الموضوع: جدتي
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 26-07-2021, 02:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي جدتي

جدتي
د. سليمان الحوسني








كم هو جميل أن يعود الإنسان إلى زمن طفولته، ويتذكر بعض المواقف الطيِّبة التي عاشها في تلك الفترة من عمره، والتي لها طابعها الخاص، ورونقها البراق، والتي تختلف أو تقترب مِن الواقع اليوم بعد مضيِّ عقود من السنوات.







هي فرصة أنْ يتدارك المرء نفسه بتدوين بعض ذكرياته قبل نسيانها، أو توقُّف القدرة على التعبير عنها لمرض أو موت، وربما يراها أولاده وأحفاده يومًا ما فيذكرونه بدعوات أو صدقات ينتفع بها في عالمه الآخر وقد بات بعيدًا عنهم.







جدتي... أتذكَّرُكِ كالشمس المشرقة في البيت، توزعين حنانك وعطفك وحبك للجميع؛ للأبناء والأحفاد وأبنائهم، كم كنتِ رائعة في تعاملكِ الجميل وكلامكِ الرائع، وحرصكِ الدؤوب على سعادة الجميع، وبقاء الأسرة مترابطةً متماسكةً وإن كثر أفرادها، مما كان له مردود إيجابي على الجميع في حياتك وبعد مماتك، رحمكِ الله.







جدتي... كم كنا نفرح بلقياكِ، ونأنس بحديثكِ، ونعجب بهداياكِ التي تتحفيننا بها وتدخرينها لنا، صحيح أن الهدايا كانت بسيطة مما كان متاحًا في ذلك الوقت، ولكنها معبرة ومشوقة؛ فهي تورث المحبة والشوق والقرب والمودة.







جدتي... شكرًا لكِ على خدماتك المتعددة حتى وأنتِ كبيرة في السن، كنتِ كبيرة في البذل والعطاء، وكنت تقومين بجهد في أعمال البيت لا يقل عمَّن معك؛ حيث لا خدمَ في البيوت، ولا كهرباء، ولا شيءَ من الوسائل التي أتت بعد ذلك.







وكانت المرأة وقتها تتصدر أعمال البيت من طبخ وكنس وتنظيف، وتربية وتعليم وتوجيه، فإعداد وجبة طعام وحدها تحتاج إلى عدة مهام؛ مِن جمع الحطب، وإحضار للماء، وإيقاد للنار، والحبوب تحتاج إلى طحن، ثم عجن ثم خَبز، والقهوة إلى قلي وحمس وطحن، والحليب يحتاج إلى تربية للدواب وإطعامها وحلبها، ثم صنع اللبن والسمن ليكون إدامًا للطعام، أضف إلى ذلك بقية المهام المتعلقة بالأطفال، والحرص على إطعامهم ونظافتهم وعلاجهم.







كل ذلك يتم يدويًّا، ويتطلب جهدًا بشريًّا، مما يظهر مدى ما كانت تقوم به المرأة من عمل مشرف وجهد مبارك، رحم الله جدتي ومَن كان معها.







كل تلك الأعمال والمتاعب لا تشغل عن العبادة والطاعة والذِّكر الدائم والمستمر، بل وتذكير الأبناء بالصلاة والذَّهاب إلى حلقات القرآن؛ حيث سماع كلام الرحمن، وتعلُّم بعض الآيات وحفظ بعض السور يعد كنزًا عظيمًا، وربحًا كبيرًا، الكل يفرح به، وكلما أنجز الطفل وَفاق رفاقَه، زادت محبته وكسب ود الجميع.







وكم أتذكر ما كان يجده من يكمل القرآن حفظًا أو تلاوةً من حفاوة وتكريم على مستوى القرية كلها؛ حيث يقام له حفل مميز، يشعر به الصغار والكبار، الرجال والنساء، فتعم الفرحة عند الجميع، ويتنافس الكل في تحقيق مثل ذلك الإنجاز.







والجدة مع الجد لهما دور بارز في تشجيع الأبناء والتسابق مع الآخرين نحو كتاب رب العالمين.







جدتي... الصبر تعلمناه منك عمليًّا، فرأيناه واقعًا، ولامسناه مُشاهدًا، فبقي في الأذهان لا ننساه على مر الأيام.







رحمكِ الله رحمةً واسعةً، وجعل قبركِ روضةً من رياض الجنة، ورفع منزلتكِ في الفردوس الأعلى.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.60 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.10%)]