10-12-2021, 05:16 PM
|
|
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,281
الدولة :
|
|
رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد
تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
الحلقة (7)
صــ25 إلى صــ 30
[ ص: 25 ] وَالْخَامِسُ: أَنَّهُ قَدَّرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، قَالَهُ الزُّهْرِيُّ .
وَالسَّادِسُ: أَنَّهُ الْإِيمَانُ بِالرَّسُولِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَرَهُ . قَالَ عَمْرُو بْنُ مَرَّةَ: قَالَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ لَهُ: طُوبَى لَكَ ، جَاهَدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَجَالَسْتُهُ . فَقَالَ: إِنَّ شَأْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُبَيِّنًا لِمَنْ رَآَهُ ، وَلَكِنْ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ: قَوْمٌ يَجِدُونَ كِتَابًا مَكْتُوبًا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَلَمْ يَرَوْهُ ، ثُمَّ قَرَأَ: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ .
قَوْلَهُ تَعَالَى: وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ الصَّلَاةُ فِي اللُّغَةِ : الدُّعَاءُ . وَفِي الشَّرِيعَةِ: أَفْعَالٌ وَأَقْوَالٌ عَلَى صِفَاتٍ مَخْصُوصَةٍ . وَفِي تَسْمِيَتِهَا بِالصَّلَاةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ .
أَحَدُهَا: أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِرَفْعِ الصَّلَا ، وَهُوَ مَغْرَزُ الذَّنْبِ مِنَ الْفَرَسِ .
وَالثَّانِي: أَنَّهَا مِنْ صَلِيَتُ الْعُودَ إِذَا لَيَّنْتُهُ ، فَالْمُصَلِّي يَلِينُ وَيَخْشَعُ .
وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى السُّؤَالِ وَالدُّعَاءِ ، وَالصَّلَاةِ فِي اللُّغَةِ: الدُّعَاءُ . وَهِيَ فِي هَذَا الْمَكَانِ اسْمُ جِنْسٍ .
قَالَ مُقَاتِلٌ: أَرَادَ بِهَا هَاهُنَا: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ .
وَفِي مَعْنَى إِقَامَتِهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ .
أَحَدُهَا: أَنَّهُ تَمَامُ فِعْلِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَمُجَاهِدٍ .
وَالثَّانِي: أَنَّهُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى مَوَاقِيتِهَا وَوُضُوئِهَا وَرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا ، قَالَهُ قَتَادَةُ ، وَمُقَاتِلٌ .
وَالثَّالِثُ: إِدَامَتُهَا ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ فِي الشَّيْءِ الرَّاتِبِ: قَائِمٌ ، وَفُلَانٌ يُقِيمُ أَرْزَاقَ الْجُنْدِ ، قَالَهُ ابْنُ كَيْسَانَ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ أَيْ: أَعْطَيْنَاهُمْ . يُنْفِقُونَ أَيْ: يُخْرِجُونَ . وَأَصْلُ الْإِنْفَاقِ الْإِخْرَاجُ . يُقَالُ: نَفَقَتِ الدَّابَّةُ إِذَا خَرَجَتْ رُوحُهَا .
[ ص: 26 ] وَفِي الْمُرَادِ بِهَذِهِ النَّفَقَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ .
أَحَدُهَا: أَنَّهَا النَّفَقَةُ عَلَى الْأَهْلِ وَالْعِيَالِ ، قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ ، وَحُذَيْفَةُ .
وَالثَّانِي: أَنَّهَا الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَقَتَادَةُ .
وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا الصَّدَقَاتُ النَّوَافِلُ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ ، وَالضَّحَّاكُ .
وَالرَّابِعُ: أَنَّهَا النَّفَقَةُ الَّتِي كَانَتْ وَاجِبَةٌ قَبْلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ ، ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ ، وَقَالُوا: إِنَّهُ كَانَ فَرْضٌ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُمْسِكَ مِمَّا فِي يَدِهِ مِقْدَارَ كِفَايَتِهِ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ ، وَيُفَرِّقُ بَاقِيهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ . فَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ ، الْآَيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الزَّكَاةِ ، وَغَيْرِ هَذَا الْقَوْلِ أُثْبِتَ . وَاعْلَمْ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ وَهُوَ عَقْدُ الْقَلْبِ ، وَبَيْنَ الصَّلَاةِ وَهِيَ فِعْلُ الْبَدَنِ ، وَبَيْنَ الصَّدَقَةِ وَهُوَ تَكْلِيفٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ - أَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّكْلِيفِ قِسْمٌ رَابِعٌ ، إِذْ مَا عَدَا هَذِهِ الْأَقْسَامِ فَهُوَ مُمْتَزِجٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ مِنْهُمَا كَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِمَا .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ نَزَلَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ .
