الموضوع: صفات الدعاة
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 24-11-2021, 06:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: صفات الدعاة



6- مطابقة القول للعمل:
نجاح الداعي في دعوته مرتبط بموافقة قوله عمله، وعمله قوله؛ فالإسلام علم وعمل، والداعي إلى الله لا ينبغي له أن يكون فعله مُكَذِّبًا لقوله؛ بل ما يعظ به يحرص على تحقيقه في نفسه وفي بيته، فالقدوة العملية تصيب من قلوب الناس أكثر مما تصيب الكلمة مهما كان تأثيرها.

وأكبر مثال عملي على تأثير العمل والتطبيق على قبول الناس للقول ما حدث بعد صلح الحديبية حين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بالحلق والنحر.

فعن المسور بن مخرمة رضي الله عنه، قال: فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((قوموا فانحروا، ثم احلقوا))، قال: فوالله، ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أُمِّ سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أُمُّ سلمة: يا نبي الله، أتحبُّ ذلك؟ اخرج ثم لا تكلِّم أحدًا منهم كلمةً حتى تنحر بدنك، وتدعوَ حالقَك فيحلقك، فخرج فلم يكلِّم أحدًا منهم حتى فعل ذلك؛ نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًّا"؛ رواه البخاري.

7- الاستقامة:
الاستقامة في الإسلام منهج متكامل جمع بين العقيدة والشريعة والدين والدنيا، إنها تعني المسيرة الحازمة المقيمة على نهج واضح ويقين ثابت، وهي من ألزم صفات الداعي.

إن الاستقامة تعني الإيمان الكامل بالله وحده والإذعان التام لمشيئته، والاحتكام في كل صغيرة وكبيرة إلى دينه، والتطبيق لشريعته والعيش وَفْق ما يأمر به وينهى عنه؛ ولهذا قال عز وجل في سورة الأحقاف: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأحقاف: 13، 14].

وقد حثَّ الرسول صلى الله عليه وسلم على الاستقامة، فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن سفيان بن عبدالله الثقفي قال: قلت يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك، قال: ((قُلْ: آمَنْت بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ)).

قال العلماء: الاستقامة هي لزوم طاعة الله عز وجل، وهي نظام الأمور، لا تنتظم الأمور إلا بالاستقامة، والاستقامة كما عرفها بعض السلف: هي لزوم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالاستقامة إذًا هي الدين كله، ((قُلْ: آمَنْت بِاَللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ)).

إن الاستقامة تشمل العقيدة، والعبادات، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، والسلوك، وكل شيء في حياتنا، بحيث نكون فيه بين الإفراط والتفريط، وبين التقصير والغلوِّ.

8- التواضع:
على الداعي أن يكون متواضعًا من غير مذلَّةٍ، أبِيًّا من غير تكبُّر، فالتواضع للناس من أعظم الوسائل التي ينشر بها دعوته بينهم، يجعل الداعية محبوبًا من مجتمعه؛ فيستمع إليه الناس ويتأثرون به، ويقتدون بفعله.

والتواضع هو خفض الجناح والتودُّد للمؤمنين؛ قال تعالى: ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 215]، والتواضُع يجب أن يكون مع الناس جميعًا؛ الأبيض والأسود، الغني والفقير، القوي والضعيف، لا فرق في ذلك بين أحد من الناس؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((ما نقصتْ صدقةٌ من مالٍ، وما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلَّا عزًّا، وما تواضَعَ أحدٌ للهِ إلَّا رفعه اللهُ))؛ رواه مسلم.

ومن التواضُع عدم الافتخار بالآباء والأجداد، وعدم البغي والاعتداء؛ ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ اللهَ أوحى إليَّ أن تواضَعوا حتى لا يبغيَ أحدٌ على أحدٍ، ولا يفخرَ أحدٌ على أحدٍ)؛ رواه أبو داود.

9- الشجاعة والثبات على الحق:
من صفات الداعية الشجاعة والثبات على الحق وعدم الخوف إلا من الله عز وجل، فلا يخاف في الله لومة لائم، وهذا بدوره يؤدي إلى نشر دعوته بين الناس؛ لأن المجتمع إذا رأى داعيته شجاعًا جريئًا ثابتًا على الحق، فإنهم يلتفتون حوله، ويُؤيِّدون دعوته، وبذلك يستطيع بشجاعته وثباته على الحق أن ينشر دعوته بين الناس.

عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: "بايعْنا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على السَّمْعِ والطاعةِ، في العُسْرِ واليُسْرِ، والمَنشطِ والمَكرهِ، وعلى أَثَرةٍ علينا، وعلى ألَّا ننازعَ الأمرَ أهلَه، وعلى أن نقولَ بالحقِّ أينما كنَّا، لا نخافُ في اللهِ لومةَ لائمٍ"؛ رواه مسلم.

وجاء في الترغيب والترهيب عن أبي سعيد الخُدْري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحقِرنَّ أحدُكم نفسَه))، قالوا: يا رسولَ اللهِ، وكيف يحقرُ أحدُنا نفسَه؟ قال: ((يرَى أنَّ عليه مقالًا، ثمَّ لا يقولُ فيه، فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ يومَ القيامةِ: ما منعك أن تقولَ كذا وكذا، فيقولُ: خشيةَ النَّاسِ، فيقولُ: فإيَّاي كنتَ أحقَّ أن تَخشَى))؛ والحديث ضعَّفَه الألباني في السلسلة الضعيفة.

وجاء في الصحيح عن أبي ذرٍّ الغفاري رضي الله عنه قال: ((أوصاني خليلي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بخِصالٍ من الخيرِ، أوصاني ألَّا أخافَ في اللهِ لومةَ لائمٍ، وأوصاني أن أقولَ الحقَّ وإن كان مُرًّا)).

فعلى الداعي ألَّا يُداهن ولا يمالئ أصحاب البدع، ولا يظهر الموافقة على ضلال؛ لأنه قدوة للناس في كل ما يقول ويفعل.

10- الإخلاص:
الإخلاص أساسٌ لنجاح الداعية، فالعمل بلا إخلاص؛ كالجسم الذي لا رُوح فيه، أما ما كان من القلب، فإنه ينفذ إلى القلوب؛ ولذلك قال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [البينة: 5]، وقال عز وجل: ﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ﴾ [الزمر: 3].

وحقيقة الإخلاص أن يعمل الإنسان العمل لا يريد به إلا وجه الله عز وجل، فلا ينتظر من أحد جزاءً أو شكورًا على هذا العمل، فإن الداعي يكون مقبول النصيحة إذا كان خاليًا من الأغراض الدنيوية، أما إذا كان عمله لشيء من هذه الأغراض، فلا أثر لقوله في قلوب الناس؛ بل عليه أن يعمل لوجه الله تعالى، وطلبًا لمرضاته وحسن مثوبته، ولا يرى لنفسه مِنَّة على من يرشدهم.

ومن قام بالدعوة إلى الله تعالى لشهوة من الشهوات النفسية، فذلك حظه من عمله، وكان عند الله مذمومًا؛ قال تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ﴾ [الشورى: 20].

والإخلاص في الدعوة وللدعوة من أقوى الأسباب لالتفاف الناس حول الداعية، من يؤمن بفكرة ويحاول إيصالها للناس بكل جوارحه، تشعُر أن حديثه من القلب، فيصل كلامه لقلوب الناس.

11- الصبر:
الداعي إلى الله يحتاج إلى الصبر؛ لأنه الزاد والمؤونة على تحمُّل المشاقِّ في سبيل الدعوة، والصبر هو الطريق الذي رسمه الله سبحانه وتعالى للدُّعاة إليه على تحمُّل الصعاب والعقبات التي تقف أمام دعوتهم؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153]، وخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ [الأحقاف: 35]. فلا بد للداعية من أن يضع هذه الحقيقة نصب عينيه حتى يكون مستعدًّا لكل ما يطرأ عليه أثناء تبليغ دعوته إلى الناس، وأنبياء الله عليهم السلام لاقوا من أقوامهم اضطهادًا كثيرًا، ومع ذلك صبروا على هذا الأذى والاضطهاد؛ فسيدنا نوح عليه السلام تحمَّل أذى قومه وسخريتهم منه وهو يصنع السفينة، واستهزاءهم به، ووصفهم له بالجنون؛ قال تعالى في سورة القمر: ﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ﴾ [القمر: 9، 10]، فيستجيب له عز وجل ﴿ وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴾ [الصافات: 75، 76].

