عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 26-11-2021, 11:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: آبـاء وأبــناء في القــــــرآن الكـــريـــم

آباء وأبناء في القرآن الكريم -الخليل عليه السلام يدعو الله أن يكون معلمهم منهم


الشيخ سعيد بن عماش السعيدي




قال تعالى: {ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك} (البقرة: 129).

يرجو أن تتزكى هذه الذرية، وأن يكون منهم من يتعلم كتاب ربها كي ينفع الآخرين. قال الشيخ السعدي -رحمه الله- في تفسير: {يتلو عليهم آياتك} لفظا وحفظا وتحقيقا، وقال القرطبي -رحمه الله تعالى-: «الحكمة» المعرفة بالدين والفقه في التأويل والفهم الذي هو سجية ونور من الله تعالى، قال قتادة -رحمه الله تعالى-: «الحكمة» السنة وبيان الشرائع.

و: «يزكيهم» قال الشيخ السعدي -رحمه الله تعالى- في تفسيره: {ويزكيهم} بالتربية على الأعمال الصالحة، والتبرؤ من الأعمال الرديئة التي لا تزكو النفس معها.

وانظر إلى لطيفه ذكرها جمع من العلماء في قوله تعالى: {ربنا وابعث فيهم رسولا منهم} فهذا الدعاء يدل على النضج والكمال الذي وصلت إليه هذه الذرية المباركة، وأنهم أهل لحمل رسالة ربهم تعالى وتكاليفه، وفي ذلك رفعة لشأنهم وعزتهم، وكونه منهم يكون أشفق عليهم وأرحم بهم.

قال تعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم} (الجمعة: 2).

وقال تعالى: {عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} (التوبة: 128).

وفي ذلك من الدروس أن يكون الخير الذي في أيدي الدعاة والمصلحين ألا يتعدى ذراريهم وأهليهم أولاً؛ قال [: «الأقربون أولى بالمعروف».

قال تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين} (الشعراء: 214).

-وصية الخليل عليه السلام لذريته

ومما يستفيده المرء أنه -عليه السلام- وصاهم بالثبات على الدين حتى الممات؛ قال تعالى: {ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} (البقرة: 132).

قلت: ومن المعلوم وعُرف في الطبع أنه لا تكون الوصية إلا بشيء ذي قيمة وله أثر في سلوك الفرد الموصى كي يزداد حرصه واهتمامه، وأي شيء أهم من الدين والملة؟!

لذلك أطلقها الخليل عليه السلام كي تدوي في الآفاق، «أذن وعلينا البلاغ»، فاستفاد منها أهل الغبراء قديما وحديثا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

-أهمية البيئة الصالحة

إبراهيم -عليه السلام- اهتم باختيار البيئة الصالحة لتلك الذرية المباركة، وقد جاء ذكر ذلك في قوله تعالى: {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم} (إبراهيم: 37).

فهو عليه السلام يهيئ المكان الصالح لتلك البذرة الصالحة، فلا يسكنهم في مكان يكثر فيه الفساد، بل بحث عن مكان يظهر فيه الخير وتفوز الفضيلة، فلا يرون إلا خيرا ولا يسمعون إلا خيرا، وهو بذلك يخط خطا في مراعاة الأمور الدينية قبل الدنيوية، ولكن بعض الناس لا يحفل بهذا المنهج الرباني، ويعتمد على الوسائل المادية، وقلما ينجو من السقوط في براثن المنكرات والفواحش بسبب تلك البيئات الفاسدة التي يرتع فيها المفسدون، ويجدون بغيتهم، فالناصح لنفسه وذريته يجب عليه الحرص على الأماكن الفاضلة كي تنمو الذرية بجو من الفضيلة، فالعجب ممن يُسكن أسرته في بعض الأماكن المشبوهة التي تحوم حولها الرذيلة، ويتمنى النجاة والصلاح!

أكل الحلال ودوره البارز

على عظم منزلة إبراهيم -عليه السلام- نلحظ اهتمامه بالأمور المعيشية التي تعين النشء على الكرامة والعفة، فها هو ذا يدعو لهم؛ قال تعالى: {وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} (إبراهيم: 37)، قال العلامة الشوكاني، رحمه الله تعالى: :{وارزقهم من الثمرات} أي: ارزق ذريتي الذين أسكنتهم هناك أو هم ومن يساكنهم من الناس من أنواع الثمرات التي تنبت فيه أو تجلب إليه.

وفي قوله تعالى: {الثمرات} تعريف الاستغراق، أي جميع الثمرات المعروفة، فهو يدعو لهم بالرفاهية التي تجعلهم يلتصقون بهذه الأرض المباركة مكة، وكذلك في قوله تعالى: {لعلهم يشكرون}.

- يقول الفخر الرازي: ذلك يدلّ على أن المقصود للعاقل من منافع الدنيا أن يتفرغ لأداء العبادات وإقامة الطاعات، وكذلك نلاحظ اهتمام الخليل -عليه السلام- بالدعاء لابنه وأهله بالبركة فيما رزقوا؛ فقد روى الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال في رواية طويلة: إن إبراهيم -عليه السلام- جاء إلى بيت إسماعيل -عليه السلام- بمكة. ولم يكن ابنه موجودا، سأل زوجه عن عيشتهم وهيئتهم وكان مما سأل أن قال: «ما طعامكم؟» قالت: اللحم، قال: فما شرابكم؟ قالت: «الماء»، قال: «اللهم بارك لهم في اللحم والماء»، وجاء في رواية أخرى أن إبراهيم -عليه السلام- قال: «اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم».

