عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 18-12-2021, 06:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي أساليب المعلم الأول صلى الله عليه وسلم

أساليب المعلم الأول صلى الله عليه وسلم


عائشة بنت عبدالرحمن الطويرش



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
لما خلق الله الخلق لم يتركهم سدى، بل أرسل إليهم رسلًا رحمة بهم، وكانت مهمة الرسل إخراج الناس من الظلمات إلى النور، ظلمات الجهل والكفر، إلى نور العلم والإيمان، وإنذار الكافرين عذاب الله وتبشير المؤمنين ثوابه، وقد كان آخر هؤلاء الرسل وخاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بعثه الله في قريش إلى الناس كافة، قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا[1]، وفي سيرة هذا النبي جوانب كثيرة، جعلها الله قدوة للناس يقتفونها في حياتهم، قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ[2]، ومن جوانب سيرته المشرقة جانب التعليم، وهذا جانب عظيم يتعدى نفعه لمن بعده، فمن بعده إما أن يكون معلمًا ينتفع بالاقتداء به في التعليم، وإما أن يكون متعلمًا تأثر من أسلوبه فانتفع بما عَلَّمه ونشره.

روى مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إِنَّ اللَّهَ لَمْ يبعَثْنِي مُعَنِّتًا، وَلَا مُتعَنِّتًا، وَلَكِنْ بعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا"، ولما طال الزمان بيننا وبين زمن النبوة، وأصبح العلم يؤخذ من الكتاب والسنة وغيرهما، وانتشرت الترجمة للكتب الأعجمية، أصبح الناس يأخذون أساليب التربية والتعليم من عدة مصادر، حتى أخذوها من مصادر غربية مكتوبة بجهد بشري، وربما ظن بعض الناس صحتها لأنهم يعتقدون أنها نتيجة خبرات سنوات طوال، لكن النبي صلى الله عليه وسلم قد مرّ بمختلف الظروف والأحوال، وعامل عدد من الأشخاص، فتجد في سنته كثير مما يواجهه المربي والمعلم، كما أن القرآن والسنة أتيا من عليم خبير بأحوال الخلق أكثر من علمهم بأنفسهم، فأخذهم عن النبي صلى الله عليه وسلم الآخذ عن الله أوكد من أخذهم عن البشر، ونتيجة لذلك غلب على التربية والتعليم الاهتمام بالجانب الدنيوي، والتقصير في الجانب الديني، فاحتجنا لعودة للسنة النبوية حتى نرى ما فيها من أساليب النبي صلى الله عليه وسلم في التربية والتعليم.

وأحب التنبيه على اكتفائي بما ورد في الصحيحين، وبحديث واحد للأسلوب إعراضًا عن الإطالة، و لم استقصِ الأساليب النبوية جميعها، بل ذكرت ما تيسر إيراده، وإلا فالأساليب النبوية كثيرة جدًا لا يكفيها صفحات.

أساليب النبي صلى الله عليه وسلم مع المتعلمين
يرحِّب بالمتعلم:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن وفد عبد القيس لما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من القوم أو من الوفد؟ قالوا: ربيعة، قال: مرحبًا بالقوم أو بالوفد غير خزايا ولا ندامى... الحديث"[3].
إنّ الترحيب بالمتعلم يشعر بالإيناس والراحة، فغالبًا تجد من أتى مكانًا جديدًا وقومًا لم يسبق له معرفتهم يشعر بالرهبة، وربما لم يقبل المكان ومن فيه، فإذا استقبل المعلم الطالب بالترحيب والسؤال عن اسمه فسيشعر بالارتياح ويحب المكان الذي قدم إليه.

ينزل الناس منازلهم:
وقد تقدم في الحديث سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس عنهم، حتى ينزلهم منازلهم، فيحدثهم بما يناسب عقولهم، فقد يحضر عندك من تعرف اسمه ولا تعرف شكله، فاختيارك لحديثك سيكون عبثًا إن لم تعرف من أمامك.

يُقبِل على المتعلم:
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما القتال في سبيل الله؟ فإن أحدنا يقاتل غضبًا ويقاتل حمية، فرفع إليه رأسه، قال: وما رفع إليه رأسه إلا أنه كان قائمًا، فقال: "مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ"[4].
فاستقبال المخاطب بالوجه من السنة والأدب، وهذا فيه تقدير للمخاطب كذلك وإشعار بالإهتمام به، فلو أجبت على شخص وأنت لم تستقبل وجهه لشعر بعدم اهتمامك به أو بحديثه.

