عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 27-11-2022, 11:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,301
الدولة : Egypt
افتراضي مع اللغويين في المراد من كلمتي الحمام واليمام

مع اللغويين في المراد من كلمتي الحمام واليمام
د. خليل محمد أيوب



الملخَّص:

شَغَلَ المرادُ من كلمتي الحمام واليمام اللُّغوييِّن القدامى، فتعدّدت آراؤهم في المسألة، وتشعّبت مسالكُهم، حتّى يُخيَّل لمن يطالعها في كتب اللُّغة والمعاجم أنّه بإزاء اختلافٍ دلاليّ لا تلاقيَ فيه، فدفعني ذلك إلى تتبُّع أقوال اللُّغوييّن بُغْيَةَ تحريرِها ومناقشتِها وتقويمها، فكانت هذه الدِّراسةُ الَّتي ابتدأتها بمقدِّمةٍ حَوَتْ جملةً منَ الأسئلة، عملتُ على الإجابةِ عنها، ثم تكلَّمْتُ على منهج اللُّغوييّن في تناول المسألةِ، وقَفَّيْتُ على ذلك بعرْضِ أقوالهم عرضًا شاملًا مفصَّلًا، فحاورْتُ هذه الأقوالَ، وقوَّمتُها، وصحَّحْتُ بعضَها، وخطَّأتُ أخرى، ثمَّ أنهيْتُ الدّراسةَ بخاتمةٍ أودعْتُها أهمَّ ما انتهيْتُ إليه من نتائجَ.
أوّلًا: المقدّمة:
الحمامُ واليمام اسما جنسٍ، الواحدُ منهما حمامةٌ ويمامةٌ، وقد اختلف أهل العلم في تعيين المراد من هذين اللَّفظين، وتمييز كلِّ واحدٍ منهما عن الآخر، فمن قائل بأنَّ الحمامَ الطَّائرُ ذو الطَّوْقِ، ومن قائلٍ: إنَّه الَّذي يألف البيوت، وثالثٌ يقول: إنَّه الطَّير البريُّ، والَّذي يألفُ البيوتَ هو اليمامُ، ورابعٌ يقول: إنَّه الحَصَرُ، وخامسٌ يقول: إنَّه كلُّ ما عبَّ وهَدَرَ، وسادسٌ يرى أنَّ الدَّواجنَ هي الحمامُ أو مِنَ الحمامِ.
فما المرادُ من هذين اللَّفظين، وما الفرقُ بينهما، وكيف عرضتِ المعاجمُ وكتبُ اللُّغةِ أقوالَ العلماء فيهما، وأين تلتقي هذه الأقوالُ، وأين تفترقُ؟ ذلك ما سأبين عنه من خلال التَّدقيق في هذه الأقوال وتحقيقِها ومقاطعةِ بعضها ببعضٍ؛ للاهتداء إلى وجه الصَّواب في المسألة أو ما هو قريبٌ من الصَّواب. لكنِّي أوطِّئ بين يَدَي هذا الدَّرْس بعَرْضٍ موجزٍ لمناهج اللُغويين في تحرير دِلالة لفظي الحمامِ واليمامِ:

