عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 17-08-2022, 09:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي ترى من يستحق رحمة الله؟!

ترى من يستحق رحمة الله؟!
ياسر عبدالله محمد الحوري

الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحاط بكل شيء علمًا، ورحمته وسِعَتْ كلَّ شيء، ورحمة ربك خير مما يجمعون، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، وأحرص الناس على هداية أمته، وجاء في صفته: ﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، اللهم صلِّ وسلِّم عليه، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، الذين كانوا رحمةً مهداةً من الله لأُمَمهم، أنقذ الله بهم مَن شاء من الغواية إلى الهدى، ومن دَركات الجحيم إلى درجات الجِنان، ومَن يضلل الله فما له من هادٍ، وارض اللهم عن آل محمد المؤمنين وعن صحابته أجمعين، والتابعين ومَنْ تَبِعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فيا أيها الأحباب الكرام في الله: من يستحق رحمة الله؟!

يستحق رحمة الله سبحانه وتعالى مَن امتثل لأمر الله ورسوله، وجعل بينه وبين عذاب الله وقاية، قال تعالى: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آل عمران: 132]، ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 156].

رحمة الله يستحقها مَن اتبع رسول الله، مَن نصر رسول الله، مَن دافع عن رسول الله، مَن عظَّم رسول الله؛ قال تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 156، 157].

رحمة الله تمنح لمن استغفر ربه وأناب، قال تعالى: ﴿ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [النمل: 46]، رحمة الله سبحانه وتعالى لا ينالها إلا مَن كان في قلبه رحمة لإخوانه المسلمين، والمستضعفين، رحمة الله تتنزل على المتراحمين فيما بينهم، عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُم الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ في الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ))؛ رواه أبو داود والترمذي، وعن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ لَا يَرْحَمِ النَّاسَ لَا يَرْحَمْهُ اللَّهُ))؛ رواه البخاري ومسلم، ورواه أحمد من حديث أبي سعيد وزاد: ((ومَن لا يَغفر لا يُغفر له))، إن نزع الرحمة من علامة الشقاء، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ))، حديث حسن، أخرجه الترمذي وأبو داود.

وفي الحديث الصحيح: ((مَثَلُ المؤمنينَ في توادِّهم وتَراحُمِهم وتَعاطُفِهم كمَثَلِ الجسدِ الواحدِ، إذا اشتكى منه عضوٌ تَداعى له سائرُ الجسد بالسَّهَر والحُمَّى))؛ متفق عليه.

وإن النجاة والفوز والفلاح في الدنيا والآخرة لن يناله إلا مَن امتلأت قلوبهم بالحب والتراحُم ولين الجانب، قال صلى الله عليه وسلم: ((أهلُ الجنة ثلاثة: إمام عادل، ورجلٌ رحيمُ القلب بالمساكين، وبكلِّ ذِي قربى، ورجلٌ فقير ذو عِيال متعفِّف))؛ رواه مسلم.

الرحمة تزف لمن كان رحيمًا بوالديه، بارًّا بهما، قال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24]، أحسن إليهما بالقول الطيب، وأحسن إليهما بالخدمة، وأحسن إليهما بالنفقة، وواسِهما، واعرف لهما قدرهما وحقَّهما؛ لتسعد في حياتك بحياة طيبة مطمئنة، وقلب مرتاح، وذرية صالحة يبرون بك إن شاء الله.

يا مَن تشكو قسوة في قلبك، ارحم اليتيم، وامسح على رأسه، ارحمه رحمةً تأديبيةً، وإحسانًا ورفقًا، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ في الجنةِ كَهَاتَيْنِ))، ارحم هذا المسكين اليتيم، وارحم فقده لأبيه، فراعِه وأدِّبْه، وأحسِنْ إليه تفُزْ بالخير: ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [النساء: 9]، احفظ ماله من الضياع إن كنت وليًّا له، واحذر التعدي عليه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 10].

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، أما بعد:
فيا عباد الله، الرحمة تمنح لمن وصَلَ رَحِمَه، وواسى محتاجهم، وتحمَّل الأخطاء والمساوئ منهم، فإن الرحم معلَّقة بالعرش يقول الله: ((مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ))؛ رواه البخاري.

الرحمة يستحقها مَن رحم المعسر العاجز عن قضاء دينه، مَن رحمه وخفف عنه، مَن رحمه فأنظره، مَن رحمه فتصدَّق عليه: ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 280].

والإسلام حثَّ على رحمة الصغير والكبير والضعيف، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((ليسَ مِنَّا مَن لم يوقِّر الكبير، ويرحم الصغير، ويأمُر بالمعروف، وينهى عن المنكر))؛ رواه أحمد والترمذي.

أيها المشتاق لرحمة الله سبحانه، ارحم المنكوب والمكروب، والمهموم والمعسر، فرِّج كربته، ويسِّر أمره: ((مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِن كُرَب يومِ الْقِيَامَةِ))؛ متفق عليه.

عباد الله، صلُّوا وسلِّموا على مَن أمركم الله بالصلاة والسلام عليه.

الدعاء.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.53 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.90 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.22%)]