وسيدنا إبراهيم عليه السلام ألقي في النار بسبب دعوته، فخاطب اللهُ عز وجل النارَ قائلًا: ﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الأنبياء: 69].

وسيدنا موسى عليه السلام أوذي إيذاءً شديدًا في سبيل الدعوة إلى الله تعالى، وقال في حقِّه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا ﴾ [الأحزاب: 69]، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إمام الدعاة تحمَّلَ من الأذى في سبيل دعوته ما لا يتحمَّله أحد، ومع ذلك أوصاه الله بالصبر؛ فقال: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ [الأحقاف: 35].

وفي وصية لقمان لابنه درسٌ للدُّعاة على مرِّ العصور والأزمان أن يتجملوا بالصبر لما يصيبهم؛ قال تعالى: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17]؛ فإقامة الصلاة إعدادٌ للنفس وتعويدٌ لها على طاعة الله تعالى، والإنسان عندما يدعو الناس إلى الخير يتصدَّى له أهل الشر، ويناله منهم الأذى والاضطهاد؛ ولذلك أمره أن يتحمَّل ويتجمَّل بالصبر في سبيل دعوته إلى الخير ونهيه عن الشرِّ، وهكذا نجد أن الصبر على الأذى سلاحٌ قويٌّ يستعين به الدُّعاة إلى الله تعالى، فيصلون إلى ما يريدون، وقد وعدهم الله على صبرهم أجرًا عظيمًا؛ فقال عز من قائل: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].

12- العناية بمظهره:
إن عناية الداعية بمظهره الخارجي ولباسه ونظافته أمرٌ مهمٌّ؛ حيث إنها تقوم بدورٍ مهمٍّ في جذب الناس نحوه والتفافهم حوله وتأثيره فيهم، والإسلام أمرنا بهذا حيث قال: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف: 31]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222]، والإسلام أباح للمسلم أن يظهر في ملبسه وهندامه أمام المجتمع بمظهر لائق كريم، والداعي إلى الله تعالى أولى بذلك؛ لأنه قدوة لمجتمعه، ومن عناية الإسلام بالمظهر أمر المسلم بالنظافة؛ لأنها الأساس لكل زينة حسنة، مظهر الداعية مهم؛ ليعرف الناس أن التدين والالتزام لا يُنافي اهتمام الإنسان بمظهره، النبي صلى الله عليه وسلم لما حدَّث الصحابة عن الكبر، قالوا: يا رسول الله، إن الرجل يحب أن يكون نعله حسنًا، وثوبه حسنًا؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ))؛ رواه مسلم؛ أي: يحب التجمُّل، ولم ينكر عليهم أن يحبوا أن تكون ثيابهم حسنة، ونعالهم حسنة؛ بل قال: ((إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ))؛ أي: يحب التجمُّل.

أما معنى حديث: ((إن البذاذة من الإيمان))، كما يقول الشيخ ابن عثيمين: "أن يكون الإنسان غير متكلِّف بأشياء، وإذا كان لا يتكلَّف الأشياء؛ بل تأتي بأصولها إنه يحمل هذا النص على النصِّ الذي أشرتُ إليه آنفًا، وهو أن التجمُّل من الأشياء المحبوبة إلى الله عز وجل؛ لكن بشرط ألَّا يكون ذلك إسرافًا، أو لا يكون ذلك نزولًا إلى المستوى الذي لا ينبغي أن يكون عليه الرجل".

والسؤال الذي يطرح نفسه بناء على الصفات السابقة؛ ما هي الأسباب التي تجعل بعض الدُّعاة المشهورين مؤثرين في فئة معينة من الناس- وهم المتديِّنون- ولا يصلون بسهولة لغيرهم من الشباب؟ وفي المقابل لماذا نجد غيرهم يصل للشباب بسهولة، ويؤثر فيهم تأثيرًا كبيرًا، رغم أن البعض منهم ليس لديه العلم الكافي أو المنهج الصحيح؟

قد تكون الأسباب عدم مقدرة بعض الدعاء على أن يكونوا قريبين من تفكير الشاب؛ فالشباب يحبُّون من يكون قريبًا منهم في التفكير وحتى في الملابس، من يتكلم اللغة السهلة البسيطة؟ من يختار مواضيع تمسُّ مشاكل وحياة الشباب؟ يحبون من يخاطب عقولهم فيقنعهم، ويُحرِّك عواطفهم، ويؤثر فيهم الحماسة في العرض.

