عرض مشاركة واحدة
  #27  
قديم 09-05-2021, 11:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فقه وفتاوى وأحكام الصيام يوميا فى رمضان إن شاء الله


(زكاة الفطر وما يتعلق بها من أحكام)
وهل يجوز إخراجها قيمة (مالاً)؟
للشيخ ندا أبو احمد
(27)




عاشراً: أن المسلم إذا عمل بقول جمهور الأئمة الذين أوجبوا إخراج الأعيان المنصوصة، فأدَّاها على سبيل الوجوب برئت ذمته عند جميع الأئمة.
وأما إذا أخرج القيمة بغير عذر، فإنه يبقى مطالباً بواجب، على قول جمع كبير من العلماء،
والنبي r يقول: " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ".
ويقول r أيضاً:" فمَن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه " فعلى العبد أن يخرج من خلاف العلماء ما أمكن احتياطاً، وكان الإمام أبو بكر الأعمش - رحمه ا
لله - يقول:

أداء الحنطة أفضل من أداء القيمة، لأنه أقرب إلى امتثال الأمر، وأبعد عن اختلاف العلماء، فكان الاحتياط فيه.
بيان الحكمة من وجوب إخراجها طعاماً:
علي المسلم أن يتبع ما ورد عن النبي r، سواء علم الحكمة فيما فرض الله تعالى أو لم يعلمها؛ لأن الحكمة تكون اجتهادية قد يعلمها البعض، وقد لا يظهرها الله تعالى لعباده؛ كي يختبر مدي طاعتهم واستجابتهم له، وهذا هو معني العبودية لله، فالعبد لا يسأل سيده إذا أمره بأمر لماذا أفعل هذا الأمر؟ ولِمَ لا أفعل بدلاً منه كذا أو كذا؟
ولله المثل الأعلى فهو سبحانه: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ }[الأنبياء:23] ، ولكننا سنحاول أن نكشف بعض الحكمة التي ظهرت من فرض زكاة الفطر طعاماً، وعدم جواز إخراج القيمة بدلا منها.
أولاً: أن زكاة الفطر طعمة للمساكين كما بيَّنه النبي r، فالمقصود في ذلك اليو
م هو إطعام المساكين الذين لا يجدون القوت أو الطعام الضروري الذي لابد للإنسان منه ولا غنى عنه، وهؤلاء الفقراء المساكين الذين يحتاجون إلى الطعام لأنفسهم وأهليهم هم أصحاب الحق الأول فيها، فإذا خرجت مالاً لسعى لأخذها المسكين وغير المسكين؛ لأن المال يطلبه الناس جميعاً الفقير والغني، أما الطعام فلن يسعى لطلبه ويتكلف سؤاله إلا المسكين أو الفقير المحتاج إليه، وبعض الذين يعملون على إخراج زكاة الفطر عندما يدفعونها طعاماً إلى البعض يرفضونها ويقولون: نريد نقوداً لا طعاماً، أما المساكين المحتاجين إليها فإنهم يأخذونها ويحملونها وهم فرحون، وينقلبون إلى أهلهم وهم بها مسرورون.
وبذلك تعلم أن إخراجها طعاماً يجعلها تصل إلى مستحقيها بقدر الإمكان.

ثانياً: كذلك إخراج الزكاة حسب تقدير الشارع، يضمن للفقير أن ينال حاجته من جميع الأنواع، فمَن كانت له حيوانات سيعطي الفقير منها لحماً، ومَن كان تاجراً سيعطي الفقير منها مالاً، ومَن كان زارعاً سيعطي الفقير من الزرع والثمر، ومَن كان صاحب مال سيعطي الفقير من المال، هذا كله في غير زكاة الفطر، أما في زكاة الفطر فيُعْطَى الفقير من الطعام؛ فيُعْطَى بذلك من جميع الأنواع.
ـ وقد يعترض البعض على إخراجها طعاماً بقوله: إن إخراجها مالاً هو أنفع للفقير؛ لأنه قد يحتاج إلى شراء ثياب للعيد أو متاع... أو غير ذلك
فيجاب عليه: بأن زكاة الفطر لم تشرع لذلك، وإنما الذي شُرِع لذلك هو زكاة المال، فيستحب للمسلم أن يخرج زكاة ماله في العيد كذلك؛ لكي يعين الفقير على شراء ما يحتاج.
أما زكاة الفطر فهي لإطعام الجائعين فقط لا لكسوتهم... أو غير ذلك، كما أن الأضحية في الأضحى هي لتغذية الفقراء وإطعامهم اللحم.

رأي د/ يوسف القرضاوي من المعاصرين بجواز إخراج زكاة الفطر مالاً والرد عليه.
أيَّد الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه "فقه الزكاة" رأي المخالفين للجمهور:
بجواز إخراجها قيمة وقال: ومما يدل على ذلك:
أن النبي r قال:" أغنوهم" يعني المساكين في هذا اليوم. والإغناء يتحقق
بالقيمة كما يتحقق بالطعام، وربما كانت القيمة أفضل، إذ كثرة الطعام عند الفقير تحوجه إلى بيعه، والقيمة ممكنة من شراء ما يلزمه من الأطعمة، والملابس... وسائر الحاجات.

الرد عليه: إن ما احتج به فضيلة الدكتور من حديث:" أغنوهم في هذا اليوم" هو حديث ضعيف رواه الدارقطني والبيهقي بإسناد ضعيف، وقد ضعَّفه جمع من المحققين، منهم النووي وابن حجر وابن حزم والصنعاني.
وعلى فرض ثبوته فنقول: إن الإغناء الذي ورد في الحديث مطلق بلا كيفية معينة، قد قيدته السنة ببيان كيفيته، حيث: "فرض رسول الله r زكاة الفطر صاعاً من طعام" فوجب حمل المطلق على المقيد، والالتزام بالسُّنَّة المفسرة للحديث المجمل.

