عرض مشاركة واحدة
  #19  
قديم 21-02-2021, 01:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (19)

الأحكام الفقهية من قصة ابني آدم -عليه السلام


د.وليد خالد الربيع





فِي زَمَنِ الْفِتْنَةِ،لاَيَلْزَمُ الإنسان الدِّفَاع عَنْ نَفْسِهِ،لِقَوْلِهِ: «فَإِنْ خَشِيتَ أَنْ يَبْهَرَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ،فَأَلْقِ ثَوْبَكَ عَلَى وَجْهِكَ»


ذكرت سورة المائدة قصة ابني آدم -عليه السلام-، وذكر الله -تعالى- الحوار الذي جرى بينهما؛ حيث قال أحدهما لأخيه: {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} (سورة المائدة:28)
قال ابن كثير: «يقول له أخوه (الرجل الصالح)، الذي تقبل الله قربانه لتقواه حين تواعده أخوه بالقتل على غير ما ذنب منه إليه: {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} أي: لا أقابلك على صنيعك الفاسد بمثله، فأكون أنا وأنت سواء في الخطيئة، {إني أخاف الله} أي: من أن أصنع كما تريد أن تصنع، بل أصبر وأحتسب».
حكم من أريد على نفسه
ومن هنا اختلف الفقهاء في حكم من أريد على نفسه: هل له أن يستسلم للقتل؟ أم يدفع عن نفسه؟ والذي يظهر أن سبب اختلافهم أمران:
- الأول: دلالة ظاهر الآية على جواز الاستسلام للقتل.
- والثاني: التعارض الظاهري بين الأحاديث التي تجيز الدفاع عن النفس والأحاديث التي تأمر بالصبر.
السبب الأول
أما السبب الأول فقد قال الطبري: «وقد اخْتُلف في السبب الذي من أجله قال المقتول ذلك لأخيه، ولم يمانعه ما فَعَل به»، فنُقل عن بعض أهل العلم أن الله -تعالى- فرضَ عليهم ألا يمتنع من أريد قتله ممن أراد ذلك منه. قال مجاهد: كان كُتب عليهم، إذا أراد الرجل أن يقتل رجلا تركه ولا يمتنع منه.
وقال بعضهم: قال ذلك، إعلامًا منه لأخيه القاتل أنه لا يستحل قتلَه ولا بسطَ يده إليه بما لم يأذن الله -جل وعز- له به.
ونقل عن عبد الله بن عمرو أنه قال: «وايم الله، إن كان المقتول لأشدَّ الرجلين، ولكن منعه التحرُّج أن يبسُط إلى أخيه»، وعن ابن عباس في تفسير الآية: «ما أنا بمنتصر، ولأمسكنَّ يدي عنك».
قال الطبري مرجحا: «وأولى القولين في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله -عز ذكره- قد كان حرَّم عليهم قتل نفسٍ بغير نفس ظلمًا، وأن المقتول قال لأخيه: «ما أنا بباسط يدي إليك إن بسطت إليّ يدك»؛ لأنه كان حرامًا عليه من قتل أخيه مثلُ الذي كان حرامًا على أخيه القاتل من قتله.
فأما الامتناع من قتله حين أراد قتله، فلا دلالة على أن القاتلَ حين أراد قتله وعزم عليه، كان المقتول عالمًا بما هو عليه أنه عازمٌ ومحاولٌ قتلَه، فترك دفعَه عن نفسه. بل قد ذكر جماعة من أهل العلم أنه قتله غِيلةً، اغتاله وهو نائم، فشدَخ رأسه بصخرةٍ. فإذْ كان ذلك ممكنًا، ولم يكن في الآيةِ دلالة على أنه كان مأمورًا بترك منع أخيه من قتله، لا يكون جائزًا ادعاءُ ما ليس في الآية، إلا ببرهان يجب تسليمُه».
السبب الثاني
أما السبب الثاني: فقد وردت أحاديث ظاهرها إباحة ترك الدفاع عن النفس والاستسلام للقتل مثل حديث ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ إذَا جَاءَ مَنْ يُرِيدُ قَتْلَهُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ ابْنَيْ آدَمَ؛ الْقَاتِلُ فِي النَّارِ، وَالْمَقْتُولُ فِي الْجَنَّةِ»رَوَ اهُ أَحْمَدُ.
عن بسر بن سعيد أن سعد بن أبي وقاص قال عند فتنة عثمان: أشهد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنها ستكون فتنة، القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي». قال: أفرأيت إن دخل علي بيتي فبسط يده إلي ليقتلني قال: «كن كابن آدم».أخرجه أحمد وأبو داود.
وعن أبي ذر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يا أبا ذر أرأيت إن قتل الناس بعضهم بعضا، يعني حتى تغرق حجارة الزيت من الدماء، كيف تصنع؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: «اقعد في بيتك وأغلق عليك بابك «قال: فإن لم أترك؟ قال: «فأت من أنت منهم، فكن فيهم قال: فآخذ سلاحي؟ قال: «إذا تشاركهم فيما هم فيه، ولكن إن خشيت أن يروعك شعاع السيف، فألق طرف ردائك على وجهك حتى يبوء بإثمه وإثمك».أخرجه أحمد.
جواز الدفاع عن النفس
ووردت أحاديث تجيز الدفاع عن النفس مثل حديث سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ ُ وَصَحَّحَهُ.