يظهر الحب بمس أعضاء المتعلم:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: "كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ"[5].
"وفي الحديث مس المعلم أعضاء المتعلم عند التعليم والموعوظ عند الموعظة وذلك للتأنيس والتنبيه ولا يفعل ذلك غالبًا إلا بمن يميل إليه "[6].
فمسه لأحد أعضاءه يشعر بالحب، وكذلك يشعر بالاهتمام، ويجعل المتعلم يهتم لما سيقال له بعد ذلك.

يظهر الحرص على الأمة:
وهذا يظهر في حديث ابن عمر رضي الله عنهما - السابق -، فتوصيته بهذه الوصية لشدة حرصه عليه وحرصه على أمته عمومًا.

يعلّم برفق:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام أعرابي فبال في المسجد فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوه وهريقوا على بوله سجلًا من ماء أو ذنوبًا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين"[7].
في مكان عظيم، يعتني الناس بتطهيره من كل أذى، يأتي رجلٌ جاهل فيدنسه، لم يتمالك الصحابة أنفسهم، فأسرعوا إليه يزجرونه، فنهاههم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأرشدهم لما هو أفضل، وهو التيسير، وقد ذكر ابن ماجه في سننه: " فقال الأعرابي بعد أن فَقِه: فقام إليّ بأبي وأمي، فلم يؤنب، ولم يسب، فقال: "إن هذا المسجد لا يبال فيه، وإنما بني لذكر الله وللصلاة".

فلم يزجره أو يضربه، ولكنه أرشده وعلّمه لأنه علم أنه جاهل لعظيم فعله، وكذلك لأن في الأعراب غلظة، فلا يؤنسهم إلا الرفق، وهذا فيه دليل على مكاركم الأخلاق التي كان يتصف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فعلى المعلم أن يراعي المتعلم، فقد تكون الشدة سببًا لنفوره من العلم، وتكون خاصةً في حق المتعلمين الصغار الذين هم أشد الناس حجة إلى الرفق، بل إنك تجد علم من العلوم قد أَحببتَه بسبب رفق ذلك المعلم، وحُسن تعليمه، بعكس ذلك العلم الذي بالكاد استطعت تعلّمه بسبب معلم قاسٍ في تعليمه، ساعد المتعلم في خطأه، وقدّر التصرف الصحيح مع الخطأ، فقد تكون بعض الأخطاء تحتاج إلى عتاب وقد لا تحتاج.

يختار الوقت المناسب للتعليم:
عن أبي وائل قال: "كان عبد الله يذكّر الناس في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم، قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم، وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا"[8].
لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من المواعظ، لأنها قد تؤدي إلى السآمة والملل، بل كان ينوع في حديثه إليهم، ويراعي اختيار موضوع يناسب ذلك الوقت، بل إن تنويع الحديث يشوّق المتعلم في كل مرة، فعندما تذكر قصة، ومرة موعظةً، ومرة ترغيبًا وترهيباً، سيتشوق السامع للسماع، ولا ينبغي إلقاء جميع المواعظ والأوامر في وقت واحد، بل موعظة وقصة واحدة في كل مرة تكفي، فهذا أدعى لقبولها وثباتها عند السامع.
وفي الحديث: "استحباب ترك المداومة في الجد في العمل الصالح خشية الملال"[9].

يغتنم الفرص في التعليم:
عن جريررضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى القمر ليلة يعني البدر، فقال:"إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا، ثم قرأ: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ﴾ [ق: 39]"[10].
في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتنم الفرص لتعليم أصحابه، فإن وجدت فرصة للحديث عن أمر ما فلا تدع الفرصة تفوتك فهنا الأسماع منصتة، كأن تتحدث عن عظيم ثواب الصبر عند انقطاع الكهرباء، أو عن الإيثار عندما يحتاج أحدهم قلمًا أو ورقةً، أو عن التسامح عندما يختصم أحدهم مع زميله.

