عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 17-08-2022, 09:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي ملتقى العبادات وقمة الصالحات

ملتقى العبادات وقمة الصالحات
خميس النقيب

الحمدُ للهِ الواحدِ الأحدِ الفَرْدِ الصمدِ، الذي لم يَلدْ ولم يُولَدْ، ولم يكنْ له كُفْوًا أحَد، لك الحمدُ ربي على فضلك، لك الحمد ربي على نعمك، لك الحمد ربي على هديك، أشكرك ربي على آلائك وكرمك!!

الحمد لله قامت بربها الأشياء، وسبَّحت بحمده الأرض والسماء، ولا زال الكون محكومًا بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى، فما من شيء إلا هو خالقه، ولا من رزق إلا هو رازقه، ولا من خير إلا هو سائقه، ولا من أمر إلا هو مدبِّره، ﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ﴾ [الرعد: 2].

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه، اعتزَّ بالله فأعَزَّه، وانتصر بالله فنصَرَه، وتوكَّل على الله فكَفاه، وتواضَع لله فشرح له صدره، ووضع عنه وِزْرَه، ويسَّر له أمره، ورفع له ذكره، وذلَّ له رقابَ عدوِّه، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليك يا رسول الله، وعلى أهلك وصَحْبك ومَن تَبِعَك بإحسانٍ إلى يوم الدين!


أيها المسلمون عباد الله، في هذه الأيام العشر تزدانُ الأرض بوفود الحجيج، وتتجمَّل السماء بنور الملأ الأعلى، وتتألَّق الكعبة في سرة الأرض، وفي وسط الدنيا يطوف بها العباد فيزدادون إيمانًا، ويتألقون إحسانًا، ويتخففون ذنوبًا وآثامًا، ويستنيرون نورًا وجمالًا!

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ))- يعني: أيام العشر- قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ))؛ أخرجه البخاري.


عباد الله، قمة الصالحات في الأيام العشر سباق إلى الخيرات، سباق إلى جنات أعدها ربُّ الأرض والسماوات! إنها قمة تلتقي فيها العبادات، وتتجمَّع فيها الفرائض، فيها إنفاق؛ حيث نفقة الحج من المال الحلال، وفيها زكاة؛ حيث تقديم الهدي لإطعام البائس والفقير، وفيها صلاة، والصلاة هناك بمائة ألف صلاة، وفيها صوم، لمن لم يستطع التمتُّع، وكذلك صوم حتى عن الكلام، وفيها الشهادتان فضلًا عن التهليل والذكر والتكبير، كل مشعر له تكبير وتهليل، وتجمع بين الأخلاق؛ ففيها هجرة إلى الله، وفيها إخلاص لله، وفيها تضحية وفداء، وفيها عفو وصفاء، وفيها تسامح وتصالح وتصافح!


قمة الصالحات؛ فيها جهاد لا شوكة فيه، وغِنى لا فقر معه، ونداء خالد عبر الزمان والمكان، لا لبس فيه، ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ﴾ [الحج: 27، 28]، وقال صلى الله عليه وسلم داعيًا أيضًا إلى الحج: ((إنَّ اللهَ كتَبَ عليكم الحجَّ فحجُّوا)).

تتسارع الأيام، وتمرُّ الأعوام، تتوالى الليالي، وينقضي الزمن، والليالي من الزمان حبالى مثقلات، يلدن كل عجيب!


أيها المسلمون، قمة الصالحات في هذه العشر يكثر فيها التهليل والتكبير والدعاء، فعلى المسلم أن يُنظِّف صفحاته، ويُطهِّر سجلاته، ويُنقِّي عباراته، ويغض نظراته، ويرشد خطواته قبل أن يلقى حتفه، ويقابل ربَّه، فيعرض عليه أعماله، ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 18]؛ لذلك يجب أن يقف الإنسان مع نفسه، يأخذ العبرة، ويسترشد المعنى، ويستلهم الدرس؛ ليُجدِّد في قلبه النشاط، ويُثير في نفسه الحماس، ويزرع في روعه الأمل، يحثه على العمل، ويُنير له الطريق، ويبعث فيها روح الفريق.


كل يوم يمرُّ علينا من لقاء الله خطوة، ولا ندري كم بقي من أعمارنا، بعض خطوة، أم خطوة، أم خطوات، يقول الحسن البصري رضي الله عنه: إنما أنت أيها الإنسان أيامٌ مجموعة، فإذا ذهب يومُكَ فقد ذهب بعضُك، إذا مرَّ يوم من حياتك فقد وقعَتْ ورقةٌ من شجرتك، وطويت صفحة من صفحاتك، وهوَى جدار من بُنيانك!

