عرض مشاركة واحدة
  #30  
قديم 09-02-2022, 12:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثانى
صـ 156 الى صـ 160
الحلقة (30)

(تنبيه) قال الراغب : قال بعض الناس : في هذه الآية دلالة على نسخ الشيء قبل [ ص: 156 ] فعله . فإن في الأول أمروا بذبح بقرة غير معينة ، وكان لهم أن يذبحوا أي بقرة شاؤوا . وفي الثاني والثالث أمروا بذبح بقرة مخصوصة . فكأنهم نهوا عما كانوا أمروا به من قبل . وليس كذلك ، فإن الأول أمر مطلق ، والثاني والثالث كالبيان له ، لما راجعوا ، ولم يسقط عنهم ذبح البقرة . بل زيد في أوصافها ، وكشف عن المراد بالأمر الأول . وفي الآية دلالة على جواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة .
القول في تأويل قوله تعالى :

[72 ] وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون

وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها أي : اختلفتم واختصمتم في شأنها ; إذ كل واحد من الخصماء يدافع الآخر : والله مخرج ما كنتم تكتمون مظهر ، لا محالة ما كتمتم من أمر القتيل ، لا يتركه مكتوما .
القول في تأويل قوله تعالى :

[73 ] فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون

"فقلنا اضربوه" أي : المقتول "ببعضها" أي : البقرة . يعني فضربوه فحيى وأخبر بقاتله . كما دل عليه قوله "كذلك" أي : مثل هذا الإحياء العظيم على هذه الهيئة الغريبة "يحيي الله الموتى" يوم القيامة "ويريكم آياته" أي : دلائله الدالة على أنه تعالى على كل شيء قدير .

ويجوز أن يراد بالآيات هذا الإحياء . والتعبير عنه بالجمع لاشتماله على أمور بديعة من ترتب الحياة على عضو ميت ، وإخباره بقاتله ، وما يلابسه من الأمور الخارقة للعادة "لعلكم تعقلون" لتكونوا برؤية تلك الآيات على رجاء من أن يحصل لكم عقل ، فيرشدكم إلى اعتقاد البعث وغيره ، مما تخبر به الرسل عن الله تعالى .

[ ص: 157 ] قال الراغب : وقوله كذلك يحيي الله الموتى قيل هو حكاية عن قول موسى عليه السلام لقومه ، وقيل بل هو خطاب من الله تعالى لهذه الأمة ، تنبيها على الاعتبار بإحيائه الموتى .

تنبيهات :

(الأول) : قال الزمخشري : (فإن قلت) : فما للقصة لم تقص على ترتيبها ، وكان حقها أن يقدم ذكر القتيل والضرب ببعض البقرة على الأمر بذبحها ؟ فيقال : وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها ، فقلنا اذبحوا بقرة واضربوه ببعضها ؟

(أجيب) : بأن كل ما قص من قصص بني إسرائيل ، إنما قص تعديدا لما وجد منهم من الجنايات ، وتقريعا لهم عليها ، ولما جدد فيهم من الآيات العظام . وهاتان قصتان كل واحدة منهما مستقلة بنوع من التقريع وإن كانتا متصلتين متحدتين . فالأولى لتقريعهم على الاستهزاء ، وترك المسارعة إلى الامتثال وما يتبع ذلك . والثانية للتقريع على قتل النفس المحرمة ، وما يتبعه من الآية العظيمة . وإنما قدمت قصة الأمر بذبح البقرة على ذكر القتيل، لأنه لو عمل على عكسه لكانت قصة واحدة ، ولذهب الغرض في تثنية التقريع . ولقد روعيت نكتة ، بعد ما استؤنفت الثانية ، استئناف قصة برأسها أن وصلت بالأولى دلالة على اتحادهما بضمير البقرة لا باسمها الصريح في قوله : اضربوه ببعضها ، حتى تبين أنهما قصتان فيما يرجع إلى التقريع ، وتثنيته بإخراج الثانية مخرج الاستئناف مع تأخيرها . وأنها قصة واحدة بالضمير الراجع إلى البقرة. اهـ.

وقال الحرالي : قدم نبأ قول موسى عليه السلام على ذكر ندائهم في القتيل ، ابتداء بأشرف القصدين من معنى التشريع الذي هو القائم على أفعال الاعتداء وأقوال الخصومة . والله أعلم .

(التنبيه الثاني) قال الراغب : قد استبعد بعض الناس ذلك وما حكاه الله منه ، وأنكر [ ص: 158 ] حصول ذلك الفعل على الحقيقة وقال : ذلك ممتنع من حيث الطبيعة ، وأيضا فإن ذلك لا يعرف فيه حكمة إلهية . فأما استبعاده ذلك من حيث الطبيعة فإنما هو استبعاد للإحياء والنشور ، ولذلك موضع لا يختص بالتفسير . ومن كان ذلك طريقته فلا خوض معه في تفسير القرآن . وأما الحكمة فيه فظاهرة إذ هو من المعجزات المحسوسة الباهرة للعقول . وأما تخصيص البقرة ، فإن كثيرا من حكمة الله تعالى لا يمكن للبشر الوقوف عليه . ولو لم يكن في تخصيص بقرة على وصف مخصوص إلا توافر المأمورين بذلك على طلبها ، واستيجاب الثواب في بذل ثمنها ، وجلب نفع توفر إلى صاحبها -لكان في ذلك حكمة عظيمة .

