عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 22-04-2021, 03:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,915
الدولة : Egypt
افتراضي رد: للعاقلات فقط، 100 وقفة تربوية للمرأة مع رسول الله

للعاقلات فقط، 100 وقفة تربوية للمرأة مع رسول الله (13)
الشيخ جمال عبدالرحمن






86- العاقلة تلقن ابنها الشجاعة:

لأسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها - موقف بل مواقف تدل على حسن مشورتها، وصائب رأيها، وشجاعتها وصبرها، ويظهر ذلك واضحاً جلياً من خلال قصتها التي ضربت فيها أروع الأمثلة في كيفية تعليم المرأة العاقلة لأولادها وأبنائها الشجاعة حتى لو كان ثمن ذلك الموت.



إن موقف عبدالله بن الزبير وأمه أسماء آية بالغة ودليل عظيم على ما نقول؛ فلقد كان عبدالله على إمرة المؤمنين، ودانت له العراق والحجاز واليمن ثماني سنين، ثم أخذ عبدالملك بن مروان يقارعه فانتقص منه العراق وأخذ يطوي البلاد عنه حتى انتهى إلى مكة فطوقها بيد من حديد هي يد الحجاج بن يوسف الثقفي.



وكان عبدالله يقاتل جند الحجاج مسنداً ظهره إلى الكعبة فيروع أبطالهم ويفرقهم وليس حوله إلا أعداد قليلة، والحجاج بين ذلك كله يرسل إليه يمنيه ويعده بالإمارة إن هو خضع وبسط للبيعة يده، ولكن عبدالله لم يستجب، بل دخل على أمة يستلهم رأيها ويستشيرها فقالت له في حكمة بالغة: يا بني إن كنت تعلم أنك على حق تدعو إليه فامض عليه، وإن كنت أردت الدنيا فبئس العبد أنت، أهلكت نفسك ومن معك، وإن قلت إني كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت نيتي فليس هذا فعل الأحرار ولا من فيه خير، كم خلودك في الدنيا؟! القتل أحسن ما يقع بك يا ابن الزبير، والله لضربة بالسيف في عز أحب إلي من ضربة بالسوط في ذل، فقال: يا أماه أخاف إن قتلت إن يمثل بي وأصلب، فقالت أسماء - رضي الله عنها - قولتها المشهورة: يا بني، إن الشاة لا يضرها السلخ بعد الذبح، فقبل رأسها وقال: هذا والله رأيي، ولكني أحببت أن أطلع على رأيك فيزيدني قوة وبصيرة مع قوتي وبصيرتي، وذهب عبدالله فقاتل وصبر، وتكاثر عليه أعداؤه فقتلوه، وصلبه الحجاج وظل مدة وهو مصلوب، فقالت أسماء - في صبر واحتساب - اللهم لا تمتني حتى أوتى به فأحنطه وأكفنه، فأتيت به بعد فجعلت تحنطه بيدها وتكفنه بعد ما ذهب بصرها ثم أدرج في أكفانه وصلت عليه، وما أتت عليه جمعة إلا ماتت - رضي الله عنها[1].



فينبغي على المسلمة أن تربي ولدها على الشجاعة، فمن الأخطاء الشائعة في ذلك أن بعض الأمهات إذا أرادت ألا يذهب طفلها إلى مكان، أو أن يأتي إليها أخافته من الذئب أو من الظلام أو من الغول وغيره، ولا شك أن هذا يغرس فيه الخوف والجبن ويقلل عنده الشجاعة.



87- العاقلة ووداع ابنها المسافر:

هذه امرأة توصي ابنها وهو مسافر وتزوده وهي تودعه، فماذا قالت له؟ تقول: (أي بني، اجلس أمنحك وصيتي وبالله توفيقك، فإن الوصية أجدى عليك [أنفع لك] من كثير عقلك، أي بني، إياك والنميمة فإنها تزرع الضغينة، وتفرق بين المحبين، إياك والتعرض للعيوب فتتخذ غرضاً [أي هدفاً للنيل منك] وخليق [جدير] ألا يثبت الغرض علي كثرة السهام، وقلما اعتورت [قصدت] السهام غرضاً [هدفاً] إلا كلَمته [جرحته] حتى يهي [يضعف] ما اشتد من قوته، وإياك والجود بدينك، والبخل بمالك وإذا هززت [قصدت] فاهزز كريماً يَلِن لهزتك، ولا تهزز اللئيم فإنه صخرة لا يتفجر ماؤها، ومثل لنفسك مثال [اجعل لنفسك هذا الميزان] ما استحسنت من غيرك فاعمل به، وما استقبحت من غيرك فاجتنبه فإن المرء لا يرى عيب نفسه][2].



إنها والله وصية جامعة بها حكم بالغة، وعظات مثمرة تخرج من قلب الأم إلى ابنها فتضيء له طرق سفره، فهي توصيه بتجنب النميمة والبعد عن عيوب الناس، وتنصحه ألا يكون مقتراً في ماله مبذراً في دينه، وأن يتصل بالكرام لا باللئام وأن يفعل ما يستحسنه من غيره ويترك ما يستقبحه.