أما قوله: إن كثرة الطعام تحوجه إلى بيعه، والقيمة تمكِّنه من شراء ما يلزمه من الأطعمة والملابس وسائر الحاجات"
فالرد عليه: إن المقصود في هذا اليوم بهذه الزكاة هو الإطعام وسد الجوع في هذه الأيام، كما كان المقصود هو إطعام اللحم في الأضحى، فقد اتفق الفقهاء على عدم جواز إخراج شيء غير اللحم من الأضحى، فكذلك ينبغي أن يكون في الفطر.
أما حاجته إلى الملابس... وغير ذلك، فتتكفل بها زكاة المال، على أن نقول:
إنه إذا كان عارياً يحتاج إلى ستر عورته وعنده ما يكفيه من الطعام وطلب بدل الطعام مالاً أو كسوةً جاز إخراج الزكاة لصاحب هذه الحالة كسوة أو مالاً على النحو الذي يناسبه.
فهذه وغيرها من حالات الأعيان التي لا تنقض الأصل المقرر. فإذا كان هذا هو مقصد الدكتور فلا خلاف.
قال فضيلته: كما يدل على جواز القيمة ما ذكره ابن المنذر من قبل، أن الصحابة أجازوا إ
خراج نصف الصاع من القمح؛ لأنهم رأوه معادلاً في القيمة للصاع من التمر، أو الشعير، ولهذا قال معاوية: "إني لأرى مُدَّين من سمراء الشام تعدل صاعاً من التمر".
الرد عليه: نقول: إن ما عمل به الصحابة من إخراج نصف الصاع من القمح، لم يكن اجتهاداً منهم، بل كان لديهم نص صريح صحيح في ذلك: فقد صحَّ عن النبي كما عند الدراقطني وأحمد بسند صحيح صححه الألباني في الصحيحة: "أدُّوا صاعاً من بُر أو قمح بين اثنين، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، عن كل حرٍّ وعبد، صغير وكبير ".

قال فضيلته: ثم إن هذا هو الأيسر بالنظر لعصرنا، وخاصة في المناطق الصناعية التي لا يتعامل الناس فيها إلا بالنقود، كما أنه في أكثر البلدان وفي غالب الأحيان وهو أنفع للفقراء، والذي يلوح لي أن الرسول إنما فرض زكاة الفطر من الأطعمة لسببين:
الأول: لندرة النقود عند العرب في ذلك الحين، فكان إعطاء الطعام أيسر على الناس.
والثاني: أن قيمة النقود تختلف وتتغير قوتها الشرائية من عصر إلى عصر، بخلاف الص
اع من الطعام فإنه يشبع حاجة بشرية محددة، كما أن الطعام كان في ذلك العهد أيسر على المعطي وأنفع للآخذ.
الرد عليه: أما قوله: إن هذا هو الأيسر لعصرنا:
فالقول: إن إتباع الأيسر ليس هو الأصل وليس هو الواجب إتباعه، إذا لم تؤيده الأدلة أو تصح به النصوص.
وقد اتفق الفقهاء على: أنه لا اجتهاد مع النص، وأنه لا يجوز الخروج على الحكم ال
شرعي المقرر إلا لضرورة قوية ولا ضرورة هنا، فالطعام مُيسَّر في الأسواق، وكما يشترى الواحد من الطعام لنفسه يشتريه للفقير كذلك.
ولم يكن كل الصحابة - رضي الله عنهم - ممَّن يدخر الطعام، ولا كانوا جميعاً أهل زرع، بل كانوا يشترون طعامهم من الأسواق، فثبت أنهم كانوا يشترون الطعام لإخراج الزكاة منه كذلك، ولم يرَ النبي r في ذلك مشقة تُجَوِّز لهم إخراج القيمة، فينبغي أن يسعنا ما وسعهم.
أما قوله: إن النبي فرض زكاة الفطر طعاماً لندرة النقود آنذاك فكان إخراجها طعاماً أيسر.
الرد عليه: الطعام الآن ليس نادراً ولا شاحاً حتى نعدل عنه إلى إخراج النقود، فالأولى والأوجب لزوم السُّنَّة، إذ لو كان يجوز إخراج القيمة لبيَّنه النبي r والحاجة داعية إليه، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

وأما قوله: إن قيمة النقود تختلف وتتغير قوتها الشرائية من عصر إلى عصر بخلاف
الصاع، فهذا دليل لنا لا علينا، فالتقدير بصاع الطعام وهو ما يشبع حاجة بشرية محددة بأيام العيد هو الأولى، ويجب الالتزام به طعاماً؛ فليس ثمة حاجة تقتضي العدول عنه إلى القيمة، اللهم من ضرورة أو مصلحة راجحة تقدر بقدرها، ولا ينقض من أجلها الأصل وتُتْرَك من أجلها السُّنَّة.

(نقلاً من رسالة: "إعلام الأنام بوجوب إخراج زكاة الفطر من الطعام" للدكتور عبد الحميد هنداوي)
فلهذا ولغيره يتبيَّن لنا أن زكاة الفطر لا يجوز إخراجها مالاً، ومَن يدَّعِي غير ذلك فعليه بدليل من الكتاب أو السُّنَّة.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }[النساء:59]
ولو كانت القيمة تجزئ
لبيَّنها النبي r
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ }[المائدة:67]، فبلَّغ النبي r وبيَّن، وما علينا إلا أن نقول: سمعنا وأطعنا
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.44 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.82%)]