الموضوع: فقه الدعوة
عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 17-10-2023, 11:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فقه الدعوة

فـقه الدعوة (19)


د.وليد خالد الربيع




البشارة قبل الإنذار


تحدثنا فيما سبق عن بعض القواعد الفقهية المتعلقة بفقه الدعوة إلى الله وأشرنا إلى أن الدعاة إلى الله في حاجة ماسة لفهم هذه القواعد حتى يتمكنوا من أداء مهمتهم على أكمل وجه
القاعدة الثامنة: البشارة قبل الإنذار
من وظائف الرسل وأتباعهم البشارة والإنذار، قال عز وجل: {وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين}، وقال تعالى: {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}، وقال تعالى عن خاتم النبيين وسيد المرسلين: {إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا}، وقال تعالى: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا}.
والقرآن كذلك بشير ونذير كما قال تعالى: {كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون}.
فالبشارة: كل خبر صادق تتغير به بشرة الوجه، فمعنى يبشرك: أي يسرك ويفرحك، بشرت الرجل: إذا أفرحته، وذلك أن بشرة الإنسان تنبسط عند السرور ومنه قولهم: إن فلانا يلقاني ببشر أي بوجه منبسط .
والبشارة تستعمل في الخير مطلقا وفي الشر مقيدة كقوله تعالى: {فبشرهم بعذاب أليم}، واستعمالها في الخير أغلب .
وجاءت البشارة في القرآن في مواضع كثيرة لأصناف عديدة منها:
بشارة أرباب الإنابة بالهداية في قوله: {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله}.
بشارة المخبتين بالحفظ والرعاية {وبشر المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم}.
بشارة المستقيمين بثبات الولاية: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة}.
بشارة المتقين بالفوز والحماية: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة}.
بشارة المؤمنين بالعطاء الوفير والجزاء الكريم: {وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم}.
بشارة الخائفين بالمغفرة والوقاية: {إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم}.
بشارة المجاهدين بالرضا والعناية: {الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم}.
بشارة الطائعين بالجنة والسعادة: {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار}.
بشارة الصابرين بالصلوات والرحمة في قوله {وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون . أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}.
بشارة العاصين بالرحمة في قوله {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم} .(بصائر ذوي التمييز 2/200)
والإنذار: هو الإعلام بما يحذر، والإخبار الذي فيه تخويف والتهديد، وقد أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم: والمؤمنين بالإنذار فقال تعالى: {وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب} وقال: {وأنذر عشيرتك الأقربين}، وقال: {يأيها المدثر قم فأنذر} وقال عن المؤمنين:{ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}.
فالإنذار فيه اتباع لرسول الله [، ودليل على شفقة المنذر وخوفه على من ينذره، كما أنه إبراء للذمة، وإقامة الحجة على الكافرين والمنافقين والعاصين وقطع أعذارهم .
فظاهر مما تقدم أن البشارة والإنذار من وسائل الدعوة وأساليبها، إلا أن بعض الدعاة قد يغفل عن جانب مهم في هذه الأساليب، وهو تقديم البشارة على الإنذار وتغليب جانب الترغيب على جانب الترهيب، واستعمال كل منهما في موضعه الصحيح دون إفراط ولا تفريط، فهذا من الفقه الدعوي الدقيق، والفهم العملي العميق، وهذا ما أشار إليه رسول الله [ عندما قال لأبي موسى ومعاذ لما بعثهما إلى اليمن: «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا «متفق عليه، قال النووي: «في هذا الحديث الأمر بالتبشير بفضل الله وعظيم ثوابه، وجزيل عطائه وسعة رحمته، والنهي عن التنفير بذكر التخويف، وأنواع الوعيد محضة من غير ضمها إلى التبشير، وفيه تأليف من قرب إسلامه، وترك التشديد عليهم، وكذلك من قارب البلوغ من الصبيان، ومن بلغ ومن تاب من المعاصي، كلهم يتلطف بهم، ويدرجون في أنواع الطاعة قليلا قليلا، وقد كانت أمور الإسلام في التكليف على التدريج، فمتى يسّر على الداخل في الطاعة أو المريد للدخول فيها سهلت عليه، وكانت عاقبته غالبا التزايد، ومتى عسّرت عليه أوشك ألا لا يدخل فيها، وإن دخل أوشك ألا يدوم أو لا يستحليها»أهـ.
وقال ابن حجر العسقلاني في شرح الحديث:«الإنذار لا ينفى مطلقا بخلاف التنفير، فكأنه قيل: إن أنذرتم فليكن بغير تنفير كقوله تعالى: {فقولا له قولا لينا} اهـ
يقول الشيخ عبد الرحمن حبنكة: «على حامل رسالة الداعي إلى الله أن يقدم في أكثر أحواله البشارة على الإنذار، وأن يضرب على أوتار الطمع بثواب الله الجزيل قبل أن يضرب على أوتار الخوف من عذاب الله في نفوسهم، حتى إذا يئس من استجابة المدعوين، وظهر له من عنادهم وكفرهم ركز على توجيه الإنذارات والتحذيرات لهم من عذاب الله ونقمته في العاجلة والآجلة، على مقدار ما يرى من عنادهم وإصرارهم على الكفر .
ومهما وجد لديهم ولو قليلا من لين الجانب نحو قبول الحق، فتح لهم أبواب الطمع بغفران الله وعفوه، وقدم لهم البشريات المرتبطة بإيمانهم واتباعهم الحق .
من استقراء معاني النصوص القرآنية التي جاء فيها استعمال مادتي التبشير والإنذار تبين لي - والكلام للشيخ حبنكة - ما يلي:
الأول: جاء في القرآن المجيد (ثلاثة عشر نصا) قدم فيها التبشير على الإنذار، مثل: «بشيرا ونذيرا، مبشرا ونذيرا، مبشرين ومنذرين».
الثاني: جاء في نصين فقط تقديم الإنذار على البشارة؛ إذ روعي فيهما حال أكثر المخاطبين الذين يغلب فيهم الكفرة .
الثالث: جاء في (31 نصا ) ذكر الإنذار دون البشارة، لأن المتحدث عنهم كفرة ماتوا على الكفر، أو عاندوا وأصروا على الكفر وصار إيمانهم ميئوسا منه؛ فلا يلائمهم من الرسالة إلا النذارة.
من هذا الاستقراء مع سبر المعاني يتبين لنا أن من الحكمة في الدعوة إلى الله والنصح والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر العمل بهذه القاعدة» اهـ (فقه الدعوة إلى الله 1/396)


اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.20 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.01%)]