يناديهم بأسمائهم:
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: بينما أنا رديف النبي صلى الله عليه وسلم ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل، فقال: "يا معاذ"، قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، ثم سار ساعة، ثم قال: "يا معاذ"، قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، ثم سار ساعة، ثم قال: "يا معاذ بن جبل"، قلت: لبيك رسول الله وسعديك، قال: "هل تدري ما حق الله على عباده؟"، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "حق الله على عباده: أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئًا"، ثم سار ساعة، ثم قال: "يا معاذ بن جبل"، قلت: لبيك رسول الله وسعديك، قال: "هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه؟"، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "حق العباد على الله أن لا يعذبهم"[11].
من هذا الحديث يتبين لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى معاذًا رضي الله عنه ثلاثًا قبل إخباره عن حق الله على العباد، وناداه مرة أخرى قبل أن يخبره عن حق العباد على الله؛ وهذا فيه تأكيد للاهتمام بما يخبره، وحتى يكمل انتباه معاذ رضي الله عنه لما سيسمعه، وهذا من أساليب التشويق لما سيسمع المنادَى، وفيه أيضًا عناية بالمنادَى، فحفظ المعلم لأسماء الطلبة يشعرهم باهتمامه بهم، فليحرص المعلم على حفظ المتيسر من الأسماء في أول لقاء، وتسمية الطالب باسمه عند محادثته كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أُبيّ عندما قال له: "وَاللَّه ليَهْنكَ الْعلْمُ أَبَا الْمُنْذر".

يسأل المتعلم لاختباره:
عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: "قال رسول الله: يَا أَبَا الْمُنْذر أَتَدْري أَيُّ آيَةٍ منْ كتَاب اللَّه مَعَكَ أَعْظَمُ؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: يَا أَبَا الْمُنْذر أَتَدْري أَيُّ آيَةٍ منْ كتَاب اللَّه مَعَكَ أَعْظَمُ؟ قال: قلت: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [البقرة: 255]، قال: فضرب في صدري وقال: وَاللَّه ليَهْنكَ الْعلْمُ أَبَا الْمُنْذر"[12].
إن سؤال المعلم للمتعلم لا يعني جهله، بل يكون لاختباره، وفي سؤاله بيان ما يتميز به المتعلم من العلم والفقه، وفيه تقدير له، إذ أنه عندما يجيب يتضح لمن حضر علمه، والسؤال الاختباري قد يكون فاتحة لموضوع ما، فيكون سبب من أسباب شدّ انتباه المتعلمين، وكذلك المسؤول، وادعى لحفظ تلك المعلومة، وينبغي للمعلم اختيار سؤال له فائدة يخرج منه، فعندما يخرج الطالب الإجابة يعرف الفائدة المستفادة من هذا السؤال، ولا ينبغي اختيار الأسئلة التعجيزية التي قد يكون فيها نوع من التحدي؛ لأن الهدف التعليم.

يثني على المتعلم:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنت بحمص، فقال لي بعض القوم: اقرأ علينا، فقرأت عليهم سورة يوسف، قال: فقال رجل من القوم: والله ما هكذا أنزلت، قال: قلت: ويحك والله، لقد قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: "أحسنت"[13].
لقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أُبي بن كعب رضي الله عنه عندما أجابه بأعظم آية في كتاب الله -كما في الحديث السابق-، فهذا فيه دليل على جواز مدح المتعلم في وجهه إذا كان فيه مصلحة، ولم يخف عليه إعجابًا أوغرورًا لكمال إيمانه ورسوخه في التقوى، أما إن خشي منه ذلك فلا ينبغي مدحه في وجهه، وفي هذا الحديث أثنى على قراءة ابن مسعود رضي الله عنه بقوله: "أحسنت"، فلا يظن المعلم أن الثناء على المتعلم بما هو حقًا فيه فيه منقصة للمعلم، وأنه قد يضعف شخصيته ويقلل مهابته، بل هو دفعة للمتعلم لتحصيل المزيد، وتنشيط لزملائه على الاقتداء به.

يعلّم في كل مكان:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "بينما أنا والنبي صلى الله عليه وسلم خارجان من المسجد، فلقينا رجل عند سدة المسجد، فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أعددت لها؟"، فكأن الرجل استكان، ثم قال: يا رسول الله ما أعددت لها كبير صيام ولا صلاة ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله، قال: "أنت مع من أحببت"[14].
استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم السائل وهو خارج من المسجد، فلم ينكر عليه سؤاله في ذلك المكان، فالتربية والتعليم ليست خاصةً في مكان معين، فعلى المعلم ألا يجعل الصف أو الحلقة فقط مكانًا للتعليم، بل يعلّم في كل مكان في المسجد والبيت والسوق وعند اجتماع العائلة.

يسكت عن السؤال:
كذلك في حديث أنس رضي الله عنه - السابق- لم يجب رسول الله صلى الله عليه وسلم على سؤال الرجل، بل سكت عن جوابه، وصرفه إلى ما ينفعه أكثر من سؤاله، فهذا يدل على جواز السكوت عن السؤال إذا كان جوابه لا يُعرف، أو لا يترتب عليه حاجة، وقد يسكت المعلم عن الجواب إن لم يعرف، وسكوته ليس عيبًا، كذلك قوله: لا أدري، فمحاولة الإجابة على سؤال لا يعلمه قد يؤثر على تلقي الطلاب عنه، ويستطيع المعلم معالجة الموقف بجعل هذا السؤال موضوع بحث للقاء قادم.