وفي الآية تنبيه على أن الجماعة التي حكمهم واحد يجوز أن ينسب الفعل إليهم ، وإن كان واقعا من بعضهم ، ولا يكون ذلك كذبا ، كأن الجملة المركبة من شخص واحد يصح أن ينسب إليها ما وقع من عضو منها .

وقد ذكر أكثر المفسرين قصة البقرة وصاحبها بروايات مختلفة لم نورد شيئا منها لأنه لم يرو بسند صحيح إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يتعلق به كبير فائدة . كما أن البعض من البقرة لم يجئ من طريق صحيح عن معصوم بيانه . فنحن نبهمه كما أبهمه الله تعالى ، إذ ليس في تعيينه لنا فائدة دينية ولا دنيوية ، وإن كان معينا في نفس الأمر ، وأيا كان فالمعجزة حاصلة به .
القول في تأويل قوله تعالى :

[74 ] ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون

ثم قست قلوبكم من بعد ذلك المخاطبون إما أهل الكتاب الذين كانوا في زمنه صلى الله عليه وسلم ، أي اشتدت قلوبكم وقست وصلبت من بعد البينات التي جاءت أوائلكم ، والأمور التي جرت عليهم ، والعقاب الذي نزل بمن أصر على المعصية منهم ، والآيات التي [ ص: 159 ] جاءهم بها أنبياؤهم ، والمواثيق التي أخذوها على أنفسهم ، وعلى كل من دان بالتوراة ممن سواهم . فأخبر بذلك عن طغيانهم وجفائهم مع ما عندهم من العلم بآيات الله التي تلين عندها القلوب . وهذا أولى ; لأن قوله تعالى : "ثم قست قلوبكم" ، خطاب مشافهة . فحمله على الحاضرين أولى . وإما أن يكون المراد أولئك اليهود الذين كانوا في زمن موسى عليه السلام خصوصا ، أو من قبل المخاطبين من سلفهم . والله أعلم .

"فهي كالحجارة" في القساوة "أو أشد" منها "قسوة" أي : هي في القسوة مثل الحجارة أو زائدة عليها فيها . و "أو" للتخيير أو للترديد . بمعنى أن من عرف حالها شبهها بالحجارة ، أو بما هو أقسى كالحديد ، أو من عرفها شبهها بالحجارة ، أو قال هي أقسى من الحجارة ، وترك ضمير المفضل عليه للأمن من الالتباس وإن من الحجارة لما يتفجر أي يتفتح بالسعة والكثرة "منه الأنهار" بيان لأشدية قلوبهم من الحجارة في القساوة وعدم التأثر بالعظات والقوارع التي تميع منها الجبال وتلين بها الصخور ، يعني أن الحجارة ربما تتأثر حيث يكون منها ما يتفجر منه المياه العظيمة "وإن منها لما يشقق" أي يتشقق "فيخرج منه الماء" أي العيون التي هي دون الأنهار وإن منها لما يهبط من خشية الله أي يتردى من رأس الجبل من خشية الله ، انقيادا لما سخره له من الميل إلى المركز بالسلاسة ، قاله القاشاني .

وقد ذهب بعض المفسرين إلى الاستدلال بظاهر الآية على خلق التمييز في الجماد حتى يخشى ويسبح . والمحققون على أن هذه الآية وأمثالها من المجاز البليغ . وأن الإطلاق لا ينحصر في الحقيقة . لا سيما وأن المجاز أكثر في اللسان منها ، كما بسط في مطولات البيان .

وقد رد الإمام ابن حزم، في أول كتابه "الفصل" على من زعم أن للحيوان والجماد تمييزا ، ردا مسهبا . وقال : من ادعى ذلك أكذبه العيان . ثم استثنى ما كان معجزة للأنبياء عليهم السلام .

(قال) : ولعل معترضا يعترض بقوله تعالى يصف الحجارة : وإن منها لما يهبط من [ ص: 160 ] خشية الله فقد علمنا بالضرورة أن الحجارة لم تؤمر بشريعة ولا بعقل ولا بعث إليها نبي . فإذ لا شك في هذا ، فإن القول منه تعالى يخرج على أحد ثلاثة أوجه: أحدها أن يكون الضمير في قوله تعالى : وإن منها لما يهبط راجع إلى القلوب المذكورة في أول الآية في قوله تعالى : ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة فذكر تعالى أن من تلك القلوب القاسية ما يقبل الإيمان يوما ما ، فيهبط عن القسوة إلى اللين من خشية الله تعالى ، وهذا أمر يشاهد بالعيان ، فقد تلين القلوب القاسية بلطف الله تعالى ، ويخشى العاصي . وقد أخبر عز وجل : وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنـزل إليكم وما أنـزل إليهم وكما أخبر تعالى أن من الأعراب من يؤمن بالله من بعد أن أخبر أن الأعراب أشد كفرا ونفاقا (قال) فهذا وجه ظاهر متيقن الصحة .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.13 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.76%)]