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَصْحَابِهِ ، رَوَاهُ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَاخْتَارَهُ مُقَاتِلٌ .
وَالثَّانِي: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْعَرَبِ الَّذِي آَمَنُوا بِالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِهِ ، رَوَاهُ صَالِحٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: [الَّذِي أُنْزِلُ إِلَيْهِ ، الْقُرْآَنُ . وَقَالَ شَيْخُنَا عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: الْقُرْآَنُ ] وَغَيْرُهُ مِمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يَعْنِي الْكُتُبَ الْمُتَقَدِّمَةَ وَالْوَحْيَ ، فَأَمَّا "الْآَخِرَةُ" فَهِيَ اسْمٌ لِمَا بَعْدَ الدُّنْيَا ، وَسُمِّيَتْ آَخِرَةٌ; لِأَنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَقَدَّمَتْهَا . وَقِيلَ: سُمِّيَتْ آَخِرَةٌ لِأَنَّهَا نِهَايَةُ الْأَمْرِ .
[ ص: 27 ]
قَوْلُهُ تَعَالَى: يُوقِنُونَ الْيَقِينُ: مَا حَصَلَتْ بِهِ الثِّقَةُ ، وَثَلَجَ بِهِ الصَّدْرُ ، وَهُوَ أَبْلَغُ عِلْمٍ مُكْتَسَبٍ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: أُولَئِكَ عَلَى هُدًى أَيْ: عَلَى رَشَادٍ . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَلَى نُورٍ وَاسْتِقَامَةٍ . قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْمُفْلِحُونَ: الْفَائِزُونَ بِبَقَاءِ الْأَبَدِ . وَأَصْلُ الْفَلَاحِ: الْبَقَاءُ . وَيَشْهَدُ لِهَذَا قَوْلُ لَبِيدٍ:
نَحِلُّ بِلَادًا كُلَّهَا حُلَّ قَبْلَنَا وَنَرْجُو الْفَلَاحَ بَعْدَ عَادٍ وَحِمْيَرِ .
يُرِيدُ: الْبَقَاءَ . وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمُفْلِحُ: الْفَائِزُ بِمَا فِيهِ غَايَةُ صَلَاحِ حَالِهِ . قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَمِنْهُ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ ، مَعْنَاهُ: هَلُمُّوا إِلَى سَبِيلِ الْفَوْزِ وَدُخُولِ الْجَنَّةِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي نُزُولِهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ .
أَحَدُهَا: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَادَةِ الْأَحْزَابِ ، قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ .
وَالثَّانِي: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ وَخَمْسَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ .
الثَّالِثُ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي طَائِفَةٍ مِنَ الْيَهُودِ وَمِنْهُمْ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ ، قَالَهُ: ابْنُ السَّائِبِ .
وَالرَّابِعُ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ ، كَأَبِي جَهْلٍ وَأَبِي طَالِبٍ ، وَأَبِي لَهَبٍ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يُسْلِمْ .
قَالَ مُقَاتِلٌ: فَأَمَّا تَفْسِيرُهَا ، فَالْكُفْرُ فِي اللُّغَةِ: التَّغْطِيَةُ . تَقُولُ: كَفَرْتُ الشَّيْءَ إِذَا غَطَّيْتُهُ ، فَسُمِّيَ الْكَافِرُ كَافِرًا; لِأَنَّهُ يُغَطِّي الْحَقَّ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَيْ: مُتَعَادِلٌ عِنْدَهُمُ الْإِنْذَارُ وَتَرْكُهُ ، وَالْإِنْذَارُ: إِعْلَامٌ مَعَ تَخْوِيفٍ ، وَتَنَاذَرَ بَنُو فُلَانٍ هَذَا الْأَمْرَ: إِذَا خَوَّفَهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا .
قَالَ شَيْخُنَا عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: هَذِهِ الْآيَةُ وَرَدَتْ بِلَفْظِ الْعُمُومِ ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْخُصُوصُ; لِأَنَّهَا آَذَنَتْ بِأَنَّ الْكَافِرَ حِينَ إِنْذَارِهِ لَا يُؤْمِنُ ، وَقَدْ آَمَنَ كَثِيرٌ مِنَ الْكُفَّارِ عِنْدَ [ ص: 28 ] إِنْذَارِهِمْ ، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا فِي الْعُمُومِ ، لَكَانَ خَبَرُ اللَّهِ لَهُمْ خِلَافَ مُخْبِرِهِ ، وَلِذَلِكَ وَجَبَ نَقْلُهَا إِلَى الْخُصُوصِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ الْخَتْمُ: الطَّبْعُ ، وَالْقَلْبُ: قِطْعَةٌ مِنْ دَمٍ جَامِدَةٍ سَوْدَاءَ ، وَهُوَ مُسْتَكِنٌ فِي الْفُؤَادِ ، وَهُوَ بَيْتُ النَّفْسِ ، وَمَسْكَنُ الْعَقْلِ ، وَسُمِّيَ قَلْبًا لِتَقَلُّبِهِ .
