عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 26-07-2021, 01:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي التعليم المشهود يواجه ثورات ضخمة دون صمود

التعليم المشهود يواجه ثورات ضخمة دون صمود


د. محمد بريش




ترى دراسة أنجزت لصالح الوزارة الفرنسية للتربية الوطنية والبحث والتكنولوجيا قام بها فريق من الخبراء الفرنسيين برئاسة جاك أتالي (Jaques Attali) المستشار السابق للرئيس فرانسوا ميتران، والمعروف بدراساته المستقبلية والتحليلية التي لا تخلو من استفزاز، أن التعليم يواجه ثورات أربعًا[1]:
الأولى: في العلوم والتكنولوجيا:
في هذا المجال يتنبَّأُ فريق الخبراء، من خلال تشخيصهم وتحاليلهم، بأن المناهج ستشهد انقلابًا كبيرًا، وأن عليها أن تتماشى مع التقدُّم المعرفي السريع الخُطَى.

من أجل ذلك، نصح الخبراء بفسح المجال للعمليات التطبيقية، وأن يكون لها حظٌّ وافر بجنب الدراسات النظرية؛ لأنها مِفتاح البحث، وسبيل للانغماس في المتصور والمخمن، سواء حين العمل أو حين النشاط الترفيهي.

فالعديد من المهن القادمة ستتطلب معرفة كبيرة بعلوم الاتصال، وفنون التواصل الإليكتروني، وما يصاحبها من تكنولوجيات ومعرفة باللغات.

الثانية: في العَلاقات بين الدولة ومؤسسات التعليم العالي:
يرى الخبراء أن التعليم العالي مدعو اليوم - أكثر من أي وقت مضى - أن يبتعد عن أسلوبه القديم في الاكتفاء بإخراج الموظفين والأُطُر التي تحتاجها مؤسسات الإدارة الرسمية، وألا يجعله يحتل المرتبة الأولى في أولوياته كما كان عليه الحال فيالعشريات السالفة.

ذلك أن نوعًا جديدًا من العَلاقات بين الدولة وأجهزتها، والتعليم العالي ومؤسساته قد أضحى ضروريًّا للتغيير الذي تعيشه أجهزة الدولة نفسها، والواقع الشديد الزلزال الذي يخضع له كل من سوق الاقتصاد، وسوق العمل.

فمن واجب التعليم العالي - دومًا - أن يَسُدَّ حاجات إدارات ومؤسسات الدولة، ولكن عليه أساسًا اليوم أن يمدَّ المجتمع بكافة مؤسساته بالعقول النيِّرة، والأطر النابغة، التي تستطيع المنافسة دوليًّا، وتطوير الواقع محليًّا، والحفاظ على مستوًى من التقدم مواكب ونامٍ وطنيًّا.

إن هناك أنواعًا جديدة للتكوين ينبغي تلقينُها لنوع جديد من الإدارة والتدبير ملزمة به أجهزة الدولة ومؤسساتها، بما فيها مؤسسات التعليم على مختلف مستوياتها، وخاصة منها العاليَ، حتى تستطيع أن تواجه بنوعٍ من الثقة في الغد، والسيطرةِ على الواقع والوعي بتقلباته وهزَّاته، مختلف التحديات، وتجتاز بأمان أكبر ما يعتَرِضُها من العقبات.

فالإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات الرسمية كلها اليوم في حاجة إلى تكوين خاص، سواء حين التوظيف الجديد للأطر، أو للمزيد من التأهيل والتكوين للأطر الموجودة.

الثالثة: في العَلاقات بين مؤسسات التعليم العالي والقطاع الخاص:
يلاحظ الفريق أن تشخيص تطور الواقع يوحي بأن سوق العمل بات يديره ويؤثر فيه بشكل عام القطاع الخاص، بل إن مقاولاته ومؤسساته، وما تحتويه من أُطُر عالية التأهيل وصناع مَهَرة، وما توظِّفه من أموال ورساميل - أضحت هي ثروة الدولة الأساسية، وعمودَ اقتصادها الفقري، ولا يمكن لمقاولات وشركات ومؤسسات القطاع الخاص أن تؤدِّيَ دورها الوطني والدولي إلا بربط عَلاقات متينة مع مؤسسات التعليم العالي ومراكزها البحثية، علاقات لا تحكمها الخلفيات، ولا صراع الطبقات، أو تنافس السلطات.