يراعي الفروق الفردية:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتي بلبن قد شيب بماء، وعن يمينه أعرابي، وعن شماله أبو بكررضي الله عنه، فشرب، ثم أعطى الأعرابي، وقال: "الأيمن فالأيمن"[15].
وعن سهل بن سعد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام، وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء، فقال الغلام: والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحدًا، قال: فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده "[16]

في هذين الحديثين يتبين لنا مراعاة رسول الله صلى الله عليه وسلم للفروق الفردية بين الصحابة، فنجده استأذن الغلام، ولم يستأذن الأعرابي، وقد ذكر في علة هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم "إنما استأذن الغلام ولم يستأذن الأعرابي في الحديث الآخر، وبدأ به قبل أبي بكر رضي الله عنه لما علم النبي صلى الله عليه وسلم من حال الغلام وأن ذلك الاستئذان لا يخجله ولا ينفره لرياضته، وحسن خلقه، ولينه بخلاف الأعرابي، فإن الجفاء والنفرة غالبة على الأعراب، فخاف عليه أن يصدر منه سوء أدب، والله تعالى أعلم"[17].
فينبغي للمعلم أن يراعي الفروق الفردية بين الطلاب، فمنهم من يناسبه ذكر المتشابه، ومنهم من ينشط بالتحفيز، ومنهم من يُبسَّط له العلم، وغير ذلك من الفروق.

يتجنب الكلام الفاحش:
عن أنس رضي الله عنه، قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا لعانًا ولا سبابًا، كان يقول عند المعتبة: "ما له ترب جبينه"[18].
إن الكلام البذيئ والفحش ليس من خلق المسلم، فكيف به في المعلم الذي هو قدوة للطلاب، فصدور مثل هذا النوع من الكلام من المعلم يقدح في المعلم وفي العلم الذي يحمله، وما كان قط أسلوبًا من أساليب التعليم الفحش والسباب واللعان، فإذا أخطأ الطالب يعاتب على خطئه من غير تجريح فيه ولا سخرية منه أمام زملائه، فهذا منفر كبير من التعلم، فالأسلوب الحسن والدعاء للطالب المخطئ سبب من أسباب رجوعه عن خطئه، وهناك أدعية تناسب العتاب كقوله صلى الله عليه وسلم: "ما له ترب جبينه"، وقول: أصلحك الله، وهداك الله، وغيرها.

تعامله مع المخطئ:
إذا كان المخطئ جاهلًا:
عن معاوية بن الحكم السُّلمي رضي الله عنه قال: "بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أُمّيَاه! ما شأنكم تنظرون إليَّ؟! فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلَمَّا رأيتهم يصمتونني، لكني سكت، فلما صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلّمًا قبله ولا بعده أحسنَ تعليمًا منه، فوالله، ما كَهرني ولا ضربني ولا شتمني، قال: "إنَّ هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام النَّاس، إنَّما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن"[19].

إذا كان المخطئ مجتهدًا:
عن أبي بكرة رضي الله عنه أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "زادك الله حرصًا ولا تعد"[20].

يطابق قوله فعله:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه - في قصة صلح الحديبية- قال: فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا فانحروا، ثم احلقوا، قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتحب ذلك اخرج، ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًا..."[21].
إن كلّ معلم قدوة للطلاب في مظهره، وفي أفعاله وأقواله، وفي أخلاقه؛ فهم ييأخذون منه الأدب والأخلاق والعلم، فتجد الطالب إذا سألته عن عمل صالحٍ عمله، يقول لك: معلمي علّمنا هذا، فالطلّاب ربما اقتدوا بمعلميهم أكثر من والديهم، فترى الطالب يرى من المعلم شيئًا فيقتدي به بحجة أن المعلم فعله، بغض النظر عن كونه جيدًا أو سيئًا، وكثيرًا ما نسمع من طالبات المرحلة المتوسطة والثانوية احتجاجهم بعدم ارتداء الحجاب الساتر: "المعلمة فلانة لا ترتديها"، فعلى المعلم مسؤولية كبيرة وأمانة عظيمة في مطابقة قوله لفعله، ومراقبة تصرفاته أمام الطلاب.
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.07 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.98%)]