ثانيًا: منهجُ اللُّغويِّين في تناول لفظي الحمامِ واليمامِ:
إنَّ النَّاظر في تناول كتب اللّغويين للفظي الحمام واليمام، والمرادِ منهما، يلحظ أنَّها سلكت طرقًا متنوِّعةً، فبعضُها لم يتعرَّض للخلاف، وبعضُها أخذ برأي دون رأي، ثم عرض للخلاف بإجمال، وبعضُها فصَّل في الخلاف من دون ترجيح وجه على وجه، وبعضُها تناول الموضوع لغرض فقهيٍّ لا لغويٍّ، وذلك لتنزيل الحكم الشَّرعيِّ على الواقع، وهذه هي مسالك تناول اللُّغويين للفظي الحمام واليمام:
1- تعريفُ أحد اللَّفظين بأوجز لفظٍ من غير تحديدٍ، ولا ذكرٍ للخلاف كما فعل ابنُ دريدٍ، حين أعرَضَ عن تعريف لفظ الحمام، واكتفى بتعريف اليمام، واقتصر عليه بالقول: ((واليمامُ: ضربٌ من الطَّيرِ، الْوَاحِدَةُ يمامةٌ.))[2] أو تعريفُ لفظِ الحمام في غير مادة (حمم)، كما فعل ابن فارس حين عرَّف الحمام في مادة (سفع)، فقال: ((وَالسَّفْعاءُ: الحَمامَةُ، وَسُفْعَتُها فِي عُنُقِها، دُوَيْنَ الرَّأْسِ وَفُوَيْقَ الطَّوْقِ.))[3]واكتفى بتعريف لفظ اليمام بأنَّه طائر، وعرض رأيًا من الآراء حول صفة اليمام، ثُمَّ بادر، فاستضعف ذلك الرَّأيَ؛ إذ صدَّره بفعلِ القول مبنيًّا للمجهول (يقال)، ففي مجمل اللُّغة: ((واليمامُ، طائرٌ يقال: هو الحمامُ الوحشيُّ.))[4] وفي مقاييس اللُّغة: ((وَاليَمامُ طَائِرٌ، يُقَالُ: إِنَّهُ الطَّيْرُ الَّذِي يُسْتَفْرَخُ فِي الْبُيوتِ.))[5]
2- الانتصار لرأي من الآراء مع عَرْضِ الآراء الأخرى عرضًا مُجْمَلًا، كما فعل ابنُ قتيبةَ والجوهريُّ، فقد انتصر ابنُ قتيبة لرأي الأصمعيِّ، وقال بأنَّ ((الحمامَ عندَ العربِ ذواتُ الأطواقِ))[6]، ثمَّ عرَضَ رأيي الأصمعيِّ والكسائيِّ عرضًا مجملًا، فقال: ((والحمامُ هو البريُّ الَّذي لا يألفُ البيوتَ، فأمَّا الَّتي تألفُ البيوتَ فهيَ اليمامُ، هذا قولُ الكِسائيِّ، قال الأصمعيُّ: اليمامُ ضربٌ مِنَ الحمامِ بريٌّ، فأمَّا الحمامُ فكلُّ ما كان ذا طَوْقٍ، مثلُ القُمْرِيِّ[7] الفاخِتَةِ[8] وأشباهِهِما.))[9]
وكذلك فعل الجوهريُّ في مادّتي (حمم) و(يمم)، فقد أخذ برأي الأصمعيِّ في المسألة، ثمَّ عرض للآراء الَّتي قيلت في تحديد صفة الحمام واليمام، قال: ((والحمامُ عندَ العربِ: ذواتُ الأطواقِ... وقال الأمويُّ: الدَّواجنُ: الَّتي تُسْتَفْرَخُ في البيوتِ حَمامٌ أيضًا...وأمَّا اليمامُ فهو الحمامُ الوحشيُّ، وهو ضربٌ من طَيَرانِ الصَّحراءِ. وهذا قولُ الأصمعيِّ. وكان الكسائيُّ يقولُ: الحمامُ هو البَرِّيُّ، واليمامُ هو الَّذي يألفُ البيوتَ.))[10]
3- عَرْضُ الخلافِ عَرْضًا مُفَصَّلًا كما فعل الأزهريُّ، ولكن من دون ترجيح وجهٍ على وجهٍ. يقول الأزهريُّ: ((الحمَامةُ: طائرٌ. تَقولُ الْعَرَب: حمامةٌ ذكرٌ، وحمامةٌ أُنثى، والجميعُ الحَمامُ. وَأنْشدَ:
أَوالِفاً مَكَّة من وُرْقِ الحِمَى
أَرَادَ الحمام.
أَبُو عبيد، عَن الكسَائي: الحَمامُ هُوَ البَرِّيُّ الَّذي لَا يألفُ البيوتَ، قَالَ: وَهَذِه الَّتِي تكون فِي البيُوت هِيَ اليَمامُ. وقالَ: قالَ الأصمعيُّ: اليَمامُ: ضرْبٌ مِنَ الحَمام بَرِّيٌّ، قَالَ: وأمَّا الحَمام، فكلُّ ما كانَ ذا طَوْقٍ، مثلَ القُمْرِيِّ والفاخِتَةِ وأشباهِها. وَأَخْبرنِي عبدُ الملكِ، عَن الرّبيع، عَنِ الشَّافعيِّ أَنَّه قَالَ: كلُّ ما عَبَّ وهَدَر فَهُوَ حَمامٌ...))[11] ونقل ابنُ منظورٍ[12]، ومن بعده الزّبيديُّ[13] هذا الخلافَ عن الأزهريِّ، وأضافا إليه ما ذكره الجوهريُّ في الصِّحاح، واكتفيا بذلك من غير ترجيح وجهٍ على وجهٍ.
على أنَّه يُلاحَظُ في نقلهما عن الجوهريِّ أنَّهما نسبا إليه بأنَّ الدَّواجن من الحمام، وهذا خطأ لا شك فيه، ففي اللِّسان، وكذا التَّاج: ((وَعند العامَّة أنَّها الدَّواجِنُ فَقَط. ثمَّ قَالَ-أي الجوهريُّ-: وأَما الدَّواجِن الَّتِي تُسْتَفْرخ فِي البُيوتِ، فَهِيَ حَمامٌ أَيْضا.))[14]فهما نسبا القول الأخير إلى الجوهريِّ، وهو ليس من قول الجوهريِّ، وإنَّما هو قول الأُمَويِّ نَقَلَه الجوهريُّ.
