عرض مشاركة واحدة
  #27  
قديم 16-06-2009, 09:12 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

حديث القرآن عن القرآن
ـ 26 ـ
د/ محمد الراوي
﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴿48 ﴾ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ [المائدة : 48 ـ 49]

﴿
وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ﴾ والكتاب هو القرآن الكريم وهذه الآية لها دلالتها فيما تؤديه كلُّ كلمة بذاتها أو متعاونة مع أخواتها في بيان شأن القرآن الكريم في ذاته ، وبالنسبة لما بين يديه من الكتب ، وما يجب من عمل به ، واتباع له ، وتسليم بحكمه .

وتدبر أخي المسلم دلالة هذه الكلمات في هذه الآية من حديث القرآن عن القرآن .

﴿
وَأَنْزَلْنَا ﴾ والمنزِّل هو الله تعالى . وكفى بذلك دلالة على الحق وما يجب من حرص عليه وتمسك به وقد اتصل الفعل أنزل بنون العظمة « نَا » في الحديث عن الكتاب المحفوظ المعجز المهيمن ، كما نرى ذلك في الحديث عن تنزيل الذكر وحفظه في قوله تعالى في الحجر ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ

« إِلَيْكَ » : هكذا بكاف الخطاب دون ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم ، فيه ما فيه من تكريم لنبيه وتنويه بعلو مكانته واختصاصه بانتهاء التنزيل إليه دون سواه صلى الله عليه وسلم ، وجلَّ من أنزل واصطفى من أُنزل عليه و ﴿
اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ

« الْكِتَابَ » : دون وصفٍ له لأنه الجدير بان يُسمَّى وحده بالكتاب فهو الفرد الكامل الحقيق بأن يُسمّى كتابا على الإطلاق لحيازته جميع الأوصاف الكمالية لجنس الكتاب السماوي وتفوقه على بقية أفراده وهو القرآن الكريم فاللاِّم فيه للعهد.

« بِالْحَقِّ »: وكل ما سبق هذه الكلمة يدل عليها . فالمنزِّل هو الله . والمنزل عليه هو رسول الله صلى الله عليه وسلم . والمنزَّل هو ذلك الكتاب . والنَّازل به هو الروح الأمين . فأيُّ دلالة على الحق وصونه وحفظه أوفي وأكمل من ذلك﴿
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ . وقوله ﴿ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾ مع ما فيه من دلالة على تصديق الكتب المنزلة قبله فإن كلمة « لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ » تكاد تجعلك تنطق بهيمنته قبل أن تسمع : « وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ » وأنه حاكم عليها ومؤتمن وحافظ وشهيد .

والقرآن الكريم أمين على الكتب المتقدمة قبله يعرض ما فيها من الحق ويرد ما ينسب إليها من باطل .

﴿
فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾ والمقصود الحكم بين أهل الكتاب بما بيَّن الله في هذا الكتاب ولكن لم يأت القول على هذا النحو الذي ذكرتُ ، وإنما جاء بما يدعو إلى وجوب الخضوع والرضا والتسليم حيث قال: ﴿ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾ فلا مجال للمراوغة أو التفلت والإعراض . فإن الحكم بما أنزل الله ليس منسوبا إلى غيره فمن عارضه أو أباه فقد عارض الله ومن أعرض عنه فقد أعرض عن الحق ﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ﴾ ولا مفر من عَوْدٍ إلى الله وحساب بين يديه ﴿ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ

إن الحكم بما أنزل الله واجب الطاعة والرسول صلى الله عليه وسلم يبلِّغ ما نزل إليه من ربه ، فطاعته طاعةٌ لله ومعصيته معصيةٌ لله ﴿
فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [ النور : 63]﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا [ الأحزاب : 36].

