عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-04-2021, 04:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,566
الدولة : Egypt
افتراضي الغربة بين الدراسة والأهل

الغربة بين الدراسة والأهل


الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي





السؤال

أنا طالبٌ أبلغ من العمر 38 سنة، متزوِّج ولدي أولاد، وأحضِّر الدكتوراه في الصين، وأهلي وأولادي في اليمن، وأشعر بحاجة ماسة لأهلي هنا، ولكن ظروف المعيشة تجعلني متردِّدًا كثيرًا في اتخاذ القرار.



أرجو أن تشيروا عليَّ بما ترونه مناسبًا.




الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعد:

فَيَا أخي الكريم، أتفهم جيدًا أن الحياة التي تحياها في الغربة بعيدًا عن الأهل والولد والخلان؛ كما قال الشاعر:





أَبِيتُ فِي غُرْبَةٍ لَا النَّفْسُ رَاضِيَةٌ

بِهَا وَلَا المُلْتَقَى مِنْ شِيعَتِي كَثَبُ




فَلَا صَدِيقٌ تُسِرُّ النَّفْسَ طَلْعَتُهُ

وَلَا رَفِيقٌ يَرَى مَا بِي فَيَكْتَئِبُ








فالحالةُ التي تعيشُها أنتَ وأسرتك ليستْ بالسهلة، ولا بالأمر الهيِّن على النفس، فالحبُّ والشوق يَدْفَعانِك للحنين، والشعور بافتقارِك إلى أن يكونوا بجوارك لتأنس بهم، ويزول عنك عناء العنت، وتحيا مع حبِّهم وحنانهم الذي ينزل بك الطمأنينة، والسكينة، وراحة البال، ولا نبعد إذا قلنا: إن أسرتك ربما شعرتْ بما تُعانيه أنت وأكثر، وتقاسي أشدَّ مِن مقاساتك، فهذا أمرٌ فطري جِبِلِّي، يجعل انجذاب المرأة إلى زوجها أشد وأعظم، وافتقارها لصحبته والأنس به أقوى.

ولكن مما تغتفر به وحشة الغربة، وجفاء البعد، وهلع النفس، ويسكن الشوق إلى الأهل، ما ستحصله - إن شاء الله - من فوائد علميَّة، وتحصيل أعلى الدرجات البحثية؛ فتعز بالصبر، وسيهون عليك طول الغربة، وشَظَف العيش، ومما قيل في هذا الشأن:

"من لم تكن استفادة الأدب أحب إليه مِن الأهل والمال، لم ينجب"؛ كما في "المزهر في علوم اللغة وأنواعها" (2/ 264).

ولا يخفى عليك أنَّ الأئمة والعلماء مِن لَدُن الصحابة إلى يوم الناس هذا، قد رحلوا في طلَب العلوم والفوائد، وصبروا على شَظَف العيش، وعواقب الصبر محمودة، ولتوقنْ أن الغايات لا تبلغ بالأماني؛ فخذْ على نفسك ميثاق الصبر، فإن جزعتَ، فتذكَّر قول المعصوم - صلى الله عليه وسلم -: ((ومَن يتصبَّر يُصبِّره الله، وما أُعطِي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر))، وقال الشاعر:






قَدْ يُدْرِكُ المُتَأَنِّي بَعْضَ حَاجَتِهِ

وَقَدْ يَكُونُ مَعَ المُسْتَعْجِلِ الزَّللُ








هذا؛ ولعله قد استبان لك جوابُ حَيْرَتِك؛ فالرأيُ الأمثل هو أن تستعينَ بالله، ولا تعجز، فإن كانت الأوضاعُ في تلك البلاد البعيدة تُنَاسِبُ أن تُحضِر زوجتَك وأبناءك، وكنتَ مُستطيعًا للنفقة عليهم، فلا بديلَ عن استقدام أسرتك، فتتشاركون الحياة جميعًا ، وتزيلان عن قلوبكما قسوة وعناء السفَر.

أما إن كان الوضعُ لا يسمح بهذا، فليس مِن الصبر بدٌّ، وما هي إلا أيام معدودة، وسيجتمع الشملُ.

وسلّ نفسَك بأبيات الإمام الشافعي:






مَا فِي المَقَامِ لِذِي عَقْلٍ وَذِي أَدَبٍ

مِنْ رَاحَةٍ فَدَعِ الْأَوْطَانَ وَاغْتَرِبِ




سَافِرْ تَجِدْ عِوَضًا عَمَّنْ تُصَاحِبُهُ

وَانْصَبْ فَإِنَّ لَذِيذَ الْعَيْشِ فِي النَّصَبِ




إِنِّي رَأَيْتُ وُقُوفَ المَاءِ يُفْسِدُهُ

إِنْ سَالَ طَابَ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ




وَالْأُسْدُ لَوْلَا فِرَاقُ الْغَابِ مَا افْتَرَسَتْ

وَالسَّهْمُ لَوْلَا فِرَاقُ الْقَوْسِ لَمْ يُصِبِ




وَالشَّمْسُ لَوْ وَقَفَتْ فِي الْفُلْكِ دَائِمَةً

لَمَلَّهَا النَّاسُ مِنْ عَجَمٍ وَمِنْ عَرَبِ




وَالْبَدْرُ لَوْلَا أُفُولٌ مِنْهُ مَا نَظَرَتْ

إِلَيْهِ فِي كُلِّ حِينٍ عَيْنُ مُرْتَقِبِ




وَالتِّبْرُ كَالتُّرْبِ مُلْقًى فِي أَمَاكِنِهِ

وَالْعُودُ فِي أَرْضِهِ نَوْعٌ مِنَ الْحَطَبِ




فَإِنْ تَغَرَّبَ هَذَا عَزَّ مَطْلَبُهُ

وَإِنْ أَقَامَ فَلَا يَعْلُو عَلَى رُتَبِ



يتبع





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.22 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.59 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.80%)]