4- التَّناولُ اللُّغويُّ للفظ الحمام بُغْيَةَ تحديد مناط الحكم الشرعيِّ وتنزيلِه على الواقع، وهو ما كان من الإمام الشّافعيِّ الخرِّيت بلغة العرب وطرقها في التَّعبير[15]، ولهذا صدَّرَ الشّافعيُّ تعريفَه الحمامَ بتقسيم الطَّائر إلى حمامٍ وغير حمامٍ، قال: ((الطَّائِرُ صِنْفانِ: حَمامٌ وَغَيْرُ حَمامٍ، فَما كانَ مِنْهُ حَمامًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فَفِدْيَةُ الحَمَامَةِ مِنْهُ شَاةٌ.))[16] وما ليس بحمامٍ من الطَّير فله حكم آخرُ.
5- مذهبُ الجمعِ والتَّوفيق بين الأقوال السَّابقة، وهذا ما نلقاه عند الدَّمِيريِّ، يقول: ((الحمامُ يقع على الَّذي يألفُ البيوتَ، ويُسْتَفْرَخُ فيها، وعلى اليمامِ، والقُمْرِيِّ، وساقِ حُرٍّ- وهو ذكر القُمْرِيِّ- والفَواخِتِ،[17]والدُّبْسِيُّ[18] والقَطا والوَارَشينُ[19] واليعاقِبُ والشِّفنين[20] والزَّاغُ[21]والوَرْدانيُّ[22] والطُّورانيُّ[23].))[24] وذكر للحمام الأهليِّ، قسمين: ((أحدهما: البريُّ[25] وهو الَّذي يلازم البروج وما أشبه ذلك، وهو كثير النُّفُور، وسُمِّيَ بريًّا لذلك، والثّاني الأهليُّ وهو أنواع مختلفةٌ، وأشكال متباينةٌ، منها الرَّواعِبُ[26]، والمَراعيشُ والعَدَّادُ، والقلَّاُب والمنسوبُ. وهو بالنِّسبة إلى ما تقدَّم كالعتاقِ من الخيل، وتلك البَرَاذِينُ، قال الجاحظ: الفَقيعُ من الحمام، كالصِّقْلابِ منَ النَّاس، وهو الأبيض.))[27]
ثالثًا: أقوالُ أهلِ العلم في الحمام واليمام (عرضٌ ومناقشةٌ وتقويمٌ):
1-القول الأول: الحمامُ هو الطَّائرُ ذو الطَّوْقِ: ((والمراد بالطّوقِ: الحمرةُ أوِ الخضرةُ أوِ السَّوادُ المحيطُ بعنق الحمامة في طَوْقِها.))[28] قال بذلك الأصمعيُّ، فعنه أنَّه قال: ((اليَمامُ: ضرْبٌ مِنَ الحمام بَرِّيٌّ، قالَ: فأمَّا الحَمام، فكلُّ ما كانَ ذا طَوْقٍ، مثلَ القُمْرِيِّ والفاخِتَةِ وأشباهِها.))[29]وإلى ذلك ذهب ابنُ قتيبةَ[30]، ولكنَّه ذكر شيئًا مهمًّا أغفلته عُظْمُ الكتب والمعاجم، وهو أنَّ الكِسائيَّ-رحمه الله- وافق على قول الأصمعيِّ بأنّ الحمام هو الطّائر ذو الطّوق[31]، ونصَّ على ذلك الأزهريُّ، إذ قال: ((قال الكسائيُّ: كلُّ مطَوَّقٍ حمامٌ.))[32]
وقال الجوهريُّ: (والحمامُ عند العرب: ذوات الأطواقِ، من نحو الفَواخِتِ، والقَمارِيِّ، وساقِ حُرٍّ، والقطا، والوَارَشين، وأشباهِ ذلك.))[33]وبذلك أخذ الفارابيُّ[34]والحِمْيَريُّ[35] والفيُّوميُّ[36]، والكَفَويُّ[37]، وصرَّح الدَّمِيريُّ بصحَّة قول الأصمعيِّ في مواجهة الكسائيِّ بقوله(والصَّواب ما قاله الأصمعيُّ.))[38]
فإذا رجعنا إلى قول الأصمعيِّ للنّظر فيه، فقد يُفْهَمُ منه عند أوَّل النَّظر أنَّ الحمام هو الطَّائر الأليفُ ذو الطَّوْقِ؛ لأنَّ البرِّيَّ عنده ضرب منَ اليمام، لكنَّ النَّظر المتأنِّيَ في ذوات الأطواق الَّتي ذكرها الأصمعيُّ، والجوهريُّ[39]-وهي أنواع برِّيَّة وحشيَّةٌ- تبيِّن أنَّ المراد من الحمام هو الطَّائر ذو الطَّوق سواء أكان بريًّا أم أهليًا، أمَّا ما ليس بذي طوقٍ، فهو اليمام البرِّيُّ والأهليُّ، وتشير عبارة الأصمعيِّ(اليمامُ ضربٌ مِنَ الحَمامِ بَرِّيٌّ))[40]وما جاء على شاكلتها عند الجوهريِّ[41]، إلى أنَّ بين الحمامِ واليمامِ عمومًا وخصوصًا، فاليمامُ يُسَمَّى حمامًا، وأمَّا الحمامُ الأليف والوحشيُّ ذو الطّوْق فلا يُسَمَّى يمامًا، وهذا يعني أنَّ لفظ الحمام أعمُّ من اليمام.
وهذا الذي يُفْهَمُ من عبارة الأصمعيِّ نصَّ عليه الجاحظُ نصًّا لا لَبْسَ فيه بقوله: ((فإنْ زعمتم أنّ الحمامَ والقُمْرِيَّ واليمامَ والفواختَ والدَّباسِيَّ والشّفَانِينَ والوَارَشِينَ حمامٌ كلُّه، قلنا: إنّا نزعم أنّ ذُكُورَةَ التَّدَارِجِ وذُكُورَةَ القبَجِ، وذكورةَ الحَجَلِ ديوكٌ كلُّها. فإنْ كان ذلك كذلك، فالفخرُ بالطّوق نحن أولى به. قال صاحبُ الحمامِ: العربُ تسمِّي هذه الأجناسَ كلَّها حمامًا، فجمعوها بالاسم العامِّ، وفرَّقُوها بالاسم الخاصِّ، ورأينا صُورَها متشابهةً، وإن كان في الأجسام بعضُ الاختلافِ، وفي الجثثِ بعضُ الائتلافِ، وكذلك المناقيرُ، ووجدناها تتشابهُ من طريق الزِّواج، ومن طريق الدّعاء والغناء والنّوح، وكذلك هي في القُدُود، وصُوَرِ الأعناق، وقُصُبِ الرِّيشِ، وصِيغَةِ الرُّؤوس والأَرْجُلِ والسُّوق والبَرَاثِنِ.))[42]ويقوِّي صحّةَ هذا القولِ كثرةُ ورود لفظ الحمام في الشّعر العربيّ، وقلَّةُ مجيء لفظ اليمام، فمن شواهد الحمام القديمةِ قولُ زرقاءِ اليمامةِ:
لَيْتَ الحَمامَ لِيَهْ

