عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 26-12-2021, 09:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قصة الحروب الصليبية د .راغب السرجانى

سقوط نيقية .. الأسباب والنتائج-(16)


أ.د. راغب السرجاني

أسباب هزيمة المسلمين وسقوط نيقية

لعلنا إن أردنا أن نحلِّل أسباب هذه الهزيمة القاسية للمسلمين في مدينة نيقية، فإنَّنا سنلحظ بعض الأسباب التي ستتكرر في كل المواقع التي سيخسر فيها المسلمون؛ لأنَّ هذه سُنَّة ثابتة في كل الأزمان. ومن أهم الأسباب التي تظهر لنا:

أولًا: غياب التوجُّه الإسلامي والحميَّة الدينيَّة عند المقاتلين المسلمين، وشتان بين مَن يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، ومن يقاتل من أجل مصلحته وحياته الخاصة.
ثانيًا: الصراعات المستحكمة بين المسلمين، وتفرُّق كلمتهم، والنزاع الدائر بينهم على معظم الجبهات، والله عز وجل يقول في كتابه: {وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [ الأنفال: 46]. فالتنازع -كما هو واضح من الآية- سببٌ رئيس من أسباب الفشل وذهاب الريح.
ثالثًا: عدم اكتراث المسلمين في الشام والعراق وشرق العالم الإسلامي ومصر بالحدث، وترك سلاجقة آسيا الصغرى يواجهون الأمر بمفردهم، وهذا سيكون له المردود السلبي على الجميع بعد ذلك.
رابعًا: غياب الاستعداد العسكري المناسب؛ حيث كانت مخابرات السلاجقة ضعيفة لم تدرك كل هذه التحركات الصليبية إلا بعد فوات الأوان، بينما بذل الصليبيون والبيزنطيون الجهد كله في الإعداد لهذا اليوم، ولا بد لمن بذل أن يجد نتيجةً لجهده وإعداده.
كانت هذه مجموعة من أهم الأسباب التي أدت إلى هزيمة نيقية وسقوطها، وهي أسباب إن وجدت في أي جيل فلا شكَّ أنه سيعاني من نفس الهزيمة، وسيقع في المشكلات والأزمات نفسها.

آثار سقوط مدينة نيقية

ومع أنَّ سقوط نيقية كان سقوط مدينة واحدة إلا أن الآثار المترتبة على سقوطها كانت هائلة:

أولًا: ارتفعت جدًّا معنويَّات الجيش الصليبي، وزالت من النفوس أزمة سحق حملة الجموع الشعبية بقيادة بطرس الناسك ووالتر المفلس، ومِنْ ثَمَّ ظهر التصميم عند القادة والجنود في غزو العالم الإسلامي، على الرغم من الإصابات البالغة التي لحقت بالجيش في أثناء حصار نيقية، أو في أثناء القتال مع قلج أرسلان[1].

ثانيًا: ارتفعت جدًّا المعنويات في أوروبا بعد الإحباط الذي عانت منه بعد مصيبة الحملات الشعبيَّة، وأدَّى هذا الارتفاع في المعنويَّات إلى تحميس جموع أخرى، وبالتالي ازداد تدفق الجيوش الصليبية من أوربا إلى آسيا الصغرى والشام، وبدأت الموانئ الإيطالية تفكر جديًّا في المشاركة في الحملات بصورة أساسية[2].

ثالثًا: ارتفعت -أيضًا- معنويات الدولة البيزنطية، حيث كان سقوط نيقية يمثِّل أول ثأر لكرامة الدولة البيزنطية بعد هزيمة ملاذكرد الشهيرة سنة (463هـ)؛ أي منذ أكثر من 27 سنة، وهذا رفع جدًّا من أسهم الإمبراطور الداهية ألكسيوس كومنين[3].

رابعًا: نتيجة ارتفاع معنويات الدولة البيزنطية تحركت بقَّوة مستغلَّة اضطراب السلاجقة، وبالتالي ضمت معظم أراضي غرب آسيا الصغرى إلى حوزة الإمبراطورية البيزنطية[4]، كما بدأت الإمبراطورية في مهاجمة عدة مدن أخرى في شمال آسيا الصغرى وعلى ساحل البحر الأسود. ولقد ظل غرب الأناضول بيزنطيًّا لمدة تزيد على ثلاثة قرون بعد موقعة نيقية[5]!

خامسًا: في مقابل هذا الارتفاع الواضح في معنويَّات الصليبيين والبيزنطيين على حدٍّ سواء، كان هناك هبوط حادٍّ في معنويَّات المسلمين: جيشًا وشعبًا، وقادةً وجنودًا؛ فهذا سقوطٌ لأحصن مدن آسيا الصغرى، ممَّا يعني أنَّ سقوط المدن الأخرى سيكون أسهل، ثم إن هذا اتحادٌّ بين عملاقين كبيرين: الصليبيين الغربيين والبيزنطيين الشرقيين، ممَّا يعني أنَّ الأيام القادمة أصعب من التي مرَّت!