كما يُقدِّمُ التقرير - كحجة على صحة ما انتهى إليه - مثلاً من الولايات المتحدة: فمعهد مساشوسيت للتكنولوجيا وحده كان وراء إنشاء قرابة 4000 مقاولة وشركة، أزيد من نصفها أسسه طلابٌ متخرِّجون من هذا المعهد بعد خمسَ عشْرةَ سنةً من التخرج، وواحد من ستة منها بعد خمس سنوات من التخرج، تضمن العيش في مجموعها لقرابة المليون من البشر.

فإذا كان الأمر كذلك بالنسبة لمعهد واحد، فكيف بمؤسسات التعليم العالي كافة، المتنافسة في التألُّقِ في تكوين الأكثر كفاءةً، والأقدر على سد حاجات سوق العمل وتطوير سوق الاقتصاد؟!

هؤلاء المتخرِّجون من هذا المعهد وحدَه لهم وقعٌ اقتصادي، سواء من حيث الدخلُ، أو من حيث الأثرُ على الاقتصاد المحلي والدولي أكبر من أي بلد مرتبته الدولية دون العشرين من حيث الدخل القومي.

وغير خافٍ أن صناعة برامج الكمبيوتر ابتكرتها مؤسسات التعليم العالي بالولايات المتحدة، وهي من حيث الترتيب ثالث صناعة في البلد بعد صناعة الطيران والصيدلة، مثله في الولادة والنمو السريع كمثل إحدى الصناعات الحديثة: بيوجنيتيك (Biogenetique) (علم الاستنساخ)، الذي أفرزَتْه الجامعات ومراكزها العلمية بالأمس القريب جدًّا، والذي هو في طريقه كذلك إلى احتلال مرتبة مشابهة وأداء دور اقتصادي مماثل.

وإذا كانت فرنسا ترى نفسها متخلِّفةً عن مثل هذه المبادرات، وأن مؤسساتها ومقاولاتها لم تستطع إفراز مثل هذه الظاهرة في ابتكار الصناعات، فماذا يمكن قولُه عن بلدان العالم الإسلامي؟!


هذا، علمًا أن فرنسا لها مقاولتان بين الخمسين مقاولةً الأوائل على الصعيد الدولي في مجال البرمجيات (صناعة برامج الكمبيوتر )، وإن كانت تشكو من أن لا وجود لها ضمن الشركات العشر الأولى الصانعة للكمبيوتر، فإن لها شركة واحدة ضمن المائة شركة في مجال البيوتكنولوجيا.

ولكن هذه المرتبة تؤرِّقُها وتعتبرها غير مشرفة، خاصة حين ينبه الخبراء وذوو الاختصاص والمتابعة والمراقبة إلى أن الشركات الفرنسية الموجودة في مرتبات مقبولة، إذا ما قِيست بالعديد من الدول المتقدمة، تشكو من غياب الصلة بينها وبين التعليم العالي، رغم أن معظم مؤسسيها هم من خريجي هذا التعليم.

ولهذا ينصح فريق الخبراء بأن من مهام التعليم العالي الدفعَ إلى إنشاء المقاولات القوية وطنيًّا ودوليًّا، خاصة وأن الصناعة الحديثة أصبحت تستلزم من الذكاء حظًّا أوفر بكثير مما كانت عليه الصناعة قديمًا، حيث كان التركيز فيها أساسًا على المواد الخام.

ولهذا ينبغي أن تتطور القوانين والإجراءات الإدارية، بحيث يُسمَحُ للجامعات والمعاهد الكبرى بأن تُنشِئَ مقاولات وشركات للبحث العلمي والصناعة التكنولوجية، وأن تكون ممن يتنافس في تسجيل الابتكارات وإعداد المهارات في شتَّى العلوم والفنون.

وتجدر الإشارة - ونحن بصدد الحديث عن التحديات المستقبلية - إلى أن "الإستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامي" لمنظمة الإيسيسكو قد أشارت، في جانبها الاستشرافي، إلى خلاصة الدراسات الاستشرافية العالمية الحديثة في بيان الاتجاهات المحتملة الوقوع في السنوات العشر أو السنوات العشرين القادمة، انطلاقًا من تحليل الماضي القريب ومعطيات الواقع الجاري، وهي تكاد تجمع في معظمها على سيادة الاتجاهات الثمانية الآتية[2]:
اشتداد الصراع الفكري والثقافي وسيادتهما في كل الميادين؛ لأن التحديَ الكبير الذي سيواجهه العالم في السنوات القادمة هو تحدٍّ فكري وثقافي بالأساس.

تضاعف النمو الديمغرافي وتفاقم سكان العالم الذين سيصل عددهم ما بين 8 إلى 10 مليار من السكان سنة 2025.