الأمن ودوره في الحياة

تجد في سيرة إبراهيم الخليل -عليه السلام- اهتمامه بالأمن؛ قال تعالى: {رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات} (البقرة: 126).

بيّن الشوكاني -رحمه الله تعالى- حكمة الابتداء بطلب الأمن، بقوله: «وقدم طلب الأمن على سائر المطالب المذكورة بعده؛ لأنه إذا انتفى الأمن لم يفرغ الإنسان لشيء آخر من أمور الدين والدنيا».

هذا وقد استجاب الله تعالى لدعوة خليله عليه السلام، قال تعالى: {أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون} (العنكبوت: 67)، ويتجلى هذا كذلك في قول الرسول [: «من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا».

فعلى الوالدين الاهتمام بهذا الجانب، ولاسيما في حماية الأسرة والأولاد من الخلافات بين الزوجين أمام الأولاد؛ لأن هذا يؤثر على سلوكياتهم ويجعلهم ينحون إلى الهروب من تلك المنازعات، ويصيبهم بالخوف والهلع، وفي حالات يقعون بأيد فاسدة تزيد في بعدهم عن جادة الصواب.

فحل الخلافات في حجرات مغلقة أحسن وأفضل وأسلم؛ لكي يحصل الأمن والاطمئنان، فأحيانا الصغار لا يقدرون الأمور التقدير الصحيح، فيصيب أنفسهم خدش وما يخفونه أعظم مما يظهر فيما بعد على شكل سلوكيات عدوانية ضد كل شيء، بل أحيانا متمردة يصعب على الوالدين توجيهها إلى الصواب.

الخليل عليه السلام يسن قانوناً للبشرية في أهمية المشاورة

إنه لما أراد بناء الكعبة المشرفة أشرك معه إبنه إسماعيل عليه السلام في ذلك البناء؛ فقد روى الإمام البخاري رحمه الله عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، في حديث طويل: «ثم لبث (أي إبراهيم -عليه السلام-) عنهم ما شاء الله تعالى: (أي عن إسماعيل عليه السلام وزوجه) ثم جاء بعد ذلك، وإسماعيل -عليه السلام -يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم، فلما رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد، ثم قال: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمرك ربك، قال: وتعينني؟ قال: وأعينك.

قال: فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتا - وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها - قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت - فجعل إسماعيل -عليه السلام- يأتي بالحجارة، وإبراهيم -عليه السلام- يبني. حتى إذا ارتفع البناء، جاء بهذا الحجر، فوضعه له، فقام عليه وهو يبني وإسماعيل -عليه السلام- يناوله الحجارة، وهما يقولان: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} (البقرة: 127)، قال: فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت، وهما يقولان: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم}.

قلت: فما أجمل هذا المنظر! الابن الثمرة يساعد الوالد في بناء البيت العتيق تقربا لله تعالى.

فهل نحن دعونا أولادنا وأشركناهم في مثل هذه الأعمال الفاضلة؛ كي تتهذب أخلاقهم وسلوكياتهم عملا وليس قولا؟!

وكذلك قال تعالى: {فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى} (الصافات: 102).

قال الحافظ ابن الجوزي «لم يقل له ذلك على وجه المؤامرة في أمر الله تعالى، لكن أراد أن ينتظر ما عنده من الرأي».

فحب الولد لم يمنع الخليل عليه السلام من طاعة الله تعالى، وخاصة عندما نضج الغلام وهو أحب ما يكون عند الوالد عادة.

وقال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى في قوله تعالى: {فلما بلغ معه السعي}: «أي أدرك أن يسعى معه وبلغ سنا يكون في الغالب أحب ما يكون لوالديه، قد ذهبت مشقته، وأقبلت منفعته» (770). ورغم ذلك كله كان دور الخليل عليه السلام الاستسلام الكامل لأمر مولاه عز وجل بلا تأويل ولا تردد، وجاء بيان ذلك في قول الحق تعالى: {فلما أسلما وتله للجبين} (الصافات: 103)، قال أهل التفسير: {فلما أسلما}: استسلما لأمر الله، أو سلّم الذبيح نفسه وإبراهيم ابنه. {وتله للجبين}: صرعه على شقه فوقع جبينه على الأرض.

قلت: الله أكبر، موقف ما أشده وأصعبه على النفس! لكن {الله أعلم حيث يجعل رسالته} (الأنعام: 124).

وإذا بالفرج يكون أسرع من البرق: «{أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا} (الصافات: 104-105)، {وفديناه بذبح عظيم} (الصافات: 107)، فالتفت إبراهيم عليه السلام فإذا هو بكبش أبيض أعين كما روي في عدد من الآثار.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.09 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.47 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.72%)]