ونِصْفَهُ قَدِيَهْ

إِلى حَمامَتِيَهْ

تَمَّ الحَمامُ مِيَهْ[43]
وقولُ الشّنفرى:
فَخَفَّضتُ جَأشي ثُمَّ قُلتُ حَمامَةٌ *** دَعَت ساقَ حُرٍّ في حَمامٍ تَنَفَّرا[44]
وقولُ عنترةَ:
يا حَمامَ الغُصونِ لَو كُنتَ مِثلي *** عاشِقاً لَم يَرُقكَ غُصنٌ رَطيبُ[45]
ومن شواهد اليمامة القليلة قولُ الشَّاعر:
صُبَّةٌ كاليَمامِ تَهْوي سِراعًا *** وَعَدِيٌّ كمِثْلِ سَيْرِ الطَّرِيق[46]
وقولُ عمرو بنِ الحسن الكوفيِّ:
حتَّى وَرَدْنَ حِياضَ مَكَّةَ قُطَّنا *** يَحْكِينَ وَارِدَةَ اليمامِ القارِبِ[47]
وقول القائل:
ولا اليمامُ ولم يصْدَحْ لَهُ الرَّنَنُ[48]
ولعلَّ السِّرَّ في شيوع لفظ الحمام وشموله لفظ اليمام في الشِّعر العربيّ كائنٌ في أنَّ العربيَّ كان ينظر إلى الحمام نظرةَ قُرْبٍ ومودَّةٍ ومحبّةٍ؛ فالحمام يطربه، ويثير مواجده وذكرياته، يقول حُمَيْدُ بنُ ثَوْرٍ:
وما هاجَ هذا الشَّوْقَ إلَّا حمامةٌ