وإن كان التوازن بين الترغيب والترهيب في الدعوة مطلوبًا؛ لكن الإكثار من اتِّباع أسلوب الترهيب والتخويف من العذاب المترتِّب على المعاصي، وكثرة الحديث عن عذاب القبر وأهوال يوم القيامة، وعذاب النار عند البعض قد يجعل بعض الشباب يبعد عن الاستماع للداعية، فهم يحتاجون إلى من يبثُّ الأمل في نفوسهم، يخبرهم أن السعادة التي ينشدونها ولا يجدونها في حياتهم موجودة في طاعة الله، يحدثهم عن الجنة ونعيمها، وعن عفو الله وحلمه، عن قبوله لتوبة التائب، وكرمه ولطفه بعباده.

كما أن الابتسامة والاحتواء عند وقوع الزلل من أهم الأسباب لقبول كلام الداعية ونصحه؛ فكل إنسان في هذه الدنيا- مهما قوي إيمانه- معرَّضٌ لفترات ضعف قد يتمكَّن الشيطان فيها منه، البعض يستطيع أن يثبت أمام هجمات الشيطان ووسوسته ويستعيذ بالله منه، والبعض- للأسف- يقع فريسةً سهلةً ويستسلم بسهولة دون مقاومة، ثم بعد أن يسقط تأتي هجمات الانتقادات الشرسة من كل من حوله بكلمات قاسية، فنكون عونًا للشيطان عليه في وقت هو أحوج فيه إلى أن نشدَّ أزره؛ ليقاوم هجمات الشيطان؛ فنذكره بالله وبحلاوة الإيمان التي عاشها، نعرف أسباب ضعفه التي جعلته يرجع القهقرى، ونوجد الحل لها، نأخذ بيديه ونخبره أن الوقت ما زال أمامه ليتراجع عن خطئه، ويعود إلى الصراط المستقيم.

من منَّا بلا معاصٍ؟! هناك من يضعف أمام معصية معينة أو كبيرة، يشعُر بالذنب والألم كلما عملها، ويتمنَّى التوبة ولكنه ضعيف أمامها، ومع ذلك فهو يحبُّ الله ورسوله، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّ رجلًا كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبدالله، وكان يُلَقَّب حمارًا، وكان يُضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأُتِي به يومًا، فأمر به فجُلِد، فقال رجل منَ القوم: اللهم الْعَنْه، ما أكثر ما يؤتَى به! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تلعنوه، فواللهِ ما علمتُ أنه يحب الله ورسوله))؛ رواه البخاري.
أرأيتم كيف أقام رسول صلى الله عليه وسلم عليه الحدَّ، ثم يدافع عنه، ويقول إنه يحب الله ورسوله؟!


ومن أهم أسباب قبول الدعوة: حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يسِّروا ولا تُعسِّروا، وبَشِّروا ولا تُنفِّروا))؛ متفق عليه. فالناس سَتُقبل على من يُيسِّر لهم الحكم- بشرط أن يكون حُكمًا فقهيًّا صحيحًا له دليله المعتبر- فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه، قالت: "ما خُيِّرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بين أمريْن قطُّ إلا أخذَ أيْسرَهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعدَ الناسِ منه"؛ رواه البخاري.

إذًا نجد أن الدعاة الشباب هذه الأيام لهم تأثير أكبر في هذا الجيل؛ لأن همومهم مشتركة، ويستطيعون وضع أيديهم على ما يهمُّ الشباب من مواضيع ومشاكل معاصرة، ويخاطبون الشباب بلغتهم التي يفهمونها، وأسلوبهم وطريقة حديثهم يدخل القلب مباشرة لبساطته وسلاسة ألفاظه، ثم الحماس الذي يتمتَّع به الداعية الشابُّ ينتقل لمن يشاهده أو يسمعه، وتقديم حلول وخطوات عملية قابلة للتنفيذ على أرض الواقع.


وباختصار يستطيعون إيصال المعلومة بطريقة شرعية مع الدليل، وبأبسط السُّبُل والإمكانات، وطبعًا وسائل التواصل ساعدت في ذلك كثيرًا.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.68 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.14%)]