قريش بعثوا ستة عشر رجلا إلى عقاب مكة أيام الحج على طريق الناس ، ففرقوهم على كل عقبة أربعة رجال ، ليصدوا الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا لهم : من أتاكم من الناس يسألكم عن محمد فليقل بعضكم : شاعر ، وبعضكم : كاهن ، وبعضكم : مجنون ، وألا تروه ولا يراكم خير لكم ، فإذا [ ص: 443 ] انتهوا إلينا صدقناكم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعث إلى كل أربعة منهم أربعة من المسلمين ، فيهم عبد الله بن مسعود ، فأمروا أن يكذبوهم ، فكان الناس إذا مروا على المشركين ، فقالوا ما قالوا ، رد عليهم المسلمون ، وقالوا كذبوا ، بل يدعو إلى الحق ، ويأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، ويدعو إلى الخير ، فيقولون : وما هذا الخير الذي يدعو إليه ؟ فيقولون : " للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة " .

قوله تعالى : " قالوا خيرا " أي : أنزل خيرا ، ثم فسر ذلك الخير فقال : " للذين أحسنوا في هذه الدنيا " قالوا : لا إله إلا الله ، وأحسنوا العمل " حسنة " أي : كرامة من الله تعالى في الآخرة ، وهي الجنة ، وقيل : " للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة " في الدنيا وهي ما رزقهم من خيرها وطاعته فيها ، " ولدار الآخرة " يعني : الجنة " خير " من الدنيا .

وفي قوله تعالى : " ولنعم دار المتقين " قولان :

أحدهما : أنها الجنة ، قاله الجمهور . قال ابن الأنباري : في الكلام محذوف ، تقديره : ولنعم دار المتقين الآخرة ، غير أنه لما ذكرت أولا ، عرف معناها آخرا ، ويجوز أن يكون المعنى : ولنعم دار المتقين جنات عدن .

والثاني : أنها الدنيا . قال الحسن : ولنعم دار المتقين الدنيا ، لأنهم نالوا بالعمل فيها ثواب الآخرة .

قوله تعالى : " جنات عدن " قد شرحناه في (براءة :72) .

قوله تعالى : " الذين تتوفاهم الملائكة " وقرأ حمزة " يتوفاهم " بياء مع الإمالة . وفي معنى " طيبين " خمسة أقوال :

أحدها : مؤمنين . والثاني : طاهرين من الشرك . والثالث: زاكية أفعالهم [ ص: 444 ] وأقوالهم . والرابع : طيبة وفاتهم ، سهل خروج أرواحهم . والخامسة : طيبة أنفسهم بالموت ، ثقة بالثواب .

قوله تعالى : " يقولون " يعني الملائكة " سلام عليكم " .

وفي أي وقت يكون هذا [السلام] فيه قولان :

أحدهما : عند الموت . قال البراء بن عازب : يسلم عليه ملك الموت إذا دخل عليه . وقال القرظي : ويقول له : الله عز وجل يقرأ عليك السلام ، ويبشره بالجنة .

والثاني : عند دخول الجنة . قال مقاتل : هذا قول خزنة الجنة لهم في الآخرة ، يقولون : سلام عليكم .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 53.27 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 52.64 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.18%)]