دَعَتْ ساقَ حُرٍّ في حَمامٍ تَرَنَّما

مطوَّقةٌ خَطْباءُ تَصْدَحُ كلَّما

دنا الصَّيفُ، وانْجابَ الرَّبيعُ فَأَنْجَما

عَجِبْتُ لها أنَّى يكونُ غناؤُها

فَصيحًا، ولم تَفْغَرْ بَمَنْطِقِها فَمَا [49]
وقال نُصَيْبُ بنُ رباحٍ:
لعلّكَ باكٍ أنْ تَغَنَّتْ حمامةٌ *** يَمِيدُ بها غُصْنٌ مِنَ الرِّيحِ مائِلُ[50]
فاختار له العربيُّ اسمًا اشتقَّه من الحميم، وهو: الأخصُّ الأحبُّ ((الذي يودُّك وتودُّه.))[51] فكان لفظ الحمام دون اليمام؛ لِما فيه من دِلالة على القرب القريبِ من قلب الحبيب.
2- القول الثَّاني: الحمام هو الطّير البرِّيُّ: قال بذلك الكسائيُّ، جاء في تهذيب اللُّغة قال(أَبُو عبيدٍ، عَن الكسَائي: الحَمامُ هُوَ البَرِّيُّ الَّذي لا يألفُ البيوتَ. قالَ: َهَذِه الَّتي تكون في البيُوت هِيَ اليَمامُ.))[52]على أنّ الكسائيّ–كما بانَ من قبلُ– وافقَ على قول الأصمعيّ بأنّ الحمام هو الطّائر المطوَّقُ، وذلك معناه أنَّ الحمام يتَّصف عنده بوصفين: أوَّلهما: أنَّه ذو طوق، والآخر أنَّه برِّيٌّ، أي أنَّ الحمام الأهليَّ المطوَّق ليس بداخل عنده في الحمام، وإنَّما هو من اليمام.
وذهب أبو حاتم السّجستانيُّ إلى أنَّ الحمام طير برِّيٌّ، ففي رأيه: ((لا تعرف العربُ حمامَ الأمصار، إنَّما يسمُّونه: الحَصَرُ. وإنَّما الحمام عند العربِ: القطا، والقَمَارِيُّ والدَّباسِيُّ، والوَرَاشِينُ، والفَواخِتُ، وساقُ حُرٍّ، ونحوهنَّ ضروبٌ كثيرةٌ وحشيَّةٌ.))[53]وذكر أبو حاتمٍ فرقًا بين الحمام واليمام، وهو: ((أنَّ أسفل ذَنَبِ الحمام ممَّا يلي ظهرَها بياضٌ، وأسفلَ ذَنَبِ اليمام لا بياضَ فيه.))[54] وهو فرقٌ تفرَّد به، ونقله عنه ابنُ سيده.[55]
وهذا الّذي ذهب إليه أبو حاتمٍ في موضوع الحمام الأهليِّ مختلفٌ عمَّا ذهب إليه الكسائيُّ والأصمعيُّ؛ إذ الأهليُّ عنده لا يُسَمَّى حمامًا ولا يمامًا، وإنَّما اسمُه الحَصَرُ، ويلتقي عنده الحمامُ باليمام في كلِّ شيءٍ إلَّا أنَّ أسفلَ ذَنَبِ الحمام فيه بياضٌ، وأسفلَ ذنب اليمامِ لا بياضَ فيه، وذلك يعني أنَّ اليمام عند أبي حاتم طيرٌ وحشيٌّ ذو طَوْقٍ، والدَّليل على ذلك أنَّ كلَّ الأضرب الَّتي ذكرها أبو حاتم من ذوات الطَّوق الوحشيَّةِ، وقد نصَّ الجاحظ على وحشيَّةِ هذه الأضرب، قال: ((ويُقال في الحمام الوحشيِّ من القَمَاريِّ والفَواخِتِ والدَّباسِيِّ وما أشبَهَ ذلك: قد هَدَلَ يهدِل هديلًا. فإذا طرَّب، قيل غرّد يغرِّدُ تغريدًا.))[56]
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 28-11-2022 الساعة 04:30 AM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.32 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.67 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (2.33%)]