وَقِيلَ: لِأَنَّهُ خَالِصُ الْبَدَنِ ، وَإِنَّمَا خَصَّهُ بِالْخَتْمِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْفَهْمِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَعَلَى سَمْعِهِمْ يُرِيدُ: عَلَى أَسْمَاعِهِمْ ، فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ التَّوْحِيدِ ، وَمَعْنَاهُ: الْجَمْعُ ، فَاكْتَفَى بِالْوَاحِدِ عَنِ الْجَمِيعِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلا . [ الْحَجِّ : 5 ] .
وَأَنْشَدُوا مِنْ ذَلِكَ:
كُلُوا فِي نِصْفِ بَطْنِكُمْ تَعِيشُوا فَإِنَّ زَمَانَكُمْ زَمَنٌ خَمِيصُ .
أَيْ: فِي أَنْصَافِ بُطُونِكُمْ . ذَكَرَ هَذَا الْقَوْلَ أَبُو عُبَيْدَةَ ، وَالزُّجَاجُ . وَفِيهِ وَجْهٌ آَخَرُ ، وَهُوَ أَنَّ الْعَرَبَ تَذْهَبُ بِالسَّمْعِ مَذْهَبَ الْمَصْدَرِ ، وَالْمَصْدَرُ يُوَحَّدُ ، تَقُولُ: يُعْجِبُنِي حَدِيثُكُمْ ، وَيُعْجِبُنِي ضَرْبُكُمْ . فَأَمَّا الْبَصَرُ وَالْقَلْبُ فَهُمَا اسْمَانِ لَا يَجْرِيَانِ مَجْرَى الْمَصَادِرِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى . ذَكَرَهُ الزُّجَاجُ ، وَابْنُ الْقَاسِمِ . وَقَدْ قَرَأَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ، وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: (وَعَلَى أَسْمَاعِهِمْ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ الْغِشَاوَةُ: الْغِطَاءُ .
قَالَ الْفَرَّاءُ: أَمَّا قُرَيْشٌ وَعَامَّةُ الْعَرَبِ ، فَيَكْسِرُونَ الْغَيْنَ مِنْ "غِشَاوَةٌ" ، وَعُكْلٍ يَضُمُّونَ الْغَيْنَ ، وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَفْتَحُهَا ، وَأَظُنُّهَا لِرَبِيعَةَ . وَرَوَى الْمُفَضَّلُ عَنْ عَاصِمٍ "غِشَاوَةً" بِالنَّصْبِ عَلَى تَقْدِيرِ: جَعَلَ عَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةً . فَأَمَّا الْعَذَابُ فَهُوَ الْأَلَمُ الْمُسْتَمِرُّ ، وَمَاءٌ عَذْبٌ إِذَا اسْتَمَرَّ فِي الْحَلْقِ سَائِغًا .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ نَزَلَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ .
[ ص: 29 ] أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا فِي الْمُنَافِقِينَ ، ذَكَرَهُ السُّدِّيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَبِهِ قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ ، وَقَتَادَةُ ، وَابْنُ زَيْدٍ .
وَالثَّانِي: أَنَّهَا فِي مُنَافِقِي أَهْلِ الْكِتَابِ . رَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَانُوا يَتَخَوَّفُونَ مِنْ هَذِهِ الْآَيَةِ . وَقَالَ قَتَادَةُ: هَذِهِ الْآَيَةُ نَعْتُ الْمُنَافِقِ ، يَعْرِفُ بِلِسَانِهِ ، وَيُنْكِرُ بِقَلْبِهِ ، [وَ ]يُصَدِّقُ بِلِسَانِهِ ، وَيُخَالِفُ بِعَمَلِهِ وَيُصْبِحُ عَلَى حَالَةٍ ، وَيُمْسِي عَلَى غَيْرِهَا ، وَيَتَكَفَّأُ تَكْفُّأَ السَّفِينَةِ ، كُلَّمَا هَبَّتْ رِيحٌ هَبَّ مَعَهَا .