ويقول عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه: الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما، نعم الليل والنهار يعملان فيك، كيف؟! يقربان كل بعيد، ويُبليان كل جديد، ويفلَّان كل حديد! ((اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: حَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَشَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ))؛ حديث صحيح، أشد لحظات العتاب مع النفس، وأقوى لحظات اللوم للإنسان وأشد ساعات الندم حين يُقابل بصحيفة عمله، فيرى فيها الخزْيَ والعار؛ قال تعالى: ﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾ [الفجر: 23، 24]، وقال تعالى: ﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾ [الزمر: 56]، فالعاقل مَن ندم اليومَ حيث يَنفعه الندم، واستقبل لحَظات عمره، فعمَّرها قبل أن يأتي اليوم الذي لا ينفع فيه الندم.


أيها المسلمون عباد الله، قمة الصالحات في هذه الأيام العشر؛ فهي مواسم طاعة، وأسواق أخلاق، ومصانع أرزاق، فيها تلبية لنداء الله ((لبَّيْكَ اللهُمَّ لبَّيْكَ))، وفيها اكتساب أخلاق، ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: 197]، وفيها زيادة في الأرزاق ((الحج والعمرة ينفيان الفقر كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة)).

إنها مزرعة للأخلاق الحسنة، والقيم العالية، والآداب الرفيعة؛ حيث يتأدَّب الحاجُّ مع الشجر فلا يقطع، ومع الطير فلا يقْتُل، ومع الإنسان فلا يشتم، ومع البيت فلا يلحد، ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الحج: 25]، فيحرص على كل لحظة طائعًا لله، مهتمًّا بالآخرة، زاهدًا في الدنيا!


كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إذا أمسيت فلا تَنتظِر الصَّباح، وإذا أصبحتَ فلا تَنتظِر المساء، ويقول الحسن البصري: يا بن آدم، نهارُك ضيفُك فأحسِنْ إليه؛ فإنك إن أحسنتَ إليه ارتحَلَ بحمدِك، وإن أسأت إليه ارتحل بذمِّك، أنت بين يوم مشهود، ويوم موعود، فقدِّم لليومينِ، واعمل للدارين؛ إنه موسم تجارة، وسوق عبادة، يجبي إليه من ثمرات كل شيء، فهو قوة روحية بالذكر والدعاء، وقوة اقتصادية بالبيع والشراء، وقوة اجتماعية بالحب والإخاء، وقوة سياسية بالتشاوُر، وبحث الآراء!


أمر الله تعالى المؤمنين الصالحين بالمسارعة إلى الصالحات، والمسابقة في عمل الخيرات، قال سبحانه: ﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 148].

ووصف عز وجل المؤمنين المتقين بأنهم هم الذين يسارعون في الخيرات، ويتسابقون إلى فعلها, قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 60، 61].


وحثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على المبادرة والمسارعة في عمل الخير قبل أن تتغير النفوس وتتقلب القلوب، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ أَحَدُهُمْ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا))؛ أخرجه أحمد، فبَادِروا قبل أن تُبَادَروا، وحجُّوا قبل ألا تحجُّوا!!


عباد الله، قمة الصالحات فيها الطهارة والنضارة، فيها الثقافة والنظافة، يذهب الحاجُّ محمَّل بالذنوب، مثقل بالآثام، ويعود نظيفًا طاهرًا كيوم ولدته أمه، ((مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ؛ رَجَعَ من حجِّه كيوم ولدَتْه أمُّه))؛ صحيح، متفق عليه.

قال صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص رضي الله عنه لما أسلم: ((أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما قبلها، وأن الحج يهدم ما قبله؟ والحج ليس له جزاء إلا الجنة))، ((الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ))؛ البخاري ومسلم.

قمة الصالحات في هذه الأيام العشر؛ حيث سباق إلى الجنات، ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: 21].

قمة الصالحات وأسواق الحسنات؛ حيث يهاجر المسلم إلى ربِّه تاركًا دياره وأولاده وعشيرته، لسان حاله يقول: ﴿ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الصافات: 99]، وهناك يطوف كما طاف إسماعيل، ويسعى كما سعَتْ هاجر، ويقبل كما قبل عمر، ويقف بعرفة كما وقف محمد بن عبدالله، ويُضحِّي كما ضحَّى إبراهيم عليهم وعلى نبيِّنا أفضَلُ الصلاة والسلام.