وعن قهيد بن مطرف الغفاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سأله سائل إن عدا علي عاد فأمره أن ينهاه ثلاث مرار، قال فإن أبى فأمره بقتاله قال فكيف بنا؟ قال: «إن قتلك فأنت في الجنة، وإن قتلته فهو في النار» أخرجه أحمد.
ولأجل هذا التعارض الظاهري اختلف الفقهاء على مذاهب أشهرها ثلاثة:
المذهب الأول: وُجُوبِ دَفْعِ الصَّائِلِ عَلَى النَّفْسِ مطلقا.
وإليه ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ ، وَاسْتَدَلَّوا بما يأتي:
1- بِقَوْلِهِ -تَعَالَى-: {وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}؛ فَالاِسْتِسْلاَ مُ لِلصَّائِلِ إِلْقَاءٌ بِالنَّفْسِ لِلتَّهْلُكَةِ، لِذَا كَانَ الدِّفَاعُ عَنْهَا وَاجِبًا.
2- ولِقَوْله -صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيد».
3- وَلأِنَّهُ كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمَصُولِ عَلَيْهِ قَتْلُ نَفْسِهِ، يَحْرُمُ عَلَيْهِ إِبَاحَةُ قَتْلِهَا.
4- وَلأِنَّهُ قَدَرَ عَلَى إِحْيَاءِ نَفْسِهِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُ ذَلِكَ، كَالْمُضْطَرِّ لأِكْلِ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا.
المذهب الثاني: التفريق بين الصائل المسلم وغير المسلم.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ الصَّائِلُ كَافِرًا، وَالْمَصُولُ عَلَيْهِ مُسْلِمًا وَجَبَ الدِّفَاعُ سَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْكَافِرُ مَعْصُومًا أَوْ غَيْرَ مَعْصُومٍ؛ إِذْ غَيْرُ الْمَعْصُومِ لاَ حُرْمَةَ لَهُ، وَالْمَعْصُومُ بَطَلَتْ حُرْمَتُهُ بِصِيَالِهِ، وَلأِنَّ الاِسْتِسْلاَمَ لِلْكَافِرِ ذُلٌّ فِي الدِّينِ.
أَمَّا إِنْ كَانَ الصَّائِلُ مُسْلِمًا غَيْرَ مَهْدُورِ الدَّمِ فَلاَ يَجِبُ دَفْعُهُ فِي الأْظْهَرِ، بَلْ يَجُوزُ الاِسْتِسْلاَمُ لَهُ، لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كُنْ كَابْنِ آدَمَ».
وَلأِنَّ عُثْمَان تَرَكَ الْقِتَالَ مَعَ إِمْكَانِهِ، وَمَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ نَفْسَهُ، وَمَنَعَ حُرَّاسَهُ مِنَ الدِّفَاعِ عَنْهُ - وَكَانُوا أَرْبَعَمِائَةٍ يَوْمَ الدَّارِ - وَقَالَ: مَنْ أَلْقَى سِلاَحَهُ فَهُوَ حُرٌّ، وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَة فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ.
المذهب الثالث: وُجُوبِ دَفْعِ الصَّائِلِ عَنِ النَّفْسِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْفِتْنَةِ، وإليه ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ، لقوله -تعالى-:{وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، وَلأِنَّهُ كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُ نَفْسِهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إِبَاحَةُ قَتْلِهَا.
أَمَّا فِي زَمَنِ الْفِتْنَةِ، فَلاَ يَلْزَمُهُ الدِّفَاعُ عَنْ نَفْسِهِ، لِقَوْلِهِ: «فَإِنْ خَشِيتَ أَنْ يَبْهَرَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ، فَأَلْقِ ثَوْبَكَ عَلَى وَجْهِكَ».
وَلأِنَّ عُثْمَانَ تَرَكَ الْقِتَالَ عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَمَنَعَ غَيْرَهُ قِتَالَهُمْ، وَلَوْ لَمْ يَجُزْ لأَنْكَرَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ ذَلِكَ.
وأختم بما نقله ابن حجرعَنِ الشَّافِعِيِّ أنه قَالَ: «مَنْ أُرِيدَ مَالُهُ أَوْ نَفْسُهُ أَوْ حَرِيمُهُ فَلَهُ الِاخْتِيَارُ أَنْ يُكَلِّمَهُ أَوْ يَسْتَغِيثَ فَإِنْ مُنِعَ أَوِ امْتَنَعَ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِتَالُهُ، وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ عَنْ ذَلِكَ وَلَوْ أَتَى عَلَى نَفْسِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ عَقْلٌ وَلَا دِيَةٌ وَلَا كَفَّارَةٌ، لَكِن لَيْسَ لَهُ عمد قَتله».
وقال البغوي: «ذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أُرِيدَ مَالُهُ، أَوْ دَمُهُ، أَوْ أَهْلُهُ فَلَهُ دَفْعُ الْقَاصِدِ وَمُقَاتَلَتُهُ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَدْفَعَ بِالأَحْسَنِ فَالأَحْسَنِ، فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ إِلا بِالْمُقَاتَلَة ِ، فَقَاتَلَهُ، فَأَتَى الْقَتْلُ عَلَى نَفْسِهِ، فَدَمُهُ هَدَرٌ، وَلا شَيْءَ عَلَى الدَّافِعِ».
شرع القصاص حفظا للدماء
فالذي يظهر أن الإنسان يدافع عن نفسه في كل حال، لأن نفسه أمانة عنده؛ عليه أن يحافظ عليها من الضرر والهلاك، ولا يعرضها للفتن والضلال، والإسلام لا يرضى لأتباعه الذل وإسلام النفس بغير مدافعة، فإن الله -تعالى- شرع القصاص وحد الحرابة وقتال البغاة؛ حفظا لدماء الناس، فكيف يأذن بأن يستسلم المسلم لقاتله بغير حق؟! والأحاديث المذكورة في هذا إما غير ثابتة أو محمولة على أحوال مخصوصة تقدر بقدرها كما ذكر ذلك الفقهاء، والله أعلم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.82 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.19 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.64%)]