والرسول صلى الله عليه وسلم مأمور أن يتبع الحق الذي أنزل إليه منهيّ عن مجاوزته أو الانحراف عنه ﴿
وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ﴾. إن الحكم بما أنزل الله يتنافى مع اتباع الأهواء ، لأنه الحق ، واتباع الأهواء ضلال وباطل تفسد به أحوال الناس , والحق ثابت مستقيم ، لا تجوز مجاوزته أو الميل عنه ، فلا تتزحزح أو تنحرف عما جاءك من الحق ـ وهو القرآن ـ متَّبِعًا أهواءهم كما قال الله عز وجل ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴿18 ﴾ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ﴿19 ﴾ هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [ الجاثية : 18 ـ20]

إن إنزال الكتاب بالحق داع إلى حسن اتباعه والاستمساك به .

ومما يعين الناس على اتباع الحق في كل شأن من شئونهم تطبيق ما جاء من الحق في الاعتقاد والتربية وإقامة الفرائض التعبدية والفضائل والأخلاق .
فإن الإنسان هو محور الإصلاح وهو المخاطب بالتطبيق فلا بد من صلاحه واستقامته ، والمسلمون مطالبون دائما أن يعالجوا الأحداث المتجددة بفطرة الدين مستعينين بقواعده وأصوله . فإن من الخطأ بل من الخطيئة أن تثار قضايا الدين بعيدا عن الواقع أو يعالج الواقع بغير فطرة الدين .

إن الناس إذا لم يُسعفهم البيان الحق في الأحداث المتجددة والقضايا المتلاحقة تخطفتهم أندية الباطل وأبعدتهم عن أصول دينهم بتذليل شئون دنياهم .

ولأن يخطئ المسلمون في الاجتهاد السليم الصحيح خير لهم من التبعية والمطاوعة لغيرهم .

ولأن يعيشوا بأجر الخطأ في الاجتهاد خير من العيش بوزر القصد في المطاوعة ، مطاوعة من يردهم عن دينهم ويبعدهم عن أصوله ﴿
وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [ آل عمران : 101]إن الأمر ميسور لمن تحرَّى العدل ورغب فيه . وطلب الحق واجتهد في الحرص عليه والتمسك به .

والدين هو الحق والعدل كل ما جاء به ودعا إليه .

وهذه الكلية من أمر الدين تحث المسلمين على مواجهة الأحداث المتجددة في ثقة وبينة فمقصد الدين هو إقامة العدل بين جميع الخلق .

فليثق المسلمون في أنفسهم مع ثقتهم في دينهم وليُعَالِجُوا ـ في غير حرج ـ قضايا عصرهم بفطرة دينهم ، وليخضوا معركة الحياة وفي طريقهم نوران : كتابٌ وسنة . فمهما اتسعت الحياة وتعددت أحداثها فإن معهم الثابت في أمر دينهم ما ينير طريق المتغير في حياتهم . معهم من القواعد والأصول ما يتسع لجزئيات الأحداث واختلافها باختلاف الزمان أو المكان وما يجعل شريعتهم صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان .

وبذلك تكون صلتهم بالحق الذي أنزله الله دائمة ومتجددة ، راشدة ومثمرة ، ويستمد كل جديد في دنياهم أسباب حياته من شمس دينهم ونور كتابهم ، فلا تنفصل قضايا عصرهم عن الحق الذي أنزله الله وأمر أن يُحكم به .

بل تتصل به اتصال النبت المتجدد بأسباب الحياة واتصال الحياة بمصدرها فلا تُحْكَمُ إلا بما أراها الله .

وبذلك تحقق الأمة الإسلامية ما أمر الله به وحذَّر من مخالفته أو الميل عنه﴿
فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ [ المائدة : 48].

وهل تسلم دنيانا من سيطرة الأهواء وغلبة الأعداء إلاَّ باتباع هدى الله ؟ وهل تتحرر نفوسنا من المؤثرات التي تميل بها عن الحق وتبعدها عن الصراط المستقيم إلا بصدق الإخلاص لله وحسن التوجه إليه ﴿
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [ العنكبوت : 69]﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [ التغابن : 11]
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.93 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.91%)]