أيها المسلمون، قمة الصالحات في الأيام العشر، يسمو المؤمن فوق الماديات، ويعلو على الشهوات، ينشط الذهن ويتألَّق، وتصفو الروح وتُحلِّق، إنه يزهد فيما عند الناس، ويرغب فيما عند الله، إنه يتخفَّف من أثقال الدنيا، وجواذب الأرض، وينطلق صوب الآخرة في سعادة غامرة، لسان حاله يهتف: وا فرحتاه غدًا سألقى الأحبة محمدًا وصحبه!، فيعمل لمعاده كما يعمل لمعاشه، ويعمل لغده كما يعمل ليومه، ويعمل لآخرته كما يعمل لدنياه،﴿ فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 148].

يعلمون أن متاع الدنيا مهما طال فإنه قصير، ومهما كثُر فانه قليل، ﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾ [النساء: 77]، يعرفون أن الآخرة هي الخالدة، هي الباقية ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [الأعلى: 16، 17]؛ لذلك يتحركون في الأرض بهذا الفهم، ويعيشون في الدنيا بهذا الفقه، تبقى الدنيا في أيديهم لا في قلوبهم، فيجعلونها مزرعةً لآخرتهم، ومرضاةً لربهم، لقد وعى الصحابةُ ذلك جيدًا، فلم يعملوا من أجل مصلحة شخصية، ولا منفعة مادية، ولا شهوة حسية؛ وإنما يعملون من أجل إعمار الحياة؛ حبًّا لذات الله، واتِّباعًا لرسول الله، ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].


عباد الله، في قمة الصالحات حافظ الإسلام على حقوق الناس، وبيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيمة المسلم وقدره في الإسلام، حقوق حافظ عليها الإسلام، منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة، كيف؟! قال جابر رضي الله عنه: خطبَنا صلى الله عليه وسلم يوم النَّحْر فقال: ((أي يوم أعظمُ حرمة؟))، فقالوا: يومنا هذا، قال: ((فأي شهر أعظم حرمة؟))، قالوا: شهرنا، قال: ((أي بلد أعظم حرمة؟))، قالوا: بلدنا هذا، قال: ((فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، هَلْ بَلَّغْتُ؟))، قالوا: نعم، قال: ((اللهُمَّ اشْهَد))؛ صحيح.


أيها المسلمون، في قمة الصالحات، وفي صعيد عرفات، وفي يوم الجمعة أكمل الله الدين، وأتمَّ النعمة على المسلمين، ورضي لهم الإسلام دينًا، نعم، قمة الصالحات هي عيد المسلمين، ومرجع المؤمنين، وسعادة الطائفين والساعين، كيف؟!

في الصحيح أن رجلًا من اليهود جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين، إنكم تقرؤون آية في كتابكم، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال: وأي آية؟ قال: قوله ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ﴾ [المائدة: 3]، فقال عمر: والله، إني لأعلم اليوم الذي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والساعة التي نزلت فيها على رسول الله عشية عرفة في يوم جمعة.

قال كعب رضي الله عنه: لو أن غير هذه الأمة نزلت عليهم هذه الآية لنظروا اليوم الذي أُنزلت فيه عليهم فاتخذوه عيدًا يجتمعون فيه، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ وهو الإسلام، قال: أخبر الله نبيَّه والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الإيمان فلا يحتاجون إلى زيادة أبدًا.


قمة الصالحات في الأيام العشر، تعطينا مشاعر لا تُوصَف، وأحاسيسَ لا تُكتَب، وشعائر لا تُحكى؛ إنما يستطعمها الذي يؤدِّيها، ويستشعرها الذي يحضرها، ويحسُّها الذي يُلبِّي نداءها، فينظر الكعبة، ويعانق الحَجَر، ويصلي عند المقام، يسعى كما سَعَتْ هاجر، ويطيع كما أطاع إسماعيلُ، ويُضحِّي كما ضحَّى إبراهيمُ عليهم السلام، ويطوف كما طاف محمدٌ عليه الصلاة والسلام، ويُقبِّل الحَجَر كما قبَّل عمر رضي الله عنه فقط عن حبٍّ ورغبة وإخلاص، لعل قدمًا تأتي مكان قدم، وطوافًا يأتي مكان طواف، وسعيًا يأتي مكان سعي، فيزداد الإيمان، ويتنزل الغفران، وينتشر الأمن، ويأتي الأمان.


اللهم ارزقنا حجًّا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا، وسعيًا مشكورًا.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.58 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.47%)]