ويتفجر عن هذا الاتجاه أربع مشكلات أساسية:
الإدماج الاجتماعي والمهني للشباب.
الشيخوخة الديمغرافية في البلدان الصناعية.
الهجرات الدولية وما تُحدثه من بزوغ مجتمعات متنوعة الثقافة ومتعددة الأعراق.
الحضرية وتطور المدن.

صعوبة تحقيق الأمن الغذائي للبشرية، خاصة في دول الجنوب.

تفاقم الأميَّة؛ حيث سيكون واحد من كل أربعة أفراد في العالم أميًّا، مع التركيز على تلازم الفقر والأمية.

دخول العالم الثالث إلى المأزق بفعل تدهور أسعار المواد الأولية وارتفاع المديونية.

تفاقم الأخطار الكونية المتمثلة - أساسًا - في الكوارث الطبيعية والتقنية، وتزايد التلوث والصراع، واتِّساع رقعة التصحُّر من جرَّاء ارتفاع حرارة المناخ الأرضي.

اشتداد أثر التقنيَّات الحديثة مثل الإعلاميات، والبيوتكنولوجية، وصناعة المواد والألياف الجديدة، وانعكاس ذلك الأثر على فكر المجتمع وثقافته.

• بزوغ مجتمع الإعلاميات، وستصاحبه ثلاث قطيعات:
القطيعة المتزايدة بين التنمية الاقتصادية واستهلاك مواد الطاقة الأولية وغيرها.
القطيعة بين دائرة تداول النقد والاقتصاد الحقيقي.
القطيعة بين التنمية الاقتصادية وإيجاد فرص الشغل، وذلك بفعل دخول التقنية الحديثة إلى جميع الميادين، بدرجة يمكن معها إنتاج المحتاج إليه فورًا وحسب مواصفات طالبه، حيث تصبح المقاولات والمؤسسات ملبيةً حاجات شخصية ناقلة من اقتصاد قطري أو تكتلي إلى اقتصاد كوني.

وبعض هذه الاتجاهات قد ساد بالفعل خلال الثمانينيات والتسعينيات، وبعضها يَظلُّ حاضرًا بضعف غير محتمل التطور، ولكن حضوره بشكل من الأشكال الحادة وارد.

ويصعب علينا دائمًا أن نقدر الاتجاهات المتعلقة خاصة بالعالم الإسلامي؛ ذلك أن العالم لم يخضع - ولو مرة واحدة - لدراسة شاملة تهتم بتصورات مستقبله بشكل علمي رصين وجاد، يقوم بها فريق متعدد التخصصات من الغيورين على إسلامهم والمحبين لأمتهم، على الرغم من تعدد المحاولات الفرعية في العديد من المجالات، كل منها على حدة، لكن دون تنسيق يذكر.

الرابعة: في حركة استلهام المعارف:
لاحظ الخبراء الفرنسيون - وإخالهم تأخروا في الملاحظة دهرًا طويلاً - أن الفصل بين التكوين وممارسة العمل لم يَعُدْ ذا جدوى؛ فالتكوين بحد ذاته عمل، ولم يعد مقبولاً أن يُرفَضَ تسجيل عامل في التعليم العالي إلى أن ينقطع عن عمله، أو يُرغَمَ متخرِّجٌ بعدم متابعة التعليم؛ كي ينخرط في الحياة المهنية؛ ولهذا أوصى هؤلاء الخبراء الجهاتِ المختصةَ بالانتباه إلى أشياء ثلاثة:
لن يكون لأي شهادة جامعية الشرعيَّةُ الأبدية؛ ففي مدة تتراوح بين ست وخمس عشرة سنةً تفقِدُ هذه الشهادةُ قيمتَها إذا لم يكن صاحبُها قد انخرط في تكوين، أو مارس بحوثًا تؤهِّله لمواكبة معارف عصره تحت إشراف الجامعة.

فالمعرفة اليوم تخضَعُ - أكثر من أي وقت مضى - للبِلَى والتقادُمِ، ومن هنا أصبح التكوين المستمر من أولويات وكُبرَيات مهام التعليم العالي، بل أصبح قضاء بضعة شهور كل خمس أو عشر سنوات - ولعل هذه المدة تصبح غدًا أقل من سنة أو سنتين - في رحاب الجامعة لمتابعة التعليم ضروريًّا، ليس فقط لمواكبة التطور، بل للمحافظة على العمل ذاته، سواء كان في القطاع العمومي أو القطاع الخاص.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.97 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.25%)]