عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 14-07-2021, 03:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
الحلقة (6)

سُورَةُ الْبَقَرَةِ (5)

[ ص: 41 ] وَقَوْلِهِ : ( قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ) [ 2 \ 93 ] ; لِأَنَّ السَّمْعَ الَّذِي لَا يُنَافِي الْعِصْيَانَ هُوَ السَّمْعُ بِالْآذَانِ دُونَ السَّمْعِ بِمَعْنَى الْإِجَابَةِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى : ( يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ )

مَعْنَى الْآيَةِ : أَنَّ أَحَدَ الْمَذْكُورِينَ يَتَمَنَّى أَنْ يَعِيشَ أَلْفَ سَنَةٍ ، وَطُولُ عُمُرِهِ لَا يُزَحْزِحُهُ ، أَيْ : لَا يُبْعِدُهُ عَنِ الْعَذَابِ ، فَالْمَصْدَرُ الْمُنْسَبِكُ مِنْ أَنَّ وَصِلَتِهَا فِي قَوْلِهِ : ( أَنْ يُعَمَّرَ ) فَاعِلُ اسْمِ الْفَاعِلِ الَّذِي هُوَ مُزَحْزِحُهُ عَلَى أَصَحِّ الْأَعَارِيبِ ، وَفِي " لَوْ " مِنْ قَوْلِهِ : ( لَوْ يُعَمَّرُ ) ، وَجْهَانِ : الْأَوَّلُ : وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ أَنَّهَا حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ ، وَهِيَ وَصِلَتُهَا فِي تَأْوِيلِ مَفْعُولٍ بِهِ لِـ " يَوَدُّ " وَالْمَعْنَى : ( يَوَدُّ أَحَدُهُمْ ) أَيْ : يَتَمَنَّى تَعْمِيرَ أَلْفِ سَنَةٍ ، وَ " لَوْ " : قَدْ تَكُونُ حَرْفًا مَصْدَرِيًّا لِقَوْلِ قَتِيلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ :
مَا كَانَ ضَرَّكَ لَوْ مَنَّنَتْ وَرُبَّمَا مَنَّ الْفَتَى وَهُوَ الْمَغِيظُ الْمُحْنَقُ


أَيْ : مَا كَانَ ضَرَّكَ مِنْهُ .

وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إِنَّ ( لَوْ ) هُنَا هِيَ الشَّرْطِيَّةُ ، وَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ وَتَقْدِيرُهُ : لَوْ يُعَمَّرْ أَلْفَ سَنَةٍ ، لَكَانَ ذَلِكَ أَحَبَّ شَيْءٍ إِلَيْهِ ، وَحُذِفَ جَوَابُ ( لَوْ ) مَعَ دَلَالَةِ الْمَقَامِ عَلَيْهِ وَاقِعٌ فِي الْقُرْآنِ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، فَمِنْهُ فِي الْقُرْآنِ ؛ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ) [ 102 \ 5 ] أَيْ : لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَمَا ( أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ) [ 102 \ 1 ] ، وَقَوْلِهِ : ( وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ ) [ 13 \ 31 ] أَيْ : لَكَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَوْ لَكَفَرْتُمْ بِالرَّحْمَنِ ، وَمِنْهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
فَأُقْسِمُ لَوْ شَيْءٌ أَتَانَا رَسُولُهُ سِوَاكَ وَلَكِنْ لَمْ نَجِدْ لَكَ مَدْفَعَا