88- العاقلة ووصية ابنتها ليلة زفافها:

من الواجب على الأم أن تلقن ابنتها عند ذهابها إلى عشها الجديد مبادئ الحياة الزوجية، وهذا امرأة عاقلة فعلاً تحمل عقلاَ راجحاً وقلباً صالحاً، إنها أمامة بنت الحارث توصي ابنتها ليلة زفافها فتقول: [... أي بنية، إنك فارقت الجو الذي منه خرجت، وخلفت العش الذي فيه درجت، إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فأصبح بملكه عليك [بعقده عليك] رقيباً ومليكاً، فكوني له أمة يكن لك عبداً وشيكاً [أي سريع الإجابة لك]. يا بنية: احملي عني عشر خصال تكن لك ذخراً وذكراً:

الصحبة بالقناعة، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة.



والتعهد لموقع عينه، والتفقد لموضع أنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح.



والكحل أحسن الحسن، والماء أطيب الطيب المفقود.



والتعهد لوقت طعامه، والهدوء عنه عند منامه، فإن حرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة.



والاحتفاظ ببيته وماله، والإرعاء [الرعاية] على نفسه وحشمه [خدمه] وعياله، فإن الاحتفاظ بالمال حسن التقدير، والإرعاء على العيال والحشم جميل حسن التدبير.



ولا تفشي له سراً، ولا تعصي له أمراً، فإنك إن أفشيت سره، لم تأمني غدره، وإن عصيت أمره أوغرت صدره.



ثم اتق منه ذلك الفرح إن كان تَرِحاً [أي لا تفرحي إن كان غضباناً] والاكتئاب عنده إن كان فرحاً [أي لا تحزني إن كان فرحاً] فإن الخصلة الأولى من التقصير، والثانية من التكدير.



وكوني أشد ما تكونين له إعظاماً، يكن أشد ما يكون لك إكراماً.



وأشد ما تكونين له موافقة يكن أطول ما يكون لك له مرافقة.



واعلمي أنك لا تصلين إلى ما تحبين، حتى تؤثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك فيما أحببت وكرهت، والله يخير لك[3].



أختنا المسلمة: هل رأيت مثل هذا المرأة الأم وهي توصي ابنتها، أجمل ما تكون ذوقاً، وأصوب نظراً وأبلغ حكمة، وأروع تجربة، وأعذب لغة، وأحلى منطقاً؟!



إن كثيراً من بناتنا وأمهاتهن ليفتقدن مثل هذه النصيحة الثمينة والوصية الغالية.



89- العاقلة قدوة في تعويد أولادها على الصدق:

عن عبدالله بن عامر بن ربيعة قال: جاءنا النبي - صلى الله عليه وسلم - في دارنا، وكنت ألعب، فقالت أمي: يا عبدالله، تعال أعطك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أردت أن تعطيه؟" قالت: أردت أن أعطيه تمراً، قال: "أما أنك لو لم تفعلي كتبت عليك كذبة" [4].



فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يتأكد ويؤكد هذا المعنى العظيم لأم عبدالله بن عامر، بحيث تكون صادقة إذا وعدته بإعطائه، وبحمد الله كانت أم عبدالله صادقة فيما قالته لعبدالله ابنها: "تعال أعطك"، "أعطيه تمراً".



وهذا درس لمن يعدون الأبناء بالعطايا ثم يهونون من شأن تلك الوعود، فإن ذلك مدعاة لتعلم الولد رذيلة الكذب.



90- العاقلة وحب زوجها للبنين وهي تلد الإناث:

هجر أبو حمزة الضبي خيمة امرأته، وكان يقيل ويبيت عند جيران له حين ولدت امرأته بنتاً، فمر يوماً بخبائها، وإذا هي ترقصها وتقول:





ما لأبي حمزة لا يأتينا

يظل في البيت الذي يلينا



غضبان ألا نلد البنينا

تالله ما ذلك في أيدينا



وإنما نأخذ ما أعطينا

ونحن كالأرض لزارعينا


ننبت ما قد زرعوه فينا







فلما سمع الشيخ الأبيات غدا حتى ولج عليها الخباء، فقبل رأس امرأته وابنتها، وقال: ظلمتكما ورب الكعبة[5].



إن البنات هبة من الله تعالى، ولا يدري الإنسان دائماً أين الخير، أفي البنين أم في البنات أم فيهما معاً، أم في عدمهما، فالقاعدة المحكمة قول الله تعالى: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].



وكانت ذرية الأنبياء بنات، وأشهرهم في ذلك محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي كان جميع أبنائه الذين عاشوا وكبروا بنات.



فــــــ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ [الشورى: 49، 50].



فهل علمت العاقلة أن الخير فيما يختاره الله فتقنع بقسمته، وترضى بخيرته؟!





[1] انظر (تاريخ الطبري) (3/538، 539) بتصرف واختصار.




[2] (الأمالي) لأبي علي القالي (2/81).




[3] (العقد الفريد) لابن عبد ربه (3/223).




[4] (الاستيعاب) (3/931). وانظر السلسلة الصحيحة (ح 748).




[5] البيان والتبيين (1/108).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.46 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.83 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.47%)]