سادسًا: من الآثار المهمَّة لهذه الموقعة ازدياد الرواسب النفسية السيئة بين الصليبيين والبيزنطيين، مما سيكون له أبلغ الأثر في خط سير الحملات بعد ذلك؛ فهذا الإمبراطور يتصرَّف في سريَّةٍ بعيدًا عن زعماء الصليبيِّين لمصالحه الخاصة، وهؤلاء الزعماء يحنقون على الإمبراطور ويتوجَّسون منه خيفة، وكان من الواضح أنَّ هناك نارًا شديدة تحت الرماد، وهذا الذي دعا الإمبراطور البيزنطي إلى الإصرار على أن يجتمع زعماء الصليبيين بعد الموقعة وقبل استكمال الغزو، وأن يعيدوا القسم له بالتبعية والولاء، وقد فعلوا جميعًا ذلك مرغمين، وإن كان بوهيموند قد أسرع لذلك دون تردد؛ ليستمر في كسب صداقة الإمبراطور، غير أن ريمون الرابع أصرَّ على عدم القسم بالولاء والتبعية[6]، ولكنه كرَّر قسمه بتعظيم حياة الإمبراطور، أيضًا لم يُقسم تانكرد ابن أخت بوهيموند؛ حيث لم يُقسِم من البداية مكتفيًا بقسم خاله بوهيموند، وهذا سيكون له آثارٌ فيما بعد على قراراته وتحركاته.

سابعًا: حدث نشاط أرمني ملحوظ نتيجة الهزيمة التي مُني بها السلاجقة، و-أيضًا- نتيجة دخول الصليبيين الكاثوليك القريبين من الأرمن على عكس البيزنطيين الأرثوذكس؛ ومن هنا سيظهر تعاون ملحوظ بين الأرمن وبين الصليبيين، وظهرت دعوات من المدن ذات الكثافة الأرمينية تدعو الصليبيين إلى القدوم إليها، وخاصةً في الجنوب الشرقي من آسيا الصغرى، وهذا سيؤثر في خط سير الحملات الصليبية.

ثامنًا: عسكريًّا فإن الطريق فُتح إلى وسط آسيا الصغرى، حيث كانت نيقية هي العقبة الكبرى في الطريق، وبالتالي فإن فرصة الصليبيين أصبحت كبيرة للوصول إلى عمق آسيا الصغرى، بل وبلوغ بلاد الشام[7].

تاسعًا: بعد سقوط نيقية أسرع قلج أرسلان إلى مدينة قونية، واتخذها عاصمة جديدة له[8]، أو إن شئت فقل: قاعدة عسكرية جديدة له ينطلق منها في حربه ضدَّ الصليبيين، وهي مدينة على بُعد أربعمائة كيلو مترٍ من نيقية إلى الجنوب الشرقي منها، وهي وإن لم تكن في حصانة نيقيَّة نفسها إلَّا أنَّها كانت حصينة أيضًا.

عاشرًا: قرر قلج أرسلان زعيم السلاجقة الروم وغازي بن الدانشمند زعيم التركمان تناسي خلافاتهما مؤقتًا، وتشكيل جبهة متَّحدة لحرب الصليبيين[9]، وهذا الاتحاد وإن كان نقطة إيجابية إلَّا أنَّه كان هشًّا؛ لعمق الخلافات بين الفريقين وقدمها، ولغياب الدافع الإسلامي الواضح للوَحْدة أو للقتال، وإنما كان اتحادهما لغرض الحفاظ على أملاكهم لا حمية للدين.

[1] Cam. Med. Hist. vol 5, p. 285.
[2] Runciman, op. cit., 1, p.p. 182-183; setton: op. cit. 1, p. 201.
[3] Grousset: Hist. des Croisades, 1, pp 42-43.
[4] Grousset: Hist, des Croisades, 1, pp. 41-43;
[5] سعيد عاشور: الحركة الصليبية 1/139.
[6] Chalandon: Alexis Comnene, p. 193.
[7] Oman: vol 1 p 279.

[8] رنسيمان: تاريخ الحروب الصليبية 1/278.
[9] ابن الأثير: الكامل في التاريخ 8/186، ابن القلانسي: ذيل تاريخ دمشق ص134.
Gesta Francorum, pp. 19-22; Fulcher de Chartres, pp. 83-87; William of Tyre, 1, pp. 169-173; Runciman, "Constantinople to Antioch", pp. 293-294; mayer, The Crusades, pp. 50-51.















__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.61 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.98 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.91%)]