أَيْ : لَوْ شَيْءٌ أَتَانَا رَسُولُهُ سِوَاكَ لَدَفَعْنَاهُ . إِذَا عَرَفْتَ مَعْنَى الْآيَةِ فَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْضَحَ هَذَا الْمَعْنَى مُبَيِّنًا أَنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ مُتِّعَ مَا مُتِّعَ مِنَ السِّنِينَ ، ثُمَّ انْقَضَى ذَلِكَ الْمَتَاعُ وَجَاءَهُ الْعَذَابُ أَنَّ ذَلِكَ الْمَتَاعَ الْفَائِتَ لَا يَنْفَعُهُ ، وَلَا يُغْنِي عَنْهُ شَيْئًا بَعْدَ انْقِضَائِهِ وَحُلُولِ الْعَذَابِ مَحِلَّهُ . وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : ( أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ) [ 26 \ 205 ، 206 ، 207 ] وَهَذِهِ هِيَ [ ص: 42 ] أَعْظَمُ آيَةٍ فِي إِزَالَةِ الدَّاءِ الْعُضَالِ الَّذِي هُوَ طُولُ الْأَمَلِ . كَفَانَا اللَّهُ وَالْمُؤْمِنِين َ شَرَّهُ .
قَوْلُهُ تَعَالَى : ( قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ ) ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ جِبْرِيلَ أَلْقَى الْقُرْآنَ فِي قَلْبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ سَمَاعِ قِرَاءَةٍ ، وَنَظِيرُهَا فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ ) الْآيَةَ [ 26 \ 193 ، 194 ] وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَلَكَ يَقْرَؤُهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْمَعَهُ مِنْهُ ، فَتَصِلُ مَعَانِيهِ إِلَى قَلْبِهِ بَعْدَ سَمَاعِهِ ، وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى تَنْزِيلِهِ عَلَى قَلْبِهِ ، وَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ( لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) [ 75 \ 16 ، 19 ] ، وَقَوْلِهِ : ( وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ) [ 20 \ 114 ] .
قَوْلُهُ تَعَالَى : ( الْفَاسِقُونَ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ ) ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْيَهُودَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ، وَصَرَّحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْمُعَاهِدُ لَهُمْ وَأَنَّهُمْ يُنْقِضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ ) [ 8 \ 55 ، 56 ] ، وَصَرَّحَ فِي آيَةٍ أُخْرَى بِأَنَّهُمْ أَهْلُ خِيَانَةٍ إِلَّا الْقَلِيلَ مِنْهُمْ ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : ( وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ) [ 5 \ 13 ] .
قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ ) الْآيَةَ ، ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْيَهُودِ نَبَذُوا كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ ، وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ ، وَبَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِالْكِتَابِ هُمُ الْأَكْثَرُ ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ) [ 3 \ 110 ] .
قَوْلُهُ تَعَالَى : ( أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ ) لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا هَذَا الَّذِي سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ مَا هُوَ ؟ وَلَكِنَّهُ بَيَّنَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : ( يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً ) الْآيَةَ [ 4 \ 153 ] .
قَوْلُهُ تَعَالَى : ( الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ ) هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا [ ص: 43 ] هُوَ وَاضِحٌ مِنَ السِّيَاقِ ، وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ ( بِأَمْرِهِ ) .

قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : هُوَ وَاحِدُ الْأَوَامِرِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ وَاحِدُ الْأُمُورِ ، فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ : بِأَنَّهُ الْأَمْرُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ النَّهْيِ ; فَإِنَّ الْأَمْرَ الْمَذْكُورَ هُوَ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي قَوْلِهِ : ( قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) [ 9 \ 29 ] . وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ وَاحِدُ الْأُمُورِ : فَهُوَ مَا صَرَّحَ اللَّهُ بِهِ فِي الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى مَا أَوْقَعَ بِالْيَهُودِ مِنَ الْقَتْلِ وَالتَّشْرِيدِ كَقَوْلِهِ : ( فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ ) الْآيَةَ [ 59 \ 2 ، 3 ] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ ، وَالْآيَةُ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ عَلَى التَّحْقِيقِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا ) . الْآيَةَ

قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : نَزَلَتْ فِي صَدِّ الْمُشْرِكِينَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ عَامَ سِتٍّ .

وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ : فَالْخَرَابُ مَعْنَوِيٌّ ، وَهُوَ خَرَابُ الْمَسَاجِدِ بِمَنْعِ الْعِبَادَةِ فِيهَا . وَهَذَا الْقَوْلُ يُبَيِّنُهُ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) الْآيَةَ [ 48 \ 25 ] .

وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : الْخَرَابُ الْمَذْكُورُ هُوَ الْخَرَابُ الْحِسِّيُّ . وَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِيمَنْ خَرَّبَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ ، وَهُوَ بُخْتَنَصَّرُ أَوْ غَيْرُهُ وَهَذَا الْقَوْلُ يُبَيِّنُهُ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ جَلَّ وَعَلَا : ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ) [ 17 \ 7 ] .
قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ) هَذَا الْوَلَدُ الْمَزْعُومُ عَلَى زَاعِمِهِ لَعَائِنُ اللَّهِ ، قَدْ جَاءَ مُفَصَّلًا فِي آيَاتٍ أُخَرَ كَقَوْلِهِ : ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) [ 9 \ 30 ] ، وَقَوْلِهِ : ( وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ ) الْآيَةَ [ 16 \ 57 ] .
قَوْلُهُ تَعَالَى : ( قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدَيِ الظَّالِمِينَ ) يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنَّ مِنْ [ ص: 44 ] ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ ظَالِمِينَ . وَقَدْ صَرَّحَ تَعَالَى فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ بِأَنَّ مِنْهُمْ ظَالِمًا وَغَيْرَ ظَالِمٍ كَقَوْلِهِ : ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ ) ، وَقَوْلِهِ : ( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) الْآيَةَ [ 43 \ 28 ] .
قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ ) ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ رَفْعُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ لِقَوَاعِدِ الْبَيْتِ ، وَبَيَّنَ فِي سُورَةِ " الْحَجِّ " أَنَّهُ أَرَاهُ مَوْضِعَهُ بِقَوْلِهِ : ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ ) [ 22 \ 26 ] أَيْ : عَيَّنَّا لَهُ مَحِلَّهُ وَعَرَّفْنَاهُ بِهِ . قِيلَ : دَلَّهُ عَلَيْهِ بِمُزْنَةٍ كَانَ ظِلُّهَا قَدْرَ مِسَاحَتِهِ . وَقِيلَ : دَلَّهُ عَلَيْهِ بِرِيحٍ تُسَمَّى الْخُجُوجُ كَنَسَتْ عَنْهُ حَتَّى ظَهَرَ اسْمُهُ الْقَدِيمُ فَبَنَى عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِمَا وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ .
قَوْلُهُ تَعَالَى : ( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ )

لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا مَنْ هَذِهِ الْأُمَّةُ الَّتِي أَجَابَ اللَّهُ بِهَا دُعَاءَ نَبِيِّهِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ ، وَلَمْ يُبَيِّنْ هُنَا أَيْضًا هَذَا الرَّسُولَ الْمَسْؤُولَ بَعَثَهُ فِيهِمْ مَنْ هُوَ ؟ وَلَكِنَّهُ يُبَيِّنُ فِي سُورَةِ الْجُمُعَةِ أَنَّ تِلْكَ الْأُمَّةَ الْعَرَبُ ، وَالرَّسُولَ هُوَ سَيِّدُ الرُّسُلِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ) [ 62 \ 2 ، 3 ] ; لِأَنَّ الْأُمِّيِّينَ الْعَرَبُ بِالْإِجْمَاعِ ، وَالرَّسُولَ الْمَذْكُورَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِجْمَاعًا ، وَلَمْ يُبْعَثْ رَسُولٌ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ إِلَّا نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحْدَهُ .

وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ هُوَ الرَّسُولُ الَّذِي دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ عُمُومَ رِسَالَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ ) الْآيَةَ ، لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا مَا مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ ، وَبَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ : ( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) [ 6 \ 161 ] فَصَرَّحَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِأَنَّهَا دِينُ الْإِسْلَامِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَكَذَا فِي قَوْلِهِ : ( ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ ) الْآيَةَ [ 16 \ 123 ] .
قَوْلُهُ تَعَالَى : ( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ )

أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ دِينُ الْإِسْلَامِ هُنَا بِقَوْلِهِ : ( فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ) [ ص: 45 ] [ 3 \ 19 ] ، وَقَوْلِهِ : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) [ 3 \ 85 ] .
قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ ) لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا هَذَا الَّذِي أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ فِي سُورَةِ " الْأَعْلَى " أَنَّهُ صُحُفٌ ، وَأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا فِي تِلْكَ الصُّحُفِ : ( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) [ 87 \ 16 - 17 ] وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : ( إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ) [ 87 \ 18 ، 19 ] .

وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : ( وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى ) لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا مَا أُوتِيَهُ مُوسَى وَعِيسَى ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ ، فَذَكَرَ أَنَّ مَا أُوتِيَهُ مُوسَى هُوَ التَّوْرَاةُ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا بِالصُّحُفِ فِي قَوْلِهِ : ( صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ) ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ : ( ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ) [ 6 \ 154 ] وَهُوَ التَّوْرَاةُ بِالْإِجْمَاعِ ، وَذَكَرَ أَنَّ مَا أُوتِيَهُ عِيسَى هُوَ الْإِنْجِيلُ كَمَا فِي قَوْلِهِ : ( وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ ) [ 57 \ 27 ] .

قَوْلُهُ تَعَالَى : ( النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ) أَمَرَ اللَّهُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمِين َ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِمَا أُوتِيَهُ جَمِيعُ النَّبِيِّينَ ، وَأَنْ لَا يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ، حَيْثُ قَالَ : ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ) إِلَى قَوْلِهِ : ( وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ) وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَا هَلْ فَعَلُوا ذَلِكَ أَوْ لَا ؟ وَلَمْ يَذْكُرْ جَزَاءَهُمْ إِذَا فَعَلُوهُ ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ كُلَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ، فَصَرَّحَ بِأَنَّهُمُ امْتَثَلُوا الْأَمْرَ بِقَوْلِهِ : ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُون َ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ) [ 2 \ 285 ] وَذَكَرَ جَزَاءَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) [ 4 \ 152 ] .
قَوْلُهُ تَعَالَى : ( قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) [ 1 \ 7 ] .
قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) الْآيَةَ ؛ أَيْ : خِيَارًا عُدُولًا ، وَيَدُلُّ لِأَنَّ الْوَسَطَ الْخِيَارُ الْعُدُولُ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) [ 3 \ 110 ] وَذَلِكَ

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.91 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.93%)]