قَوْلُهُ تَعَالَى: يُخَادِعُونَ اللَّهَ .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ، وَمُعَتِّبُ بْنُ قُشَيْرٍ ، وَالْجَدُّ بْنُ الْقَيْسِ; إِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا: آمَنَّا ، وَنَشْهَدُ أَنَّ صَاحِبَكُمْ صَادِقٌ ، فَإِذَا خَلَوْا لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآَيَةُ .
فَأَمَّا التَّفْسِيرُ ، فَالْخَدِيعَةُ: الْحِيلَةُ وَالْمَكْرُ ، وَسُمِّيَتْ خَدِيعَةً ، لِأَنَّهَا تَكُونُ فِي خَفَاءٍ .
وَالْمَخْدَعُ: بَيْتٌ دَاخِلُ الْبَيْتِ تَخْتَفِي فِيهِ الْمَرْأَةُ ، وَرَجُلٌ خَادِعٌ: إِذَا فَعَلَ الْخَدِيعَةَ ، سَوَاءٌ حَصَلَ مَقْصُودُهُ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ ، فَإِذَا حَصَلَ مَقْصُودُهُ قِيلَ: قَدْ خَدَعَ . وَانْخَدَعَ الرَّجُلُ: اسْتَجَابَ لِلْخَادِعِ ، سَوَاءٌ تَعَمَّدَ الِاسْتِجَابَةَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْهَا ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الدَّهْرَ خِدَاعًا ، لِتَلَوُّنِهِ بِمَا يُخْفِيهِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ .
وَفِي مَعْنَى خِدَاعِهِمُ اللَّهَ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ .
أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ كَانُوا يُخَادِعُونَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَكَأَنَّهُمْ خَادَعُوا اللَّهَ . رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ; وَاخْتَارَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ .
وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ كَانُوا يُخَادِعُونَ نَبِيَّ اللَّهِ فَأَقَامَ اللَّهُ نَبِيَّهُ مَقَامَهُ كَمَا قَالَ: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ [ الْفَتْحُ: 10 ] ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ .
[ ص: 30 ] وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْخَادِعَ عِنْدَ الْعَرَبِ: الْفَاسِدُ . وَأَنْشَدُوا:
[أَبْيَضُّ اللَّوْنِ لَذِيذٌ طَعْمُهُ ] طَيِّبُ الرِّيقِ إِذَا الرِّيقُ خَدَعَ .
أَيْ: فَسَدَ . رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ ثَعْلَبٍ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَتَأْوِيلُ يُخَادِعُونَ اللَّهَ: يُفْسِدُونَ مَا يُظْهِرُونَ مِنَ الْإِيمَانِ بِمَا يُضْمِرُونَ مِنَ الْكُفْرِ .
وَالرَّابِعُ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ مَا لُو فَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ كَانَ خِدَاعًا .
وَالْخَامِسُ: أَنَّهُمْ كَانُوا يُخْفُونَ كُفْرَهُمْ وَيُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ بِهِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ ، وَنَافِعٌ ، وَأَبُو عَمْرٍو: (وَمَا يُخَادِعُونَ) وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ ، وَابْنُ عَامِرٍ: (يَخْدَعُونَ) ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ وَبَالَ ذَلِكَ الْخِدَاعُ عَائِدٌ عَلَيْهِمْ .
وَمَتَى يَعُودُ وَبَالُ خِدَاعِهِمْ عَلَيْهِمْ؟ فِيهِ قَوْلَانِ .
أَحَدُهُمَا: فِي دَارِ الدُّنْيَا ، وَذَلِكَ بِطَرِيقَيْنِ . أَحَدُهُمَا: بِالِاسْتِدْرَاجِ وَالْإِمْهَالِ الَّذِي يَزِيدُهُمْ عَذَابًا . بِاطِّلَاعِ النَّبِيِّ وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَحْوَالِهِمُ الَّتِي أَسَرُّوهَا .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ عَوْدَ الْخِدَاعِ عَلَيْهِمْ فِي الْآَخِرَةِ . وَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ .
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَعُودُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ ضَرْبِ الْحِجَابِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ [ الْحَدِيدُ: 13 ] .
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَعُودُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ اطِّلَاعِ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَلَيْهِمْ ، فَإِذَا رَأَوْهُمْ طَمِعُوا فِي نَيْلِ رَاحَةِ مَنْ قَبْلَهُمْ ، فَقَالُوا: أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ [ الْأَعْرَافِ: 50 ] فَيُجِيبُونَهُمْ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ [ الْأَعْرَافِ: 51 ] .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|